فاروق عطية
الحوار المتمدن-العدد: 3763 - 2012 / 6 / 19 - 08:39
المحور:
كتابات ساخرة
تذكرت ألاعيب النصابين فى الماضى وما بها من طرافة وظرف. ففى أول مايو عام 1948 نشرت جريدة المقطم القاهرية فى صفحة الحوادث الحادثة التالية: صعد حرامى دواجن إلى سطح منزل فى باب الشعرية وجمع كل ما بالخن من دواجن فى قفصه , وعند مغادرته المنزل تقابل مع صاحب المنزل الذى كان عائدا من عمله, فصاح مستنكرا: نسوان متعبة, تطلعنى لتالت دور ولا تشترى منى شيئ.. اعوذ بالله من النسوان. فطيب صاحب البيت خاطره بكلمات رقيقة. وعندما ولج باب داره واستقبلته زوجته بابتسامتها المعهودة, عاتبها على ما فعلته بهذا الفرارجى المسكين. فضربت على صدرها منزعجة وهرولت إلى السطح لتفاجأ بالكارثة. كان الزوج قد خلع طربوشه وجاكت حُلته وجلس يستريح فاستنهضته زوجته ليسرع خلف هذا اللص الذى سرق فراريجها. هرول الرجل يبحث يمينا ويسارا علّه يرى ذلك اللص اللعين. فى هذه الأثناء كان رفيق اللص يراقب الموقف, فصعد مسرعا إلى الزوجة وقال لها: الأستاذ قفش الحرامى وراح بيه على التُمن (قسم البوليس) وبيقول لك هاتى الطربوش والجاكت علشان يروح التُمن كأفندى محترم, فأعطته الزوجة ما طلب. وبعد أن يئس الزوج من تتبع اللص عاد للمنزل ليفاجأ بضياع مرتبه كاملا الذى قبضه طباح اليوم.. والذى كان بأحد جيوب الجاكت.
اما أساليب النصب هذه اليام فهى متطورة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة, و وكان لى نصيب من هذه الألاعيب الشيطانية, خاصة وأنا طيب القلب لدرجة تجعلنى مطمع للنصابين. أنا لا أنكر بل أقر وأعترف أننى صعيدى قُح, قد أكون طيب القلب ولكننى لم أكن يوما ساذجا أو عبيطا أو مختوما على قفاى, قد أكون أمُتّ بصلة قرابة أو نسب بعيد لذلك الصعيدى الذى اشترى الترماى أو ذلك الذى اشترى العتبة الخضراء وراح ليحصّل الإيجار من مصلحة البريد والتُمن والمطافى وعندما تأخر فى العودة ذهبت زوجته للبحث عنه, وحين أضناها التعب جلست على شريط الترام وحاول سائق الترام تنبيهها بدق الأجراس ولكنها لم تلتفت وحين زجرها للابتعاد صاحت فى وجهه: مالك بتعيط كده أنا جاعدة على جضيب جوزى مش على جضيب اللى خلفوك. وما أمطرنى به السادة النصابون من رسائل اليكترونية جعلنى أتساءل هل يبدو على ملامحى السذاجة والغفلة حتى يمطروننى بهذه الدعوات المتكررة للنصب على شخصى الضعيف بالرغم من كونى لا أمتلك مالا ولا عقارا ولا أرصدة أخشى عليها. ولما كنت فى ذلك اليوم منشرحا ومنشكحا ومنبسطا والمزاج عنب وعناب على غير العادة, هدانى التفكير لخطة مضادة ابتسمت لها ونفذتها.
إخترت رسالة أحد النصابين وهو المستر سو الصينى الجنسية الذى كانت رسالته رقيقة ودودة قال فيها: "أنا مستر سو موظف فى بنك بمقاطعة صينية, اكتشفت أن أحد المستثمرين الملياريرات قد وضع مبلغ عشرة مليون وخمسمائة ألف دولار أمريكى فى رصيد شخصى سرى لا يعلم به أحد وأن هذا الشخص قد وافته المنية منذ أيام واستولى ورثته على أمواله ما عدا هذا الرصيد الشخصى السرى, فرأيت بعد الاطلاع على سيرتك الشخصية كونك رجل محترم وأمين ومحب لمساعدة الأصدقاء أن أشاركك هذا السر وأن نقتسم هذا المال الذى جاء إلينا دون علم أحد حتى إدارة البنك. وأنا يا صديقى متزوج ولى إبنتان ونرغب فى أن نستثمر نصيبنا من هذا المال خارج الصين, وقد أيدتنى زوجتى وإبنتاى على الاعتماد عليك فى هذا الأمر وإرسال هذا المال إليك فيكون لنا 60% ولك 40%, ونحن نفكر فى زيارتك لتفعيل أواصر الصداقة والشراكة ونوكل لك استثمار نصيبنا ونحن نثق ثقة مطلقة فى أمانتك وحسن استثمار نصيبنا. وبعد استتباب الأمر سوف نترك الصين نهائيا ونحضر للإقامة معكم فى بلدكم ونعمل بنصيبنا المالى تحت إشرافكم. فكر فى الأمر وإذا اقتنعت به رد على رسالتى بأسرع ما يمكن مع موافاتى بإسمك الكامل وعنوانك ورقم تليفونك."
