|
الحرب العالمية الثانية ... درس لا ينبغي أن ينسى....(الأخير) ..؛؛؛
علي الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 3798 - 2012 / 7 / 24 - 01:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
استعرضنا في الجزء السابق من مقالنا هذا محاولات الزعيم البريطاني جرجيل لاقناع الرئيس ترومان بالانضمام اليه في تشديد الضغوط تجاه الاتحاد السوفييتي حول بولندا وأوربا الشرقية. الرئيس ترومان من جانبه متفق مع الرئيس البريطاني على أن اجراء محادثات مستعجلة مع الروس مطلوبة وضرورية ، لكن هل التحدث مع ستالين سيثمر أي شيئ؟ وهل هناك أي شيئ يمكن أن يقوم به الحلفاء؟ جرجيل يعتقد أن ذلك ممكن ، ويمكن أن يذهبوا للحرب مرة أخرى. فبعد انتهاء خطابه الذي وجهه للجماهير المحتفلة بيوم النصر في 8 /5 من عام 1945من شرفة بناية مقر الحكومة عاد الى قاعة الاستراحة حيث مساعديه ، كان حينها دائم التحدث عن خيبة أمله في الروس وتصرفاتهم في شرقي أوربا وعن حزنه لمصير بولندا. وفي اليوم التالي دعي الى مقر الحكومة في داونغ ستريت السفير السوفييتي فيدر جوسيف على الغداء وأعطاه فكرة عما يشعر به. وقد سجل الروس ما دار من محادثات في ذلك اللقاء ومشاعر جرجيل بخصوص بولندا ومحاولات السوفييت للسيطرة على ترييستا ومنع الممثلين الدبلوماسيين البريطانيين في فيينا وبرلين من مزاولة نشاطهم في مقرات أعمالهم. خلال عدة أيام بعد استسلام ألمانيا جمع جرجيل قياداته العسكرية واستفسر منهم عن امكانية قيام القوات الأنكلو- أمريكية بهجوم لاخراج السوفييت من أوربا. وقد طلب من المخططين العسكريين أن يقرروا الوسائل التي تجبر روسيا على تنفيذ رغبة الأمريكيين والبريطانيين لضمان اتفاق حول بولندا. وقد أعلموا بأن يأخذوا بنظر الاعتبار التأييد الساحق للرأي العام البريطاني والأمريكي ، وأن يكون في حساباتهم أن قوات ألمانية وما تبقى من القدرات الصناعية الألمانية ستكون تحت تصرفهم. وبعبارة أخرى ان القوات االعسكرية الألمانية سيعاد تشكيلها وتجهيزها لتنضم الى جانب الغرب ، وان هناك تاريخ قد حدد لتلك العملية ضد الروس هو الأول من تموز 1945. لقد فوجأت وأصيبت بالرعب مكاتب وزارة الخارجية البريطانية وقائد الجيش السير ألن بروك الذي كتب في مذكراته الشخصية لاحقا يقول : " لقد ولد ونستون في نفسي شعورا بأنه يذهب مرة أخرى للحرب". ( وزير الخارجية أنتوني ايدن كان على اتفاق مع خطة رئيسه بعكس موظفي مكتبه – المترجم) كان جرجيل قد أحيط علما بأول تجربة لقنبلة نووية ناجحة وبذلك يكون السلاح النووي للولايات المتحدة قد أخذ بالحسبان عندما قرر أن يذهب للحرب مع السوفييت. وبناء عليه كان يريد ان يجبر ستالين للركوع على قدميه أثناء الاجتياح الذي كان قد خطط له. وفي حواره مع قائد الجيش الن بروك قال : " نحن نستطيع أن نقول لهم اذا اصروا على قول أفعل هذا أو ذاك فنحن عندها سنحرق موسكو ثم ستالينغراد ثم كييف وغيرها." حاول قائد الجيش باخلاص وضع رئيس الوزراء أمام عدة خيارات يمكن للجيش البريطاني التحرك وفقها ضد الروس. كانت تلك الخيارات بحاجة الى مهارات لتصوير ردود الأفعال غير المتوقعة خلال تنفيذ الاجتياح الذي يفكر به رئيس الوزراء خلال ولايته. لا يحتاج المرء لمزيد من المعرفة بان خططا حساسة خارقة للعادة كهذه لابد أن تكون محاطة بسرية تامة ، ولا حاجة للقول بأن ستالين على علم مسبق بما يجري في الجانب البريطاني. فواحدا من عدة جواسيس له في مقر الحكومة البريطانية نقل الى موسكو " بأن تعليمات مهمة قد نقلت على وجه السرعة من لندن الى الشخصية العسكرية البريطانية المرموقة في ألمانيا وهو الفيلد