خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3785 - 2012 / 7 / 11 - 17:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ فجر الشعب المصري انتفاضته المجيدة, ونجح في انجاز مرحلة اسقاط رموز دائرة السلطة والفساد الرئيسية في مصر, فان هذه الانتفاضة وقعت اسيرة تجاذب رئيسي هو التجاذب الحضاري الايديولوجي السياسي, والذي ينظم وتخدمه في ان واحد باقي التجاذبات النوعية الاخرى, كالتجاذبات الطائفية والنقابية و تجاذبات العدالة الاجتماعية كالنسوية والمعيشية....الخ,
ان المسالة الرئيسية في الثورة لا تقف عند هدف الوصول للسلطة, بل في جعل السلطة اداة الثورة في اجراء تحديث حضاري علمي شامل للنظام القومي, ومجالاته الرئيسية هي صيغة النظام, والصيغة الاقتصادية, وصيغة الحكم, فما مقدار ادراك القوى الثورية المصرية لهذا الامر ووضوحه في برنامجيتها, في مقابل حالة ادراك حقيقية عند قوى الثورة المضادة الرجعية ووضوح في برنامجيتها؟
الانقلاب الرئيسي في صيغة النظام المصري التاريخية:
في كل مراحله التاريخية ما قبل الراسمالية, كان النظام في مصر عرقيا طائفيا طبقيا. فكانت المواطنة المصرية تعرف بحسب سعتها الجيوسياسية, وفي قلب هذا اللامحدد والمتغير الجيوسياسي قبعت صيغة نظام طائفية طبقية, ونظمت الحقوق والواجبات فيه فوقية العرق المسيطر على الحجم الجيوسياسي ومقولة الاكثرية والاقلية, الى ان تبلورت براعم الراسمالية المصرية, ونمت هذه البراعم لتتبلور وتنمو معها صيغة المقولة القومية للمواطنة المصرية والتي تحددت سياسيا بحجم مصر ما بعد انفصال السودان عنها,
ان اهمية ثورة 23/ يوليو/ 1952م, تكمن في انها نجحت في الاستجابة للبرنامجيته السليمة لقفزة التحول التاريخي من الصيغة القومية ما قبل الراسمالية الى الصيغة القومية السياسية الحديثة, وقد تكثف ذلك في وضوح تعريف الشخصية السياسية الاقتصادية الاجتماعية للهوية القومية المصرية, وفي تخليص مصر من الاستعمار, وفي استعادة استقلالية قرارها وحركتها في الصراع العالمي,
اما انجازاتها الثانوية فقد كانت اصلاحية, ان فيما يتعلق بتغيير التركيبة الطبقية للنظام حي اسقط الاقطاع وحلت محله برجوازية من نوع خاص قوامها الدمج بين الرتب العسكرية والرتب البيروقراطية والرتب التكنوقراطية, او فيما يتعلق بالناظم الاقتصادي لعملية الانتاج القومي, حيث فرضت الحماية الجمركية لعملية الانتاج القومي الزراعية والصناعية, او فيما يتعلق بصيغة الحكم الناظمة لعملية ادارة الشان القومي, والتي لم يكن ممكنا الا ان تكون عسكرية بحكم حالصة العدوان والحصار التي تعرض لها النظام القومي المصري الوليد,
ان صيغة الحكم العسكرية هي الصيغة التي تنظم ادارة كل الوضع القومي من اجل تفادي خطر عمل عسكري اجنبي, وهنا علينا ان نلاحظ ان الحكم العسكري في مصر لم يتحقق استجابة لعامل قبض العسكر على السلطة فحسب, بل لان عامل الصراع مع الاجندات العسكرية الاجنبية هو الذي فرضه فرضا على مصر, وقد انتهى ذلك في عهد السادات بعد حرب اكتوبر وتوقيع اتفاقيات كامب ديفد.
