|
من ثورة مدنية سلمية إلى زحف إسلامي ترهيبي
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3765 - 2012 / 6 / 21 - 17:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا أحد، ولا حتى الأخوان أنفسهم، يستطيع أن يدعي أن ثورة 25 يناير 2011 كانت في انطلاقتها ومسيرتها الأولى أخوانية، أو حتى ذات طابع إسلامي بأي درجة ملحوظة ومؤثرة. لكن اليوم، بعد أكثر من ستة عشر شهراً من ذلك التاريخ، أصبح لا أحد، ولا حتى أشد العلمانيين والليبراليين غلواً، يشكك في أن الثورة المصرية في هذه المرحلة هي إسلامية بامتياز، تحت قيادة أخوانية. متى، وكيف، بدأ هذا التحول الواضح من ثورة مدنية تطالب بالحرية والديمقراطية والعيش الكريم، إلى ثورة مشبعة بقيم ومثاليات وتقاليد ومظاهر إسلامية كل همها وعملها الدءوب أن تحفر القنوات وتعمق الخنادق لتحاصر وتغرق بها كل مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية وحتى الدينية القديمة، مثل الأزهر والصوفية؟ أستعرض فيما يلي بعض العوامل المساعدة. البيئة المواتية. داخل المنطقة العربية وحتى خارجها، كانت ولا تزال البيئة مواتية تماماً لمثل هذا الزحف الإسلامي الجارف. ويعزى ذلك في المقام الأول إلى حالة التأخر في شتى المجالات، والفساد والأمية والانغلاق، والفقر التي سادت معظم دول المنطقة طوال العقود الماضية، علاوة على تغلغل ورسوخ مفاهيم وممارسات التقليد الإسلامي في أعماق شعوب المنطقة، حتى من قبل ظهور الإسلام بمئات وآلاف السنين. مجرد استثارة صغيرة، ويخرج المارد العملاق من القمقم. هذه الاستثارة حدثت، ولا تزال، عقب ظهور الطفرة النفطية في السبعينات وإغداق الأموال بغير حساب على نشر الدعوة الإسلامية والترويج والتنظير لمفاهيمها وممارستها، دون أي تمحيص نقدي إصلاحي أو تحديثي، بطول المنطقة العربية وخارجها. منذ الطفرة النفطية، المملكة العربية السعودية، من خلال التوجه العام لسياساتها الحكومية ومسارات النشاط المدني شبه الوحيدة المتاحة للمواطنين، هي المسؤول الأكبر عن تهيئة هذه البيئة وتغذية وري نبتاتها، سواء عن قصد أو دون قصد، لمصلحتها أو ضد مصلحتها. دائماً المارد الإسلامي- كرمز لأفكار وممارسات بدائية وتقليدية بعينها يعود عمرها لآلاف ومئات السنين الماضية وتشكل ثقافة مميزة لشعوب هذه المنطقة- كامن في الأعماق، ينتظر مجرد إشارة. شرارة الربيع العربي. على الرغم من أن الإسلاميين لم يكونوا أبداً الرواد ولا المحركين لثورات الربيع العربي، إلا أنهم سارعوا إلى الالتحاق بها والمشاركة في قيادتها ثم الانفراد بدفتها وتسخيرها لمصالحهم ومشاريعهم الخاصة. بشكل واضح، حدث ذلك في تونس ومصر. مجرد مشاركة الإسلاميين، أخوان وغير أخوان، في الثورات العربية كانت مقدمة منطقية لنتيجة منطقية أخرى هي غلبة واستحواذ الإسلاميين على تلك الثورات، على الأقل بحكم الغلبة العددية لهذا التيار العميق والمنتشر فكراً وممارسة وسط شعوب المنطقة كلها. الصفقات. الجماعات الدينية، وبالأخص الأخوان المسلمون، بارعون وبرجماتيون للغاية في عقد واستغلال الصفقات لمصالحهم الخاصة. هكذا، في بداية الثورة، فعل الأخوان مع النظام السابق عبر اللواء عمر سليمان ولجنة الحكماء وغيرهم، ثم بعد الثورة مع المجلس العسكري. عقب الخلع مباشرة، كان الأخوان أمام خيارين واضحين يستطيع الأخوان أن يرجحوا كفة أي منهما بسهولة: (1) أن يتولى الحكم المجلس العسكري؛ أو (2) أن يتم تشكيل مجلس رئاسي مدني وحكومة وفاق وطني لتولي الحكم أثناء المرحلة الانتقالية. كان الخيار الأول يعني أن يتقاسم الأخوان الحكم أثناء المرحلة الانتقالية مع بقية القوى والتيارات السياسية الأخرى، وبخاصة اليساريين والليبراليين وجميع أنصار الدولة المدنية المؤسسة على فكرة فصل الدين عن الدولة. أما الخيار الثاني فكان معناه إبعاد جميع هؤلاء، ومن بينهم الأخوان والإسلاميين أنفسهم، عن المشاركة المباشرة في المرحلة الانتقالية، وتركها للعسكر