|
رواية فريدة للروائي نعيم قطان
سميح مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 3775 - 2012 / 7 / 1 - 17:59
المحور:
الادب والفن
رواية فريدة للروائي نعيم قطان
بقلم:الدكتورسميح مسعود
صدرت هذه الرواية أصلا باللغة الفرنسية ، وترجمها الى اللغة العربية الشاعر التونسي اّدم فتحي ، ونشرتها دار الجمل (كولونيا / المانيا ) في عام 2006 ، مؤلفها نعيم قطان روائي يهودي من أصول عراقية ، كندي الجنسية ، يقيم في مدينة مونتريال الكندية منذ فترة طويلة من الزمن ، له أعمال كثيرة منشورة باللغة الفرنسية ، منها : في الصحراء ( مجموعة قصصية 1974 ) ، ثروة العابر ( رواية 1989 ) ، الواقعي والمسرحي ( دراسة 1997) ، وداعا بابل ( سيرة روائية 1999) . يعود مؤلف الرواية في احداث روايته الى اربعينيات القرن الماضي إبان الحرب العالمية الثانية ، يغوص في فيض تفاصيل كثيرة لمدينة بغداد ، كساحة أحداث اساسية لروايته ، يمضي فيها متنقلا ببنائه السردي عبر الزمان والمكان بامتدادات وتفريعات كثيرة ، كأنها حقيقية يستلها من مكامن الواقع ، تظهر فيه الاحداث كأنها تفاصيل سيرة ذاتية واقعية غير متخيلة ، جامعة لمضامين تتنامى عبر الصفحات مع أجواء الرواية ، تؤكد على أننا أمام عمل روائي متقن ، يفيض بصور مفعمة بالعواطف الانسانية وشغف الحب ، ومؤثرات كثيرة لزمن مشحون بالتوتر والانفعالات وضغوط الحياة المختلفة . تنتسب الشخوص الاساسية في الرواية للطائفة اليهودية في العراق ، هم الخيوط الناظمة في تتابع الأحداث ، وتتمحور الرواية حول تداعيات مثيرة لقصة حب بين فريدة اّغا ، وسليم عبد الله ، تتداخل فيها تفاصيل مفارقات كثيرة ومشاهد معقدة متلبسة بمواقف كثيرة ، وأحاسيس عاطفية منظورة ومخفية تتصاعد في دوائر متداخلة من الظنون والجفاء والتخيلات ، ونبش عميق في النفس البشرية ، وخلجات مفعمة بالاوجاع والمخاوف والوله والدموع والاوجاع وارتعاشات التلاقي الرومانسية . تمكن المؤلف بقدرة فائقة من ابراز سيرة حب مشوقة بين فريدة وسليم ، تتداخل مع احداث واقعية سياسية واجتماعية حدثت في العراق لها دلالات في الذاكرة الجماعية ، وتتمازج مع تفريعات كثيرة لشخوص تتحرك في رحاب لقطات سردية على امتداد أحداث الرواية . تتجلى الحبكة في احداث الرواية بأمرين أساسيين ، أولهما : قصة الحب الجارفة بين فريدة وسليم ، يتم لفريدة من خلالها الهرب من بيت عمتها وتحقيق أمنيتها بالغناء في ملهى الزوراء ، وتشتهر وتصبح اهم مطربة في العراق ، واحدى أهم مغنيات الشرق الاوسط ، وتصبح الى جانب علاقتها بسليم ، عشيقة لقائد شرطة بغداد ، الذي وضع تحت تصرفها بيتا كبيرا على شاطئ نهر دجلة ، وثانيهما : جريمة قتل ساسون قرة غولي رجل أعمال يهودي ، وإيقاف قاتله اسماعيل حسن وفي يده خنجر يقطر دما ، واتهام هذا القاتل سليم عبد الله ( حبيب فريدة وهو يهودي ايضا ونسيب المجني عليه ) بأنه حرضه على ارتكاب الجريمة ، مما أدى الى سجنه والحكم عليه بالسجن المؤبد ، وتم له بعد ذلك الهروب من حراسه ، والالتجاء الى فريدة التي قامت بإخفائه في قبو منزل عشيقها قائد شرطة بغداد دون علمه ، بهذا تصبح عشيقة لاثنين ، أحدهما مخفي هارب من العدالة من ابناء طائفتها ، والاخر ظاهر ضابط عراقي مسؤول عن أمن بغداد ،يدعمها ويحميها من اجواء الملاهي والليل والسهر . الى جانب تركيز الرواية على مواقف كثيرة تتعلق بقصة حب فريدة ... اجتماعية