سنوات عبد الناصر والوحدة الوطنية

أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 3801 - 2012 / 7 / 27 - 14:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تحل ذكرى ثورة يوليو وتعلو مع ذكراها إيقاعات معارك الاستقلال والبناء : طرد الملك ، والخلاص من الاحتلال الانجليزي ، وتأميم القنال ، وبناء السد العالي ، والتعليم المجاني ، والطفرة الثقافية ، ودعم حركات التحرر الوطني ، والتصنيع ، وتوزيع الأرض على الفلاحين ، والعدالة الاجتماعية ، واالتصدي للأحلاف الاستعمارية ، ومواجهة العدوان الثلاثي . وحين أقول ثورة يوليو فإنني أعنى فقط المرحلة الناصرية ، لأن ما لحقها لم يكن سوى غروب الشمس الكبيرة . كان عبد الناصر قائد الثورة ، وملهمها ، وكل معركة خاضها كانت باسم مصر ولأجلها . كانت ثورة يوليو وستظل بهجة التاريخ الوطني التي أعلنت أن بوسع الشعب أن يقاوم أعتى القوى الدولية وأن ينتزع استقلاله الاقتصادي والسياسي .
يصف الشاعر الكبير فؤاد حداد تصميم الشعب على بناء السد حينذاك قائلا:

والأم دي الطيبة اللي حضنها سموات
اتبـسمـت قـد ما ناحـت عــلى الأموات
وشـافـت العـمـر قدامها جـديد ونـبـات
نهضت كما العيلة وقالت :
ح نبني السد

أنا كنت ماشي في شارع كله حنيه
جت عيله من يميني اتعـلقـت بـيـه
وكـوره طـارت ولـفـت مـن حـوالي
وألف عيل جري قال لك :
حنبني السد

بأكتب وجنبي وليفتي تقوللي إقرالي
أقرالها سطـر وأقـرأ التاني والـتـالي
وأفـتح إيـدي وأشـاور بـيها لـلعـالي
وأقف على الشطرة وتكمل :
حنبني السد

ويقول صلاح جاهين عن تأميم القناة :

الشعب كله نطـق بلـسان زعيمنا جمال
قال إحـنا ناس أغـنيا وبـلـدنا فـيها قنال
إحنا اللي عاملينه واحنا أحق بالأموال
ميه وعشرين ألف ماتوا وهم بيـمـدوه
ياسايق الغليون
عدي القنال عدي

كل معارك التحرر التي خاضتها الثورة ألهمت الشعب المصري درسا واحدا : نعم، الحرية ممكنة ، والكفاح ممكن ، والانتصار ممكن ، والثورة ضرورة . وحين يحاول البعض الآن تشويه الثورة فإنهم يستهدفون في الأساس انتزاع هذا الدرس من وعي الناس ، وتلقينهم أن الثورة لا تؤدي لشيء ، ولأجل ذلك لا يبخل الاستعمار لا بالمال ولا بالكتب ولا الأفلام ولا الصحف ولا الأقلام من أجل محو الدرس الثوري من عقول الشعب .
وللثورة إنجازاتها الكثيرة ، لكن أحدا قلما يلتفت إلي جانب هام وهو اختفاء الأزمات الطائفية عهد عبد الناصر ، وبعبارة أدق قلما يلتفت أحد إلي أن مشروع الثورة الوطني وحد الشعب ، كما أن غياب ذلك المشروع أدى لتفشي الطائفية . وكان عبد الناصر أول من لجأ إلي تعيين الأقباط في مجلسي الشعب ، وقرر قصر الترشيح على الأقباط في عشر دوائر ذات كثافة سكانية قبطية ، إلي أن أعطيت سلطة تعيين عشرة أعضاء لرئيس الجمهورية مباشرة . وكانت سياسة عبد الناصر امتدادا لسياسة محمد على مؤسس مصر الحديثة الذي رأى في إطار مشروع للنهضة أن"القبطي والمسلم يستطيعان أن يقدما للبلاد أفضل الخدمات". وكان محمد على أول من ألغى قيد الزي المخزي الذي كان مفروضا على الأقباط ، كما كان سعيد باشا أول من ألغى الجزية التي جثمت على صدر الأقباط منذ منتصف القرن السابع . ومع ثورة 1919 ارتفع الشعار الوطني الشهير " الدين لله والوطن للجميع " ، وفي خضم أحلام الثورة الوطنية الجامعة انتخب ويصا واصف رئيسا لمجلس النواب دون أن يجد أحد في ذلك أمرا مستنكرا . لكن تغذية أنورالسادات للجماعات الدينية عصر الانفتاح لمقاومة الناصريين واليساريين أدت إلي استبدال شعار " الإسلام هو الحل " بشعار تاريخي عزيز هو " وحدة الهلال مع الصليب " ، وإلي إدخال تعديل شهير على المادة الثانية من دستور 1971 في نفس الاتجاه . وراحت الجماعات الدينية تنشر ثقافة التعصب والتكفير والكراهية في كل ركن . وتوالت من نوفمبر 1972 بعد حادثة حرق الكنيسة في الخانكة أعمال العنف والحض على لكراهية وغير ذلك . وعندما تحسب إنجازات الثورة ، فلابد أن توضع " الوحدة الوطنية " في مقدمة تلك الانجازات .
ستظل ثورة يوليو وكل ذكرى لها عزيزة على الفقراء والشرفاء وأبناء الشعب. ومهما حاول الاستعمار الأمريكي – الإسرائيلي وطوابيره أن يشوه الثورة وزعيمها ستظل الثورة في قلب مصر بهجة التاريخ الوطني ولحظة عزته .
***

#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات