أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - عشر أطروحات حول السلطة والندرة















المزيد.....

عشر أطروحات حول السلطة والندرة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1103 - 2005 / 2 / 8 - 11:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1. تتكون السلطة بانفصال أول مؤسس بين الحاكمين والمحكومين. وتقوم تأسيسيا على سيطرة الأولين على الأخيرين. الاستبداد هو أبسط النظم السياسية أو أعمها لأن مبدأه يقوم على ذاك الانفصال الأول وعلى السيطرة التأسيسية المواكبة له. لكن ليس هناك نظام سياسي، سواء أكان طغيانيا أم ديموقراطيا أم تسلطيا، لا يحتوي الانفصال والسيطرة المؤسسين، وبالمعنى المزدوج لكلمة يحتوي: يتضمنه، ويضبطه ويتحكم به.
2. تميزت الحداثة السياسية بتطوير نوعين من الإجراءات من أجل احتواء علاقة الانفصال/ السيطرة بين الحاكمين والمحكومين، هما مساءلة الحاكمين وتسييس المحكومين. فالحاكمون مسؤولون، قابلون للعزل، وبمعنى ما محكومون؛ والمحكومون "سائلون"، متدخلون في السياسة، وبمعنى ما حاكمون. لقد صنعت الأمة الحديثة عبر تسييس المحكومين وضبط الحاكمين. الأمة بهذا المعنى احتواء للصراع السياسي بين الحاكمين والمحكومين.
3. تتكفل آليات التمثيل والمأسسة والانتظام الذاتي المستقل وظائف المساءلة والتسييس وإقامة الأمة، وبالتالي مراجعة الانفصال المؤسس و"احتواءه". يضمن التمثيل تدخل المحكومين في عملية مراقبة السلطة. وتحد مأسسة السلطة، أي إخضاعها لقواعد مطردة، من التدخل الاعتباطي لها في شؤون المحكومين. فيما يتيح الانتظام الذاتي أن ينتج الناس سلطات وحصانات اجتماعية تلجم توسع السلطة. فالأمة نظام حكم يقوم على التمثيل والمأسسة و"المجتمع المدني" (مفهوما كفسحة انتظامات اجتماعية مستقلة تنتج فيها سلطات اجتماعية متنوعة) قبل أن تكون أرضا ودولة وشعبا وثقافة. وهي، الأمة، الحل الذي ابتكرته الحداثة لمشكلة السلطة (ولعل العالم اليوم في حاجة إلى حلول لمشكلة السلطة الامبراطورية. المبدأ يبقى نفسه: إنتاج سلطات مقابلة). ليست الأمة مصدرا ساكنا للسلطات بل هي منتج حي ومنبع مستمر لحصانات ومقاومات وسلطات لا تنتهي.
4. منذ أن تتكون السلطة، يغدو التغلب عليها غير ممكن إلا بتكثيرها وبتبذيلها وإنتاج المزيد منها. فلا مجال لإلغاء الانفصال المؤسس. لكن المجال مفتوح أمام تكثير الانفصالات بما يمكن معظم الناس من حيازة سلطات واحتلال مواقع سلطوية نوعية. هذا يقترح طوبى تقوم على الإنتاج الواسع والمعمم للسلطة. ولعل هذه طوبى الحرية. فالحرية لا تعني زوال السلطة ولكن الوفرة السلطوية وموازنة سلطات بسلطات وحصانات بحصانات. فمن لا سلطة له لا حصانة له. أما فكرة العودة إلى عصر لا سلطوي من نوع ما فلا تقود إلا إلى سلطة هائلة ضخمة ساحقة وفقا لما أثبته المثال الشيوعي.
5. والديموقراطية غير ممكنة من دون الإنتاج الواسع للسلطة، أو لسلطات متعددة الأشكال. وهي غير ممكنة، على كل حال، من دون تكاثر السلطات وتمايزها واستقلالها أو سيادتها النسبية، وذلك منذ أن رأى مونتسكيو في استقلال السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية ضمانا ضد الطغيان. فآليات التمثيل والمأسسة والانتظام الطوعي الحر لا تتمكن من الحد من السلطة إلا لأنها منتجة لسلطات موازنة.
6. الوفرة السلطوية هي شرط الديموقراطية كما كانت الوفرة المادية شرط الاشتراكية عند ماركس. ولا سبيل إلى حل مشكلة السلطة ضمن أفق الندرة أو التعامل مع السلطة كشيء ثمين. فندرة السلطة تثير التنافس الحاد بين الناس للاستئثار بهذا الحجر الكريم. ومن يفز بها يغدُ أسير لعبتها لأنه يضطر إلى مراكمة المزيد منها لحماية ما يملك، ومنع الآخرين من الحصول على ما يتجاوز حد الكفاف السياسي منها، أعني البقاء على قيد الحياة لكن مع الخروج من المنافسة السياسية. لذلك يقود شح السلطة بالضرورة إلى الاستبداد والعنف. الاستبداد في المقابل يحرص على شح السلطة ومنع إنتاج سلطة إضافية تحد من سلطته وتضطره إلى المساومة والسياسة. فإنتاج السلطة عملية صراعية، عملية مقاومة للاحتكار السلطوي وانتزاع سلطة لمواجهته.
