|
في ذكرى وفاة عالم الاجتماع د. علي الوردي - الوردي وهذا المزيج الانتقائي من النظريات-
عصام عبد العزيز المعموري
الحوار المتمدن-العدد: 3788 - 2012 / 7 / 14 - 23:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في ذكرى وفاة عالم الاجتماع د.علي الوردي الوردي وهذا المزيج الانتقائي من النظريات
يقول الباحث د.فالح عبد الجبار : ( ان الباحث عن فكر بلا نقائض ، ومناهج بلا تلاقح ، فلن يجد مسراته الا في مقابر التاريخ ، حيث السكون المطبق ) ، فهل استطاع الوردي أن يؤسس لمدرسة عراقية في علم الاجتماع وهو الذي يتّهم بأنه قد اقتبس فرضية ( صراع البداوة والحضارة ) من ( مكايفر) وفرضية ( ازدواج الشخصية ) من ( ابن خلدون ) وفرضية (التناشز الاجتماعي ) من ( اوغبرن) ؟ لقد استطاع د.علي الوردي أن يختط لنفسه منهجا" في علم الاجتماع في العراق ربما يحق لنا أن نسميه ( المنهج الوردي ) وانتقل بعلم الاجتماع من البرج العاجي في أروقة الجامعات الى البحث الميداني البحت فكان لا يتردد بالذهاب الى دور المومسات مثلا" لدراسة استقصائية لسلوك هذه الشريحة فصادف أن رآه يوما" أحد أقربائه في مبغى فسأله عن سر تواجده في هذا المكان فأخبره بأنه جاء للقيام بدراسة ميدانية كلّف بها من قبل الكلية لدراسة هذه الشريحة فبادره قريبه بالقول : ( هذه كلية لو كلجية ) ! واستطاع أن يقف على مسافة واحدة من كل التيارات الفكرية والسياسية في العراق في وقت كانت فيه الأفكار اليسارية والقومية والدينية هي المهيمنة وكانت فلسفته في علم الاجتماع تقوم على التبسيط والموضوعية ( التجرد عن الذات أو الهوى ) فلذلك كان يحضى بجمهور لا نظير له كما" ونوعا" فلم يعهد جمهورنا أن يرى أكاديميا" متخصصا" يبسّط أكثر المفاهيم صعوبة بشكل يستوعبه الجميع ويصاحب ذلك سرد للكثير من الطرائف التي تدعم طرحه ، وقد قسّم ( نبيل العطية ) طرائف الدكتور علي الوردي في كتاباته الى ثلاثة أنواع هي طرفة المشاركة ( التي يكون الوردي هو نفسه جزءا" من مشهدها الطريف ) والطرفة المروية ( المنقولة شفاها" من الناس ) والطرفة المقتبسة ( من المراجع التي اعتمد عليها) ، وقد شكّك د.حسين علي محفوظ بمدى صحة حدوث هذه الطرائف حيث قال : ( كل الطرائف التي يرويها الوردي هي من تأليفه وتلحينه ) ! لقد كان الوردي يسبح ضد التيار فخالف كل ما هو مألوف لا لشهرة أو حب للظهور وانما كان يدرك أن مهمته تنويرية حسب اعتقاده على الرغم من الحملة التي شنها ضده الكثيرون من مختلف الاتجاهات الفكرية فقال عنه أحد أئمة الجمعة في بغداد : ( ان أسباب الفساد في البلاد ثلاثة هي الخمر والميسر وعلي الوردي ) وقال عنه استاذ اللغة العربية في جامعة بغداد وقريبه د.عبد الأمير الورد : ( الوردي ليس شاعرا" ولا فنانا" ولا سياسيا" ولكنه ملأ الدنيا وشغل الناس بأوسع مما فعله أي شاعر أو فنان أو ذو فكر سياسي ) حيث اختلف الكثيرون في تصنيف توجهاته الفكرية فمنهم من وصمه بأنه عميل أمريكي لأنه يدعو الى منهجية علمية محضة تعلمها في الولايات المتحدة ومنهم من اتهمه بالماسونية ومنهم من حسبه شيوعيا" لأنه لم يبجّل المتدينين ورجال الدين ولم يعطهم هالة من التقديس وكانت له آراء في الفقه أثارت سخط الكثيرين منها أنه كان يعتقد أن تناول كوب من الخمر غير ذات ضرر بل كما يقول الوردي بأنها منعشة للذهن ومحفزة على الكتابة والانجاز ! اضافة الى أن للوردي صلاته الخاصة به والتي لم يعهدها الكثير من المسلمين ان لم يكن جميعهم وهي التي يسميها ( صلاة الصوفية ) والتي يؤديها وهو يمشي على جسر الأئمة عند الغروب حيث يقول الوردي : (( اني أميل الى طريقة المتصوفة في عبادة الله ومخاطبته وهذا هو الذي جعلني أصلي لربي على جسر الأئمة عند الغروب في بعض الأيام وخاصة عندما تكون في السماء بعض السحب المتناثرة التي تنعكس عليها أشعة الشمس الغاربة ، فاني أجد في ذلك منظرا" رائعا" يقربني الى الله ويحفزني الى الدعاء اليه والاستعانة به .. ومن المؤسف أن أقول أن هذا النوع من الصلاة لا يرضى عنه بعض الناس ، ولاسيما اولئك المتزمتون ، وقد حدث لي ذات مرة أن شاهدني أحدهم وأنا في تلك الحالة الصوفية فصرخ في وجهي شاتما" ونطق