فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 1100 - 2005 / 2 / 5 - 13:26
المحور:
الادب والفن
بعد أن يسقطَ كأسُ الحليبِ من الطاولة
وقبل أن يمسَّ الأرضَ
ستكتملُ اللوحةُ
ويمضي الفتي وحيدًا
الفتى الذي تعلّم الصمتَ
وعلّمه.
سيجمعُ باليتةَ ألوانِه
شرائحَ الصفيحِ
أعوادَ البازلاء الجافة،
يعتصِّرُ سكوتَها المنذورَ
ثُمَّ يشعِلُ النيرانَ في تصاويرِ العائلة.
ثمّة أصواتٌ
تنمو في صحراء الجوار
تمرُّ على وهنٍ
عبر قضبانِ سريرٍ معدنيّ
يحمل جسدًا
أضاعَ شفرةَ تنظيمِ الخلايا
فتكاثرتِ العظامُ
لأن قبّةَ الروحِ أقلُّ مكرًا
من جوامدَ تجيدُ الانكماشَ والتمدّدَ
حسبَ مراصدِ الهواء
والتقاويم.
ثَمَّ صوتٌ
يتسللُ على استحياءٍ
من غرفةِ النومِ المجاورة
فينتزّعُ الولدُ قلمَ الفحم
بريئًا من لعنةِ اللون
ليشطبَ أسماءَهم
- كلّ الذين قصفوا ريشتَه
كلَّ الذين سيموتون بغير مبرّر -
علّه ينسى.
سيمضي متوحّدًا
ينحتُ من الشجر مشاجبَ جديدةً
لا تنوءُ بأثوابِ الراحلين
فيستبدّلُ بالصمتِ يقينًا
مشكوكًا في هويّته،
يقينًا يتعلّم الغفرانَ
من ذاكرةِ الأفيال الآسيوية
التي سجّلتْ
توقّفَ نظارةِ "المختار" في الهواء
لحظةَ الشهادة.
علّه يغفرُ
للأم
التي غافلتْ حفلَ العُرسِ
وتفتتتْ تحتَ عجلاتِ الشاحنة،
للأخِّ
الذي لقنّه خطوةَ اليُتمِ الأولى
لأنه لم يتعلّم كيف ترجعُ السيارةُ إلى الوراء،
للأبِ
الذي أخفقَ في ترويضِ السرطان
فأدخلَ في لوحةِ الفتى
قميصَ حدادٍ منزوعَ الأكمامْ،
لعُمرَ
الطفلِ الذي سرقَ قطعةً من سكونِه
وتركَ الغرفةَ باردةً
بعد أن عبثَ بدفاترِ الرسم
وأصابعِ الفحمِ المنثورِ في زوايا الفم،
للأصدقاء
الذين لم تكفِ لعناتُهم
ليتمرّنوا كما ينبغي على الفرحِ،
فأتلفوا الشِّعرَ
ونسوْا
أن للصمت قواعدَ
ومواقيت.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