|
الاستعمارُ والديمقراطيةُ (٢-٢)
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3755 - 2012 / 6 / 11 - 08:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقدم لنا عنوانُ كتابِ (الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية) نهايةً تامةً راهنة للرأسمالية، فالاستعمارُ يمثلُ تفسخ الرأسمالية على المستويين الغربي والشرقي، في الأول تنهار من الداخل، وفي المستوى الثاني تتفجرُ كفاحاتُ الشعوب باتجاه الاشتراكية، فيكتملُ التطورُ البشري والإطباق على العدو الغربي، لهذا يتخذ لينين إجراءات سريعة راهنة لتنفيذ هذه الرؤية.
إن رؤية لينين صحيحة على المستوى الإطلاقي، على مستوى القرون، لكن حتى على هذا المستوى البعيد فإن الرأسمالية لا تنهار من خلال انقلابات، بل عبر التطور التدريجي لقوى الانتاج البشرية والمادية، عبر نموها الطويل وتشكل نقائضها داخل هذا التطور.
إن الوعي الانقلابي للاشتراكية، يتم بتتحقق الاشتراكية بمعزل عن العوامل الموضوعية الحاسمة في تصور المادية التاريخية، والوعيُ الخاصُ بالنخب لا يمكن أن يصنع ثورة، فالثورة ذات عوامل موضوعية، لكن في رؤيته خلط لينين بين الثورة الديمقراطية والانقلاب لتشكيلِ رأسماليةِ دولةٍ شرقية.
إن سمات الرأسمالية الغربية المتطورة عن بقية البشرية في لحظة سابقة، التي تطورت من المنافسة إلى الاحتكارات وكل تلك السمات التي لاحظها لينين واستقاها من مصادر علميةٍ غربية في وقته، هي صحيحة، لكنه ركب هذه السمات الموضوعية فوق رؤية مسطحة ذاتية، وهذه المميزاتُ لم تنتقل للعالم المتخلف حينذاك، ولم تتحول بُنى الدول الشرقية إلى بنى رأسمالية، فهي لاتزال في العصر الإقطاعي ومخلفات العصور السابقة في نهاية القرن التاسع عشر، وهذا ينطبق على روسيا كذلك.
ورغم هذه المميزات المعبرة عن تطور اقتصادي اجتماعي غربي، وكذلك عن سمات استغلالية غدت كونيةً، ونهبتْ العالمَ الثالث، لكن هذا الاستعمار من جهة أخرى جرّ هذا العالمَ لحركته التاريخية وبعض أشكال تطوراته، وعبر هذا نشأت حركاتُ التحرر الوطني، ذات الأهداف والميول الديمقراطية بحكم التداخل والصراع مع الغرب. وكل تجربةٍ تنامت عبر الليبرالية والديمقراطية والصراع والتعاون بين المالكين والمنتجين غدت تجاربَ مهمة، فيما الأخرى تكدست فيها تناقضاتٌ هائلةٌ فانفجرت أو في سبيلها للانفجار.
وحين قدمت روسيا مشروعَ التسريع الشمولي المعادي للغرب عبرت عن ازدواجية الانتماء للغرب ورفضه معاً. توجهت لجذبِ بناه التقنية لا مشروعه الاجتماعي الثقافي الديمقراطي. إن الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي ليسا نقيضي الغرب الرأسمالي، ولكنهما مماثلان له ومتخلفان عنه.
إنهما أخذا قواعده الاقتصادية التقنية وطرق شبكاته المالية وبعض علومه، ورفضا بنيته الديمقراطية الاجتماعية. ركبا الرأسمالية فوق بناء شرقي استبدادي عتيق. وهذا ما سوف تفعله حركات (شيوعية) ودينية وقومية وغيرها كلٌ حسبَ بناه الاجتماعية ومواقفه.
وبتلك التعابير المطلقة عن هيمنة الاحتكارات والتفسخ الرأسمالي والطفيلية قفز لينين لاستنتاجاتٍ شمولية، وأقام بناءً رأسمالياً غير ديمقراطي.
فيما عاركت حركاتُ التحرر الوطني الاستعمارَ من منطلقات متعددة، وتوجه بعضها للديمقراطية وتوجه بعضها للاستبداد.
