أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - بكائية الخضيري على البرلمان المسكوب














المزيد.....


بكائية الخضيري على البرلمان المسكوب


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3803 - 2012 / 7 / 29 - 09:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في مقالة رأي نشرتها صحيفة المصري اليوم 28/7/2012 بعنوان "الحس الوطني لدى القاضي"، وبعد مقدمة طويلة عن أهمية وظيفة القاضي وضرورة أن تضمن له الاستقلالية والعيش الكريم، يكشف المستشار محمود الخضيري، في الفقرة قبل الأخيرة، عن طريقة في التفكير ظلت منذ فجر التاريخ الإسلامي، وربما حتى قبل آلاف السنين من بزوغه، قاطرة للاستبداد والقمع والظلم في هذه المنطقة، وكان يؤمل، بعد مرور القرون وخوض التجارب المؤلمة في الماضي والحاضر القريب، أن نكون قد تجاوزنا هذا التفكير الذي أقل ما يقال عنه أنه تقليدي وقطيعي ولا عقلاني. القاضي الخضيري، الذي يجب أن يكون ميزان عدل أعمى لا يرى كفة أحب أو أفضل من أخرى، يتحدث عن ما يسميه "الحس الوطنى لدى القاضى"، ويصفه بأنه "فى غاية الأهمية".

مثل هذا الكلام ما كان يجب أن يصدر من قاضي محترف. القاضي ليس رجل دولة أو سياسة مطلوب منه أن يكون لديه "حس وطني". الأصح أن يكون لديه "حس قانوني ودستوري"، لأن على هذا الأساس تصدر أحكامه، أو هكذا ينبغي، لا على أساس ذلك الحس الوطني المزعوم. القانون والدستور هما المرجع الوحيد للقاضي لإصدار الأحكام، حتى لو كانت تلك الأحكام ضد مصلحة الدولة ذاتها، طالما كان الحكم غير مخالف للقانون والدستور. إذا جاء الحكم ضد مصلحة الدولة العليا، حينئذ يكون هناك خلل ما في الدستور يجب التنبيه إليه والسعي في تداركه، بمعرفة الجهات المختصة بذلك، وليس للقضاء أي دور بعد هذا التنبيه. خرافة "الحس الوطني" تلك معناها أن سيادة المستشار إذا ما وقف على يمينه جهاز المخابرات العامة مدعياً ضد متهم بالتجسس على يساره، سيلزمه "حسه الوطني" بالضرورة إلى الانحياز للمدعي الوطني ضد المدعى عليه بخيانة الوطن. القاضي المنحاز، سواء قبل المحاكمة أو أثنائها أو حتى بعد النطق بالحكم، مهما كان مبرر انحيازه، لا يصلح أن يكون قاضياً من الأصل.

ثم تتكشف طبيعة مثل هذا النهج البدائي والقاصر في التفكير عندما يقول إن القاضي العادل يجب عليه "ترجيح كفة الحقوق العامة على الحقوق الشخصية أو الخاصة". هنا يجب سؤال سيادة المستشار: هل، حقاً، يوجد حق أعلى وأسمى من حق؟ بأي حق تقدم "الحقوق العامة" على "الحقوق الشخصية أو الخاصة"؟ في تصور القاضي، ربما دون أن يدري، لا بد أن المبرر الوحيد لترجيح العام على الخاص هو الكم العددي. إذا كانت مصلحة لعشرة أشخاص معطلة بسبب مصلحة لشخص واحد، أو أكثر من واحد لكن أقل من العشرة، حينئذ، في منطق القطيع هذا، تغلب مصلحة العشرة على مصلحة الواحد أو الأقل من العشرة. هذا يوحي أن مجرد الكم والغلبة العددية حق في ذاتها، حتى لو كانت مصلحتهم ذاتها موضع المفاضلة ليست أكثر أحقية في حقيقة الأمر من مصلحة الأقلية. هذا تفكير ومنطق غلبوي واضطهادي وقمعي، نقيض التفكير والمنطق الحقوقي والمحايد والعدلي. منطق الأغلبية العددية هذا رديف دائم لمنطق بدائي آخر ومقدمة له: القوة الغشوم. حتى بعد ظهور الإسلام، ظلت كل مجتمعات المنطقة تحكم بهذين المبدأين المتلازمين والبدائيين: (1) تغليب المصلحة العامة على الخاصة، لإهدار الاثنين معاً في نهاية المطاف، و(2) الشرعية لمن غلب، بقوة السيف والمدفع، ليتعاقب في الحكم الأمويون ثم العباسيون ثم المماليك ثم الأتراك ثم الفرنسيون ثم الإنجليز، وكثيرون آخرون قبلهم وأثنائهم وبعدهم، دون أي شرعية أخرى، ودون أن يطعن أحد في مثل هذه الشرعية المغتصبة بالقوة الغشوم.

