جميل حنا
الحوار المتمدن-العدد: 3734 - 2012 / 5 / 21 - 18:56
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
"الشعب يريد إسقاط النظام " تاريخ البشرية عبر العصور شهدت ثورات كثيرة البعض منها كان لها تأثيرا على مجمل الوضع العالمي, والقسم الأخر كان له تأثير على المستوى القطري او على عدة دول مجاورة.ولكن مجمل الثورات العالمية العظيمة الشأن أو الثورات الوطنية لم تشهد تدخلات قوى إقليمية وعالمية وداخلية متنوعة الإيديولوجيات السياسية والدينية والمذهبية بتنوعه العرقي من الصين وروسيا وآوربا وبلدان الشرق الأوسط والقارة الأمريكية مثلما تمر بها ثورة الشعب السوري.قبل أربعة عشر شهرا لم يعلم حتى هؤلاء الأطفال الأبرياء أن مجرد كتابة شعار على جدران مدرستهم او جدران البيوت كانوا قد شاهدوه على شاشات التلفزيونات التي كانت تعرض وقائع الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن " الشعب يريد إسقاط النظام". أن يتحول إلى قضية عالمية تتصارع فيما بينها على الساحة السورية من أجل مصالحها الإقتصادية والعسكرية وإيديولوجياتها الدينية والسياسية.هؤلاء الأطفال الذين تمثلوا بروح الشجاعة ولكن ببرائة الطفولة كان كافيا لأن يحرك الإجهزة القمعية وينتقموا من هؤلاء الأطفال ويعرضوهم للتعذيب الجسدي في أقبية النظام.لأن هذا النظام على مدى أكثر من أربعة عقود كان قد أوهم نفسة وكتم إنفاس الشعب بكل الوسائل القمعية أن يعبروا عن مواقفهم العلنية بوقوفهم خلف القيادة الحكيمة وحب القائد ومبايعته إلى الأبد, نفديك بالروح والدم في المناسبات ومسيرات التأييد وفي المناسبات الإجتماعية حتى في مجلس التصفيق والوقوف أو ما يسمى بمجلس الشعب أو مجلس السلطة الذي يعد إنتهاكا لكرامة المواطن.هذا النظام وأجهزته القمعية التي اصابها الهستيريا لم يرق لها أن ترى ا شعار في هذه الدرجة من الخطورة على النظام يكتب على جدران مكان عام, هذه الأجهزة الحريصة على إستمرار حكم الإستبداد. وهم من كرسوا ثقافة الخنوع والمذلة وبأن لا يروا إلا شعارات التأييد والتأليه وتماثيل القائد وصوره في كل مكان.هؤلاء الأطفال عبروا عن المشاعر الحقيقية الدفينة في نفوس الغالبية من أبناء الشعب السوري.وبالرغم أنهم لم يقرأوا أو يسمعوا بصرخة الفيلسوف الفرنسي فولتير وغيره من الأحرار عبر تاريخ البشرية"إسحقوا العار" إلا أن الغريزة الفطرية لهؤلاء الأطفال كانت أكبر وأقوى وأشجع من موقف الكبار.هذا الفعل البريء والمحق والقول الجريئ كشف زيف وعورة النظام.وكما قال الفيلسوف الفرنسي"إنه لأمر خطيرأن تكون على حق عندما تكون الحكومة على خطأ". وبما أن السلطة الديكتاتورية طالما تعودة خلال حكمها الطويل أن لا تسمع إلا ما يرضيها ويبجلها فكان وقع هذا الشعار مدويا عليها. فتعاملت بكل قسوة وهمجية مع هذا الحدث الطاريء بدون أن تحسب ردة الفعل لدى الجماهير الطامحة إلى الحرية, والمحقونة بمشاعر الكراهية تجاه أعمال العنف التي يمارسها النظام تجاه المواطنين. الشرارة الأولى التي أطلقها الأطفال سرعان ماتحولت إلى بركان جماهيري زلزل أركان النظام وخلال أسابيع معدودة أستطاع جزء هام من كافة مكونات أبناء الشعب السوري أن يحطم سور الخوف وكانت هذه أكبر التحديات النفسية الذي أستطاع الشعب السوري تجاوزها بكل جدارة ولكن عبر سيل الدماء والتضحيات الجسيمة.
