أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن خضير عباس - نعيم الشطري..وديعا














المزيد.....


نعيم الشطري..وديعا


رحمن خضير عباس

الحوار المتمدن-العدد: 3769 - 2012 / 6 / 25 - 08:59
المحور: الادب والفن
    



منذ ان تفتحت عينا الطفل نعيم , وجد نفسه يتقمط بالكتب ويلتحف بها , ويتخذ منها بيتا لجسده الغض . من حروفها يتغذى ومن اوراقها يكتسي . في شبابه افتتح مكتبة صغيرة في الشطرة . هي اشبه بالكشك منها الى المكتبة. ولكنها حافلة بمئات الكتب ذات الأتجاهات التقدمية والماركسية . كان ذالك في السنة الأولى من العهد الجمهوري . استقطبت تلك المكتبة شبيبة المدينة ومثقفيها . وكان يطلقون عليها مكتبة نعيم العصفوري , وذالك للتفريق بينها وبين مكتبة حميد ناصر وهو رجل فاضل ومثقف استطاع من خلال مكتبته ان يسهم في اغناء واشاعة الثقافة في الشطرة . وكان اهل المدينة يسمونه حميد ابو الجرايد . حينما كنت طفلا في الأبتدائية , ذهبت مع اخي الى مكتبة العصفوري ابحث عن كتاب صغير . قال لي نعيم سأختار لك بنفسي قصة , قضيت تلك الليلة بقرائتها وهي تحملني الى افاق اكبر من خيالي الصغير .. نسيت اسم الكتاب في غمرة السنين ولكنني لم انس مضامينه الأنسانية الرائعة ..حينما جاء البعثيون في انقلاب 1963. كانت مكتبة العصفوري احدى اهدافهم , فاغلقوها , واعتقل نعيم كغيره من ابناء المدينة .ومنذ تلك اللحظة السوداء اختفت تلك المكتبة الى الأبد .
لكن نعيم لم يستطع ان يتخلى عن عشقه الأبدي الى الكتب . هجر الشطرة الى بغداد وافتتح مكتبة اخرى في شارع المتنبي . اصبحت وسيلته للعيش وسبيله الى التعايش مع المثقفين والأدباء والشعراء والكتبيين والوراقين واساتذة الجامعات وطلابها . ولأنه اصبح علما من اعلام ذالك الشارع . اطلق على نفسه نعيم الشطري وكأنه يتقمص مدينته ويحملها معه في دروب حياته المتعثرة .
حينما اشتد الحصار على العراقيين في التسعينات , كان للكتاب دور في انقاذ اصحابه وقراءه , الذين جعلوه مادة للمقايضة بما يسد الرمق , ويستر ماء الوجه . كان اكثرهم يتوجه الى نعيم لمساعدته على بيع كتابه , لذالك حفلت ذاكرته بعشرات القصص المأساوية لأناس كانوا يبيعون كتبهم بعيون دامية وكأنهم يبيعون اطفالهم . لذالك فقد ابتدع فكرة المزاد كل يوم جمعة . كما ابتكر طرائق طريفة في الترويج للكتاب وكأنه يستلهم مقامات بديع الزمان الهمداني وحلقاته الحكائية . حلقة نعيم الشطري جديرة بالفرجة في زمن عزّ فيه الفرح وانتشرت سحب الحزن والألم واليأس , لكن نعيم جعل من حلقاته المزادية فسحة لفرح موقت . كان قادرا على انتاج النكتة وبثها بين عيون اصدقاءه المتعبين . كانت السخرية الخفيفة وسيلته للأحتجاج على عالم وقح .
حينما التقيت به بعد عقود تجمدت كلماته وسقطت سمّاعة التلفون من يده . احتضنّا بعضنا , ضحكنا والدموع مطر يلوث مآقينا . سألني عن البلاد التي تأويني . وعن قدرتي على ان ابقى واقفا , واسئلة اخرى
ينهال عليّ بها وكأنه يواسيني .. كان نعيم كتلة من الفرح والعطف والمودة , رغم انه يعاني من حزن معتق غير منظور , وكأنه قد اعدّ نفسه كبش سعادة للناس .حينما امتدت يد الأرهاب لنسف شارع المتنبي , والتي تعني خنق الحضارة والثقافة ..كان ركام التدمير يتعالى وكنا نظن بأن جسد نعيم الشطري قد تشظى مشبعا بالغبار والبارود . لاسيما ان الجميع يعلم بأن مكتبته في وسط الدمار . لكن نعيم كان عصيّا على الموت . بعد عدة اسابيع اعاد للمتنبي تألقه الجميل واستمر في مزاده .
مرت سنين ونعيم في دابه الرائع , وهو يعانق هموم الأنسان العراقي . لكن جسده لم يتحمل هذه الروح المتألقة .. شاخ الجسد ولم يستطع ان يتحمل امراضا لابد منها . وهكذا يستسلم نعيم لموت أليف اختطفه من احبته واصدقاءه. اختطفه هذا الموت من شارع المتنبي . كيف يمكن لنا – نحن الأصدقاء – ان نرى مكتبة الشطري بدون نعيم ؟
اوتاوة /كندا



#رحمن_خضير_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول سحب الثقة
- وردة الجزائرية
- الغراف.. مدينة الظل
- الكًوامة
- الوطن .. بعيون مهاجرة
- شقة في المنعطف
- أخلاقيات المسرح
- القضاء العراقي.. وقضية الهاشمي
- المشي ..الى كربلاء
- طوب ابو خزّامة .. وقرط الشاعر
- كل عام .. وفشل حكومتنا بخير
- إنه زمن القتلة
- فجيعة لغياب آخر
- الذكرى العاشرة لرحيل الشاعر عبد الخاق محمود
- شموع كهرمانة وشيزوفرينيا الشعر
- إمرأة من اقصى المدينة
- أنامل ومخالب
- سوق النساء
- جرح ومنفى.. مرارة النأي عن النخل
- الكرة..وولاية الفقيه


المزيد.....




- السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي
- ملك بريطانيا يتعاون مع -أمازون- لإنتاج فيلم وثائقي
- مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
- الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته ...
- موسكو ومسقط توقعان بيان إطلاق مهرجان -المواسم الروسية- في سل ...
- -أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل ...
- -يا فؤادي لا تسل أين الهوى-...50 عاما على رحيل كوكب الشرق أم ...
- تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv ...
- الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن خضير عباس - نعيم الشطري..وديعا