أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - أصيح بالغيوم امطريني















المزيد.....

أصيح بالغيوم امطريني


صبري هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 3797 - 2012 / 7 / 23 - 13:46
المحور: الادب والفن
    


***
أصيح بالغيومِ امطريني
***
أنا العابرُ نحو الليل
حينَ بِوحْشَتي يَطولُ المقام
اُلْبِسُ المساءَ تاجاً مِن زَهْرِ البراري
وأظلُّ أَرْعى الطّيرَ العابرَ عندَ الغروب
كيفَ يَتَشَكّلُ أسراباً
وكيف يَتَعَشّقُهُ ـ كلّما شفَّ ـ الغَمَام
وحين عن الجميعِ أَمْضي مُبتَعداً
وحين إلى جَسَدي يَدُبُّ الوَهَنُ
أصيحُ بالغيومِ يا غيوم امْطريني

***
أنا العابرُ نحو الليل
مَن يُعيدُني إلى مكاني ؟
مَن يُعيدُني إلى سيرتي الأولى ؟
جَسَدي يُضيءُ الطّريقَ
هذا المساءَ عثرتُ عليهِ مُنسَكباً
كشلاّلِ نورٍ يغمرُ الأمكنةَ
وأشباحُ نسوةٍ مِن حوليَ تُحمِّلُ قافلةً بما فاضَ مِن حاجةِ الأرصفةِ
مَن يَمْنَحُني زهرَ الزّمان
قدري ألاّ أتوسّدَ خدَّ وردةٍ فارقتْ نوعَها في الجوارِ
نحوي انحدرتْ
وكانت أَبْوابُ حَدائقي مشرعةً
ولا حاجزَ وهمياً في المدى يصدُّ الرِّيحَ عنّي
أنا مشرعٌ للريحِ
أُغْويها فما تَدْخلُني
أدعوها فما تَقْلِعُني
جَسَدي ساحلٌ مهجورٌ أَوْحَشَهُ الرّملُ
وبه غدرَ العابرون
جَسَدي غابةٌ أحرقَها الغزاةُ
ونثروا في المدى رمادَها
جَسَدي بكلِّ أصنافِ الفجائعِ موشومٌ
أبحثُ عن أجزاءٍ منهُ توزّعتْ في الأنحاءِ
صارتْ كلَّ الأشياءِ
جسدي يُضيءُ بقعةً في الظلامِ
فمَن يُعيدُني إلى حالتي الأولى ، إلى صورتي الأولى ؟
مَن يُعيدُني إلى مدينتي الأولى
أنا العاشقُ ؟
وثمة مَن في الأمرِ يُجاهرُ :
لا تُغمضْ العينَ فعينُ العاشقِ لا تنام
ودهرُكَ عاهرٌ لا يُعاتبُ أو يُلام
لا تَُغمضْ عيناً
حتى تعودَ إلى صورتِكَ الأولى
شقيّاً أدمَنَ الضّيمَ في زمنٍ
المرءُ فيهِ لا يَشْقى أو يُضام

***
عابرٌ نحو الظلامِ
والطريقُ عنّي تَحيدُ
سأفْجَعُها إنْ ذَكّرْتُها بطفولةٍ اخْتَطَفَتْها المسافةُ
إذاً لن أُعيدَ إليها ذاكرةً
الطريقُ أنْكَرَتْني تماماً
قالت سأَحْمِلُكَ الآن فحَسب
وإلى المكانِ الذي تُريدُ لن أُعيدَكَ ثانيةً
أهي نَسيتْني أم تَناسَتْني ؟
لكنني سأعودُ
إلى حيثُ أُريدُ ثانيةً حينَ أجعلُ مِنْها راحِلَتي
وهي لن تَهْجرَني
وعليَّ بامرأةٍ تَمنُّ
الطريقُ تُغْويني بفاتنةٍ
لكنني
كيف سأكتبُ هذهِ الفتنةَ قصيدةً ؟
كيف أَرْسمُها بالكلماتِ ؟
وقد استعصتْ عليَّ المَدَاخِلُ ونحوي تدّفقَ الصَّهيل
وأنا أتجلّدُ على حَيْرَتي

