|
الأسرى الفلسطينيون والوعي النقدي المطلوب!
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3737 - 2012 / 5 / 24 - 19:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان تأسيس "إسرائيل" في 15 مايو/ أيار عام 1948 محطة متقدمة وأساسية لتطور المشروع الصهيوني، الذي كانت محطته الأولى انعقاد مؤتمر بال (بازل) في سويسرا عام 1897 والذي دعا طبقًا لأطروحات هيرتزل الأب الروحي للصهيونية، إلى تأسيس دولة يهودية كما ورد في كتابه "دولة اليهود".
أما المحطة الثانية فقد كانت وعد بلفور الذي أصدره وزير خارجية بريطانيا عام 1917 القاضي بمنح اليهود وطنا قوميا في فلسطين، وهو الوعد الذي وصفه جمال عبد الناصر بأنه "وعد من لا يملك لمن لا يستحق"! وكانت أخطر المحطات وأكثرها حسمًا لبلورة انطلاقة جديدة للمشروع الصهيوني هي صدور قرار التقسيم من الأمم المتحدة الذي على أساسه تم تأسيس دولة "إسرائيل" على نحو مشروط من جانب الأمم المتحدة مع تأكيد احترامها لميثاقها الداعي إلى حفظ السلم والأمن الدوليين، لكن ذلك كلّه كان مناورة لكسب الرأي العام وللسيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية وطرد عرب فلسطين من وطنهم. وعلى الرغم من النضال البطولي للفلسطينيين والعرب للتصدي للعدوان "الإسرائيلي" المتكرر والمستمر والدفاع عن حق تقرير المصير وحق إقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين الفلسطينيين، فإن العمل الوطني الفلسطيني والعربي في مقاربته لهذه القضية ظل يدور في إطار أزمات متكررة وقصور ذاتي وفهم مشوش وملتبس للعلاقات الدولية، وإذا كانت الأزمة تولد الأزمة حسب ماركس، فقد كانت الأزمات الفلسطينية والعربية تتوالد والتراجعات تتناسل، وهو الأمر الذي نجم عنه ضياع فلسطين كاملة، بل معها أراض عربية أخرى ما زالت تحت الاحتلال، بما فيها الجولان وجزء من مزارع شبعا اللبنانية. ولو استعدنا التاريخ الفلسطيني والعربي منذ ما يطلق عليه النكبة، لرأيناه ليس بعيدًا عن تاريخ الصراع العربي "الإسرائيلي"، فقد كان قيام "إسرائيل" وتمددها العدواني الإجلائي الاستيطاني، وقضمها للأراضي العربية، عامل إبطاء وتعطيل للمشاريع التنموية العربية ولقضايا الإصلاحات والديمقراطية في الوطن العربي كلّه من أقصاه حتى أقصاه، وحتى الدول العربية البعيدة نسبيًّا عن دائرة الصراع أو من غير دول المواجهة فقد تأثرت وانشغلت بالصراع العربي "الإسرائيلي"، ولم يكن هناك بدّ من ذلك، لأن الأمر ليس برغبتها أو ضمن قراراتها، خصوصًا أنه يتعلق بإستراتيجيات كونية، ولاسيما في فترة الحرب الباردة والصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب. لعل الوعي العربي الذي تأسس في الأربعينيات والخمسينيات وما بعدهما كان يقوم على اعتبار أن كل ما حصل هو من فعل مؤامرة خارجية فقط، دون تحديد القصور الذاتي ومسؤولية الجهات الفلسطينية والعربية فيما وصلت إليه أوضاعنا، خصوصًا الاستخفاف بشعوبنا وقمع حرياتها، وكانت الذريعة على مدى ما يقارب ستة عقود ونصف من الزمان أننا في مواجهة مع العدو الذي يدّق الأبواب، لذلك علينا مقايضة الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية بالعسكرة وتكديس السلاح و"كل شيء إلى المعركة"، دون أن نستعدّ فعليًّا لذلك. ولعل استخدام السلاح يحتاج إلى المعرفة والعلم وهما في أدنى مستوياتهما في عالمنا العربي، حيث لا تزال الأمية مستشرية والتخلف متفشيًا وهناك ما يزيد عن 71 مليون أمي، وهذه نسبة الأمية الأبجدية وحدها، وهي غير الأمية المعرفية. وكان تقرير التنمية البشرية قد ذكر أن معدّل ما يقرؤه العربي نصف صفحة في العام، في حين يقرأ الأميركي 10 كتب سنويًّا و"الإسرائيلي" "العدو حتى العظم" ستة كتب، وتلك مفارقة كبرى، فإذا كان من المأثور "اطلبوا العلم ولو في الصين" أو "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد"، فإن ما يفصلنا عن تمثل مثل هذه الآراء القيّمة والعظيمة هو هوّة ساحقة ومسافة شاسعة، "وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" كما يقول القرآن الكريم، وهو الخطاب الذي نحاجّ به من يدعو إلى الدين باعتماد النقل وليس العقل وكأن الدين نقيض للعلم والمعرفة.
