|
كلام في التاريخ :ثورة يوليو و محمد علي و أشياء آخري.
محمود عبدالحى
الحوار المتمدن-العدد: 3799 - 2012 / 7 / 25 - 13:10
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في الذكري الستين لقيام ثورة 23يوليو عام 1952 أعتقد بأنة قد حان الوقت لإزالة التراب من فوق جدران الكتب و فتح صفحات التاريخ للبحث و التنقيب و التوضيح ، فهنا يكمن الفارق بين السياسة و التاريخ فالسياسة هي تاريخ في حالة سيولة و التاريخ هو انتهاء التكوين للسياسة بعد أن رسمت صورها النهائية و ذهب أصحابها الذين نفذوها و بالتالى أصبحت غير قابلة للتبديل أو التغير و لكنها قابلة لاعادة القراءة و التفسير ، فالتاريخ المعاصر كلما مر علية الزمن أجبرنا علي إعادة مراجعتة و تقيمة بعدما تم الكشف عن خفايا و أسرار لم تكن معلومة لتتضح الصورة الأقرب إلي حقيقة ما جري في الماضي ، فالفرق واضح و الانطباعات متباينة بين من يري الهرم من القاع و من يراه من القمة !، و لان التاريخ ليس مجرد قصص و روايات الاقدمين ولا هو مجرد ترف عقلي لنخبة تسكن الابراج العاجية تخوض بة و من أجلة معارك طواحين هواء بينها و بين بعضها دون اشتراك عامة الناس معهم ، فكان يجب التنبية إلي أن علة الحاضر و مأساتة هي خيط يبدأ من الماضي و يمتد و من الممكن أن يمتد إلي مستقبل غير معلوم ، فمهما أحضرت للمريض من نطس الاطباء مالم يكن لديهم معرفة بتاريخ المريض مع المرض لما استطاعوا علاجة و لربما أدوا إلي انتكاسة حالتة أو وفاتة .
دائما عندما ينظر أي شخص في تاريخ مصر الحديث و المعاصر و قبل أن يدقق لابد و أن يصطدم بنجمين لامعين في سماء التاريخ المصري هما :محمد علي و جمال عبدالناصر ، و بالرغم من أن الفارق الزمني بين الاثنين يزيد عن المائة عام إلا أنهما يتقاربان و يتشابهان بدرجة كبيرة تجعل الخط الواصل ما بينهما واضح ، فكلاهما حكم مصر في ظروف صعبة و ترك بصمة واضحة لن ينساها و لا ينكرها إلا جاحد ، و بالنظر إلي التجربتين و عقد مقارنة بسيطة يمكننا أن نجد ذلك جليا ، فالاوضاع التي تسلما الحكم فيها واحدة و الاهداف لم تتغير و إن لعب الزمن و التطور لعبتة في تغير الصياغات و الكلمات و العبارات ، و لكن البعض لا يري ذلك ابدا فهم ينكرون علي "عبدالناصر" ما لم يستطع أحد أن ينكرة علي "محمد علي" يوما فدائما ما يعتبر "علي"مؤسس مصر الحديثة الذي يمجدة الجميع و يذكرون إنجازاتة و فضلة علي مصر ، أما عن "ناصر" فيتغير الامر و تجد اللعنات و الرفض المطلق لكل أفعال الرجل و الحديث عنة بصورة سلبية تشعرك بأن هذا الرجل و تجربتة لم تضف شيئا علي الاطلاق لمصر !، و ينقسم هؤلاء إلي أنواع و نقدهم أو بالأحري "نقضهم" ، النوع الاول يشخصن الامر مثال من تضرر بشكل شخصي من قانون الاصلاح الزراعي أو التأميم ، النوع الثانى "النقض" الايديولوجي كمعظم من ينتمون إلي التيار الاسلامي و علي رأسة جماعة الاخوان المسلمين فقط لا يتذكرون إلا صراعهم علي السلطة معة و الاعتقالات فقط لا غير ، وأيضا بعض الليبراليون ممن يعتبرون"ترموميتر "النجاح و الفشل لديهم أمرين هما حرية السوق و العلاقات المتميزة مع الغرب و خصوصا الولايات المتحدة و إسرائيل علي استحياء!! ، النوع الثالث الرومانسي قليل المعرفة ممن يختلط الامر عليهم و استقوا معرفتهم من أفلام السينما أو بغبغانات برامج "الردح شو" الليلية وخلطوا الحاضر بالماضي بمنطق أعوج ساعد فية بعض أشباة المثقفين ممن لا شغلة لهم في الغالب فأطلقوا اليوم علي أنفسهم اسم "نشطاء" ولا أعرف حقيقة معنى أو مدلول واضح للكلمة !!.