إن المسائل الرئيسية التي انجزتها سياسات الرئيس السادات... القومية المصرية, تكمن في انها حررت مصر من حالة الحرب, وانها حولتها من دولة عسكرية الى دولة مدنية, رغم ان هذا التحول لم يستكمل بالغاء حالة الطواريء, وقد كان يتوقع ان يستكمل نظام الرئيس حسني مبارك هذا التحول, غير انه لم يكن مؤهل لذلك,
ان الانتقال من العسكري الى المدني كان كان يتم بصورة سياسية واعية في عهد الرئيس السادات, غير انه بات موضوعيا متناقض النتائج في عهد مبارك,
ان النظام المصري بقي في جوهره ولا يزال حتى اللحظة , نظاما طائفيا طبقيا, وانما جرت التغييرات في مجال تركيبة الصيغة الطبقية المهيمنة على الحكم, وفي الناظم الاقتصادي لعملية الانتاج القومي,
لقد تراجعت صيغة البرجوازية البيروقراطية القومية التي تحقق في عهد الناصرية, ليحل محلها تحالف بين الجناح القومية المدني المصري وجناح المناصب العليا في مؤسسة النظام في عهد السادات, وقد قطع على هذا التحالف الطريق وقضى عليه نظام حسني مبارك ليحل محله تحالف من جناح المناصب العليا وجناح وكلاء الصناعات الاجنبية في القلب والمركز من هذه الصيغة اسرة الرئيس, اي انه استبدل القطط السمان المصرية بقطط وكلاء الصناعات الاجنبية,
اما صيغة الحكم فان متغيرها الثوري الوحيد, كان في احلال ثورة 23/يوليو الصيغة الجمهورية الرئاسية محل صيغة التواراث الملكي, وما اتى بعد ذلك تحكمت به النتائج الموضوعية التي رتبها الناظم الاقتصادي السلطوي على عملية الانتاج الاجتماعي, وهي الية يبدو ان حركتها ستستمر وتنتقل من عهد حسني مبارك الى ( العهد الثوري الجديد ) اذا لم يتوفر للقوى الثورية الرؤية والبرنامج والقدرة على قطعها واخذ مصر الى مسار حضاري ايديولوجي سياسي قومي علمي
فلقد تكالب على مهمة اجهاض المطلب الثوري, مدنية الدولة, تحالف مؤسسات الدولة بقيادة المجلس العسكري الاعلى, وقوى الاسلام السياسي ذات الفعالية الملحوظة, وهذه جميعا اتفقت على بقاء النظام الطائفي الطبقي. وتمثل اول نجاحاتها في اجهاض ثقافة و منهجية مقولة الشرعية الثورية, لصالح ثقافة ومنهجية مقولة الشرعية الدستورية, والتي تاخذ مصر الى حالة تعديل وضع ينحدر مستواها حتى عن حالة اصلاح سياسي, فالنظام تبعا لما يتحقق سيبقى طائفيا طبقيا يعتمد مقولة ثقافة ومنهجية الاقلية والاكثرية, مما سيحصر حجم التغيير المتوقع في مجالي تعديل نسب معادلة السيطرة الطبقية على السلطة, وهنا تصر قوى الاسلام السياسي في جبهة عريضة قوية متفوقة واحدة على الاستحواذ على الوضع السلطوي, كمقدمة للهيمنة على الناظم الاقتصادي لعملية الانتاج في مصر ولتنال نصيب الاسد من عائدها, عبر العمل على تضخيم حجم عملية الانتاج المعرفي الدينية في المجتمع, وهي تملك طبعا ومسبقا ادواتها لذلك
لقد اختلقت هذه القوى ثقافتها ( الثورية ) الخاصة بها, والتي تتمحور حول ان كل من ساهم باسقاط رموز النظام السابق هي قوى ثورية, وبالطبع اسدلت هذه الصفة على ميليشياتها الرجعية ودفعت بها الى ميدان التحرير تبعا لنجاحها في ان تكون صاحبة القرار في توقيتات اللجوء مرة الى الشرعية الثورية ومرة الى الشرعية الدستورية, بل ان المضحك المبكي هو ان هذه القوى المغرقة في الرجعية واللاوطنية تتصدر ادعاء الالتزام الديموقراطي والمواطنة الوطنية, وكان الوطنية ليست حالة ادراك قومي سياسي, بل حالة افراز بيولوجي, لذلك كان مضحكا جدا مقارنة ادعاء الوطنية من هذه القوى مع الخطاب الذي القاه مرسي الرئيس الاسلامي المنتخب على منصة ميدان التحرير واصفا تاريخ مصر منذ عهد عبد الناصر بانه تاريخ ظلم وظلام, في نشوة ايديولوجية سياسية رجعية واضحة لا رائحة للوطنية بها, وذلك تحت ظل نظر وبصر باقي القوى الاخرى التي ضحكت وصفقت ولا اعرف ماذا ايضا؟
