|
أساطير الجبال والغابات - برنار كلاﭭيل
خليل كلفت
الحوار المتمدن-العدد: 3733 - 2012 / 5 / 20 - 10:21
المحور:
الادب والفن
أساطير الجبال والغابات
تأليف: برنار كلاﭭيل تعليق: نيكول سينو ترجمة: خليل كلفت
- العدد: - برنار كلاﭭيل - نيكول سينو - خليل كلفت - الطبعة الأولى:
هذه ترجمة لكتاب: Légendes des Montagnes et Forêts لمؤلفه: Bernard Clavel تعليق: Nicole Sinaud الصادر عن دار: Hachette, Paris. Dépôt: janvier 2003
المحتويات
مقدمة .................................................................... 1 عُشب ملك النمور (لاوس) ............................................... 2 القرد الأبيض (الصين) ................................................... 3 عملاق الجبل (نيپال) ....................................................... 4 غابة الظباء (الهند) ....................................................... 5 الطبق المسحور (پاكستان) ................................................. 6 أصل شجرة جوز الهند (تاهيتى) .......................................... 7 جبل الشيطان (المارتينيك) ................................................ 8 الحبوب السحرية (مدغشقر) .............................................. 9 دريوپ (اليونان) ........................................................ 10 غابة الآس الصغيرة (إيطاليا) ............................................. 11 لؤلؤة الغابة (إسپانيا) ...................................................... 12 الراعية والأمير (فرنسا) ................................................... 13 الملك الطفل (ألمانيا) ...................................................... 14 حدادو جبل بولوڤا (فنلندا) ................................................. 15 طفل أعماق الغابة (روسيا) ............................................... 16 أصل شجرة التنّوب (فرنسا) ............................................... 17 الغابة-الصغيرة (جزر الباليار) ............................................ 18 مبعوث القيصر (روسيا) ..................................................
مقدمة
بعد البحيرات والأنهار، بعد المحيطات، والجزر والقيعان العميقة، ها هو عالم الجبال والغابات. عالم مليئ بالعجائب، بدوره، حيث نلتقى بوحوش، وعمالقة، وسحرة، ولكن أيضا برجال ونساء وأطفال لهم، فى كثير من الأحيان، نفس مزايا ونفس نقائص البشر اليوم. وعلى هذا النحو فإن هذه القصص المتجددة الشباب تبدو لنا أحيانا بمثابة مرآة. فهل يعنى هذا أن البشر لم يتغيروا على كوكب الأرض التى تتطور فيها الحياة بسرعة بالغة؟ من المحتمل أنهم لم يتغيروا إلا فى ظاهر الأمر، فى سلوكهم اليومى، فى مآثرهم التي تشوهها الميكنة والأتمتة، ولكن تبقى فى أعمق أعماقهم المشاعر التي لا يغيّرها شيء حقا. وهذا دون شك هو السبب فى أن هذه الأساطير تمثل أحيانا دروسا ممتازة. وهى دروس لا يبدو عليها أنها كذلك، غير أنها تقول أكثر كثيرا من المحاضرات الطويلة. ذلك أننا سنلتقى هنا باندفاعات القلب، وبالقوانين الكبرى للعنف والضمير، تماما مثل هذه القوى المبهمة التى يتولد عنها القلق تارة والأمل تارة أخرى. أجل، فكلما تقدمتُ أكثر فى عالم الأساطير بدا لى أكثر أن معرفتى بالبشر تزداد ثراءً، وهذه على كل حال طريقة ملائمة جدا للتعلم.
