|
عناق تحت الأرض
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 3768 - 2012 / 6 / 24 - 20:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عناق تحت الأرض كتب مروان صباح / تنتقل هذه الأيام الجغرافيا السورية ما بعد الاستباحة إلى ما هو أصبح تحت سيطرة المعارضة المسلحة الانقسام الجغرافي وبمساحات شاسعة لا يستهان بها إطلاقاً وذلك يأتي نتيجة فشل النظام في توفير الأمن وحماية المواطنين بل العكس تماماً قد ساعد منذ البداية في إدخال البلاد لحالة من رعب النار وسهل في اعطاب أهم بند من العقد الاجتماعي القائم بين الشعب وممثل الدولة هو حماية رقاب الناس من القتل والذبح ، فقد شهدت المرحلة السابقة ومازالت سباقاً عنيفاً بين الطرفين بهدف السيطرة على العدد الأكبر من المدن لإخضاعها تحت حكمه إلا أن هناك حالة من الهرولة أمام نقاط حدودية مصطنعة بحكم الوضع الراهن جعلت من التقدم لقوات الطرفين غير متاح ويعكس الوضع الداخلي حالة الشلل التى يقدمها المجتمع الدولي وخصوصاً الأمريكي على وجه الخصوص في التعامل مع النظام الأسدي مما يدلل بأن المطلوب ليس إرساء الديمقراطية وإنهاء الأزمة بقدر تأجيجها وإنهاك الطبقات المختلفة في المجتمع وخصوصاً الاقتصادية ودفعهم إلى الاصطفاف الطائفي كي تكتمل لعبة التوازن وضرب تحت الجلد بحيث يتم دعم الجهتين دون اعطاء فرصة لأحد من التفوق ويصبح الفيتو الروسي عقبة امام تحرك يؤدي إلى تسريع وقف النزيف من الخاصرتين . يلجأ النظام عبر شبيحته إلى إلحاق وممارسة الأذى والانتقام ببعض القرى التى تبتعد مسافات عن المدن حيث يصعب للمعارضة حمايتها أو تشكيل دفاع يحّوّل بين مواطنيها وسكاكين التى سننت عبر سنوات وأُغرقت بالسم ، حيث حولها إلى مقابر جماعية لدرجة بات الأب يحفر قبره وقبور حوله كي يعانق اولاده تحت الأرض ، هكذا فرّخ النظام الّقبر قابرات مثلما فرّخ من المنفى منافي عدة وقدم كل ما يملك من الأساليب كي يحتفظ على عرش قد ورثه من مغتصب لعقود ولم يتبقى لديه إلا الطائرات في إحتياطاته المتدافعة نحو حسم معركته مع شعب أصبح يقابل افعاله بإصرار على تحقيق الأمل مع ادراكه بأن الحرية لن تكون فسحة بل باهظة الثمن ولا تعترف إلا بالدم مما ألتقط النظام هذه النقطة وحولها إلى لعبة في محاولة تكسير إرادة الثورة وعزلها ضمن محاور عسكرية يحدد فيها الاسلوب الجديد من العيش حيث صعّدَ في الآونة الأخيرة حدّه القتل بحق فئة معينة لا حول ولا قوة لها هي الأطفال بهدف اوجاع القلوب والحد من انتشار الثورة دون أي رأفة مما يدلل مدى ارباك النظام وشعوره المتعاظم برخاوة قبضته على الجغرافيا تدريجياً والتى تُبرهنها محاولات الجيش الحر بإيجاد موقع قدم في العاصمة دمشق وتحويل أي مربع يسمح للمتظاهرين الخروج دون قلق الموت أو القهر معتقدةً أي المعارضة بأن النظام قد اُستنفذَ وصار بالإمكان احداث فراغ أمني داخل مربعه لهذا سنرى في المستقبل القريب اعاده لمحاولات وبطرق شتى تهدف إلى زعزعت هدوءه الأمنى الذي يتمتع به في العاصمة حتى لا يستطيع النوم أو حتى تناول الطعام دون أن يشعر بالاختناق . كمَّاَ نجحت المعارضة في السيطرة على اجزاء كبيرة من الوطن الواحد وانشأت جيش مسلح مدعوم من قوى إقليمية مصحوب بحاضنة شعبية عريضة تتيح له التنقل والتعامل مع ادوات النظام بشكل مريح ، استطاع النظام أن يقابل هذه التحديات بنقل الثورة الشعبية التى سعت إلى الاطاحة به عبر مظاهرات سلمية تطالب بإعادة حقوقها المسلوبة واقتلاعه من الجذور إلى معركة إقليمية باللعبة خارجية قد مُهدّ لها من فترة طويلة حيث اخفقت جميع الدسائس لكن لم يستكين مروجها في تغذية المحاور عبر التجييش ، مما تقدمت في سلم اولويات النظام بعض الاغتيالات كعربون مبدئي دون ان يدرك عواقب الأمور المترتبة عليها فجعل الأرضية خصبة كي تجذب أي خلاف مستقبلي الذي دفعه بخبرته ومعرفته بالتركيبة القائمة في سحب البساط من تحت الناس العاديين وحصرهم جميعاً داخل دائرة قياسه ثم الافراز ضمن صيغة المقاومة المراوِحة منذ زمن او