فثورة الشعب السوري ليست ثورة ترف إنطلقت من خيال مفكر أو كاتب أوصحفي أو تآمر خارجي أو مجموعات مندسة. بل هي ثورة شعب بكل طيفة الوطني الواسع الذي يضم كافة الأديان من المسلمين والمسيحيين بمختلف مذاهبهم وجميع المكونات الإثنية من العرب والآشوريين السريان والأكراد وغيرهم إنها ثورة كل هؤلاء, ثورة على الظلم والإستبداد ومن أجل القضاء على نظام التسلط الديكتاتوري وإقامة البديل الديمقراطي.هذه الثورة التي أشعل شرارتها الأولى الأطفال هي ثورة المفكرين والأحرار والكتاب والمعارضين من كافة فئات الشعب الذين عانوا على مدى عقود من هذا النظام, وهم بتضحياتهم وشجاعتهم زرعوا بذار الثورة لتنفجر من أعماق المضطهدين المحرومين من الحرية والتواقين إلى حياة حرة وكريمة.
أن التراكمات النفسية والأفعال السلبية التي ترسخت في وعي الجماهير جراء ممارسات النظام إتجاه الشعب خلال عقود طويلة وعلى مستوى الأفراد والجماعات, وكافة اللطيف الإجتماعي بتنوعه الديني والمذهبي والقومي, وبكافة التوجهات السياسية بتياراتها المختلفة تركت أثرا سلبيا بل كارثيا على التطور العام للبلد في كافة مجالات الحياة بدأ من حرية التعبير عن الرأي والقضايا الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وحقوق الإنسان.الشعب السوري قال كلمته لا لهذا النظام وهو يرفض وبأشكال مختلفة إستمراره على رأس السلطة ورفض الحكم الديكتاتوري الفردي وحكم الإجهزة القمعية التي لم يتجنب شرها أي فئة من فئات المجتمع .ولا أتباع أي دين أو مذهب أو قومية وحتى أفراد من القوى الحليفة مع النظام لا من اليسار ولا من اليمن ولا من الشيوعيين الشرفاء.الملاحقات والإعتقال والتعذيب وإذلال الناس ومحاربتهم بلقمت العيش وطردهم من أشغالهم وممارسة العنف النفسي على نطاق واسع وإنتهاك الكرامات والفساد وسرقة الثروة الوطنية لصالح المتنفذين. وأصبح الوطن ملكية خاصة للأسرة الحاكمة ومن لف لفيفهم وأختزل دورأفراد المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني إلى دورالخادم المطيع والعبد المنتج لصالح الفئة الحاكمة.هذه الأمور الداخلية في حياة المجتمع السوري كانت عوامل كافية لأن تخرج الجماهير الصامته إلى التظاهر السلمي في الشوارع. ومن هنا بدأ الشعب السوري الذي أندفع بروح عالية من المسؤولية ليشكل معارضات على مختلف المستويات بهدف تنظيم المظاهرات السلمية وإسقاط النظام وبناء الدولة الديمقراطية العلما نية المدنية وتحقيق المساواة والحقوق لكل مكونات المجتمع على أسس دستورية بدون تمييز.
الشعب السوري يملك إحتياطي من القدرة الهائلة المخزونة على مدى عقود من الضمور أو الإنكماش بعدم إظهاره التحدي للنظام في الشوارع والساحات والجامعات وفي وسائل الإعلام ,تلك الفترة ولت بدون رجعة بالرغم من بطش النظام وإستخدام الأسلحة الثقيلة وإستشهاد أكثر من أحدى عشر إنسانا على مدى أربعة عشر شهرا من الثورة وعشرات الآلاف من المفقودين والمسجونين والمهجرين.
إن أهم التحديات الكبرى أمام الثورة السورية هي بدون شك إسقاط النظام ومن أجل تحقيق ذلك لا بد من خطوات عملية لإنجاز مهام الثورة والوصول إلى الهدف المنشود, وأهم هذه الإجراءات نوردها كالتالي:
.وضع المعارضات الحالي يترك تأثيرا سلبيا على واقع الثورة السورية عمليا ومعنويا شئنا أم أبينا,وهذا الوضع يتخذ حجة من قبل الرأي العام العالمي ومراكز القرارات الدولية بعدم اللجوء إلى خيارات وإجراءات أشد ضد النظام.أن تنظيم صفوف المعارضات وتوحيد جهودها إن لم نقل صفوفها قضية مصيرية ملحة لإنهاء معانات الشعب السوري..
.زخم الثورة وتقدمها وإنتصارها مرتبط بعاملين أساسيين أولا. قدرة الجماهير على مزيد من المواجهة السلمية وتقديم التضحيات اللازمة التي لم يبخل بها الشعب السوري حتى الآن لكي يبقى لهيب الثورة مشتعلا.
