|
- المؤامرة - و الموقع الطبيعي لليسار في الانتفاضات الثورية
عديد نصار
الحوار المتمدن-العدد: 3802 - 2012 / 7 / 28 - 02:24
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
لقد اعتاد الشيوعيون أن ينظروا إلى الصراع بمنظور الحرب الباردة. و برغم التحولات الكبرى التي ضربت العالم و حولته إلى كيان واحد يتمثل بمراكز هيمنة رأسمالية و دول تابعة، و برغم الانتفاضات الثورية التي ضربت الوطن العربي و امتدت حتى مراكز الهيمنة ذاتها، فإننا لا نزال نقرأ ما يكتبه شيوعيون من مختلف التوجهات كما لو كان الصراع اليوم قائما بين شرق و غرب أو بين اصطفافين دوليين يفترض بالشيوعيين أن يلتحقوا بواحد منهما. و لا زالت نظرية المؤامرة التي أطلقتها ثقافة النظم الاستبدادية لتبرير استمرارها في مرحلة تاريخية بائدة تستولي على رؤية و تحليل كثير من الشيوعيين و بخاصة أحزاب الشيوعية التقليدية الملتحقة بتلك النظم. إذا سلمنا بوجود " مؤامرة " ما تقودها أمريكا و الناتو و أتباعهما من الرجعيات في الوطن العربي و تركيا و ... جزر القمر ... فباعتبارنا ماركسيين، يفترض أن نعيد هذه المؤامرة الى الطبيعة الرأسمالية للنظام العالمي المسيطر الذي يعاني في هذه المرحلة من أزمته البنيوية الكبرى. و إذا انطلقنا من هذا التحليل الطبقي الذي يفسر طبيعة المؤامرة بأنها إحدى البدائل المفترضة في مشروع أعدته مراكز الهيمنة، و مراكز التبعية، الرأسمالية لتأبيد و توسيع سيطرة هذا النظام المأزوم و تأجيل سقوطه نتيجة مفاعيل أزمته، فمواجهة هذه المؤامرة ينبغي أن تصب في الأصل في بوتقة الصراع الطبقي الأممي الهادف في المحصلة النهائية إلى إسقاط هذا النظام العالمي و فتح الآفاق أمام بناء النظام الاشتراكي . من هنا يتبين أن طرفي الصراع في هذه المؤامرة يفترض أن يكونا في الأساس : الامبرياليات ( و الصهيونية ) بما هي التعبير السياسي العسكري عن الرأسمال المركزي و النظم المافياوية المحلية في البلدان التابعة بما هي التعبير الاقتصادي السياسي و الأمني للرأسمال الطرفي التابع، من جهة؛ و الطبقة العاملة و قواها التقدمية في بلدان المراكز، و الطبقة العاملة الجنينية و ربما الهجينة مع الجماهير العريضة المضطهدة و المهمشة و المسحوقة في بلدان الأطراف، من الجهة الأخرى. إن استمرار حالة الستاتيكو التي امتدت على مدى عقود طويلة تهيمن على بلدان الوطن العربي سمحت للامبريالية و قوى الاقتصاد الرأسمالي أن توسع نهبها و سيطرتها في جميع المجالات بما فيها الجانب الثقافي - السياسي، و أتاحت لها فرض وقائع اجتماعية بنيوية على الأرض من خلال الاحتلال المباشر أو الاحتلال بالواسطة من قبل أنظمة التبعيات، كما في العراق من خلال فرض الانقسامات من كل نوع و كما في لبنان و كذلك كما في فلسطين المحتلة و كل ما فرضه الوجود الاحتلالي الصهيوني من وقائع بالقوة الغاشمة. من خلال هذا التحليل المادي البسيط نلمس دور الأنظمة القابضة على السلطة في بلدان الوطن العربي في تكبيل الشعوب و في منعها و بقوة البطش البوليسي من امتلاك القدرة السياسية و الثقافية على مواجهة "المؤامرة" من جهة و على طرح قضية التغيير بأي شكل من الأشكال. و إذا كانت ال"ممانعة" هي الشكل الرسمي للمواجهة تلك، فإنها صبت، و كان مطلوبا منها أن تصب، في خدمة الاستقرار ( الستاتيكو ) ذاته، أي في خدمة إدامة سيطرة تلك الأنظمة التي تؤدي دورها في المشروع أو البدائل التي تطرح عالميا و إقليميا لتأبيد سيطرة رأس المال محليا و عالميا. من هنا جُرّدت و بسحر ساحر كل المقاومات ( الاسلامية خصوصا و المدعومة ممانعاتيا ) من أي مشروع وطني أو تقدمي أو تحرري! إن تجرؤ الشارع على السلطة الأمنية للمافيات المتحكمة كان الخطوة اللابد منها لكسر حالة الجمود التي طالما خدمت تلك ال"مؤامرة". و هنا، عندما نرى الأنظمة تستنفر كل قواها الظاهرة و الخفية لطحن إرادة رجل الشارع، نكتشف أن كل الأنظمة ( المعتدلة أو الممانعة بلغة ما قبل الانتفاضة ) بكل قواها السياسية التقليدية و المستجدة، ضالعة في هذه ال"مؤامرة" و وجودها الوظيفي مرتبط بتنفيذها أو السماح