صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1101 - 2005 / 2 / 6 - 12:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هناك اهتمام غير مسبوق في الدول المتحضرة، بتنظيم دورات دراسية بعلم الإدارة لإعادة تأهيل العديد من رؤساء المؤسسات ومدراء الأقسام. وكذلك يسعى العديد من قادة الأحزاب ورؤساء الحكومات للانضمام إلى تلك الدورات الدراسية بغرض اكتساب المزيد من الخبرة في مجال الإدارة والتنظيم لتحقيق النجاح في أعمالهم.
وتنفق العديد من الشركات العملاقة، أموالاً طائلة لغرض تنظيم دورات في علم الإدارة والتنظيم خاصة للعاملين في مرافقها الأساس، حيث أثبتت الدراسات الإحصائية إلى أن مستوى النجاح على الصعيد الإنتاجي وما تحققه المؤسسات يعود بالدرجة الأولى إلى مستوى خبرتها الإدارية في العملية الإنتاجية.
ويليها الجانب التخصصي الذي يشكل العمود الفقري للمؤسسة، وبالعكس فان الإخفاق الذي طال العديد من المؤسسات (بالرغم من نجاحها في الجانب التخصصي) يعود في جانبه الأكبر لضعف جهازها الإداري في تيسير مرافق المؤسسة بشكل ناجح. الإدارة تعني التنظيم والإعداد والبرمجة، وتهيئة السُبل الكفيلة لتحقيق النجاح للمشاريع عملاً بالقول المأثور:" كيفما تنظم سوف تتصرف".
تعاني أغلب الدول المتخلفة ومؤسساتها وقادتها ومدرائها من ضعف حقيقي في الجانب الإداري، بل أنها لاتولي اهتماماً يذكر لهذا الجانب الهام لتفعيل العمل داخل المؤسسات. ولربما لم تسمع (ولاتريد أن تسمع) تلك الدول بشيء اسمه علم الإدارة لتحقيق سُبل النجاح لمؤسساتها.
وتجد أن من مواصفات الرئيس أو القائد أو مدير المؤسسة الناجح، هو مدى استخدامه للعنف والإهانة لإخضاع الشعب أو العاملين في المؤسسة وإجبارهم على الالتزام بتوجهاته وتحقيق مستوى عالي من الإنتاج. هذا التصور الخاطئ في الدول المتخلفة، يعد أحد الأسباب في تراجع سُبل التنمية والتقدم في البلاد.
وكذلك يعود الإخفاق والفشل على المستوى السياسي إلى تسلط رؤساء وقادة أحزاب من الجهلة والأميين على مقاليد السلطة السياسية واستبعاد العناصر الإدارية الكفوءة والعلمية عن مرافق الدولة الأساسية.
حين كتب ((أفلاطون)) عن نظام الحكم في جمهوريته الفاضلة اشترط أن يكون رئيسها فيلسوفاً، لأنه يتحلى بمواصفات القائد الحقيقي (الحكمة، والصدق، والإدراك، والإنسانية، والرحمة، والعدالة، والعلم، والصبر، والشجاعة......). ولربما تلك المواصفات لايتحلى بها سوى القدسيين والفلاسفة، لكنها تعد الأساس النظري لمنظومة المُثل العليا الساعية لتحقيق سُبل التقدم والنجاح في إدارة رئاسة المجلس الأعلى لمؤسسات الدولة والمجتمع.
وتؤكد مجريات التاريخ الحديث على أن الرئيس أو القائد الذي تحلى بمواصفات مضادة للمواصفات السابقة، تسبب في حدوث كوارث ودمار كبير ليس على شعبه فقط وأنما على جميع شعوب العالم. وفي ذات الإطار من الفلسفة لمواصفات الرئيس لم يشترط ((الفارابي)) في مدينته الفاضلة بأن يكون الرئيس فيلسوفاً كما رأى معلمه الأول أفلاطون لكنه حدد اثنتا عشرة خصلة يتوجب أن يتحلى بها الرئيس:
أ-الجسدية: أن يكون تام الأعضاء ينجز أعماله الخاصة بسهولة.
ب-عقلية: تشمل عدداً من النقاط:
1-جيد الفهم والتصور لما يقال له، فيفهمه على ما هو عليه.
2-جيد الحفظ لما يفهمه، ولما يراه، ولما يسمعه، ولما يدركه ولاينساه.
3-جيد الفطنة، ذكياً، يتفهم بأدنى إشارة ودليل.
4-حسن العبارة، ويعبر بوضوح عما يريد قوله.
5-محباً للتعليم والاستفادة، منقاداً له، سهل القبول، لايجهده التعليم ولايؤذيه الكد.
ج-خلقية: تشمل عدداً من النقاط:
1-أن يكون غير شره على المأكول أو المشروب أو المنكوح.
2-محباً للصدق وأهله، ومبغضاً للكذب وأهله.
3-كبير النفس محباً للكرامة.
4-أن يكون الدرهم والدينار وسائر أعراض الدنيا هينة عنده.
5-محباً للعدل وأهله، مبغضاً للجور وأهله.
6-قوي العزيمة على ما يريد فعله، مقداماً دون تردد أو ضعف في النفس.
