ميس الصافي
الحوار المتمدن-العدد: 3771 - 2012 / 6 / 27 - 09:07
المحور:
الادب والفن
ترجلت من القطار و اتجهت الى الموقع المخصص لانتظار الحافلة التي تقلني الى حيث اسكن. وقفت هناك في الصف الذي يعتاد الناس ان يقفوه واحدا تلو الاخر امام البقعة التي يفتح فوقها باب الحافلة. لم يكن الصف طويلا كالمعتاد في ذلك الصباح من عطلة نهاية الاسبوع, كان يقف امامي رجل بشعر اشيب وبصحبته طفل صغير بعمر السادسة تقريبا يبدو انه حفيده.. كان الرجل يحمل بيده كيساً فيه صندوق خمنت انها لعبة اشتراها لحفيده الصغير, فابتسمت في داخلي لكم هو جميل ان يكون الجد قد وفى بوعده لصغيره و اشترى له اللعبة التي كان يحلم بها. التفت الصغير نحوي فوجدته بملامح ملاك بتلك العينين الزرقاويين التي تشع براءة و ذكاء. ابتسمت له فادار ظهره خجلاً ثم عاد والتفت فوجدني مازلت انظر اليه بابتسامة عجزت عن محوها عن وجهي فابتسم ثم قال لجده: السيدة التي تقف وراءنا تبتسم لي.
اجابه جده بتمتمة لم اسمع منها شيئاً, لكني شعرت بان ذالك الوجه الطفولي البرئ قد شدني اليه بقوة.
لا افهم لمَ هناك وجوه تشدنا نحوها بتلك الطريقة الغريبة, شعرت انه من الصعب ان تنتهي معرفتي بذلك الطفل بوقت وصول احدانا الى منطقة سكناه ..في تلك الاثناء كانت الحافلة قد وصلت فصعدا معا و صعدت خلفهم فانتظرت ليجلسا حتى اجلس خلفهما كي يتسنى لي ان اسئله عن اسمه و سنه و ان استأذن جده في التقاط صورة للصغير كي احتفظ فيها في نقالي.. لكن موقعي لم يكن موفقاً, فقد حال بيني و بينه وجود جده. فتشت في حقيبتي عن شئ ممكن ان اهديه اياه فلم اجد سوى علبة من العلكة فوضعتها في يدي و بقيت اتحين الفرصة كي يظهر وجهه امامي كي اغريه بتلك العلبة الصغيرة الملونة.. وها هو الطريق يسير بنا دون ان احظى بما اريد .
حتى همت المرأة التي تجلس بمقابلتهما بالنهوض لمغادرة الحافلة, فاسرعت لاتخذ مكانها كي اكون وجها لوجه معه, جلست امامه وانا اختلس النظرة نحوه لاحاول بدأ حواري معه لكني وجدت نفسي عاجزة عن نطق اي كلمة! مضت بنا الحافلة في طريقها المعتاد و انا ما ازال اراقب الصغير بين الفنية والاخرى, و لشد ما اعتصر قلبي منظر ملابسه البالية و ذلك البنطال الرصاصي القديم الذي خيط على ركبتيه رقعتان من قماش ثاني. وهنا ما مزق قلبي .. فكانت طريقة خياطة الرقع غير محترفة و بخيوط مختلفة الالوان فجزء من الرقعة خيطت بلون برتقالي والاخر بلون اسود و ثالث بلون رصاصي و الرقعة الثانية خيطت بنفذات مختلفة, ما ولّد لدي انطباع انها من المستحيل ان تكون خياطة امرأة, فالنساء مهما كانوا لا يخيطون بتلك الطريقة الغير منسقة .. انها خياطة رجل بالتأكيد !!
هل امه متوفية؟؟!!! اريد ان اسال جده عن وضع حفيده الملاك لما هو بهذا المنظر المحزن .. شعرت بقلبي يعتصره الالم و انا اتخيل حياته يتيم الام.
الجد تغسل عينيه نظرة حزن وهدوء قديم .. هل هي بسبب وفاة ابنته اُم الطفل؟؟؟
هل هو من يعتني بهذا الولد و لا يملك المال الكافي لشراء ملابس جديدة له؟؟ فهذه القبعة الصوفية التي يعتمرها يبدو تصميمها قديم ومستهلكة .. اريد ان اشتري له ملابس جديدة .. اريد ان احتضنه لاعوضه ولو قليلا عن حنان امه الذي افتقده صغيرا.
كل هذه الافكار حاصرتني و انا اعجز عن ان ابدأ اي بداية لحوار يمكن ان يرحمني من تلك الافكار الحزينة .. وجدت نفسي بدلا من ان اقدم له العلكة احاول ان اتظاهر بعدم المبالاة .. اآآآآآه كم اكره تلك المورثات التي ورثتنا اياها مجتمعاتنا التي تجعل منا منعزلين عن الاخرين
لمَ اعجز عن ان اقدم له العلكة على الاقل ؟؟؟
كان الصغير يسأل جده عن الاماكن التي نمر فيها بفضول ذكي وجده يجيبه بهدوء عجيب..
ها هو يقول لجده سنصل الى بيتنا بحماس طفولي برئ و عينيه تلتمعان بنشوة فرح وهو يختلس نظرة خجلى نحوي .. ابتسمت له و صممت على ان امد يدي بالعلكة لكنهما تركا كرسيهما قبل ان افلح بفعل ذلك. هل اقفز خلفهما ؟؟؟ هل اناديه؟ لكني لا اعلم اسمه حتى؟؟؟!!
لالالالالا انهما يترجلان من الحافلة الان .. تفحصت منظر الشارع الضيق الذي نزلا عنده .. حسنا هذا هو مكان سكنهم .
بدأت بلوم حالي على برودي و عدم تحلي نفسي بالجرأة و شجاعة المبادرة .. هل تلك مخلفات سنين فقدان الثقة في داخل وطننا!!؟
وصلت الحافلة اخيرا الى منطقة نزولي انا .. نزلت و نزلت معي دمعتان غادرت عيناي بندم .. وكان سؤال يتردد في بالي وانا اسير قافلة الى محل سكناي .. هل سأحظى بلقاء هذا الوجه الملائكي مرة اخرى؟؟
اتمنى....
#ميس_الصافي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