موحسين بعالي
الحوار المتمدن-العدد: 3741 - 2012 / 5 / 28 - 01:23
المحور:
الادب والفن
حزن في وقت متأخر
في وقت متأخر من الليل بينما كان نائما، استيقظ فسمع جلبة يغشاها نحيب ، فقفز من السرير فزعا، وضع قدمه اليمنى في خفه في حين ضلت اليسرى تبحث عن الخف الأخر في هلع وسرعة ، فاستغنى عنه مكتفيا بالخف الأيمن ، خرج إلى البهو بعد أن صدم دفتي الباب الخشبي المهترئ تاركا صدى ارتطامهما وصريرهما يكرر نفسه في المجال، وجد هناك أخته وهي كالذي أصابه المس، تروح و تجيء تلطم خديها ونهديها، كان أبوه ممسكا حفيده بين ذراعيه يربته ويقرأ القرآن.
اقترب منه، فرأى الطفل الرضيع وهو يشهق و يفتح عينيه على مصراعيهما ثم يقفلهما ويلتوي عنقه إلى الوراء كالنائم، وسرعان ما يفتح عينيه ثانية ويحاول جاهدا سحب أنفاسه ، كان ينظر إليه نظرة غريبة أدخلت الرعشة في قلبه و حركت دموعا ساخنة في بؤبؤ عينه، هو الذي كان يحبه و يلاعبه، استمرت نظرته حتى فرت دمعة ساخنة تتدحرج على الخد وتغيب في كثافة الشارب،
جال الرضيع المسكين في المجال بنظراته إلى أن رست نظرته لبرهة على وجه جده الذي أجهش بالبكاء قائلا " أممينوا " فصوب الرضيع نظره نحو أمه التي أبعدوها عنه، ناداها أبوها أن تعالي ودعي طفلك و اطلبي له من الله السماح، اقتربت المكلومة من طفلها ببطء مدت يدها المرتجفة ، لامست وجهه الذي ارتسمت عليه ابتسامة خفيفة ، أجهشت بالبكاء فأبعدوها ، سمعوا صوتا كالغصة يخرج من حنجرة الطفل بعد أن اتسعت عيناه ، انقبضت عضلاته قليلا، ثم خارت قواه والتوى عنقه للوراء بعينين مفتوحتين، فأجهش العجوز بالبكاء بدوره وهو يردد " إن لله وإن إليه راجعون" وضع الطفل وأغلق عيونه ، اتجه نحو ابنته محاولا تمالك نفسه، خاطبها بصوت كله بكاء " إيوا صبر أيلينو صبر، أدم يخلف ربي العيل آذ "
ناحت المسكينة لفقدان طفلها الوحيد، عانقت أباها عناقا حارا سمع فيه طقطقة عظام أبيه ، لم يتحمل الحزن المفاجئ ودخل غرفته ثم بدأ يرتدي ملابسه والدموع تتوالى على خديه الواحدة تلوى الأخرى ، في لحظة تذكر نظرات الرضيع إليه ، فغلب عليه البكاء فسقط فوق السرير باكيا كالطفل الصغير ، فعض على تلابيبه محاولا إخفاء صوت نحيبه .
#موحسين_بعالي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