***
أنا العابرُ نحو الليلِ
لم تَسْتيقظ الكائناتُ مِن خَدَرٍ
برلينُ مازالت تتنفّسُ سحرَ زيزفونِها
والندى يتسكّعُ بين الظلالِ
في شارعِ أُنتر دين لِنْدِن
وتحت سطوةِ أريجٍ مُدَوِّخٍ
مازالت الصّدورُ منذُ البارحةِ
مرسومةً بالعيونِ
ومنذُ البارحةِ تعلّقتْ بالصدورِ عيونٌ
ومنذُ البارحةِ
لم يأتِ الهنودُ الحُمرُ كما عرفوا المجيءَ
إنّما الساحةُ بدونِ أنغامِهم لم تَعُد خلواً
بل أمستْ صاخبةً
بإيقاعاتٍ مُنفرةٍ ، لحاجةِ روحي لا تُلبّي
والميدانُ ، بعد المَغيبِ ، بالأرواحِ ظلَّ مُزْدَحِماً
منذُ ألفِ عام
الشمسُ طوتْ خَيْمَتَها وارتَحَلتْ
ثم سكبتْ آخرَ أنةٍ مِن دلالِها وكفّتْ عن التَّغنُّجِ
وأنا ملتاعٌ أمام
" السّاعةِ العالميةِ " التي
نحو عَدَساتِ السّيّاحِ راحت تَنْجَذِبُ
تنقادُ بيسرٍ إلى هوى الفاتناتِ
الساحةُ مُكْتَظّةٌ
وفي الطّرفِ البعيدِ ملكُ البحارِ يَشْحنُ رذاذَ فحولةٍ ومِن حولِهِ تتطايرُ الحورياتُ
يتصيّدُ نسوةً حقيقياتٍ مِن لحمٍ ودمٍ
بينما الأجسادُ المشبوبةُ لرغبتِهِ تَسْتَسْلِمُ
وأنا في انتظارِ الهنودِ الحمرِ الذين غاروا في الزّمانِ
هل دَخَلوا بيتَ غوايةٍ لسِحرِ النّساء
أَم قَرروا ألاّ يَعودوا هذا المساء ؟
وأنا في اشْتِياقٍ

***
أنا طائرٌ لا يحطُّ إلاّ حين يكفُّ عن التّحليقِ يمام
في سمائي سيطولُ بيَ المقام
أنا العابرُ نحو الليلِ
إنْ رَقّتِ الزّهرةُ راقَ النّسيمُ وراحَ حلمٌ أصفرُ بعد المَغيبِ يُطوِّقُ خصرَها
يمضيان عُراةً في رقصةٍ أبديةٍ
وبين يديهِ تظلُّ تميسُ وتشهقُ :
ما ألذَّ عناقَ الحبيب !
مِن الحُلمِ ستنجبُ أطيارَ ندىً بها تكتظُّ السّماء .

***
أنا العابرُ
طفلُ الضّفافِ السّماويةِ
غُرفتي سلّةُ وردٍ مرفوعةٌ مِن عُنقِ الطِّيبِ إلى صدرِ الصالةِ
غُرفتي ثُريّا في كأسِ نبيذٍ
كلّما فارقتْها الشّفاهُ أفلَ ضوؤها وظلّت تُناجي بلُّورَها
وأنا طائرٌ يحومُ في سماء المدِيْنةِ
عصراً أتركُ نوافذَ غُرْفَتي مُشرعةً لعودةٍ مُحتَمَلةٍ
فبعد أنْ ينهكَني الحومُ أعود وقد تركتُ أَجْنِحَتي للرياحِ
لنسوةٍ يتعلّمْنَ الطيرانَ توّاً
وعندَ السّحَرِ أسمعُ فوقَ نافذتي خَفْقَةَ جنحِ يمامةٍ
جاءتْ وقد كلّفتْها آخرُ النساءِ بما تبقّى مِن ريشِ الجناحِ .

***
أنا طائرٌ ناريٌّ حول الميدانِ أحومُ
كلّما حاولتُ أسكنُها تُعيدُني إلى الأرضِ السماءُ
منها قطعةً سوف أقتطعُ
وأُذيبُها في قدحِ الشّاي مثلَ قطعةِ سُكّر
أو أَبْتَني مِنها بيتاً صيفياً
أنا طائرُ الخرابِ
أنكأُ جُرحَ الرِّيحِ حتى بجسدي تعصفَ
حينَ تجنُّ
أنا طائرٌ ثلجيٌّ ملولٌ مُتقلبُ الهوى
فما أشقى حياةَ الرِّيحِ معي
حين تؤاخيني !

