أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - رواية - الحاسة صفر - لأحمد أبو سليم















المزيد.....

رواية - الحاسة صفر - لأحمد أبو سليم


سميح مسعود

الحوار المتمدن-العدد: 3781 - 2012 / 7 / 7 - 00:16
المحور: الادب والفن
    



صدرت هذه الرواية مؤخرا عن دار فضاءات الاردنية للكاتب أحمد أبو سليم ، شاعر معروف أصدر حتى الان في مجال مشروعه الإبداعي أربع مجموعات شعرية ، ظهرت في السنوات الماضية ، وها هو في روايته " الحاسة صفر " يتألق في إيقاظ مشاهد كثيرة ، قدمها في حوارات تراكمت على امتداد الصفحات في نسيج محكم ومتوازن ... تناثرت بتفاصيل موجعة مثقلة بجراح النضال الفلسطيني ...تواترت فيها مفردات النص بلغة جميلة سلسة اقتربت بمهارة فائقة من تعرية ظواهر كثيرة ، بموضوعية وباسلوب مباشر جر يء ، يثير في القارئ عنصري الدهشة والفضول لعدم استخدامه التلميح والاشارة والدلالات الترميزية .

تمكن كاتب الرواية باسلوبه المباشر من تصعيد قدرته التعبيرية سرداً وحوارًا على كل المستويات ... تمكن من سبر أعماق أوجاع كثيرة بتفاصيل مشهدية روائية سلسة بعيدة عن حشو المضامين التاريخية بقوالب تركيبات معقدة نافرة كما هو الحال في أعمال كثير من الكتاب ،كما وُفق ايضا في اعتماد نهج نقدي بإنجاز بنائي متقن تكاملت به العتبات النصية ، بما فيه عنوان الرواية الذي هو في مقدمة تلك العتبات ، فقد وفق الكاتب في تحديده كدالة معبرة عن النهج النقدي للرواية .

نعم تُعرف الرواية الهموم الفلسطينية تعريفاً دقيقاً مليئًا بالنقد … والمراجعة النقدية من أهم خصائص الأعمال الروائية الجيدة … عنصر هام وركن جوهري فيها ... يلتحم النقد بالنسيج البنائي فتشد من خيوطه ، ويتداخل طولاً وعرضاً مع حياة الشخوص ويصبح جزءا لا يتجزء من الحوار الذي يشكل العمل المميز .

يتبلور مفعول النقد في عنوان الرواية المكون من كلمتين : “ الحاسة صفر " … يختزل العنوان تشابكات أحداث كثيرة ظهرت على امتداد مرحلة كاملة من تاريخ النضال الفلسطيني، يعرف الكاتب الحاسة صفر بأنها " حاسة الخيبات والوجع الذي لا يتوقف أبدا ، هي الحاسة التي لا تصل الى حقيقة قط ، حاسة القلق والشك والألم " … بمعنى اخر هذه الحاسة تعكس عناصر جوهرية عن حقيقتي العجز والفشل في تحقيق الشعارات الوطنية التي لاكتها الالسن طيلة عقود زمنية طويلة …

عناصر كثيرة تشكل في مجموعها عالم الرواية الصغير … تتشعب فيها القيم والشعارات النضالية والمبادئ العقائدية وحتى الفتور العاطفي والجدب الانفعالي … يختلط كل شئ بكل شئ … تنساب الذاكرة في خبايا السراب، وتشتد الحيرة النفسية … إنفعالات تتصارع بعضها مع البعض الاخر وهذا هو الذي حدا الكاتب الى القول : " لا شيئ في الذاكرة غير الرماد ، وبقايا الحريق وأنين الذئاب ، والجثث التي احترقت تماما ولم يبق منها غير العظام … الوقت صفر … او ما قبل الصفر بقليل .”

حددت ا لرواية بالمجهر أشد النقاط حساسية في مسيرة النضال الفلسطينية ، في أماكن كثيرة و مناطق جغرافية كثيرة ،ومخيمات متعددة للاجئين … خطى كثيرة سارت على دروب الاغوار وجرش وجنوب لبنان وعمان ودمشق وبيروت … أتباع فصائل كثيرة قطعوا مسافات طويلة في محيط هذه الامكنة ، عاشوا تجارب مرة كثيرة ناءت الايام بحملها ،واصلوا طوال سنوات مطاردة نتف أحلام متخيلة لتحقيق " وطن مثالي يكون قدوة لكل العرب " .

…ثمة جمع مكثف لمقاطع كثيرة على امتداد صفحات الرواية عن الفشل في تحقيق الاحلام الوطنية ، وثمة أمور كثيرة تذكرها الرواية كمسببات للفشل … يذهب الكاتب الى القول على لسان أحد شخوصه بمشاعر وأحاسيس مباشرة : “ أبهذا الشعب ستحارب ؟ … هذا الشعب ينظر كثيرا ويعرف كثيرا ، ربما أكثر من كل شعوب الارض ، لكنه لا يفعل شيئا ، ولا يحاول حتى ان يطبق ما ينظر له ، المعرفة وحدها لا تكفي ، نحن شعب خائف مهزوم ، ولا نريد الاعتراف بذلك ، ربما لو اعترفنا لكان بوسعنا أن نبدأ من الصفر ، وان نؤسس لنظريتنا الخاصة التي يمكن لها أن تؤهلنا للحياة . “

بهذه الكلمات رسم الكاتب بمؤثرات شعورية صادقة ، عجلة دائبة الدوران لسلسلة أحداث فاشلة متصلة الحلقات ... تجارب فاشلة إستلها من مدارج الثورة جسمها في مرئيات قريبة من الواقع ، ابتعد بها كثيرا عن منطق النعامة الذي يسير بمقتضاه ممن يتفاعلون مع الاحداث السياسية بغرور وإدعاء وألفاظ رنانة لا تفيد في شئ .

