أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جابر حسين - ديشاب ، الكائن الشعري ... !















المزيد.....


ديشاب ، الكائن الشعري ... !


جابر حسين

الحوار المتمدن-العدد: 3770 - 2012 / 6 / 26 - 17:00
المحور: الادب والفن
    


ديشاب* ، الكائن الشعري ... !*
---------------------------

ما هذا الذي يتقوض في نص ما
و ... يتسكع ،
هذا الذي يجب الإنصات إليه ،
وعي الكتابة ،
أم كتابة الوعي ؟
كتابة ...،
لم يقل لها أحد بمراجع
ولا الدوزنات في كون
غدا في التسارع .
مرح الكتابة حين تلامس الجسد
تراوغه ،
فتعريه ...
حتي تصير في بهائه الأبد !

ديشاب ، رأيته الشاعر منذ أن كان ، شاعرا في زمان خشن بأمثولاته الضاجة بالفحيح في جهاته كلها ، في بلبال السائد المشوه ، حيث الصراخ لغة ، حين يهان المعني فيبدأ الشعر ويطلع . فليس ثمة " ألعاب " في الشعر ، بل مجازفات دموية تستنزف اللغة ... ، كالفصد ، لتحيا أو تموت كما يقول بركات . الشعر ، إذن ، جزء ناصع من القدر الإنساني ! لهذا أمتهن ديشاب اللغة ، أحتفي بها ، ثم جعلها في شعره بستان ورد و جرح . كان غريبا في أطواره حياته ، ولا يزال ، غريبا في لغته و شعره حين إلتقيناه آواخر سبعينيات القرن الماضي ، وهو – غارقا وسط الرعيل الباسل – يؤسسون " رابطة أولوس " بكسلا ، فتصالح الشاعر معها ومنحها رحيقا ولغة وضوء و ... شعرا ! كنت أراه ، وقتذاك ، كأنه يمنحها الصور البديعات مؤجلا فكرة القصيدة نفسها بإستمرار عبر تهجيرها من مسكن كينونتها وتعويضها بأطروحات برانية ، لأن القصيدة لديه – هكذا رأيته يومذاك – صارت " لحمته " الجوانية ، ماهيته التي يتكلمها كلامه وعالمه في آن ، تماما كما هي ملاذا حتميا تسكنه وتساكنه الكينونة ذاتها ! ولأنني – وقتذاك أيضا – كنت أري في الشاعر حافظ وجوه الكائن اللامتناهية كما يقول رونيه شار . فلقد سألت نفسي كثيرا و ... سألته : ما الذي يجعلك " أساسيا " في الشعر ، هل هي " الوجازة " الغمامية التي تسم شذراتك أم هي سيلانات اللغة إذ تنسكب لديك في كينونة الأقامة الأصيلة داخل زمن الصباحيين ، والإنصات الحميم / الرحيم / الرجيم للتراب ، لترسبات أسرار ترقص وترتعش بنشوة شاعرية الصحو المحتشم و ... " بجينات " رشيقة تسعي لنحت ممرات ممكنة داخل مناطق رؤي غرائبية تراها أنت موصدة ؟ هل هو التجاور الخلاق الذي بلورته تجربته بين الشعر واللغة ، بين النوبية والعربية ، أم هو تأكيده المستمر لطرحه الشاعر في الناس كحافظ لوصايا وحيوات الآلهة في وضع غياباتها التاريخية وأوجاع الدين والتدين في سماتها المرعبة / المنافقة الكاذبة ... أم – وهو الشعري في إبداعية كينونته نفسها – ليبدع صيغة شعرية نحو " المقدس " ، والمقدس عنده هو اللغة لا غيرها ، أم هي كثافة الإلتزام التي تجعل منهما – الشاعر والشعر واللغة – وحدهما يهمانه بهذا القدر الكبير الغريب ، إلي حد " تشييد " الكتمانات في دواخله كأرقي أشكال تمظهرات القول واستنطاق الفواصل الصامتة ، الرابطة بين فصولها ووجوهها ؟ لا ... ، لم يكن ، أبدا ، ديشاب مجرد شاعر ، بل هو الكائن الشعري بإمتياز . فهو من يجعل الكلمات إحالات وإشارات ... ياااه ، رأيت هنا أيضا ، الشاعر يشير فيكتفي بالإشارة ، شأن عراف معبد دلف ، الذي لا يكشف ولا يخفي لكنه يشير و ... يكتفي بالإشارات ، يتكلم من خلالها ، لا يشرح ولا يبين ، فيفضي إلي موطن عتماته الشمسية التي يراها عبر صور ملمومة علي بذخ معانيها ، يسمي الأشياء ، لا عبر إخضاعها لسلطة " التسمية " بل عبر إستدعائها من إنكتامها ، من عنفها وتشوهاتها ، ليجعلها حرة طليقة تمشي مفكوكة الشعر تغني هذياناتها ، لكنه ، الآن ، يذهب بها – وهو برفقتها – نحو إرثها المعتم غير المعروف ، ليكشف عنها سترها لنراها ...