برنار كلاﭭيل
عُشب ملك النمور (لاوس)
كان چان پليزيل هو الذي حكى لى هذه القصة. ذالك أن پليزيل هو الشخص الذى يعرف سرّ كل النباتات التى استخدمها البشر قديما للعناية بصحتهم. حدث هذا منذ قرون عديدة، فى قرية كبيرة مبنية على حافة نهر الميكونج. كان رئيس هذه القرية يسمى تيانج. وكان مالكا لأغنى مزارع الأرز فى المنطقة، وقد جمع ثروة كبيرة. ولم يكن يحب سوى شيئين فى العالم: كنزه وابنته يون لى، التى كانت جميلة بقدر ما كان أبوها قبيحا ونزيهة بقدر ما كان بخيلا. ومن وقت لوقت، كانت تحدث بينهما مشاجرات صغيرة لأن الأب لم يكن ينظر بعين راضية إلى قيام ابنته بمساعدة الفقراء، غير أن يون لى كانت تبتسم، وكان الأب يسامح. ومع هذا فقد حدث ذات يوم أنْ غضب تانج العجوز غضبا مرعبا، ولأول مرة فى حياته كاد يضرب ابنته. وذلك عندما جاءت يون لى تبلغه أنها تحب تاو، الحطاب. "عجبا! أنا أغنى رجل فى البلد، وأنت تريدين أن أعطى يد ابنتى الوحيدة لأكثر الناس بؤسا! هذا عار! ـ لكننى يا أبى عندى من المال، على وجه التحديد، ما يكفى تماما لشخصين!" كاد الرجل العجوز أن يختنق. وعندما انتهى من السعال، استعاد تنفسه، وردّ بصوت كان ما يزال مبحوحا: "إنما بمثل هذه الأفكار يقضى المرء حياته فى البؤس. لقد عودتِنى على الكثير من النزوات، أما اليوم فإننا أمام حماقة. ـ ولكن يا أبى، ما دمت أحب تاو وهو يحبنى ... ـ اسكتى ... أنا لم أتكلم معك عن هذا مطلقا لأننى كنت أعتبر أنك ما زلت صغيرة جدا، ولكن ما دمت تعتقدين أنك فى سن الزواج، يجب أن أقول لك أن رجلا غنيا جدا طلب منى يدك. إنه الطبيب ڤان تيين. ذلك الذي يقيم..." لم يستطع الأب أن يكمل كلامه. ذلك أن ابنته انفجرت فى قهقهة عالية. "عجبا، قالت، هذا البخيل العجوز الذى يرفض رعاية الفقراء ويتركهم يموتون لأنهم لا يملكون بعض القطع النقدية ..." هذه المرة، لم يَعُدْ الأب يسيطر على نفسه. رفع رمحا قصيرا، وأسرع إلى الخارج، وصفق الباب الذى سدّه بجذع شجرة ضخم. وأخذت الفتاة، التى وجدت نفسها محبوسة، تصرخ وتنتحب، متصورة أن أباها ذهب ليقتل ذلك الذى أحبته والذى جرؤ على الاستجابة لحبها. وعندما رأى القرويون رئيسهم فى مثل هذا الغضب ساروا وراءه من بعيد. فقد شاهدوا جميعا الشابين معا، وكانوا يرتجفون جميعا خوفا على المسكين تاو. كانوا جميعا يرتجفون، ولكن لا أحد كانت لديه الشجاعة للإسراع لمنع وصول الرئيس. كان الحطاب قد عاد للتو إلى كوخه بعد أن قضى يومه فى قطع الأشجار. ومنشغلا بإعداد وجبته ووجبة أمه العجوز التى كانت مشلولة، لم ينتبه إلى وصول الرئيس. وعندما استدار، تلقـَّى فى بطنه طعنة رمح أصابته بجرح طوله شبران. أخذ الدم يسيل وكان على الصبى أن يلف إزاره حول الجرح ليحاول منع تدفق الدم منه. "هذا مجرد إنذار، صرخ فيه الرجل العجوز. وإذا رفعت عينيك إلى ابنتى، فإننى سأغرز فى صميم قلبك هذا النصل." ابتعد الرئيس ثم أخذ يضحك فجأة، واستدار، وأضاف: "تَدّعى ابنتى أنك قوى جدا وذكى جدا. حسنا، إذا كنت كذلك إلى هذا الحد، عليك أن تكون قادرا على علاج نفسك. اسمعْ، إننى أعطيك فرصة: إذا التأم جرحك صباح غد سأعطيك يد ابنتى." انهار الحطاب على عتبة كوخه، وأخذت أمه