أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجية جنة - الانزياح الدلالي و البعد الرمزي في شعر رشيدة بورزيكي قصيدة - على شفاه اللوعة بكى القمر -نموذجا..















المزيد.....

الانزياح الدلالي و البعد الرمزي في شعر رشيدة بورزيكي قصيدة - على شفاه اللوعة بكى القمر -نموذجا..


نجية جنة

الحوار المتمدن-العدد: 3800 - 2012 / 7 / 26 - 15:22
المحور: الادب والفن
    


كم هو رائع أن تشدو المرأة ، وتحمل قلمها لتحبر للعالم أغنيتها الخاصة ، فالمرأة إن أحبت ملك الحب كل كيانها ، وإن تألمت حملت ألمها بين الضلوع ، ولكن إن حملت هذه المرأة هموم أبنائها و شعبها وهموم الإنسانية جمعاء ، ستندمج كليا و تعطي كل ما لديها ، ستضحي بكل غال ونفيس من أجل قضيتها ، وكم هو رائع لو كانت هذه المرأة مثقفة وحباها الله موهبة نظم الشعر. فشعرها سيأتي- حينذاك- فياضا ، مشرقا، رقيقا يحمل كل سمات الأنوثة الرائعة الممزوجة بالأحاسيس الجياشة ، التي لاشك ستسم كتابتها بسمات خاصة تتميز برغبتها العميقة في تحقيق غد أفضل ، غد يعم فيه الخير والسلام والحب والوئام والصفاء و الإخاء.

فالشاعرة غالبا ما توحد كلماتها مع أحاسيسها فتنظم قصائد بلون قوس قزح ، و هذا بالضبط ما حدث للشاعرة رشيدة بورزيكي التي غنت للثورة وحملت قصائدها هموم الإنسانية جمعاء ، وجاء شدوها في ديوانها الأول المعنون " بعد رحيلك..." ليؤشر عن انبعاث قصيدة عربية هادفة تعيش اللحظات وتصورها بل تؤرخها، بعد أن عرف هذا النوع من القصائد ازدهاره في فترة ما من تاريخ الشعر العربي و خاصة بعد هزيمة 67 . لقد واكبت الأستاذة رشيدة تطورات الربيع العربي بكل ما أوتيت من فيض معان ، ورصانة أسلوب، فجاء
شعرها ، الذي اتخذ من الشعر الحر منبعه ، انسيابيا تختلف فيه القافية من بيت لبيت ، فأعطى للقصيدة إيقاعا داخليا تتفرد به ، فالقصيدة اتخذت قبل كل شيء من الحالة الوجدانية للشاعرة منطلقا لها ، فحالة الحزن التي تحسها الشاعرة انعكست بقوة على القاموس اللغوي الذي وظفته فنجد مفردات توحي بالأسى والألم : كحطام الليل- الصمت-انزوى-أفل- حيارى –دمعة- يلوك- يدميه-آهات- العتمة- الزفرة.....، إلى جانب ذلك وظفت صورا بلاغية ورسمت لوحات مجازية مكثفة أدت إلى انزياح دلالي أعطى للقصيدة ميزات متفردة ، من خلالها مررت أفكارها وهواجسها ،ووظفت تراكيب لغوية وتلاعبت بها حتى جاءت جمل القصيدة رغم قصرها تمزج بين ملاحظات قوية وإحساس عميق .

و قد عبرت الشاعرة عما يجول بخاطرها باعتمادها أسلوب الرمزية والإبهام ، فجاءت قصيدتها مكثفة تتمتع بالحيوية والحركية ،و يغلب عليها الطابع الدرامي ، فهي تعبر عن الظلم والاستبداد و الفقر والاغتصاب
و الاستلاب الذي ينخر المجتمع العربي ، ووو ظفت أسلوب النداء ، فعلى طول القصيدة تنادي بأعلى صوتها ، تندد ، تطرح أسئلة غير مباشرة ، وتشكك في كل شيء ، إنها مرثية رشيدة بورزيكي ، ترثي المجتمعات والوضع المزري الذي آلت إليه ، إن أثر القصيدة سيكون قويا على كل من قرأها بتمعن وبتأن واستنبط معانيها المبطنة ، فهي تناجي وتعطي تأويلات وإرهاصات وتأملات ، لقد استعانت بظواهر طبيعية وألبستها دلالات انزياحية توحي من خلالها وتموه بها عن أفكارها وأحاسيسها ولكنها تترك أثرا عميقا في نفس القارئ ، فالصور التي وظفتها زادت القصيدة عمقا وغموضا وتأثيرا.
فالقصيدة تجربة إنسانية ، تسلط الضوء عن واقع مرير، و تعابير ها منتقاة بكل دقة وعناية تعبر عما في الواقع من زيف وغش وضيق ومعاناة، مع استجداء الشاعرة بكل ما أوتيت من رغبة للخلاص الذي طال انتظاره .

يطالعنا العنوان بصورة إبداعية صارخة ، تختلف عما ألفناه في المجاز المستعمل في اللغة الشعرية ، "على شفاه اللوعة بكى القمر" - فهي جملة طويلة تبتدأ بشبه جملة وتنتهي بجملة فعلية - فمفردة اللوعة المجردة تصبح لها شفاه والقمر الجامد له عينين يبكي بهما على هاته الشفاه ، ماذا تقصد الشاعرة بزجنا معها في هذا العالم الذي كله ضجر وجزع ، فالعنوان لوحده يعطينا تقديما غريبا يجعلنا نتهيأ لتلقي موضوع القصيدة.

