|
الجيش المصري ليس فيلقا ً إيرانيا ً أو كتيبة أمريكية
مهدي بندق
الحوار المتمدن-العدد: 3800 - 2012 / 7 / 26 - 16:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من نافلة القول أن التاريخ لا يكرر نفسه مرتين ، حتى وإن تشابهت غايات صانعيه، سيما حين ُيخطط لتلك الغايات على منحدرات الشر والظلم . في المرة الأولى تنجم عن الحدث مأساة ٌ لا مفر منها. أما المرة الثانية فلا مندوحة من أن تأتي في هيئة مهزلة كاملة الأوصاف . ينطبق هذا المبدأ على علاقة مصر بالفرس القدامى والفرس الجدد انطباقا ً لا يعكر عليه استبدال إيران المعاصرة راية الإسلام ببيارق الإمبراطورية الفارسية القديمة ، كما سنرى . تبدأ الوقائع التاريخية بقورش الأكبر ملك الفرس ، الذي طالما أبدى توقه لضم مصر توسيعا ً لملكه ، حيث عمد إلي خطبة ابنة الفرعون أحمس الثاني توطئة ً لتحقيق غرضه بالقوة الناعمة Soft Power بيد أن أحمس – بوعيه السياسي – رفض الخطبة ، مما جعل قورش يستشيط غضبا ً ، فراح يعد العدة للهجوم على مصر لولا أن عاجلته المنية . وما لبث ابنه قمبيز حتى اندفع بجيوشه لتنفيذ مخطط أبيه . في ذلك الوقت مات أحمس الثاني ، وتولى حكم مصر آخرُ فراعينها : بسماتيك الثالث ، الذي تصدى للغزو بنفسه ليسقط شهيدا ً في ميدان القتال عام 525 ق.م . بعده وقعت مصر في قبضة الفرس لمائتين وأربعة وتسعين عاما ً. تلك كانت مأساة المرة الأولى في علاقة الفرس بمصر : تلمظ وتحرش ، فهجوم فاحتلال ، وما أدراك ما الاحتلال ؟ هوان ومذلة وإفقار وطمس للهوية .. والدليل على هذا الطمس أن الإسكندر وخلفاءه البطالسة حين حلوا بالغزو محل الفرس في مصر ؛ لم يجدوا صعوبة تذكر في تحويلها عن مصريتها ، لتغدو إغريقية لثلاثة قرون تالية ، ثم تمسي – بالغزو أيضا ً- رومانية لأكثر من ستة قرون كاملة ، حتى انتزعها العرب من أيدي الرومان عام 641 ميلادي ، ثم ليتخطفها منهم الأيوبيون 1171 فالمماليك 1250 فالأتراك العثمانيون 1517 كان على الوطن المغلف بأغلفة المأساة المتجددة أن يناضل طوال هذه العصور المظلمة من أجل استعادة هويته المصرية ، وقد تحقق له مبتغاه – إلى حد كبير - في ثورة شعبه عام 1919 على الاحتلال البريطاني ، نابذا ً انتماءه لدولة الخلافة العثمانية ، التي ما لبثت حني سقطت عام 1923 ، وحين اكتمل استقلاله بعد جلاء المحتل الأجنبي ؛ صارت مصر مركز الثقل في المنطقة العربية ، بل والشرق الأوسط جميعا ً ، إلى أن تعرضت للضربة الامبريالية الصهيونية عام 1967 ، لكنها استطاعت – بفضل جيشها العظيم في حرب أكتوبر – أن تستعيد بعضا من أرضها التي احتلتها إسرائيل ، وأن تستعيد الباقي منها بالمفاوضات عام 1977 فيما اعتبرته الدول العربية تفريطا ً في الحق العربي ! وهكذا جرى تهميش الدور الإقليمي لمصر لأعوام عشرة ، كان فيها المد الإيراني يصعد تحت راية ما ُسمى بالثورة الإسلامية ، وهو شعار لم يكن ليعبر - في المسكوت عنه - إلا عن حاجة إيران المعاصرة إلى بعث المجد الساساني الفارسي القديم ، إذ سرعان ما انكشف الغطاء " الإسلاموي " عن دولة ذات أنياب ، غايتها تأسيس إمبراطورية إقليمية بآليات التوسع على حساب جاراتها ، مبتدئة ً بدولة الإمارات العربية تقتطع منها جزر أبي موسى ، وطنب الكبرى والصغرى ، ومثنية ً بمحاولات فرض هيمنتها على دول مستقلة مثل لبنان [ بواسطة حزب شيعي موال لها ] أو باستقطاب حركات للمقاومة الفلسطينية : حماس مثالا ً لا حصرا