.العامل الثاني القيادة أو قيادات المعارضات أن تكون قادرة على استثمار منجزات الثورة وتضحيات الشعب السوري في الإستخدام الأمثل في العمل القيادي على الساحة الدولية والداخلية وبناء أفضل الصلات بين مختلف الفصائل الثوارية في الداخل, ودراسة كل الأراء وتحليل جميع المواقف بنظرة واقعية علمية بعيدة عن التشنجات والإنتماءات.أن الحالة التي تمر بها أجزاء هامة من المعارضة تعاني من التقوقع والتمسك بظروف نشأتها الطارئة وعدم الأخذ باالحسبان التطورات المأساوية وغتساع دائرة المعارضة للنظام التشبث بالمواقف وصد الأبواب والآذان أمام كل ماهو مفيد سوف لا يجدي نفعا.
. وضع الخطط اللازمة والخطوات الفعلية على أرض الواقع ليتمكن المتظاهرون سلميا الاستمرار في الثورة ومواجهة آلة القمع والاستبداد. تأمين الحد الأدنى من مستلزمات الحياة اليومية,تقديم الخدمات الطبية في علاج الجرحى والمرضى ,إعالة اسر الشهداء,العمل بكل الوسائل لتأمين الحد الأدنى من الحماية للمدنيين.إدانة كل عمل إرهابي يسيء إلى الثورة وكذلك العمل على فضح الأعمال الإجرامية التي يقوم بها أفراد أو مجموعات مسلحة خارج إطار الثورة من أجل الإستفادة المادية وترهيب السكان أو الإستيلاء على الممتلكات الخاصة .
.تصحيح وضع المعارضات بما يتلائم مع متطلبات الثورة وإعادة النظر في هيكلية هذه المعارضات سواء في المجلس الوطني السوري أو غيرها المتفقة على تغيير النظام .وأن يكون تصحيح المسار يخدم العملية الديمقراطية ويوفر شروط المشاركة الجماعية والتنوع الوطني لإبعاد السيطرة الفردية أو الفئوية فسح المجال أمام الشخصيات الكفوئة القادرة على العطاء و تحمل المسؤولية.
. الظهور في وسائل الإعلام بمواقف واضحة مفهومة للجميع ومقبولة لكافة مكونات الشعب السوري وتكسب عطف الرأي العام العالمي وذلك بتوضيح برامج المعارضات وتصوراتها عن سوريا المستقبل لكي يطمئن الشعب في الداخل ويكسب تأييد الحكومات والدول في عدد أكبر من العالم.
.فتح قنوات إتصال مع مؤسسات المجتمع المدني في أوربا وروسيا وأمريكا ومع كافة الدول والحكومات مهما كانت مواقفها من الثورة السورية.
.التنسيق والتكامل بين معارضة الداخل والخارج, وإن نجاح الثورة مرتبط بقدرة وفاعلية طرفي هذه المعادلة في مواجهة النظام..
.وقف إبتزاز الثورة من قبل بعض أطراف المعارضة في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن من أجل الحصول على مكاسب شوفينية قومية تهيء لتجزءة الوطن.
.الثورة السورية تتعرض لمحاولات القضاء عليها من قبل النظام وقوى إقليمية تدعمه بالرجال والسلاح والمال .وكذلك من قبل قوى متطرفة إرهابية مدعومة من النظام وأخرى تعمل خارج نطاقها لبناء دولة تطبق فيها شرائعها في القتل وقطع الرؤوس وكل من يخالفها الرأي.وهناك بعض القوى التي تريد فرض نمط عقيدة دينية تؤدي إلى الاستيلاء والتحكم بالسلطة مستقبلا وحرف الثورة عن مسارها الوطني الديمقراطي .
.برامج المعارضات السورية يجب أن يأكد بشكل لا يقبل الشك الإلتزام بقيم الحرية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. والإعتراف دستوريا بحرية المعتقد وحرية التعبير عن الرأي وكذلك الإعتراف دستوريا بحقوق المكونات الإثنية من الآشوريين السريان والأكراد وغيرهم على قاعدة المساواة التامة ضمن وحدة التراب الوطني بدون أي إمتيازات لأي طرف كان.والتأكيد على الإلتزام بمثاق العهدالوطني كأساس لبناء سوريا المستقبل.
أبناء سوريا من مسلمين ومسيحيين من عرب وآشورين سريان وكرد وأرمن ويزيديين وعلويين ودروز وإسسماعيليين أمامهم فرصة تاريخية لبناء وطن التآخي والعيش المشترك بسلام جنبا إلى جنب وبناء دولة عصرية. فلنعمل سويا لبناء النموذج السوري الفريد الذي يضمن حقوق متساوية للجميع في وطن ديمقراطي يحترم شرعة القوانين الدولية.ومن هذا نقول لا للنموذج التركي لا للنموذج الوهابي لا لنموذج ولاية الفقيه لا للنموذج العراقي نعم لنموذج سوري مميز.
#جميل_حنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