و أعتقد أنة قد حان الوقت لتفنيد بعض هذة الجهالات الساذجة الحنجورية من هؤلاء الذين لا يفهمون معنى الثورة إلا بهتاف واحد هو "يسقط يسقط حكم العسكر" فقط لا غير باسلوب بغبغاني بهلواني يثير الرثاء !!. ولتكن البداية
أولاً:تأسيس حكم العسكر . ناصر مؤسس حكم العسكر المستبد الذي امتد ستين عام الذى انتهي بناء بمبارك و المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي حكم البلاد بعد تنحي مبارك ،و هنا نعود لنتذكر "محمد علي" الذي أسس لحكم أبناءة من بعدة و الذى امتد مائة عام تعرضت فيها مصر للاحتلال البريطاني بخيانة الخديوي توفيق و بالاضافة إلي ما لا يعد ولا يحصي من الكوارث الذين تسببوا بها و لم ينتهي حكم هذة الاسرة إلا بقيام ثورة 1952 و رغم ما حدث هل تستطيع أن تلوم "محمد علي" صانع النهضة علي ما صنعتة أسرتة لتجعلة أسوء حاكم لمصر أو أنة لم يقدم لمصر شيئاً أو أنك لا تذكر لة شيئا إلا تأسيس حكم أسرتة ؟!بالطبع لا .
ثانيا:التخلص من محمد نجيب و اعتقالات السياسين . ناصر اعتقل محمد نجيب و كذلك السياسين و المثقفين ، وربما نعود لتجربة محمد علي لنري أنة بعد أن استتب لة الامر تخلص من عمر مكرم نقيب الاشراف و أحد أهم من لعب دوراً كبيراً في تولية محمد علي للحكم و أن يستتب لة الامر و لكن عندما شعر محمد علي أن عمر مكرم أصبح عائق أمام تحقيقة لمشروعة الكبير تخلص منة و تم نفية ، ثم كان العائق الآخر فى مماليك مصر المنتشريين في الاقاليم و هم أيضا يدافعون عن نفوذهم و مصالحهم و التي تعتبر عائق في طريق محمد علي فتم تصفيتهم في مذبحة المماليك في القلعة ، و رغم ذلك هل يستطيع أحد اليوم أن يقف ليلعن محمد علي لانة نفي عمر مكرم و تخلص من المماليك و أن يختزل الرجل في هذا الامر فقط لا غير ؟! بالطبع لا .
ثالثا:حروبة الخارجية التي بددت ثروات مصر . ناصر تسبب في كوارث عسكرية و حروب خارجية لم تكن لنا علاقة بها مثل حرب اليمن ، و نعود أيضا هنا لمحمد علي الرجل الذي خاض حروب كثيرة فمثالا نذكر منها حربة في بلاد اليونان أو"حرب المورة" التي أرسل إليها محمد علي القوات المصرية لتحارب في معركة لم يكن لنا فيها ناقة ولا جمل مما أدي إلي حدوث مواجهة مصرية أوربية في ذلك الوقت كان من نتائجها التدمير الكامل للاسطول المصري في معركة"نافارين " البحرية ، و رغم هذة الخسارة العسكرية الكبيرة هل يستطيع أحد عندما يقيم محمد علي و تجربتة بحروب اليونان و هزيمتة فيها ليكتب عنة أنة فقط هزم فى الحرب ؟! بالطبع لا .
رابعاً:انتهي بهزيمة 1967 . انتهي ناصر و تجربتة بهزيمة عام 1967 ، و نعود أيضا لتجربة محمد علي لنري أن الرجل بعد أن دخل بلاد الشام و تدخلت الدول الاوربية لمنعة من اسقاط الدولة العثمانية الضعيفة و اكتشف أن فرنسا لن تساندة و أنة سيواجهة القوي الكبري بمفردة تنازل و عقد معاهدة لندن عام 1840 التي أعادتة إلي داخل الحظيرة العثمانية مع إعطاءة حكم مصر لة و لاولادة من بعد فقط لا غير مع تخلية الكامل و المطلق عن مشروعة و توقفة عن اصلاحاتة في البلاد و بذلك انتهي ، و لكن هل يستيطع أحد اليوم في تقيم الرجل أن يتوقف و ألا يري في محمد علي إلا استسلامة في المعاهدة؟! بالطبع لا .
تعتبر هذة النقاط هي أبرز التهم الموجهة ضد ناصر اليوم و لكنها تستخدم اليوم كحق يراد بة باطل ، فيمكنك أن تنقد الاخطاء التي وقع فيها الرجل لكن لا يمكنك أبدا أن تنكر دورة و تجربتة و اضافتة الكبيرة للتاريخ المصري ، فأنا هنا لا أدعو إلي تقديس الاخطاء أو الاشخاص بل أدعو إلي احترام التجربة و إعادة قراءتها بالصورةالسليمة التي تتيح لنا التعلم لماذا فشلت مشاريع هؤلاء الرجال ، و لماذا لم يحققا النهضة المرجوة ، لماذا سقطت مصر ثانية في بئر الجهل و الفقر و التخلف ، السؤال قديم و الاجابة تحتاج إلي مزيد من البحث ، فإن الامة تعيش اليوم أزمة حضارية طاحنة تعصف بنا و كلما مر الوقت ازداد الامر صعوبة .
إن الامم التي لا تحترم تاريخها و تجعل منة ساحة لتصيفة الحسابات السياسية و الفكرية هي تلوث الحاضر و تشوة المستقبل .
#محمود_عبدالحى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلام في التاريخ :ثورة يوليو و محمد علي و أشياء آخري.
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|