تستهل الشاعرة قصيدتها بالتغني بالقمر ، وتوظف من المحسنات البديعية ما يجعل القارئ يتذوق المعاني الجميلة التي رسمتها ،فتجسد القمر والليل والسماء والنجمة لتعطينا صورة رائعة حيث تقول :

حاملا على ساعديه حطام الليل
من صمت يغزل أجنحة العبور
على أهداب السماء
انزوى بل أفل
لمرايا الكواكب يرقب
نجمة في مذكرتها ألف سؤال

لقد جعلت للقمر ساعدين وعينين ، وللسماء أهدابا وللنجمة مذكرة وتساؤلات، هذه المعاني المجازية جاءت كمدخل للقصيدة ، إنها صورة خلابة رائعة متدفقة، ذكرتني بمقدمات الشعر العربي القديم ، ثم تنتقل لصلب الموضوع من بعد ، فرشيدة بورزيكي جعلت القارئ يسبح في ملكوت الصمت والخيال ، إنه الليل بقمره ونجومه وسمائه الساكنة الذي يجعل الشاعرة تبدأ في النداء والاستجداء
تقول :
يا همس العاشقين
يا لوعة الحيارى
يا دمعة طفل يعانق كسرة خبز
ويلوك نشيد رثاء
لومض حلم غابر يومئ
يا دهشة الصبح يقاوم
شوك الضباب حين يدميه

هذا النداء المفعم بالحزن والأسى ، يأتي رقيقا كهمس العاشقين ومؤثرا كلوعة الحيارى ، فالطفل بعيون دامعة ، يعاني الجوع و القهر واليتم ، يرثي حاله ويتشبث بالحلم /الأمل وغير متأكد من الصبح ، فربما سيزيده معاناة وأسى ، فللضباب أشواك ربما ستدميه ، هنا تستعمل الضباب ككناية على القاذفات والأسلحة التي تستعمل للتنكيل بهؤلاء الأطفال الأبرياء وذويهم، فالشاعرة لا تفصح ، تستعمل الرمزية والإيحاء فقط ، كما تصبح أبياتها مبهمة في بعض المقاطع كما يظهر هنا :
يا معبد الله تنبت أشواقا
لطهر الأرواح
فيض آهات إذ تصاعد تراتيلها
يا جفن الليل إن السماء بعد
الغيم تصفو
والأرض بعد جذبها تربو
هنا تتابع مرثيتها ، ولكن هذه المرة يبزغ الأمل بين السطور فالأرواح سوف تطهر
والسماء ستصفو والأرض ستربو فهناك أمل في حياة جديدة ، سوف يكون انبعاث جديد .
ثم تواصل بنفس الزفرات والإيحاءات المؤلمة حيث تقول :

في متاهات القلب طال جفاك
أن حلكة الليل زينته ما فتئت
تردد
متى كانت الزفرة حلما
أو الرصاصة غمامة حبلى
تنبت خصبا وينعا؟؟
متى تطل يا قمري
بعد الانزواء
لتبدد عمر الحيرة
في مداه السخيف
ترتب نشيدك الأشهى
بألوان قزح ترسم.

هنا تتساءل ويستحوذ الشك والتردد على إحساسها وقناعتها ، فالقلب بمتاهاته يعاني من الجفاء ، جفاء من ؟ أو ماذا؟ تحيلنا على كل الاحتمالات و التخيلات بل والتساؤلات ، من الذي يجافي هذا القلب المتألم ، وما هي انتظارا ته ، وهل ستتحقق هذه الإنتظارات والآمال ، فهل بعد الحرب والدمار سيكون الخصب والعطاء، وهل ستتبدد هذه الحيرة وهل ستزدهر الحياة ويعمها السلم والأمان . سنظل ننتظر ونرقب مع الشاعرة وكلنا شك وتردد وحيرة ، وتترك الشاعرة قصيدتها قابلة لكل التأويلات.

إن الشاعرة كجل الشعراء في عصرنا الراهن توظف الرمزية لتداري قناعاتها وأفكارها ، فهي مضطرة للتخفي تحت غطاء شفاف وذلك ربما لضيق فضاء الحرية في أوطاننا العربية ، وأحسن مقولة أراها تعبر عن وضعية الشاعر العربي مقولة محمد حسين فقي حين سئل : "هل أنت مع الغموض
و الرمزية في الشعر ؟ فأجاب : " أحيانا إذا اضطرتني الظروف إليه فقد يقلق حسي وفكري بعض ما أرى وأسمع أو أعاني بالفعل فأنظم فيه شعرا أراعي فيه كل المقتضيات التي تمكنني من نشر هذا الشعر من دون أن أحرج أحدا أو أن أسيء إليه ، فأبلغ غرضي بذلك الغموض أو الرمز وأحقق ما ينبغي أن يحقق كواجب على الفكر والضمير "*.



#نجية_جنة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صورة شقيق الرئيس السوري ووزير الثقافة بضيافة شخصية بارزة في ...
- ألوان وأصوات ونكهات.. رحلة ساحرة إلى قلب الثقافة العربية في ...
- تحدث عنها كيسنجر وكارتر في مذكراتهما.. لوحة هزت حافظ الأسد و ...
- السرد الاصطناعي يهدد مستقبل البشر الرواة في قطاع الكتب الصوت ...
- “تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية ...
- -مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر ...
- رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر ...
- بعد ساعات من حضوره عزاء.. وفاة سليمان عيد تفجع الوسط الفني ا ...
- انهيار فنان مصري خلال جنازة سليمان عيد
- زمن النهاية.. كيف يتنبأ العلم التجريبي بانهيار المجتمعات؟


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجية جنة - الانزياح الدلالي و البعد الرمزي في شعر رشيدة بورزيكي قصيدة - على شفاه اللوعة بكى القمر -نموذجا..