***
أنا طائرُ الرّحيلِ الأبديّ
مَن يُعيدُني إلى صَحْوَتي ؟
إلى سِيرَتي الضائعةِ بين تفاصيلِ الرِّيحِ ؟
مَنْ يَقْرأُ فنجاني المُتَجَسِّدَ في غيمةٍ عابرةٍ ؟
كنتُ أبحثُ في رأسِ القمّةِ عن سقطِ متاعِ الطّيرِ
***
أنا العابرُ نحو الليلِ
الذي لا يمكثُ في الذَّاكرةِ طويلاً
سأعودُ إلى غرفتي وقد تركتُ سيرةَ الطّيرِ ورائي
أعودُ لأرى
وردةً طائشةً تطلُّ مِنِ الشّرفةِ وتَرْمي النِّساءَ العابراتِ بالفجورِ .
تلك وردةٌ آثرتْ الفضيحةَ وباتت مُتهورةً
فمَن أرادَ أنْ ترشقَهُ بعطرِها لا يتجنّب شرفةً آثمةً .

***
أنا العابرُ نحو الليلِ
طائرُ الصمتِ
أعودُ وقد
قَطَرَتْني على أَرْصِفةِ الدَّهشةِ امرأةٌ
بأجنحةِ الصَّهيلِ تَطير
امرأةٌ التهبتْ
حين فوقها أجهشتْ أضوائي
فأشرقتْ تحت الثِّيابِ السُّودِ
فِتْنَةُ الجَسَدِ
استفزتْ عيونَ الخَلْقِ
واستحى النّجمُ
امرأةٌ ليستْ كالنِّساءِ
حين تمشي
وحين تطرفُ ذاتَ اليمينِ
وذاتَ الشِّمال
امرأةٌ تأسى المسافةُ
حين تمضي
وتطربُ ـ حين تُقْبلُ ـ أحلامُ الطَّريقِ

***
انتظرتُ أنا المُتعجِّل
ومِن الحافلةِ التي جاءتْ أخيراً
تَرَجَّلَ القمرُ
وبين أعطافِ الرَّصيفِ أَطْيابُ فتنةٍ عَبِقتْ
صَبيّةٌ لم تكن حَسْناءَ المساء
إنما في قالبِها
صبَّ الخالقُ عالَماً مِن السِّحرِ
ملاكٌ غادرَ الحافلةَ
فأجفلَ المدى

***
أنا العابرُ نحو الليلِ
في أَعْلى البُرجِ
رأيتُ مَنْ يَقْطَعُ أَعْناقَ النَّجْمِ
ويلتهمُ وجهَ القمر
ورأيتُ ـ حين إلى الأسفلِ نظرتُ ـ
في مجرى النَّهر
مَن يَصطادُ الأشرعةَ
ويمنعُ السَّفر


13 ـ 7 ـ 2012 برلين

***



#صبري_هاشم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جفّت مياهُكَ
- ذاكرة أرخبيل
- صباح الخير أيُّها المُرْتَحِلُ
- حجرٌ في المتاهة
- بكلِّ الانكساراتِ ارتحلي
- موحشات الشارتيه
- حديثٌ لعليٍّ
- غريب ما بين عدن و برلين
- لا تخذليني كالربيع
- ستائر مؤرَقة
- قمرٌ لليلِ المدينة
- مأساة الجاهلي
- قصائد مُهْمَلة
- لقد رَحَلَ البنّاءُ .. أيُّها البرديُّ فارحلْ
- بلادي التي ما أحببتها
- بوح المسافر للسفر
- على مشارف الستين
- لم نرَ المأتى
- ليل الشبيبي
- أربع قصائد


المزيد.....




- معرض مسقط للكتاب يراهن على شغف القراءة في مواجهة ارتفاع الحر ...
- علاء مبارك يهاجم ممارسات فنانين مصريين
- وزير الثقافة التركي: يجب تحويل غوبكلي تبه الأثرية إلى علامة ...
- فيلم -استنساخ-.. غياب المنطق والهلع من الذكاء الاصطناعي
- بردية إدوين سميث.. الجراحة بعين العقل في مصر القديمة
- اليمن يسترد قطعة أثرية عمرها أكثر من ألفي عام
- -قره غوز.. الخروج من الظل-.. افتتاح معرض دمى المسرح التركي ف ...
- لقطات -مؤلمة- من داخل منزل جين هاكمان وزوجته وتفاصيل مثيرة ح ...
- من السعودية إلى غزة.. قصة ’فنانة غزية’ تروي معاناة شعبها بري ...
- سفير روسيا في واشنطن: الثقافة يجب أن تصبح جسرا بين الدول


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - أصيح بالغيوم امطريني