بهذه الكلمات يصف الكاتب حقيقة الواقع بعيدا عن الرمزية … وفي قالب موضوعي نقدي أخر يسجل على لسان احد شخوصه اسئلة تكدر صفوه خالية من الرضى عن الثورة نفسها :“ أية لعنة تطارد هذه الثورة ؟ " ويجيب في نفس الوقت : “ لا بد من ثورة أخرى كل عام لتطهر الثورة من أدرانها ...الثورات ترتبط بأسماء ، والأسماء ترتبط بالثورات ، فيصبح الأسماء بعد حين هم اصحاب الثورات ، وكأن الثورة مجرد ملكية فردية تماما كالحكومات والدول في هذا الوطن الكبير … "

ثمة اقتباسات كثيرة يمكن تسجيلها في هذا السياق من محيط مكتظ بتجارب فشل كثيرة ، واضحة للعيان على مرأى النظر في حياتنا اليومية العادية ، منها ممارسة تجاوزات مخلة في مفهوم الامن … لا تجد الرواية مبررا لضرورات الامن ، يتساءل أحد الشخوص في هذا الشأن : “ كيف أصبح الأمن يتحكم بالثورة مثلما يتحكم بالحكومات؟ وهل الأمن فوق الثورة أم ان الثورة فوق الأمن ؟ هل الأمن فوق القانون ؟ "

بهذا النقد الواعي تتحدث الروا ية عن ألوان من الانحراف واضحة المعالم في مسار الثورة الفلسطينية ...يمتد النقد الى كل شئ … الى الدكاكين الثورية واصحابها الذين ابعدتهم تجاربهم الفاشلة خارج دوائر الاهتمام ، مجرد كائنات فقدت جاذبيتها تقضي ايامها باجترار ما مضى .

ما من شك أن هذه العبارات النقدية قادرة على تفسير افرازات مرحلة طويلة من التاريخ الفلسطيني ،حملت خيبات فشل كثيرة زادت يوما بعد يوم ، ساهمت في خلق " حاسة الصفر " وايصال القضية الفلسطينة الى مرحلة حالية مضطربة تتلاطم في بحور هزائم متواصلة .

يجسد أحد شخوص الرواية أثر الواقع الحالي بظهوره مرتبكاً ضائعاً ، يريد الهرب الى أي مكان … لا يتحمل واقعه المهزوم ، يقول بصوت عال : “أي موت أخطأني ؟ أي موت ؟ كل الذين ماتوا فروا من شعور الهزيمة المجنون … منذ وُلدت وأنا لا أرى إلا الهزائم ، هل يمكن ان تكون الهزيمة قدرا محتوما .”

يلتقي كل شخوص الرواية وجها لوجه مع الهزيمة ، تمتد اثارها حولهم طولاً وعرضاً‘ تتجمع في بؤرة واحدة تختلط فيها الافكار بالوجدان ،ويقول فيها الكاتب في نهاية الرواية كلمة مأثورة تبين الحقائق جلية واضحة أماع أعين القراء مفادها : " انتهت الحرب ، وضعت أوزارها وهزمنا لكنا لا نريد ابدا _ كعادتنا _ان نعترف بالهزيمة ، كيف نحول وجه الهزيمة الى نصر مبتور ؟لماذا سمينا النكسة نكسة ولم نسمها باسمها ، لماذا نفر دائما من التسمية الحقيقية للاسماء والاحداث ؟ لماذا نتذرع بالأمل الكاذب ؟ لماذا نعزي أنفسنا بكلمات خرقاء ، وندعي النصر ونحن مهزومون ؟ "

رواية " الحاسة صفر " مراّة صادقة تقدم للقارئ صورة مغايرة للصور التقليدية عن الواقع الفسطيني
بمشكلاته وتعقيد أموره ، انها تحمل مفهوما جديدا للنقد الذاتي ، تدعو الى مراجعة النفس باستمرار ونقدها نقدا ذاتيا مستمرا ، والدعوة موجهة للذين يقدرون معنى المبادئ الوطنية الحقيقية ، اكثر من تقديرهم للمبادئ الشكلية … للذين لا يستسلمون لإغوا الأضواء الزائفة .



#سميح_مسعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية فريدة للروائي نعيم قطان
- حول ابداعات القاص عدي مدانات
- حول التقشف والانضباط المالي في أوروبا
- التنمية العربية في ظل الربيع العربي
- عن فنِّ التصوير عند العرب ويحيى بن محمود الواسطي
- هذه الارض لنا ...أنا وانت
- رواية أيام قرية المُحسنة
- مريم ذاكرة وطن
- دينُ الحب
- بنت عمي فاطمة
- هيلين توماس
- مآّذننا وأبراج كنائسهم


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - رواية - الحاسة صفر - لأحمد أبو سليم