ان السقف الاعلى لمقولة الدولة المدنية يتحقق في فصل الدولة عن الدين, فصلا سياسيا تشريعيا وهيكليا وتثقيفيا كاملا, دون المساس بحرية المعتقد الاجتماعية . والهدف من ذلك هو بناء مؤسسات رسمية على اعلى قدر ممكن من التناغم الانساني, وهو درجة من درجات تحرير المضمون السياسي لمقولة الاكثرية والاقلية من الحسم الطائفي المسبق, وهو اعادة تفعيل لمقولة تكافؤ المواطنة, وتكافؤ الفرص....الخ
ان شعار الدولة المدنية هو العدو اللدود لقوى الاسلام السياسي التي تعمل على شطبه والغاءه من نتائج الحراك السياسي الذي يحدث في مصر الان تصدر ووتقود جماعة الاخوان المسلمين والحركة السلفية واحزابها, هذه المعركة رافعة في وجه القوى الليبرالية فزاعة ان انقسام ( القوى الثورية ) سيسمح بعودة النظام القديم, وتقدم لهم في نفس الوقت مساومات مرحلية تستهدف تقنين مطلب مدنية الدولة في معنى اسقاط حكم العسكر الذي لا يوجد فعليا منذ زمن بعيد
وعلى جبهتها الخاصة فان هذه التيارات الاسلامية تشن معركة احتواء جميع القوى الاخرى والاستئثار بكامل السلطة مستندة في ذلك الى تحالفاتها الخاصة مع مختلف الاجندات الاجنبية وعلى وجه الخصوص منها اجندة الولايات المتحدة الامريكية, لذلك هي تصعد بصورة مقصودة ولا ترتكب الاخطاء, بل ان وتيرة هذا التصعيد تفاقمت منذ نجاح مرشحها لانتخابات الرئاسة المصرية والذي بات الان محصنا بقبول واعتراف الشرعية الدولية الامر الذي قلل فرص وهامش المناورة امام القوى الاخرى,
ان قرار مرسي تجاوز الشرعية الدستورية الى شرعية القوة المباشرة الذي يحدث الان هو قرار منهاجي منتظم احد احتمالاته بل ربما الرئيسي فيه دفع المؤسسة العسكرية لارتكاب خطأ التصدي لمرسي مما سيمنح هذا الاخير فرصة استدعاء والاستقواء بالشرعية الدولية كما حدث بمالي, ويبدو ان المجلس العسكري يدرك هذا التاكتيك. لذلك نجده لم يتسرع بتحديد موقف من قرار مرسي اعادة البرلمان المنحل بل ترك امر مواجهة هذا المعركة لسلطة القضاء والشرعية الدولية, واختبأ خلف موقفها وقواها وشرعيتها,
ان تصريح اوباما القائل بضرورة الالتزام بالمباديء الديموقراطية, لم يكن سوى ضوءا اخضر حث مرسي اصدار قراراعادة مجلس الشعب المنحل, غير ان تفادي المجلس العسكري لهذه المناورة وتصدي سلطة القضاء المصري لها اربك الحسابات الاخوانية الامريكية, لذلك لم يكن غريبا ان تبادر كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية الى دعوة مختلف القوى المصرية الى حوار وطني شامل وهو ما يحمل لحركة الاخوان المسلمين دعوة امريكية بالتمهل والتخفيف مؤقتا من وتيرة هجومهم على السلطة, دون ان يعني ذلك انتهاء هذه الحرب
ان قوى الاسلام السياسي المصري, يتصدرها حركة الاخوان والحركة السلفية, في هذه الحرب الحضارية الايديولوجية السياسية لا يرتكبون الاخطاء بل يستجيبون لمنهاجية منتظمة. هدفها بات معروفا للجميع هو نظم مصر في حالة الاصطفاف الاقليمي تحت المظلة الامريكية مقابل استلامهم السلطة كاملة فيها, ولا فائدة تعود على القوى الاخرى التي تستمر في تقبل ادعائهم الخطأ, بين الفينة والاخرى, وكلما احتاجوا لاعادة بناء تحالف ( شرعية ثورية ووقفة تحت الشمس بالميدان) فالخلل في هذه القوى بنيوي ايديولوجي ثقافي سياسي
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