، ذهب ، عميقا ، نحو مادتها الخام حيث تكون متجذرة في لمعان عناصرها التي لا تخبو . يكتب ديشاب كثيرا ويتعذر عليه الغياب طويلا عنها ، وهو الكائن الشعري ، ليس جسدا منسوجا من اللغة وحدها ، بل من " الخيمياء " الحميمة أيضا ، من المعيش الخلاق لحياته والحيوات من حوله ، محكوما بضرورياتها الإبداعية السيدة ... ، بتجربة الكينونة / كينونته ، داخل العالم التي تنخرط في أعمق تجلياتها وأكثرها أشراقا وشفافية ، تعتصر نسغ كلامها من نداءاته ، وتجعل " الشروخ المعتمات " التي يراها ، مضاءة بعزلته المجيدة في وطنه وادي حلفا الذي أبي إلا يكون المهاد لتلك العزلة المجيدة وإنتساباته الرحبة : يفكر ديشاب ، إذن ، شعريا في اللغة النوبية والنوبيات بإتجاه حضور الراهن وفي معيته ، الذي يغدوا فضاءا مفتوحا علي رحاب إتيان يحرر اللغة ، لغته الأم كما يسميها ، من سكونها وسياجها ، ويدفع بمصابيحه ، الكاشفات العاريات كلها ، إلي إضاءات الدغل ! شذرات ديشاب النوبية هي – في ظني – وثبات شعر ، هي الحياة المستقبلية داخل الإنسان المؤهل لقراءتها ثانية ، وثبات متناسلة ، إستغوارات تنتخب كل مرة أسئلتها الشعرية : هل بامكان العتمات أن تصير في الضوء داخل " قول " يدرك ، ويزن ، بحدس العراف ذاك ، رهانها وفداحتها ؟ و ... إلي أي حد يستطيع الشاعر أن يقود تجاربه للمكنات عبر وعورة الطريق وخشونته ، قولا وفعلا ، وهو القول / اللغة التي تظل بكرا رغم إبحاره الجسور فيها ؟ وأين ستجد عنده تجاريب اللغات ، بكثافتها الباذخة ، سيادتها ، وأين سيكون مستقرها ، وهي المولعة بالزواج ولقاحاته الحامضة ولذاذاته ، ثم كيف سيصير ، مجنون اللسانيات واللغات هذا ، عرافا يتكهن بما ستكون عليه تلك الجميلة في الجميلات ؟؟
أيكون لهذا قد توجه صوبها : اللغة النوبية ، ثم جعل يقلب منها وجوهها وأرديتها وفساتينها ورائحتها الشذية ؟ وفي النوبية – وهي اللغة – إيقاع وصور ومعاني ، فيها الغناء والرقص الرشيق ولذة الإيحاءات والإيماءات والنداءات التي تلامس الأفئدة فترقشها وتوشحها فتجعلها أسيرة فتنتها ، هي ، مثل ما رأها ذات يوم بعيد ، " صبية تخرج مبتردة من النهر " جميلة مثل الآلهات أخوات السماء في الأرض فلاذ بها ، أم تكون هي التي إلتجأت لأحضانه الرحيمات ؟ كنت ، لما رأيته يذهب فيها ، هذا المذهب مجنونا بها ، دارسا ومنقبا وباحثا بهذا القدر الكبير التي الذي تنوء عنه المؤسسات ، ليس كتابيه اللذين صدرا له مؤخرا : " النوبية في عامية السودان العربية " و " النوبية في شعر بوادي السودان " فقط ، بل في أكثر من عشرين مخطوطا في النوبيات تنتظر الطباعة والنشر ... لما رأيته في هذه الحفريات الشاقة ودروبها ذوات الوعورة التي تستوجب التوفر والصبر الكثير علي مشقاتها ، سألته ، مشفقا وقلبي علي شعره العظيم وشعريته الباذخة : "لقد أخذتك النوبيات عن حديقة الشعر إلي شعرية اللغة ، فما وجدت لديك شعرك المجيد كالذي كنت ، في ما سبق ، تقراءه فينا !!" . لتوه بادرني بضحكته الطفولية التي يفصح عنها ، دائما ، قلبه البرئ كقلب طفل : " الشعر موجود ... موجود ! " . ثم منحنا - مأمون التلب وأنا – عشر قصائد كاملات مؤرخات بزمان كتابتها ، حين نظرتها وجدتها من شعره القديم ، وقرأت تعابيرا في بعضها سبق لي أن أطلعت عليها وعلقت بقلبي منذ سنوات عديدة ، لكنني ، لا أزال ، أنتظر جديده الشعري الذي سيطلع يوما ما في الناس لا محالة ! وهكذا إذن ياصديقي، تري أن المخيلة هي القدر نفسه واقعا في العالم ، والحقيقة " الواقعية " ما هي إلا ثرثرة في علوم القدر ، فواجه إذن ، أيها الكائن الشعري الجميل ، تجليات ثرثرات مخيلتك الرحبة وثرثرات علوم القدر ... وياديشششششششاب : " كأسك ياوطن " !! .
-------------------------------------------------------------------------------------
* كان مقدرا لهذه الكتابة أن تنشر اليوم الثلاثاء بملف " تخوم " الثقافي بصحيفة " الأحداث " ولكن – للأسف العميق – توقفت ، منذ الأمس واليوم ، الصحيفة عن الصدور ، ولربما لن تصدر إلا مطلع الأسبوع القادم بحجة " عدم توفر الورق وإنعدام الدولار " ، تلك هي الحجة المعلنه ، لكنني أري أصابعا قد عبثت أيضا لتصنع في الناس هذا الحجب البغيض ! كان الملف بكامله قد خصص عن تجربة ومشروع " ديشاب " ، الشعري وفي درس اللغات والنوبيات في وجهاتها الفسيحة ... ننتظر ، أيضا ، لنراها كلها تلك الكتابات حول إنشغالات هذا الإنسان الجميل !
* " ديشاب " : هو الشاعر السوداني والباحث في اللسانيات والنوبيات ميرغني ديشاب !