في القرن العشرين ظهر نموذجا رأسمالية الدولة الاحتكارية في الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. وكلٌ منهما على أساس مختلف، لقد ضربتْ السلطةُ الروسية أشكالَ الملكية الخاصة المتعددة، وغدت هي الرأسمال الأوحد، ولهذا فإن الديمقراطية اختفت، وغدا المجتمع تابعاً لهيمنة عليا ساحقة، ومن خلالها انبثقت الرأسمالية الخاصة ثانية ملوثةً بكل ذلك التاريخ السابق.
وهذا انعكس على المنظومة دولاً وأحزاباً حيث غدت مجموعات بذات التنميط الشمولي الفقير معرفة. إن عسكرة الريف والتجميعات في روسيا تُعطي في النهاية هذا المجتمع الشمولي حيث الدولة المتغطرسة والثقافة المغيَّبة عن الأنسنة، فحين تغيبُ التعدديةُ الاجتماعية تصيرُ الدولةُ إمبراطوريةً ساحقة.
هذا ما قامت به حكوماتُ الولايات المتحدة فنشوء رأسمالية الدولة الاحتكارية أدت إلى الهيمنة الشمولية الساحقة للمجتمع الأمريكي وجفاف التعددية والتنوع، عبر سيطرة رأس المال العملاق والقوة العسكرية، وتحول هذا لنموذجٍ عالمي يهيمن على دول العالم الثالث، ويفرزُ جنرالات الشمولية ويؤيد رأسماليات الدول التابعة.
ثم وصل النموذجان للانهيار الظاهر والخفي، الأول عبر السقوط المباشر ثم الجثوم في القوقعة الروسية كآخر حصن قومي له، وتساقطت رأسمالياتُ الدول الشمولية في مختلف أنحاء العالم الثالث بأشكالٍ متعددة منفكةٍ من السيطرة الأمريكية والسيطرة الروسية أو في طريقها لذلك.
وفيما تواصل روسيا تأييد الأنظمة الشمولية العسكرية تؤيد أمريكا الخروج منها من أجل ظهور الأسواق الحرة والتغلغل فيها دون أن تعطي الشعوبَ ومنها الشعب الأمريكي حرياته الديمقراطية الحقيقية.
إن النموذجين الاستقطابيين حسب رؤية لينين لم يتحققا، بل تحقق نموذجا استقطاب رأسمالية الدولة الاحتكارية في كل من الدولتين الكبريين، وقد أدى النموذج الأولُ الروسي إلى عدم استغلال التنوع والقوى الرأسمالية والديمقراطية المختلفة في الغرب والشرق، وتعزيز حضورها، مثلما أدى ذلك في الدول والأحزاب التابعة للنموذج الروسي الشمولي إلى تغييب إمكانيات التطور الليبرالي والديمقراطي في بلدان العالم الثالث، ولهذا كانت الهتلرية تتويجاً لهذا التغييب في الغرب، فيما كانت الدولُ والحركاتُ الدينية والقومية الشوفينية والليبراليةُ الفوضوية هي الوريثة للسياسة (الشيوعية) في العالم النامي، ولم يؤدِ الانتصارُ على الهتلرية لإزالة طابع رأسمالية الدولة الاحتكارية، وتعميم النموذج الديمقراطي، فاستمر الصراع بين النموذجين من الحرب الباردة إلى الحروب الأهلية.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستعمارُ والديمقراطية (١-٢)
-
التحديثُ من قلبِ المدن
-
هل هي ثوراتٌ أم غزوات؟
-
العوامُ الخطرون
-
فئاتٌ صغيرة تابعة
-
الناصريون والساداتيون
-
قفزتان ونموذجٌ يحترق
-
الرأسماليةُ العربية وقضايا الديمقراطية (٢ -٢)
-
الرأسمالية العربية وقضايا الديمقراطية (١-٢)
-
أسبابُ عجزِ القوميةِ الفارسية عن التطور الديمقراطي
-
أحمد شفيق طيارُ التحول الاجتماعي
-
رياضُ الترك رمزاً (٢-٢)
-
رياضُ الترك رمزا
-
مع الرأسماليةِ الحرة يمينٌ ويسارٌ جديدان
-
الشيوعيون العربُ والثورة السورية (٢-٢)
-
الشيوعيون العربُ والثورة السورية (١-٢)
-
فصل المذاهب عن السياسة الحديثة
-
الإخوانُ المسلمون في سوريا (٢-٢)
-
الإخوان المسلمون في سوريا (١ -٢)
-
مير حسين موسوي من رئاسةِ الحكومة إلى السجن (٣-٣)
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|