بتنفيذها. و هنا يمكن للمرء أن يتساءل عن الفراق المريع بين أحزاب الشيوعية و اليسار التقليديين و رجل الشارع، و عن الغياب الفاقع لقوى اليسار الثوري أو اليسار الماركسي ( الحزبي ) الملتحم بالجماهير و القادر على ترجمة أوجاعها الناشئة عن الضغوط المتفاقمة في كل لحظة، ترجمة سياسية. الوقائع و التطورات الأخيرة أثبتت أن الانظمة استطاعت باستخدام وسائلها المختلفة إما في استقطاب القوى الانتهازية من خلال تقديم الفتات و بعض الحصص على مائدة قوى النظام، أو من خلال سحق كل رأي أو فكر ثوري لا يمكن استقطابه، بالقتل أو الاعتقال المديد أو النفي النهائي كما في سوريا و العراق و ليبيا و السعودية و سواها. و هذا ما أفقد الشارع القدرة على إنتاج المعرفة الثورية التي تمكنه من وضع مشروع متكامل لثورته التي لا بد منها حين يفقد القدرة ( و قد فقدها فعلا ) على الاستمرار. من هنا كانت الانتفاضات الشعبية العارمة بدون قيادة فعلية موحدة و بدون مشروع واضح. و باعتبار أن اليسار التقليدي و الأحزاب الشيوعية التقليدية نفسها جزءً من النظام، فقد أساء هذا الأمر شديد الإساءة إلى الشيوعيين الذين تخلوا عن أحزابهم في معمعة الصراع المفتوح، أمام الناس، و أعاق دورهم الريادي في تشكيل الحالة السياسية المناسبة لتجذير ثورة الجماهير و حمايتها، ما أفسح المجال أمام قوى الإسلام السياسي الأكثر تنظيما، و التي تشكل الاحتياط و البديل، الاستراتيجي لقوى رأس المال محليا، أن تتوسع و تمتد بين الناس على حساب وجود القوى التقدمية و اليسار و الشيوعيين. لا يمكنك أن تطلب إلى الجماهير أن تؤجل ثورتها إلى حين توفر الظرف الذاتي لقوى اليسار الثوري. فهذه الجماهير لم تعد قادرة على الاستمرار فلقد تساوى أمامها الموت مع الحياة فاندفعت تواجه الموت بالصدور العارية. و لما كانت الأنظمة فاشية لا تحترم حياة الناس و لا تحافظ عليها إلا بما يخدم استمرار سيطرتها و نهبها هبت بكل قواها لتواجههم في الشارع بالقتل المباشر. نتيجة كل هذا دعوني أبدي قناعتي التامة أن حركة الجماهير مهما كانت عفوية هي حركة تقدمية طالما امتلكت الجرأة اللازمة لتحدي السلطة. و إنها، هذه الحركة، ستفرز من خبرتها اليومية و ديموتها، وبمساهمتنا، قواها الجذرية التي تؤكد هذه التقدمية في توجهها و تجذر مسارها و تحملها في إطارسيرورة ثورية متواصلة حتى تحقيق الأهداف الاجتماعية الاقتصادية و السياسية طبعا التي تؤكد تقدميتها. هذه السيرورة الثورية التي سوف تسقط أي قوى رجعية يمكن أن تقفز إلى السلطة ( مصر، تونس )، كونها، و بسبب طبيعتها الطبقية غير مؤهلة لإزالة الأسباب المادية التي فرضت الثورة. هنا، علينا اكتشاف دورنا كيسار في حركة الشارع و في قلب ثورته. و ليس خارج هذه الثورة.
#عديد_نصار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خاص مجموعة يساري: الصراع الطبقي في مصر و الأزمة السياسية – م
...
-
اللقاء الحواري الأسبوعي في مجموعة يساري: الحراك الشعبي في ال
...
-
في العنف والعنف الثوري – حسان خالد شاتيلا- مجموعة يساري: الل
...
-
الحوار الاسبوعي في مجموعة يساري : باسم شيت، الثورة المصرية و
...
-
الحوار الاسبوعي الذي تجريه مجموعة يساري: قضية المرأة مسألة أ
...
-
لماذا فشلنا في اسقاط النظام الطائفي في لبنان
-
الحوار الاسبوعي في مجموعة يساري : سلامة كيلة - الارتباكات حو
...
-
الحزب الذي يصنع المناضل المثال!
-
مجموعة - يساري - ندوة حول تطورات الثورة المصرية
-
المفتون
-
ملاحظتان في حدث
-
في الذكرى ال75 لانطلاقة الحزب الشيوعي العراقي، كيف نستعيد حز
...
-
محاولة للرد على رد على تعقيب السيد علي الأسدي - ماذا تبقى من
...
-
- الدولة الحديثة - في القراءة المادية
-
البرجوازية الوضيعة ( الصغيرة )، القاعدة العريضة للنظام الطائ
...
-
ظلّي اضحكي!
-
بعض المصطلحات التي يروج لها النظام الرأسمالي المتهالك و ضرور
...
-
من أجل برنامج سياسي ثوري للحزب الشيوعي اللبناني
-
رايات جمول
-
وحدة الشيوعيين لقيادة المرحلة مسؤولية تاريخية
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|