بكلمة بذيئة شتمني بها وشتم صلاتي ولم أجد جوابا" سوى الحوقلة )) وأين نضعه في التصنيف الفكري وهو ينتقد كلا" من الملحدين والمؤمنين بقوله : (( ان الملحد والمؤمن لا يصلحان للبحث العلمي ولا للحكم أيضا" ، فالحاكم الملحد يكره المتدينين من أبناء شعبه ويقسو عليهم ويحاول أن يخرجهم من الايمان الذي هو أثمن شيئ لديهم ، هذا بينما نجد الحاكم المؤمن من الجهة الاخرى يقسو على من هم على غير دينه وربما عدهم حثالات لا حق لهم في الحياة )) ، ففي أية خانة فكرية أو سياسية نضع الوردي وهو يخضع الجميع لدائرة الشك ، ففي علم النفس التحليلي هنالك مبدأ يقول : ( لا سلوك بدون دافع ) فكل سلوك يقوم به السياسيون وغيرهم استنادا" لهذا المبدأ وراءه دافع ما ويقول الوردي : ( ان ما يميز العلم عن العقيدة هو وجود الشك فان وجد الشك وجد العلم ) وما يقصده الوردي بالشك هنا هو الشك العلمي . باختصار كان الوردي ورديا" وخارج كل التصنيفات الفكرية والسياسية وما أحوجنا اليوم الى سياسي يذهب الى المفكر أو المثقف أو الأكاديمي بدلا" من أن يسعى كل هؤلاء اليه . لقد ظل الوردي مثيرا" للجدل في حياته وبعد مماته حيث صدر (12) كتابا" في الرد على آرائه وتحليلاته وهذا دليل حيوية أفكاره . ان دراسة سيرة حياة الوردي تكتسب أهمية استثنائية لأنه شاهد على قرن من الزمان بكل تقلباته الفكرية والسياسية والاجتماعية وكانت تشن ضده حملة شعواء بعد كل كتاب يصدره وكان الناس يشكونه لدى والده حتى أنهم ذهبوا اليه مرة قائلين : سيدنا من المؤكد أن ابنك لا يقول هذا الكلام أمامك فكان يجيبهم : الناس أنواع فمنهم من له وجه واحد ومنهم من له وجهان أما ابني علي فمثل ساعة الصحن له أربعة وجوه ) والوجوه الأربعة لساعة الصحن الكاظمي هي لأنها ترى من جميع الجهات . لقد كان للصحفي سلام الشماع كل الفضل في ابراز ما خفي من شخصية عالم الاجتماع الكبير د.علي الوردي حيث رافقه لسنين طويلة وأتحف القراء بجوانب لم تكن معروفة عن الوردي فله كل التقدير في جهوده هذه .
#عصام_عبد_العزيز_المعموري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معجم مصطلحات طرائق تدريس العلوم ( حرف H)
-
معجم مصطلحات طرائق تدريس العلوم ( حرف G )
-
معجم مصطلحات طرائق تدريس العلوم ( حرف F)
-
معجم مصطلحات طرائق تدريس العلوم ( حرف E )
-
معجم مصطلحات طرائق تدريس العلوم ( حرف D )
-
معجم مصطلحات طرائق تدريس العلوم ( حرف C)
-
معجم مصطلحات طرائق تدريس العلوم - تعديل واضافة على حرف A في
...
-
معجم مصطلحات طرائق تدريس العلوم - حرف B
-
معجم مصطلحات طرائق تدريس العلوم ( 1- حرف A )
-
حوار في النحو وتيسير قواعد اللغه العربيه مع الدكتور علي العن
...
-
بناء برنامج تعليمي - تعلمي للتفكير الابداعي وأثره في العمل ا
...
-
حول ظاهرة انتحار المبدعين
-
مستوى معرفة مدرسي الفيزياء لطرائق تدريس العلوم
-
دراسة استطلاعية لآراء مدرسي ومدرسات الفيزياء حول أسباب عزوفه
...
-
مائة سؤال وجواب في طرائق تدريس العلوم - الفصل الرابع ( الابد
...
-
مائة سؤال وجواب في طرائق تدريس العلوم - الفصل الثالث ( طرائق
...
-
مائة سؤال وجواب في طرائق تدريس العلوم - الفصل الثاني ( أهداف
...
-
مائة سؤال وجواب في طرائق تدريس العلوم - الفصل الأول ( طبيعة
...
-
تدريس العلوم في جامعاتنا باللغة الانكليزية بين القبول والرفض
-
الابداع والتحصيل المدرسي والقطيعة بينهما
المزيد.....
-
السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته
...
-
نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف
...
-
-الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر
...
-
السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
-
نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران
...
-
نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب
...
-
كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
-
تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
-
-مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت
...
-
مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|