|
حول ابداعات القاص عدي مدانات
سميح مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 3740 - 2012 / 5 / 27 - 17:01
المحور:
الادب والفن
حول ابداعات القاص عدي مدانات
للقاص عدي مدانات تجربة أدبية متميزة قدم فيها العديد من الروايات والقصص القصيرة والدراسات الادبية ، يعتبره كثير من النقاد في طليعة كتاب القصة العرب لإسهاماته الابداعية البارزة ، صاحب اسلوب متميز في كتابة القصة الواقعية ، وثيق الصلة بالحياة ، يختار مواضيعه بعناية فائقة ، ويعالجها بواقعية شكلاً ومضموناً ... يقيم في اعماله علاقة وثيقة بين الادب والحياة بدقة وعمق لا مثيل لهما ... يصور الحياة تصويراً موضوعياً بعيدًا عن المثاليات والتخيل و انفعالاته الشخصية ،يتلمس في صوره ادق التفاصيل الجزئية للمكان ونبض المشاعر والصلات الانسانية . لحسن حظي أنني اطلعت مؤخرا على عدد كبير من قصصه ، وجدتها ذات خصوصية واقعية متميزة ، تلامس قضايا كثيرة شديدة الحضور في الحياة المعيشة ، استوقفني كل ما فيها على اختلاف مواضيعها من حيث اللغة والبناء ، رشاقة لغوية بعيدة عن التقعير بفيض تفاصيل قصصه ، وانتقاء متميز لشخوصة من الواقع ، يتنقل بهم في مشاهد مكانية معروفة ، تدور حوارتهم فيها في نسيج محكم ومتوازن يمتزج فيه السرد بالحوار ، معتمداً في كل هذا على عناصر فنية لافتة في بناء الحدث والمشاهد والمتن الحكائي ، وفي اعادة تشكيل الأمكنة بأهلها وناسها وتفاصيل حياتهم وحتى تفاصيل أحاسيسهم الداخلية . يعتمد القاص عدي مدانات في قصصه على لقطات صور حياتية حقيقية صادقة يستلها من الواقع المعيش ، ينتقي شخوصه من الناس الذين يعيشون بيننا من الفقراء والمهمشين والمقهورين ، وبخاصة من المرضي وكبار السن والمتقاعدين ، نقابلهم في مجريات الحياة العادية ، ينتقي لهم أسماء ثلاثية ، يكشفعن وقائع حياتهم التي يعيشونها كل يوم ، يتحسسمعاناتهم اليومية وأحزانهم وأحلامهم المسلوبة وأزماتهم الأسرية ... يطعمها بذكريات أيامهم الماضية ، ينثرها في رحاب سطوره يجسد في تفاصيلها مشاهد واحداث متلاحمة مع احاسيس غائرة في اعماق النفس البشرية . قصصه وليدة خبرته بالناس ، ومعرفته الثرية بشؤون الحياة ، وبالأمكنة بكل ما فيها من بيوت وشوارع وازقة وارصفة ... خبرته وتجاربه واهتمامه المهني كمحامي بقضايا العمال ومختلف القضايا المدنية تزوده بافكار لقصص كثيرة مليئة بالمشاغل اليومية الصغيرة ، تفيض باحاسيس وصلات انسانية بامتدادات وتفرعات كثيرة تجسد عواطف واحاسيس شخوصه ، يسجلها بقدرة تعبيرية عالية سردًا وحوارًا ، ويستحضر لها في عمان وفي أمكنة أخرى غيرها مساحات أحداث واسعة بإنجاز بنائي متقن ، واقعيتها المتميزة تغوي بقراءة قصصه نصاً ومضموناً . تتوالى في قصصه مشاهد كثيرة يرصد فيها كل ما يتعلق بحياة شخوصه ، بكل ما فيها من أسرار وحكايا وعلاقات وتفاصيل حياتية دقيقة ، مليئة بالاحلام المسلوبةوالفرح المفقود، والقهر والحزن والقلق والشقاء والاّسى والاّلام والضغوط النفسية والاجتماعية ... يتعمق في شتى جوانب هذه التفاصيل ، يتعمق في تحليلها من اجل معرفة النفس الانسانية ... الفرد والظروف المحيطة به عنصران أساسيان في هذا التحليل ... يحلل جوانب كثيرة تحليلاً دقيقاً ضمن منظومة تركيبات نصية تزداد تدفقاً وانسياباً للوصول الى حقيقة النفس الانسانية بكل ما فيها من مضامين ، لا يقف أمامها بتأمل بل يواجهها كناقد يدعو الى تغيير الواقع المعيش الى واقع افضل . يلتقي عدي مدانات مع شخوص قصصه في مختلف مناطق عمان ، يقترب منهم ، يتعرف على دواخلهم بفهم عميق وانصاف ... كل الناس على مقربة منه ، لا حواجز تفصله عنهم ، له نوافذ كثيرة تتسع على رحابة المجتمع ومساحته الواسعة المليئة بالوان كثيرة من تجارب الحياة ... تجارب نماذج كثيرة منمكامن الواقع ... من الناس الذين يعيشون على مقربة منه ، يمد يده لهم ، يغوص في نفوسهم بكل ما فيها من ألام وصراعات ... يعيد لهم أحساسهم بانسانيتهم وحماسهم للحياة ... يحفزهم على تغيير واقعهم ، والعودة الى مجتمعهم من جديد. يتوالى أسلوب عدي الواقعي في اعمال قصص كثيرة مزدحمة بافكار عالمه المتوهج ، لا يغرق فيها كغيره بالعموميات والرمزيات والإيحاءات وحكايا التاريخ ، بل يحصر كل عمله بالانسان ، بالكشف عن ما يستتر في داخله واجتلاء مشاعره واحاسيسه وأماله وتطلعاته ، وبكل ما يتصل به من أحداث ومشاهد وقضايا اجتماعية ، يعيد صياغتها في نصوصه من جديد بتأطير سردي ممتع ومؤثر وبناء فني محكم يجعل القارئ متابعا لقصصه حتى نهاياتها ، لا يتركها الا عند أخر فقراتها ، لأنها تذكره بالحياة الحقيية التي تدور حولنا ، قصصه ليست متعة للقراءة ، بل هي تجسيم للواقع يرى القارئ نفسه فيه . الاسلوب الواقعي الذي يتقنه عدي مدانات ، أعطاه مكانة ريادية في هذا اللون الأدبي ، ثمة شهادات كثيرة من النقاد اطلعت عليها تؤكد على انه تشيكوفي النزعة ( نسبة الى أنطون تشيكوف ) ، وانه ساهم الى حد كبير في تطوير الشكل الفني للقصة القصيرة ، وبدفعها خطوات الى الامام ، وجعلها زادًا ثمينا للمكتبة العربية .
#سميح_مسعود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول التقشف والانضباط المالي في أوروبا
-
التنمية العربية في ظل الربيع العربي
-
عن فنِّ التصوير عند العرب ويحيى بن محمود الواسطي
-
هذه الارض لنا ...أنا وانت
-
رواية أيام قرية المُحسنة
-
مريم ذاكرة وطن
-
دينُ الحب
-
بنت عمي فاطمة
-
هيلين توماس
-
مآّذننا وأبراج كنائسهم
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|