ً ، تربطها بأجندتها : مناكفة أمريكا ، منحرفة بهذه المناكفة عن غايتها في تحرير الأرض المحتلة ! فضلا ً عن السعي الدءوب لتقسيم اليمن إلى دولتين من خلال تأليب الحوثيين ( من الشيعة الزيدية ) ثمة ضدا ً على الدولة الموحدة ، وفي ذلك إضعاف للمملكة السعودية ( قبلة العالم السنيّ ) أي ّ إضعاف . غير أن هذا كله ما كان ليجدي – من وجهة نظر هذا المشروع– ما لم يشكل الجيش المصري كفيلق أول في فيالق الإمبراطورية الفارسية الجديدة ، لا بطريق الضم بعد الاحتلال المباشر ، فذلك لم يعد ممكنا ً تبعا ً لشروط العصر، ، وإنما من خلال محاصرة مصر بواسطة الصبية السياسيين [ حماس ] ، والحلفاء الأيديولوجيين [ الأخوان ] والعملاء المحليين [ تنظيمات الشيعة التابعة لحزب الله ] بل وبأبواق الفضائيات [ الجزيرة والمنار ] وهؤلاء يفترضون أنه من الممكن هدم الدولة المدنية المصرية ، وتشييد دولة دينية على أنقاضها يقف الفرس الجدد خلفها دعما ً ومؤازرة. هكذا بدا المشهد بعد وصول الأخوان سدة الحكم أنه من المفترض – من وجهة نظر طهران - أن يقوم الرئيس مرسي بتمزيق اتفاقية كامب ديفيد، وإغلاق السفارة الأميركية في القاهرة، باعتبارها وكراً لجواسيس السي آي ( كانت هذا هو الخطاب الأخواني دائما ً) لكن بات اليوم واضحا ً أن مرسي لم ولن يقدم على أي خطوة من هذا القبيل ، رغم كونه من الأخوان المناصرين طبعا لأخوان فلسطين ( حماس ) الحليف الاستراتيجي لإيران ! وتلك هي البرجماتية الإخوانية الشهيرة حيث تتراجع الأيديولوجية أمام علاقة إستراتيجية جديدة- صرح بها خيرت الشاطر- مع أمريكا والسعودية ، وحيث ُنقل عن الرئيس مرسي في ختام زيارته لجدة قوله " إن مصر والسعودية حاميتان للإسلام الوسطي السني" وهو ما يعطي انطباعا بأن مصر بصدد الدخول في استقطاب مذهبي تتجمع فيه دول أهل السنة – خلف أمريكا - في مواجهة هلال شيعي يضم إيران والعراق وسورية وحزب الله في لبنان . ولو حدث هذا فما هو مصير حماس والقضية الفلسطينية برمتها في أجندة الرئيس الجديد؟! كل هذا وارد ومفهوم في تغيرات السياسة الدولية ولكن يبقى السؤال الأهم : هل من حق شخص بمفرده أن يحدد للبلاد مسار أمنها القومي دون مشاركة مع سائر مؤسسات الدولة وعلى رأسها القوات المسلحة ؟ وهل من شك في أن القوات المسلحة لابد سترفض محاربة إيران لصالح أمريكا وإسرائيل ؟ وبالتوازي فإن الجيش المصري لا غرو سيسأل عن مصلحة مصر في الانحياز للمخطط الإيراني الذي يهدف إلى بعث الإمبراطورية الساسانية على حساب دول المنطقة.
#مهدي_بندق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر بين سكة السلامة وسكة الندامة
-
هل تطلب حماس سيناء كوطن بديل ؟
-
أنور عبد الملك وتغيير العالم
-
لماذا تجنبت ثورة يناير كلمة الاشتراكية ؟
-
أيام البين السبعة
-
أشباح الميلشيات بين القاهرة وبيروت
-
الجذور المعرفية للفكر الفاشي
-
ديمقراطية بلا ديمقراطيين
-
إلى متى نتقبل ثقافة الأساطير ؟
-
مصطلح الثورة مغترب في اللغة العربية
-
المتحذلقون ونظرية المؤامرة التاريخية
-
احذروا النموذج الباكستاني في مصر
-
ازالة اسرائيل على الفيس بوك
-
رسيالة من البرزخ
-
قصيدة : المنام
-
مجتمع الاستعراض في عالم رأسمالية ما بعد الحداثة
-
من يكتب تاريخ مصر في قادم الأيام
-
موضع السر
-
قطرة في المنام الوجيع
-
مقدمة مقترحة للجنة صياغة تاريخ مصر الحديث
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|