وإذا استمرّت حالتنا على ما نحن عليه، لاسيما في ظل الاحتراب العربي والاستقطابات الدينية والطائفية والمذهبية والإثنية والابتعاد عن جوهر فكرة المواطنة والمساواة والحرية التي تمثل جوهر ما ثار الشباب العربي من أجله، فإن فلسطين ستذهب إلى خبر كان، بل الأكثر من ذلك فسيكون العالم العربي في إطار كانتونات ودوقيات ومناطقيات لأقليات وتجمّعات ستكون "إسرائيل" هي الأقوى بينها حسب مشروع عوديد ينون لعام 1982. وإذا كان الشعب العربي الفلسطيني حتى الآن لم يستسلم ولا أظنه سيستسلم يومًا من الأيام، لأن من لا يقاوم الاحتلال إنما هم العبيد وحدهم، ولا أعتقد أن عرب فلسطين: مسلمين ومسيحيين ودروزا وحتى يهودا هم كذلك، بل هم شعب من الأحرار، تكالبت عليهم عوامل خارجية وداخلية، في محاولة لإذلالهم وسلب حقوقهم، لكنهم لن يدعوا عدوهم ينعم بالراحة في بلادهم! ولعل "إسرائيل" تدرك ذلك، فعلى الرغم من كل ما حققته فإنها هي الأخرى تعيش أزمات متلاحقة، بما فيها الصراع بين السفرديم والأشكيناز (وهم اليهود الشرقيون واليهود الغربيون) ويشعر سكانها بقلق مستمر في مجتمع أقرب إلى العسكرة والتهديد وشن الحروب المستمرة إزاء شعب لم تنكسر إرادته حتى الآن، بل إن عزلة "إسرائيل" تزداد على المستوى الدولي أيضا، بما فيها يهود العالم. وقد شهدت الأيام القليلة المنصرمة تضامنًا عالميًّا مع الأسرى الفلسطينيين في السجون "الإسرائيلية"، ووقفت إلى جانبهم منظمات وقوى دولية، وشخصيات حقوقية وإنسانية مرموقة، وفي الأساس فإن هؤلاء تضامنوا ضد العنصرية الصهيونية وممارساتها وسياساتها إزاء شعب فلسطين، وهو ما كان مؤتمر ديربن ضد العنصرية، قد تبنّاه عام 2001. لعل نقد الوعي العربي والفلسطيني يتطلب إعادة النظر فيما وصل إليه الحال سواءً ما تم في اتفاقيات أوسلو أو بخصوص الحل النهائي بحيث يشمل اللاجئين طبقًا للقرار 194 لعام 1948 والقدس والحدود وتفكيك المستوطنات وجدار الفصل العنصري، إضافة إلى إقامة دولة وطنية فلسطينية قابلة للحياة وحرّة ودون اشتراطات، وذلك يتطلب إرادة سياسية جديدة موحدة، عابرة للفصائل والتجمّعات، فإذا اختارت التفاوض والدبلوماسية، فلا ينبغي لها إسقاط حق المقاومة، وإن اعتبرت المقاومة هي الوسيلة الأساسية للكفاح، فلا ينبغي أن تستبعد المفاوضات، فوراء كل مفاوض ناجح، هناك سياسي ناجح ووعي سليم، ووراء كل قضية قانونية، هناك قضية سياسية وفي كل قضية سياسية هناك جوانب قانونية وشرعية لا بدّ من مراعاتها، باعتبارها ثوابت غير قابلة للتصرف أو التنازل، مثلما هو حق تقرير المصير. أما المفاوضات التي لا تستعيد الحقوق فإنها ستؤدي إلى تفتيت الوضع الفلسطيني، فالتفاوض عمل جدي يحتاج إلى المعرفة والدراية والحنكة، والقبول بالتفاوض على الحق يعني قبول التنازلات، لكنها يفترض أن تكون تنازلات متبادلة وإلا على ماذا سيكون التفاوض دون الوعي بالقوة والسعي لامتلاكها من خلال بدائل وخيارات