القاضي المحترف "يحمي الحقوق الشخصية والخاصة مثلما يحمي الحقوق العامة تماماً، لا يفرق بين حق وآخر"، لأن الحق حق، كبيراً أو صغيراً. أكثرية الظلم لا تحوله إلى عدل، وأقلية العدل لا تستوجب التضحية به تحت أقدام مصلحة الأغلبية. كيف، سيادة القاضي العادل، ينطق لسانك: " فلا يحكم القاضى حكماً وإن كان يتفق مع القانون يمكن أن يضحى فيه بحقوق الوطن أو الناس لصالح أحد الأفراد أو قلة منهم". ماذا لو كان الحق مع هذا الفرد أو هؤلاء القلة فعلاً؟ وكيف ستتحقق من ذلك إذا كنت قد حسمت أمرك سلفاً بأن حتى القانون ذاته لن يستطيع أن ينصف فرداً أو قلة من الأفراد ضد الوطن؟ ماذا لو أن قاضي خارج عن القانون مثل سيادتك غلب مصلحة الوطن، الأكثرية الساحقة في ذلك الوقت، على دعوى أحد الأفراد (محمد بن عبد الله) وقلة (من أتباعه)؟ هل لا تزال لا تصدق أن الحق قد يكون مع فرد واحد، أو أقلية، وليس مع وطن كامل إلا قليلاً؟ ألم تقرأ تاريخ؟

في النهاية يعرج سيادة المستشار على "حكم المحكمة الدستورية العليا الخاص بمجلس الشعب" مبيناً الثمن الغالي الذي دفعه المصريون في انتخاب هذا المجلس الشعبي من الوقوف في طوابير لساعات في البرد والمطر، وإنفاق أموال الشعب الذي يأكل بعضه من القمامة، وتعطيل القضاء ومصالح الناس، وفرحتهم به لأنه جاء بإرادتهم . بعد ذلك يقر سيادة القاضي "بأنه كانت هناك مخالفات دستورية في قانون الانتخابات"، إلا أن المحكمة "كان يجب أن تقدر هذه المخالفة بقدرها". في قول آخر، كان يجب على المحكمة الدستورية العليا أن تتغاضى عن "مخالفات دستورية في قانون الانتخابات" كي لا تضيع هباءً أموال وتعب وفرحة هذا الشعب الطيب؛ أو في قول آخر، من منطلق بدعة "الحس الوطني" تلك، كان يجب على المحكمة أن تضحي بالحق الدستوري البين تحقيقاً لمصلحة الأغلبية العددية المؤكدة البطلان. مرة أخرى، الأغلبية هي الحق بحكم أكثرية العدد، حتى لو كانت باطلة بحكم القانون والدستور.

المستشار الخضيري يقدم نموذجاً حياً لنخبة هي في بداية انتشارها على الساحة السياسية والاجتماعية المصرية هذه الأيام تجمع بين معظم أفرادها صفة مشتركة واضحة: الشرك بالتخصص. معظم هؤلاء مشركون بتخصصاتهم، ما يجعلهم في كل ما يشتغلون ويتكلمون فيه أقرب إلى الهواة منهم إلى المحترفين. وفي نهاية المطاف، لا هم يجيدون في تخصصاتهم، ولا هم يفقهون شيئاً فيما أشركوا فيه. حتماً سيتعلمون في يوم ما أن أي منهم، حتى إذا استطاع أن يجمع بين أكثر من امرأة في فراش واحد، يستحيل أن يجمع بين أكثر من مخ في دماغ واحد.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرجعية الأزهر...لبنة في بناء قديم
- يوم الفرقان: الجمعة 28 يناير 2011
- الديمقراطية كفر بالله؟
- المشروع الإسلامي التجريدي وإشكالية الصراع المحتوم
- -حكم بين السلطات-، أضلولة أخوانية
- الدائرة الأخوانية الإسلامية المغلقة
- سلطان الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
- نصف إله + نصف شيطان = مساواة
- الحرية وتطبيق الشريعة
- امسك...إسلامجية حرامية
- آلهة شياطين
- بسم الدين وبسم العلم...نخون الوطن
- وماذا لو حكم الأخوان؟
- من ثورة مدنية سلمية إلى زحف إسلامي ترهيبي
- هزيمة مشروع الإسلام السياسي في مصر من الجولة الأولى
- أسطورة الإله...أسطورة الوطن
- أدعياء دين وكاذبون ديمقراطية
- تحالف المشروع الأخواني-السلفي، نعمة أم نقمة؟
- أسطورة القوانين الوضعية والشرائع السماوية
- السيادة أين، للدستور، أم الشريعة؟


المزيد.....




- مهرجان للأضواء في كوبنهاغن.. المدينة تشعّ نورا يكسر رتابة ا ...
- حادث عرضي وليس تخريبًا: السويد تكشف أسباب قطع كابل بحري في م ...
- عشية زيارته لتركيا: الشرع يتحدث عن الانتخابات وسلاح -قسد-
- بروكسل ترد على مطامع ترامب حيال غرينلاند
- العراق.. تريث إزاء المشهد السوري
- تقري أممي يشير إلى فشل في تطبيق قرار تجميد الأصول الليبية
- الشرع إلى تركيا بدعوة من أردوغان
- الأنصاري: نأمل أن يطلب ترامب من نتنياهو الوفاء بتعهداته وإرس ...
- نتنياهو في واشنطن.. هل يستجيب ترامب لمطالبه؟
- مفاوضات وقف إطلاق النار.. -حماس- تتهم إسرائيل بـ-المماطلة-


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - بكائية الخضيري على البرلمان المسكوب