|
شفيق ومرسي، بالكرسي...إلى الجحيم
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3743 - 2012 / 5 / 30 - 00:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا كانت هناك حقيقة واحدة مؤكدة لثورة 25 يناير 2011 في مصر، ستكون الصراع الظاهر أحياناً والمضمر أخرى بين العسكريين والإسلاميين، المجسد في المعركة الانتخابية الطاحنة الآن بين شفيق ومرسي. ما من شك أن المدنيين القدامى بقيادة الحزب الوطني الديمقراطي المنحل وزعامة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك كانوا مجرد واجهة مدنية سطحية لحكم عسكري عميق في الأساس، نشأ وتطور منذ 1952 حتى تشرخ وتصدع في 25 يناير 2011. عند ذلك التاريخ، قفز الحاكم الحقيقي في قلب المشهد من جديد، ومن وقتها يحاول باستماتة لملمة وإعادة ترميم وتجميل واجهته المتصدعة. في سبيله إلى ذلك، يعترضه خصمان: (1) العلمانيون، الذين استطاع التغلب عليهم بسرعة وسهولة عقب الثورة مباشرة بالتواطؤ مع الإسلاميين؛ (2) الإسلاميون، الذين خلت الساحة الآن إلا منهم والعسكريين، ويجدون أنفسهم في معركة مفزعة غير متكافئة مع العسكريين، دون سند من العلمانيين، حلفائهم في الثورة.
في هذا المقال، أنا أكتب، وأخاطب القارئ، بصفتي أحد أفراد التيار العلماني غير المؤيد للعسكريين ولا الإسلاميين، لكني في جميع الأحوال أمام خيار واحد من ثلاثة: إما أن أختار المرشح الإسلامي، أو المرشح العسكري، أو لا أعطي صوتي لأي منهما وأكتفي بالفرجة من بعيد. لكن، قبل أن أحسم أمري، أود أن استعرض عدة نقاط.
في ثورة 25 يناير 2011، كان من الواضح أن الهتاف والهدف الرئيسي ليس عسكرياً ولا إسلامياً: عيش، حرية وعدالة اجتماعية. لكن، للمفارقة، نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية كان لها رأي مخالف كثيراً، وأصبحت تخير الناخب المصري بين إما المرشح العسكري شفيق، أو المرشح الإسلامي مرسي. التيار العلماني، أو المدني كما يسميه البعض، متأكد أنه لا يريد العودة إلى ديكتاتورية عسكرية كتلك المتحكمة منذ 1952، وبالقدر نفسه لا يريد الذهاب باختياره إلى ديكتاتورية دينية هي في كل الاحتمالات أشد ظلاماً واستبداداً وقسوة وتقييداً للحريات من سابقتها العسكرية. ماذا يفعل هذا التيار العلماني، المدني، الشاب وسط ومع هذين التيارين القديمين الضخمين، القويين، المستبدين، التقليديين وغير المؤمنين بالحرية أو الديمقراطية أو العدالة الاجتماعية؟
لابد أن يعرف التيار العلماني، المدني، ما هي أهدافه وغاياته بالضبط، وما هو السبيل الإجرائي العملي الصحيح لبلوغها. هذا التيار يريد بالأساس دولة علمانية، مدنية- لا هي عسكرية ولا هي دينية؛ يريد الحرية والديمقراطية؛ يريد توفير فرص العمل ولقمة العيش بالمساواة والعدل بين جميع المصريين؛ يريد حقوق المواطنة التي تكفل المساواة التامة بين جميع المواطنين أمام القانون بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو العرق أو اللغة؛ يريد دولة سيادة القانون، حيث القوانين الوضعية، من وضع النواب الممثلين للشعب، لا سواها هي الحاكم والمنظم الوحيد لحياة المواطنين؛ يريد حكم دستوري، مرجعيته الوحيدة والمطلقة دستور معبر عن إرادة واختيار الناخبين.
في قول آخر، مصر ما بعد 25 يناير 2011 تتصارع عليها ثلاثة قوى متنافسة فيما بينها: العسكرية والإسلامية والعلمانية. وفي الجولة الثانية والأخيرة من انتخابات الرئاسة، القوة العسكرية تنافس الإسلامية، بينما القوة العلمانية ليس لها مرشح. أنا أقول، حتى إذا لم يكن للقوة العلمانية مرشح، المؤكد أن لها هدف ومشروع تريد الوصول إليه وتحقيقه على أرض الواقع، ممثلاً في دولة علمانية، مدنية، ديمقراطية قائمة على التسامح والتعددية والحريات واحترام حقوق الإنسان. كذلك القوة العسكرية لها مشروعها، والإسلامية لها مشروعها، وكل منهما تمني النفس بالشروع تدريجياً في تحقيق مشروعها الخاص بعد وصول مرشحها الخاص إلى كرسي الرئاسة. كذلك المشروع العلماني، المدني مستمر ومتسع ومتطور، حتى بعد خروج جميع مرشحي القوة العلمانية الثورية من الجولة الأولى.
في النهاية، هل الصواب أن يصوت أفراد التيار العلماني للمرشح العسكري شفيق، أم للمرشح الإسلامي مرسي؟ هل يصوتون لمشروع دولة الاستبداد العسكري القديم/الجديد، أم لمشروع نهضة دولة دينية على شاكلة دولة آيات الله الإسلامية في إيران، المؤسسة على قمع الحريات والأقليات والاستبداد الديني؟
أنا أرى أن التيار العلماني، المدني، يجب أن لا يكترث كثيراً بهذا المرشح أو ذلك، أن يكثف تركيزه واهتمامه وجهده دائماً وأبداً على مشروعه الخاص- المشروع التنويري، الديمقراطي. باتجاه هذا المشروع، لا غضاضة في أن يتحالف حتى مع الشيطان؛ وبعيداً عنه، لا تعنيه ولا تهمه ولا تغريه حتى هداية الأنباء وكلامهم المعسول. لعبة السياسة الصحية النافعة للأوطان هي، في حقيقة الأمر، عملية مساومة ومفاوضة وصراع مستمر على السلطة بالوسائل السلمية. هذه هي أعظم ثمار ثورة 25 يناير. بفضل هذه الثورة العظيمة، مصر الآن تعيش إحدى أعظم عصورها خصوبة وتفاعلاً وحيوية وعطاء، بعدما كانت ترقد جثة هامدة منذ عقود.
في هذا الصراع السياسي الصحي والسلمي وغير المسبوق على مستقبل مصر، لا تنشغلوا بهذا المرشح أو ذلك وتتركوا الفرصة تضيع. اتركوا شفيق ومرسي يذهبان إلى الجحيم، وركزوا على مشروعكم، مشروع ثورة 25 يناير، مشروع العيش والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. في النهاية، الشعب، عندما يريد، قادر على أن يصنع حاضره ومستقبله.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|