7. هناك مسعى آخر لتجاوز الانفصال المؤسس للدولة، هو ثمرة المسعى نفسه لاستعادة الوحدة بين الحاكمين والمحكومين (لتكثير الانفصالات مفعول توحيدي)، لكن من دون مساءلة وتسييس ومع رفض التمثيل والمأسسة والانتظام الذاتي. يرغب هذا المسعى الذي ارتبط بالماركسية والحركة الشيوعية بتجاوز الانفصال السلطوي الأول من دون إنتاج موسع للسلطة. وهو يريد التغلب على الندرة الاقتصادية، لكنه يبقى أسير مفهوم السلطة كشيء نادر. وهذا لأنه يخضع اقتصاد السلطة في المجتمع إلى اقتصاد السلعة، ويشتق السلطة من ندرة السلع المادية. وهو لذلك يربط بين الوفرة المادية وزوال السلطة، بين الغنى العام المادي والاستغناء العام عن السلطة. السلطة شيء مشتق وتابع، وليست شيئا أوليا أو أصليا ضمن المنظور الماركسي.
8. لم تقتصر النتيجة العملية لهذا المنظور على تعطيل إنتاج سلطات جديدة. لقد تعدت إلى بناء سلطة هائلة الحجم تشرف على هذا التعطيل وتمنع تكون سلطات أخرى من أي نوع. فالشمولية من النوع الشيوعي قامت على رفع منسوب السلطة لكي يغمر المجتمع كله تحت مياهها. إذ أن تركيز السلطة أو رفع منسوبها ضروريان لإزالة التمايزات والفوارق من المجتمع ولحراسة محو التمايزات والفوارق. وهناك على الدوام تناسب طردي بين التجانس الاجتماعي وضخامة جهاز الدولة (وبالعكس أيضا: بين وعورة المشهد الاجتماعي وتعقده وحجم الدولة المحدود). فالتجانس الاجتماعي هو صنو الإفقار السياسي المعمم. والتجريد المتساوي للناس من السلطة يقتضي وجود سلطة هائلة تشرف على تسوية الخريطة الاجتماعية وطمس نتوءاتها وتضاريسها. إن العبودية السياسية مرتبطة على الدوام بدولة ضخمة.
9. مستقبل الديموقراطية محليا وعالميا مرتبط بإنتاج سلطة أكثر لا سلطة أقل. وإنتاج السلطة هو نفسه إنتاج مقاومة السلطة أو إنتاج الحرية. إذ ليس هناك حرية إلا بمقاومة السلطة، بإنتاج سلطة ضد السلطة. وإذا تحدثنا بطريقة باشلار نقول إن كل حرية هي ضبط لسلطة أو مقاومة لاستبداد؛ أو كذلك ليس هناك حريات أولى، هناك فقط سلطات وتسلطات أولى. إن تاريخ الحرية هو تاريخ مقاومة السلطة.
10. خلافا للانطباع الشائع، مجتمعاتنا العربية التي تشكو من التسلط هي مجتمعات فقيرة بالسلطة. ولن تتحرر من التسلط إلا عبر مقاومة السلطة وإنتاج السلطة. فالحرية فعل مقاومة وليست حالا مستقرة، وهي لذلك لا تُعطى ولا تُمنح ولا تُشترى.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موقع الثقافة في مشروع الإسلاميين السوريين
- من يهين سوريا؟
- اصول تناقضات السياسة الخارجية السورية
- تعاقد سوري لتقاسم تبعات سلام مفروض
- لبنان المستقبل لا يبنيه لبنانيو الماضي!
- السوريون والسياسة الأميركية: هل من جديد؟
- محددات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
- نقد ثقافة الضحية
- بين النقد والاتهام
- نقد ذاتي
- معاناة -السيد ياسين- ومغامراته في عالم -الصحيح الواقعي-
- مفهوم لخط الفقر السياسي
- عن الحرب العادلة والإرهاب والدولة
- سوريا ممكنة دون معتقلين سياسيين!
- قانون الأحزاب وتحرير الحياة السياسية في سوريا
- المستحيلات الثلاث في -الشرق الأوسط-
- سوريا غير المتطابقة مع ذاتها
- حلفاء ضد التحليل: التبريريون والتشريريون في معركة الإرهاب
- أجهزة أمن اكثر = أمن اقل؛ والعكس بالعكس
- موت آخر المحاربين


المزيد.....




- مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا ...
- مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب ...
- الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن ...
- بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما ...
- على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم ...
- فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
- بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت ...
- المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري ...
- سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في ...
- خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - عشر أطروحات حول السلطة والندرة