أعجبتنى رسالة المستر سو ومحاولته تلبيسى العمّة وقلوظتها بإحكام ومهنية دون طلبه إسم البنك أو رقم الحساب حتى أبتلع الطعم بسلاسة. وحتى أوهمه بابتلاعى الطعم وأننى ساذج لدرجة الهبل كما توقع, فقد أرسلت له الرد بالموافقة على شراكته مع موافاته بإسمى وعنوانى ورقم تليفونى. فجاءتنى رسالته الثانية فى نفس اليوم وجاء فيها: "صديقى العزيز, أشكرك على سرعة تلبيتك وموافقتك على شراكتى كما أقدم لك شكر زوجتى وإبنتاى لك واعتبارك صديقا لنا بل نحن أسرة واحدة سيجمعنا العمل المشترك قريبا وأنا وهن نحلم باليوم الذى نلتقى فيه لنعمل معا. ونرجو موافاتنا باسم البنك الذى تتعامل معه ورقم حسابك الشخصى حتى نحوّل هذا الكنز على حسابك, وأكرر أننا نثق فيك وفى حسن إدارتك لمالنا المشترك حتى نحضر إليك قريبا." هنا ابتسمت فى مرح فقد أيقن هذا النصاب أننى فعلا ساذج وعبيط وسأوافيه بالبيانات المطلوبة للاستيلاء على أموالى البنكية التى لا أملك شيئا منها غير الستر وراحة البال. عندئذ نفذت خطتى وأرسلت له الرسالة التالية: صديقى المستر سو, أحب أن أعرفك أننى قد هرشتك من الوهلة الأولى وعرفت أنك نصاب دولى ولكن مش متمكن, وقد غاب عن فطنة جنابك أننى نصاب مثلك ولكنى متطور, أى أننا مصلحة واحدة. كما أحب أن أوضح لك أن طريقتك فى النصب طريقة قديمة ومستهلكة وأصبحت مكشوفة ولا تنطلى على أحد حتى على المغفلين السذج, أما أنا فأستخدم طريقة جديدة لا تخطر على بال أحد مثلك وهى طريقة الفريكيكو, وقد نفذتها مع العديد من أذكى المستثمرين فانخدعوا بهذه الطريقة الجديدة وتسارعوا فى إرسال أموالهم لى طواعية ودون لف أو دوران أواستغلال لسذاجتهم, وفى بعض الأحيان امتنعت عن قبول أموال بعضهم فألحوا وأصروا على مشاركتى. عزيزى المستر سو يسعدنى ويشرفنى أن أتعاون معك وأعلمك طريقة الفريكيكو إذا رغبت فى ذلك أخبرنى وشكرا لتعاونكم.
بعد يومين ربما كان يفكر مليا فى عرضى أرسل لى رسالته التالية: "أنا أرحب بالتعاون معك وأتمنى استمرار شراكتنا لما فيه الخير العميم لكلينا. وأرجو موافاتى بطريقة الفريكيكو الجديدة لاستخدامها من جهتى وأعدكم باقتسام العائد معكم وأظن أنك ستفعل المثل معى". فأرسلت له الرسالة التالية: عزيزى المستر سو, أنا مستعد لتعليمك طريقة الفريكيكو ولكن لن نكون شركاء فكل منا يعمل بمفرده وحلال عليك ما تُحصّله من منفعة. وكى أعلمك طريقة الفريكيكو العجيبة ليس بهذه السهولة التى تتصورها. ولكى أسهّل عليك الأمر لا مانع عندى من بيع الطريقة لك مع وعدى بتبسيط الشرح, مقابل مبلغ بسيط هو ألف دولار ترسلها لى على عنوانى السابق إرساله لك من خلال وست يونيون, وعند استلامى المبلغ المذكور سأوافيك بتفاصيل طريقة الفريكيكو, ولا تنسى عزيزى سو أن تبلغ امتنانى وتحياتى للسيدة حرمكم ولإبنتيك الفاتنتين ومن يدرى ربما تجمعنا الأيام وقد أتزوج واحدة من ثلاثتهن أو ثلاثتهن إذا رضيت وأظنك لن تمانع". وانتظرت وأنا واثق أنه قد وعى الدرس وأنه لن يرسل شيئا ولن يرد على رسالتى.
على فكرة أنا لا أعرف طربقة الفريكيكو هذه ولا حتى معنى كلمة فريكيكو ومن لديه معلومات أكيدة عنها أرجو الاتصال بى أو موافاتى بها على بريدى ..!!
#فاروق_عطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