لغير التفاوض، وهنا لا بدّ للسياسي ولاسيما المفاوض من الإمساك بزمام المبادرة وعدم الانتظار أو تلقي ما يطرحه العدو، إذ إن ذلك سيجعله يتلقى ضربات وفي أحسن الأحوال سيردّ عليها سلبيًّا. إن نقد الوعي الفلسطيني والعربي والشعارات التي اعتمدناها على مدى عقود من الزمان والعمل في إطار الواقعية السياسية والصلابة المبدئية مع المرونة الثورية المطلوبة، ضرورة لا غنى عنها، للتخلص من الشرنقات والثقّالات التي أعاقت العمل الوطني الفلسطيني والعربي. ولعل ذلك يحتاج إلى رؤية جديدة لطبيعة الصراع، دون أوهام أو دون إسقاط الرغبات على الواقع، كما يتطلب العمل على كسب المجتمع الدولي في إطار سياسة دبلوماسية موحدة وهجوم سلمي يعيد لمنظمة التحرير الفلسطينية هيبتها وعنفوانها، ولعل استثمار قضية الأسرى والذهاب بها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وإلى محكمة العدل الدولية للحصول على فتوى أو رأي استشاري لبطلان الإجراءات "الإسرائيلية"، هو واحد من المنطلقات الجديدة التي يمكن استحضارها في ذكرى اغتصاب فلسطين
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المساءلة والحقيقة في بعض تجارب العدالة الانتقالية
-
المفكر السيد الصدر حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة*(
...
-
اشتراكي جديد في قصر الإليزيه
-
الهوّية وأدب المنفى !
-
الدولة البسيطة والدولة المركّبة
-
الربيع العربي والأقليّات
-
ليبيا: الفيدرالية المدنّسة والمركزية المقدّسة
-
مواقف خاطئة للحزب الشيوعي
-
القضاء الدولي والقضاء الوطني: علاقة تكامل أم تعارض؟
-
نقد قيادة الحزب الشيوعي
-
50 مادة في الدستور العراقي تحتاج الى إصدار قانوني
-
مواطنة -إسرائيل-
-
عن ثقافة التغيير
-
رسالة الى الحزب الشيوعي السوداني
-
نعمة النفط أو نقمته في الميزان الراهن
-
السياسة والطائفة
-
حقوق الإنسان والمواقف السياسية
-
الأحزاب العراقية بلا قانون
-
3 تريليونات دولار خسرتها أمريكا في العراق
-
لا تقديم للنظرية على حساب الوقائع الموضوعية
المزيد.....
-
نتنياهو يتعهد بـ-إنهاء المهمة- ضد إيران بدعم ترامب.. وهذا ما
...
-
روبيو: إيران تقف وراء كل ما يهدد السلام في الشرق الأوسط.. ما
...
-
بينهم مصريان وصيني.. توقيف تشكيل عصابي للمتاجرة بالإقامات في
...
-
سياسي فرنسي يهاجم قرار ماكرون بعقد قمة طارئة لزعماء أوروبا ف
...
-
السلطات النمساوية: -دافع إسلامي- وراء عملية الطعن في فيلاخ و
...
-
اللاذقية: استقبال جماهيري للشرع في المحافظة التي تضم مسقط رأ
...
-
حزب الله يطالب بالسماح للطائرات الايرانية بالهبوط في بيروت
-
ما مدى كفاءة عمل أمعائك ـ هناك طريقة بسيطة للغاية للتحقق من
...
-
ترامب يغرّد خارج السرب - غموض بشأن خططه لإنهاء الحرب في أوكر
...
-
الجيش اللبناني يحث المواطنين على عدم التوجه إلى المناطق الجن
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|