مارشال برنارد مونتغمري يستعجلونه بالاحتفاظ بالاسلحة الألمانية التي تحت تصرفه من أجل استخدامها مستقبلا". لكن الكرملين من جانبه أبقى تعليمات جرجيل التي حصلوا عليها سرية ، ولم يكشف النقاب عنها الا عام 1998 عندما تم الكشف عن الأرشيف الحكومي ، اي بعد حوالي نصف قرن. لقد جاء في ذلك التقرير أن المخططين العسكريين قد نقلوا وبسرعة تحفظاتهم على الخطة لرئيس الوزراء جرجيل، موضحين بأن الروس ربما يكونون قد وضعوا نفس التاكتيك الذي استخدموه بنجاح مع الألمان وبذلك يكونون قد وضعوا الخطة البريطانية في موضع تساؤل. وفي الحقيقة ليس هناك حدودا للمساحة التي ستكون ضرورية للحلفاء لاختراق روسيا ورد أي مقاومة تقوم بها. وقدر المخططون بأن تنفيذ العمليات سيحتاج الى 47 فرقة عسكرية ، وبضمنها 14 فرقة دبابات ، و40 فرقة احتياط تكون جاهزة للدفاع ضد أي هجوم. وفي مقابل ذلك يقول التقرير أن الروس قد يزجوا في المعارك ضعف عدد الدبابات التي في حوزة الحلفاء ، واذا كنا سنخوض حربا مع الروس فيجب علينا الاستعداد للقبول بحرب شاملة وطويلة ومكلفة. وعن موضوع تسليح الألمان المهزومين وزجهم في المعارك الحربية من جديد ، فان المخططين يخشون من امتناع العسكريين السابقين عن المشاركة فيها لكونهم قد خرجوا لتوهم من حرب مريرة في الجبهة الشرقية. قادة الجيش يعرفون بدون شك ان الهجوم غير عملي من أجل تحرير بولندا. وقد كتب الجنرال بروك في مذكراته ، بأن " الفكرة بالطبع ممتازة ،أما ان تكون لها فرصة النجاح فهو أمر مستحيل ، إذ ليس هناك شك أبدا بأنه من الآن فصاعدا تبقى روسيا هي القوة الأقوى في أوربا ، وكل الأدلة تقول بأن تلك العملية الخارقة هي بالضبط " عملية خارقة". لقد أرسلت الخطة الى رئيس الوزراء في الثامن من يونيو مرفقة برسالة متضمنة رأي القيادات العسكرية في حالة التحرك للهجوم على روسيا ، وجاء فيها : " نحن سنكون ملزمين باعاقة الحرب ضد العدو الغريب ، " ليس هناك أي أمل في هزيمة الروس من دون مساعدات كبيرة من موارد الولايات المتحدة ". ماذا بعد. اذا لم يساهم الأمريكان في العملية .. فسيكون جرجيل في وضع حرج .؟ اذا انسحب الأمريكان من مثل هذه العملية فان بريطانيا ستتضرر بشكل فظيع ، واذا كان للروس القوة للتقدم نحو بحر الشمال والأطلسي ، عندها سنكون وكأننا في عام 1941 من جديد. كان الجنرال براي قد سجل ملاحظة حول الخطة الخارقة قبل أن ترسل الى رئيس الوزراء للتقييم من قبل خبراء عسكريين مستقلين. قام براي باجراء دراسة أجاب فيها على السؤال التالي : كيف سندافع عن جزيرتنا ؟ وقد أخذ في الاعتبار فرنسا والدول المنخفضة في أوربا كبلجيكا وهولندا التي ليس لها القوة العسكرية لمقاومة التقدم الروسي نحو البحر. واضاف بأن الخطة الخارقة يجب الاحتفاظ بها من أجل أن يدرك القادة العسكريون بان الخطة بعيدة الاحتمال ، وهذا ما أرجوه ، وأرفقها بملاحظته. لكنه قبل قيامه بارسالها تناول قلما أحمرا ورسم خطا تحت الكلمات الثلاثة الأخيرة " الحدث البعيد الاحتمال". درس الخبراء العسكريون تساؤل براي : كيف سندافع عن جزيرتنا في حالة تقدم الروس نحو القناة الانكليزية ؟ ويقصد هنا بالشريط البحري الذي يفصل بين فرنسا وبريطانيا ويتصل أيضا ببحر الشمال - المترجم). وقد لخصوا رأيهم بالقول ، ان القوات البحرية الروسية محدودة الى درجة لا تستطيع رد هجوم البرمائيات عند بدء العمليات ، واستبعدوا قيام الروس بتهديد جوي. ورجحوا بأن موسكو قادرة على توجيه ضربات صاروخية كثيفة أعنف من تلك التي قام بها الألمان ضد بريطانيا. ومن أجل الدفاع عن بريطانيا في حالة التهديد قدروا الحاجة الى 230 فرقة قتالية بحرية و300 فرقة هجومية. وبعد بضعة أيام من المحادثات ورد الأمر من مجلس الوزراء بالغاء الخطة العسكرية البعيدة الاحتمال. فقد وصلت رسالة الى رئيس الوزراء البريطاني من الرئيس ترومان ، قال فيها بوضوح أنه ليس هناك أية امكانية مهما كانت قليلة للولايات المتحدة بقيادة هجوم لاجبار روسيا للخروج من بولندا عن طريق القوة ، أو حتى عن طريق تهديد موسكو باحتمال عملية عسكرية ضدها. كان ونستون جرجيل يعلم في قرارة نفسه بأن منع اقامة نظام استبدادي من قبل الجيش الأحمر غير ممكنة لا بالدبلوماسية ولا عن طريق القوة .في السنين التي تلت الحرب أصبح واضحا أكثر من أي وقت مضى بأن على الحلفاء الغربيين أن يتبنوا أقوى وسائل الدفاع ضد أي اعتداء سوفييتي جديد في أوربا. وفي آب 1946 شعرت القيادات العسكرية الأمريكية بأن هناك أزمة مع الروس تثير الخوف ، ولذلك فان خطة عسكرية يجب أن توضع تحسبا للاحتمالات. وبنتيجة ذلك عادت لندن الى الملف والى " الخطة البعيدة الاحتمال " التي أعدت في عهد ونستون جرجل الذي لم يعد رئيسا للوزراء ، فقد فشل في اعادة انتخابه بعد تعرض حزبه حزب المحافظين الى اكبر هزيمة انتخابية في تاريخه. ويبقى من غير المقبول سياسيا أو عسكريا أو عمليا التحضير للصدام مع الاتحاد السوفييتي ، لكن الوضع سيبقى هكذا في حالة تأهب خلال الحرب الباردة. لقد أثبت جرجيل بأن الحرب الجديدة هي " الحرب الباردة ". كان لجرجيل بصيرة وحيدة ، لكن في الحالات البالغة الخطورة تنقصه البصيرة تماما ، فالمحارب الهرم قد منح القليل من الاهتمام للكيفية التي ستتعامل بها بلاده مع السلم. علي ألأسدي * Max Hastings, 70th anniversary of the outbreak of World War 2 , part 8 , Mail Online, 25/8/2009
Operation unthinkable : How Churchill wanted to recruit** defeated Nazi troops and drive Russia out of Eastern Europe , part 9, by : Max Haistings. *** Read more: http://www.dailymail.co.uk/debate/article-1209041/Operation-unthinkable-How-Churchill-wanted-recruit-defeated-Nazi-troops-drive-Russia-Eastern-Europe.html#ixzz216544ghz
#علي_الأسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب العالمية الثانية ... درس لا ينبغي أن ينسى ...(3)...؛؛
-
الحرب العالمية الثانية ... درس لا ينبغي أن ينسى ...(2)...؛؛
-
الحرب العالمية الثانية ... درس لا ينبغي أن ينسى....(1) ..؛؛؛
-
السباق الرئاسي في الولايات المتحدة ... بين السيئ والأسوء ..(
...
-
السباق الرئاسي في الولايات المتحدة ... بين السيئ والأسوء ...
...
-
كيف تكون كاتبا مذموما .. في هذا الزمان النحس...؛؛
-
في يوم الأب ...؛؛
-
الشيوعيون اليونانيون... وآفاق التغيير بعد انتخابات الأحد الق
...
-
الاغتصاب ... والزواج بالاكراه ..
-
رسالة إلى أبيها..
-
عندما أحببتِ غيري ..؛
-
انهيار اليورو.... أم إفلاس اليونان ...أم كليهما...؟....(الأخ
...
-
انهيار اليورو.... أم إفلاس اليونان ...أم كليهما...؟....(4)..
...
-
انهيار اليورو.... أم إفلاس اليونان ...أم كليهما...؟....( 3).
...
-
انهيار اليورو.... أم إفلاس اليونان ...أم كليهما...؟....(2)..
...
-
انهيار اليورو.... أم إفلاس اليونان ...أم كليهما...؟....(1)
-
الصين والغرب .... في القرن الحادي والعشرين ...( الجزء الأخير
...
-
الصين والغرب .... في القرن الحادي والعشرين ...( الجزء الثاني
...
-
الصين والغرب ... في القرن الحادي والعشرين .....الجزء الأول
-
دروس من ثورتي أكتوبر 1917 وكومونة باريس عام 1871
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|