ضدها الذي يدفعنا أن نفصل بين الموقفين الروسي الصيني اللتين تنظران إلى القضية من جانب أخر حيث تدافعان بالأصل عن حدودهما المائية التى باتت الأساطيل الأمريكية متاخمة لمياهها وتحت نيرانها ، ومن هنا يأتي الموقف الإيراني على اختلافه الجذري وتموضعه من الأزمة السورية حيث يعتبرها حلقته الذهبية الذي يسميها محوره المقاوم وخطوطه المتقدمة الضاغطة على زناد النار التى تجعله اكثر توازناً بحماية برنامجه النووي لهذا قد استغرقت الجانب الإيراني سنوات من الجهد والمثابرة في إنشائه ناهيك عن التكلفة الباهظة من الإعداد والتأهيل المستدام والتخصيص المال الدائم المتدفق من الموازنات الخاصة تحت أسم حماية أمنها القومي وتمددها الثوري ، لهذا يصعب بل يستحيل عليها ترك النظام السوري أن يسقط لأنهم يدركون تماماً بأن سقوطه يعني شيء واحد هو بدأ سقوط الحلقة الذهبية مما سيؤدي إلى تراجع نفوذها لحد الانعزال جغرافياً وتقطيع أذرعتها . الغريب في وقت سابق وخصوصاً في عهد الرئيس بوش الابن تعاملت الإدارة الأمريكية من خلال بعض التصريحات باردة الكلمات ساخنة المعنى بضرورة انسحاب لكامل الجيش السوري مع القوى الأمنية من لبنان وبفترة زمنية محددة بحيث لوحة بذات العصى التى استخدمتها مع النظام العراقي مما جعل لأركانه أن يغادروا جغرافية لبنان قبل إنتهاء الفترة المطلوبة متجنبين السيناريو المعروف ، إلا أن اليوم قد تغيرت المعادلة كلياً حيث يتحسس النظام فوق رأسه وتحت قدميه لشعوره بفقدان العرش فتحولت المسالة لديه قاتل او مقتول لأن هناك سلسلة متشابكات من القضايا التى تَخّرُج عن قبضة الرجل الأول بل متشعبة فأصبح من فيها يدافع عن مصالحه الخاصة دون الالتفات للثمن الباهظ التى تدفعه البلاد وتصب كلها في مجرى التيئيس والترويع . هناك أمور من هذا الطراز تثير فينا الاشمئزاز ونعف عن ذكرها إلا أن أحياناً حجم الكارثة تخرجنا عن الصمت لأننا إن لم نكتب فسوف نتقيأ حتماً ، فقد بات من الواضح دون اللجوء لعمليات التواري خلف الوهم بأن سوريا أصبحت منقسمة بواقع قوتين مسلحتين مدعومتين من الخارج انهكتا كاهل الوطن رغم المبادرات المتعاقبة التى تسعى إلى تجنيب البلاد من الانزلاقات تبدو عمقية إلى تقسيم قاسي التضاريس حيث يشمل المنطقة برمتها دون استثناء ، المسألة بأن الشعب استطاع أن يعالج نفسه من العقم الذي اصابه وكسر جدران الخوف في اجتراح الطرق متطلعاً ان تُوصله إلى الحرية لكنها اتضح انها غير معبدة واغلبها غابات لا حدود لها . والسلام كاتب عربي
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قد يكون المحذوف هي الحقيقة ذاتها
-
لم يعد متاح لمن يسبح على الرمل أن يفوز بقطع النيل
-
المياه العميقة تمشي ببطء
-
مصطلحات موسمية
-
سجان توحشت روحه
-
خبر ناقص أعرج
-
تواطؤ يتغذى من الذات
-
من شروط نهوض الدولة نهوض القضاء
-
يعيش خارج التقويم
-
محكمة ذاتية أقامها لنفسه
-
الطرف لثالث
-
مرحلة لا بد من قطعها كي يعاد العقل إلى عقاله
-
الخطأ يتحول إلى خطايا
-
الخطوة تبحث عن مغامراً
-
فلسطين الديمقراطية فيكِ عرجاء
-
احتشادا وتأهب
-
لعبة التكامل والابتزاز المتبادل
-
وزيراً في الصباح وغفيراً في المساء
-
المزهرية الفارغة يثرثر فيها غياب الورد
-
جنرالات استبدلوا الشدة بالفتحة
المزيد.....
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
-
فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
-
لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط
...
-
عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم
...
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ
...
-
اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا
...
-
العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال
...
-
سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص
...
-
شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك
...
-
خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|