عديمي الخبرة السياسية لحين تسليمها إلى المؤسسات الشرعية، الدائمة، المنتخبة. الطمع. حسب خطة الأخوان، كان انتزاع السلطة من المجلس العسكري أسهل وأيسر بكثير من تقاسمها مع اليساريين والليبراليين، على خلفية أن هذه الثورة هي شعبية تماماً وقامت بالأساس طلباً للحرية والديمقراطية والدولة المدنية. من ثم، كان تمكين المدنيين الديمقراطيين من هذه الثورة، كما فكر الأخوان، معناه ضياع الفرصة منهم إلى الأبد، لأنهم عندها سيفتقدون الذريعة المقنعة لإزاحتهم من الحكم عندما يحين الوقت المناسب. لكن الوضع مختلف تماماً مع المجلس العسكري، إذ بحجة الشرعية الشعبية يستطيع الأخوان بكل سهولة، وبمرور الوقت، ترتيب الملعب لصالحهم وحلفائهم. آخذين في الاعتبار سيطرتهم على الشارع، كان خيار الأخوان الواضح هو الاستيلاء، عبر الوسائل الديمقراطية، على مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى من طرف غير متمرس وضعيف بفعل الثورة ذاتها التي قامت لإسقاط نظام هو جزء أصيل فيه. لكن غير المتمرس والضعيف هذا كان هو ذاته الفخ والمصيدة التي أوقعت الطماعين. الهياج. في البداية، استكبر الأخوان أن يقتسموا مع القوى المدنية والديمقراطية مرحلة الحكم الانتقالي ووضع الأسس لنظام جديد، كان لابد أن يكون قسمة بين الجميع. وفضلوا على ذلك أن تكون الغلبة لهم، من خلال الاستفراد بالمجلس العسكري وبصناديق الانتخابات. ربما تلك الرغبة الجامحة في الاستحواذ تعود إلى أن الإسلاميين، وبخاصة الأخوان، عندهم مشروع خاص متحمسون له ومتعجلون على تنفيذه. والمؤكد أنهم لم يصارحوا القوى الأخرى بتفاصيل هذا المشروع الإسلامي الخاص. هنا كانت العقدة، التي برع المجلس العسكري في استغلالها ليقلب الطاولة على الأخوان، ومن فوقها المكاسب التي جمعوها بشق الأنفس، ليزداد الهياج الإسلامي أكثر ويفترش الشوارع. المواجهة. بسبب خطة بنيت في الأساس على الاستحواذ والمشروع المنفرد والطمع في انتزاع السلطة كاملة من الطرف الأضعف بعد إبعاد الأطراف الثورية الطامعة الأخرى، انتهى الأمر بالإخوان والإسلاميين بخفي حنين، ويكاد المجلس العسكري يحتكر معظم السلطة الحقيقية لنفسه. وليس أمام الأخوان والإسلاميين الآن سوى المواجهة. السؤال: هل، بعد أكثر من ستة عشر شهراً من الإنهاك والتصفية المتعمدة للقوى الثورية الحقيقية، سيستطيع الأخوان والسلفيون، وحدهم، أن يعبئوا ويحشدوا الشارع الثوري من جديد، في مؤازرة مشروع لم يكن مطروح بحال من الأحوال في الثورة الأولى؟ وفي تساؤل آخر، هل سيفلح الإسلاميون في إشعال فتيل ثورة أخرى جديدة، إسلامية ترهيبية هذه المرة؟
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هزيمة مشروع الإسلام السياسي في مصر من الجولة الأولى
-
أسطورة الإله...أسطورة الوطن
-
أدعياء دين وكاذبون ديمقراطية
-
تحالف المشروع الأخواني-السلفي، نعمة أم نقمة؟
-
أسطورة القوانين الوضعية والشرائع السماوية
-
السيادة أين، للدستور، أم الشريعة؟
-
رحمة الله عليك يا مبارك، كيف تعدمون ميتاً؟!
-
في مصر، صراع وجودي بين الله والإنسان
-
شفيق ومرسي، بالكرسي...إلى الجحيم
المزيد.....
-
سقطت بعد ثوانِ من إقلاعها.. شاهد الفوضى بعد تحطم طائرة في في
...
-
تحليل بيانات يكشف ما فعله قائد طائرة الركاب -قبل ثانية- من ا
...
-
مدى الالتزام بتوجيه ولي العهد السعودي في المدارس بلبس الزي ا
...
-
السعودية.. فيديو احراق سيارة متوقفة بالطريق والداخلية ترد
-
-ديب سيك-: أسرار وراء روبوت الدردشة الصيني الجديد، فما هي؟
-
شرطة لوس أنجلوس تنقذ مسنة عمرها 100 عام من حريق في دار المسن
...
-
في دولة عربية.. أول عملية عسكرية للجيش الأمريكي ضد -داعش- في
...
-
صخب ترامب مؤشر على الحالة الأميركية
-
زوجة الضيف للجزيرة نت: لم يتنكر كما كان يشيع الاحتلال ولم يغ
...
-
قبل موتهم جميعا.. كشف آخر ما فعله مسافران قبل اصطدام طائرة ا
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|