ونفسية ومشاعر داخلية ، تمكن المؤلف في هذه الأجواء من استحضار تفاصيل جوانب سياسية كثيرة حدثت في العراق في اربعينيات القرن الماضي ، سجلها وكأنها يوميات حافلة بمكنونات وثائقية بما يكتنفها من وقائع تتصل بتغييرات في الوزارات ، وأسماء للوزراء والضباط وكبار الشخصيات ، وحيثيات انقلاب رشيد عالي الكيلاني ، ونشاط الاعلامي يونس البحري ، واحداث " الفرهود " التي استهدفت اليهود في عام 1941 ، كما وُفق ايضا في وصف ادق تفاصيل الامكنة وتفاصيل بغداد الجغرافية ، حاراتها وشوارعها وازقتها ومحلاتها التجارية وملاهيها ودور السنما ، يتشابك معها السرد بوعي ملحوظ وكأن المؤلف يعيش في بغداد لم يخرج منها ، (مع انه يقيم في كندا منذ عام 1954) كأنه ما زال يعيش عل مقربة من سوق الشورجة في البيت الذي ولد فيه ، اوفي حي قنبر علي اوالبتاويين اوشارع التوراة قرب كنيس حسقيل ، أماكن عاش فيها في وقت صباه . يتسع مدى الرواية فيشمل تفاصيل شواهد عن النفوذ الاقتصادي اليهودي في العراق قبل عام 1948، كما يشمل جملة أحداث كثيرة متشابكة خاصة بخروج اليهود من بلدهم العراق ... سليم يهاجر ، وفريدة تصر على البقاء في بلدها وتبقى في بغداد ، وهكذا يستحضر المؤلف تلك المرحلة من تاريخ اليهود في العراق ، و يطعمها بجوانب سياسية كثيرة تبشر (على لسان سليم ) بإنشاء دولة يهودية خاصة باليهود ، وتدل بوضوح على ترحيب المؤلف بهذا الخيار، على عكس ما نجده في أعمال أدبية كثيرة معروفة لكتاب من العراقيين اليهود مثل الروائي الراحل سميرنقاش والاديب الشاعر سامي ميخائيل والبروفيسور شموئيل سامي موريه ، وغيرهم ممن حافظوا على الكتابة باللغة العربية والتعبير عن صعوبة حياتهم في المنفى خارج العراق وعن حلمهم بالعودة الى بغداد ...حنينهم اليها يجمعهم في كل مكان ، الحنين الى وطنهم الأصلي الذي اعتاد أبناء الطائفة اليهودية العيش فيه بسلام الى جانب الطوائف الاخرى كمواطنين عراقيين ، وثمة شواهد كثيرة في أعمالهم تدل على أنهم هاجروا منه قسرا دون رغبة منهم . تابعت أصداء الرواية ، ولاحظت مما تناقلته الكثير من المواقع ان ثمة اجماع على ان فريدة هي في حقيقة الامر المغنية اليهودية العراقية سليمه مراد أو سليمه باشا كما كانت تسمى في ايام زمانها ، وهي شخصية معروفة في العراق نالت شهرة كبيرة هي وزوجها ناظم الغزالي ... لم تهاجر من العراق أيام حملة تهجير اليهود ، بقيت في بغداد حتى أخر أيام حياتها ، ولشهرتها غنت ام كلثوم بعض أغانيها ، كما جالست في صالونها الادبي والسياسي العديد من السياسيين والأدباء والشعراء ، وهذا يعني ان رواية فريدة مستوحاة من سيرة المغنية سليمه على خلفية مشاهد كثيرة واقعية من تاريخ العراق السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، ومما يزيد من صحة هذه الفرضية ، أن ناشر الرواية باللغة العربية اختار صورة سليمة مراد لتكون على غلاف الرواية . .
#سميح_مسعود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول ابداعات القاص عدي مدانات
-
حول التقشف والانضباط المالي في أوروبا
-
التنمية العربية في ظل الربيع العربي
-
عن فنِّ التصوير عند العرب ويحيى بن محمود الواسطي
-
هذه الارض لنا ...أنا وانت
-
رواية أيام قرية المُحسنة
-
مريم ذاكرة وطن
-
دينُ الحب
-
بنت عمي فاطمة
-
هيلين توماس
-
مآّذننا وأبراج كنائسهم
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|