#جابر_حسين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إليها ، الجسورة في الثورة الراهنة !
- نمشي معا ... !
- أشتهيها... فتمطر !
- سوسنتي !
- أنثي هي الحياة ... !
- صباحاتي سوسنية !
- الديمقراطية في الحزب الشيوعي السوداني ، أختيار - الخطيب - يد ...
- حاننته بقبلتين ... !
- غابت ... وفتنتها المسافة !
- إيماءة ...!
- من رسائل الأدباء !
- أيكون ، حقا ، هو طيفها ؟0
- أنظر إلي الحداثة من حولي فأتذكره جبرا !0
- للنساء وجوها في الحب !
- و ... عادت السوسنة !0
- بنات الأراضي !
- جسدان و ... نذهب في الندي !
- بركة ساكن و ... تمزيق الأقنعة !
- جسدان في حلم اللذة !
- حنا مينه ، أين أنت الآن ؟


المزيد.....




- مجلس أمناء المتحف الوطني العماني يناقش إنشاء فرع لمتحف الإرم ...
- هوليوود تجتاح سباقات فورمولا1.. وهاميلتون يكشف عن مشاهد -غير ...
- ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا ...
- بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات ...
- تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض ...
- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...
- ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
- أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز ...
- الأديب والكاتب دريد عوده يوقع -يسوع الأسيني: حياة المسيح الس ...
- تعرّف على ثقافة الصوم لدى بعض أديان الشرق الأوسط وحضاراته


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جابر حسين - ديشاب ، الكائن الشعري ... !