وبالرغم من أن ((الفارابي)) يعد نفسه أحد تلاميذ ((أفلاطون)) لكنه خالفه في العديد من أسس مدينته الفاضلة كـ (اشتراطه للرئاسة الدولة فيلسوف، ومجتمع الطبقات، ورفض الدين، والتخلص من المعاقين والفائضين من البشر عن حاجة الدولة..........وغيرها). وكان أكثر إنسانية في نظرته إلى البشر ورفض مبدأ تعارض الفلسفة مع الدين، ومجتمع الطبقات. كما أنه كان أكثر مرونة، وانفتاحاً على الآخرين في مجتمع مدينته الفاضلة.
وهذا الانفتاح والمرونة، يتجسد بتعدد الخيارات التي طرحها بشأن إدارة مدينته الفاضلة حيث توقع تعذر وجود شخص يتحلى بكل مواصفات الرئيس. لذا اعتمد خياراً أخر من خلاله يتم البحث عن شخص يخلف الرئيس ويحكم بالشرائع والسنن وما شرعها الرئيس الأول، وتتوفر فيه ست خصال:
1-أن يكون حكيماً.
2-أن يكون عالماً، وحافظاً للشرائع والسنن والِسَير وما دبرها الأولون.
3-أن يكون له جودة استنباط فيما لايحفظ عن السلف فيه شريعة.
4-أن يكون له جودة إرشاد بالقول إلى شرائع الأوليين، وإلى ما استنبط من بعدهم.
5-أن يكون له روية وقوة استنباط لما سبيله أن يُعرف.
6-أن يكون له جودة ثبات ببدنه في مباشرة أعمال الحرب.
تلك هي المواصفات لشخص الرئيس والرئيس البديل وما وضعها الأولون، ومازالت تحتفظ بالكثير من قيمها ومدلولاتها الإنسانية والعلمية، بالرغم من مرور مئات السنيين على صياغتها. وبما أن المنهج والمنطق العلمي لايقر بنفي القديم بمجمله لصالح الحديث كله، بل يستند إلى مبدأ التحديث له كسبيل أنجع لخدمة البشرية. لذا يتوجب (وعملاً بذات المنهج العلمي) تحديث الأفكار والآراء العظيمة واستنباط الجديد، بما يؤسس لتراكم حضاري يخدم البشرية.
وعليه فلابد من إضافات مستحدثة لمواصفات اختيار شخص الرئيس، باعتباره النموذج والقدوة والمفعل لمؤسسات الدولة بما يخدم طموحات الشعب. وفي الحالة العراقية لاختيار شخص الرئيس، يتوجب أن يتحلى الرئيس الجديد بالمواصفات السابقة إضافة إلى:
1-عدم ارتباطه بالأجهزة الأمنية للنظام المقبور وحزبه الفاشي.
2-عراقي التوجه والضمير، وصادق بأفعاله وتوجهاته لترسيخ مبدأ المواطنة في ذهنية الجمهور وانتزاع الأفكار والتوجهات التي تؤسس للفرقة الدينية والقومية والطائفية....من أجل تحقيق مصالح كافة أبناء الوطن.
3-عدم ارتكابه للمجازر البشرية على أساس مذهبي وعنصري فاشي كـ (المقابر الجماعية، وحلبجة، والأنفال، وبشتاشان.........).
4-أن لايكون متهماً (هو أو أحد أفراد عائلته أو حزبه) بأعمال النهب والسرقة لممتلكات الدولة، أو مرتشياً بغرض تحقيق مصالح فئة أو دولة وعلى حساب الثوابت الوطنية.
5- عدم شراءه للذمم والأقلام المأجورة للدفاع عن سقطاته ومواقفه المشينة.
6-أن لايكون مساهماً بأعمال التهجير القسري للمواطنين على أساس عنصري أو حزبي أو عشائري.
7-أن لايكون متذبذاً بمواقفه وتوجهاته السياسية وعلى حساب الوطن.
8-أن لايكون أداةً تستخدمه الأجهزة الدولية ليتبادل معها المصالح وعلى حساب العراق.
وتبقى قائمة مواصفات اختيار الرئيس العراقي الجديدة مفتوحة أمام كل عراقي شرف، يضيف ما يراه مناسباً لمواصفات الرئيس المراد تعينه من قبل المجلس الوطني لأجل بناء عراق حضاري تسوده المحبة والتسامح ويحقق العدالة والمساواة للجميع وعلى أساس المواطنة.
وتلك المواصفات لاختيار الرئيس ليست تعجيزية فهناك العشرات من أبناء العراق الشرفاء من يتحلى بتلك المواصفات وبغض النظر عن دينه ومذهبه وقوميته ولونه وجنسه، المهم أن يسعى لخدمة العراق وشعبه. إن اعتماد مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب وعلى أساس الكفاءة والخبرة العلمية، كفيلاً بتحقيق الأجواء المناسبة لعملية إعادة البناء والتقدم نحو المستقبل أسوة بشعوب العالم المتحضر.
ويتوجب أن ترفض مبادئ الدستور الجديد نظام الحصص الطائفية والقومية والدينية في تشكيل الحكومة أو في اختيار المناصب السيادية، ولابد من إخضاع منصب رئيس الجمهورية للتصويت الشعبي. حيث يتقدم أكثر من مرشح لرئاسة الجمهورية في عملية انتخاب دستورية، ومن يحرز أصواتاً أكثر يتقلد المنصب وبغض النظر عن عرقه ولونه وجنسه ودينه وطائفته.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