تنتحب. وانتظر القرويون المرتعبون أن يختفى الرئيس لكى يقتربوا من الجريح. واعتقد الجميع أنه هالك. طفل واحد فقط كان يبتسم. جثا الطفل بالقرب من الجريح وقال له فى أذنه: "تذكَّرْ يا تاو. أنت قلت لى ذات يوم أنك تعرف كل أسرار الغابة. وقد حكيت لى أنك سبق أن رأيت النمر الكبير، ملك كل النمور، جريحا مشرفا على الموت وأنه شفى من جروحه فى ليلة واحدة. تذكَّرْ، عُشب ملك النمور." كان الحطاب يقاوم الألم. واضطربت رؤيته فى تلك اللحظة، وغمغم بنفس مقطوع: "لن تكون لدىّ القوة أبدا للذهاب إلى الأرض المقطوعة الأشجار فى الغابة التى ينبت فيها هذا العشب. ـ سأساعدك. فقد اصطحبتنى معك كثيرا إلى الغابة، وأنا أعرف الممرات. وأعرف أين توجد هذه الأرض المقطوعة الأشجار فى الغابة. اتكئ علىّ وحاولْ أن تمشى." بذل الجريح جهدا كبيرا، لكنه لم يستطع أن يخطو خطوة واحدة. وعندئذ تحدث الطفل مع الأطفال الآخرين، ورغم صرخات بعض الآباء الذين كانوا يخشون غضب الرئيس، أخذ أكثر من عشرة من الصبية يصنعون محفة من البامبو أرقدوا عليها الجريح. وبمجرد أن استقرّ تاو، رفعوا المحفة وركضوا نحو الغابة. ركضوا وقتا طويلا. فى البداية مع آخر أضواء الشفق الذى أسقط انعكاسات ذهبية على الماء الهادئ فى حقول الأرز، ثم تحت الليل المظلم تحت الأشجار، ثم تحت البقعة الفضية التى كان يسقطها القمر من خلال أوراق الشجر. وأخيرا ظهرت الأرض المقطوعة الأشجار فى الغابة التى كانت تربتها مغطاة بهذا النبات المتسلق على أوراق الشجر ذى اللون الأخضر الباهت الذى سماه تاو عشب ملك النمور. وهناك أرقد الأطفال الجريح على نفس التربة، وكما سبق أن رأى ملك النمور يفعل، أخذ يتقلب على العشب الذى كان يقتلعه بملء كفيه لكى يغطى به بطنه. وبالتدريج توقف الدم عن التدفق ونام تاو. وطوال الليل، سهر الأطفال حوله، وهم يدندنون بهذه الأغنية القديمة التى تقول: يا غابة بلادى يا غابة الأشجار القديمة إنك أنت التى تعالجيننا من كل مرض وكل بؤس. يا غابة الليل عندما يصاب الإنسان باليأس فإنما يلجأ إليك كما يذهب المرء إلى أمه. ثم عندما أرسل الفجر بألوانه الرمادية ضباباته الأولى على الأشجار، استيقظ تاو، وجلس باطمئنان، وفرك عينيه وقال: "شيء عجيب، حلمت بأننى فى قوة ومكر ملك الملوك." ثم عندما رأى الأطفال والأرض المقطوعة الأشجار فى الغابة، تذكَّر ما حدث، وبشيء من التوجس نظر إلى بطنه. كان لم يبق من الجرح سوى ندبة لا تكاد تُرى. تردد الحطاب ثم نهض واقفا بقفزة وأخذ يجرى نحو القرية. وتبعه الأطفال وهم يطلقون صيحات فرح أيقظت، الرئيس، وابنته، وكل الفلاحين. وبعد أن فحص بطن الحطاب، هزّ الرئيس العجوز رأسه وقال: "أنت أذكى وأقوى منا جميعا، وأنت تستحق بجدارة أن تكون رئيسنا. وفى اليوم الذى أموت فيه، ستكون أنت الذى ستأخذ مكانى، ولكن فى انتظار ذلك أعطيك يد ابنتى." ولا حاجة إلى أن أقول لكم أنه كانت هناك احتفالات كبيرة فأنتم تخمنونها. غير أن ما لا يمكن أن تخمنوه هو أن تاو بدأ يعالج جميع المرضى وجميع الجرحى بعشب ملك النمور. وكان يعالج الفقراء مجانا، لكنه جعل الأغنياء يدفعون وكان يعطى زوجته مالا بقدر ما تريد لمساعدة البؤساء. آه! نسيت! فقد كان على الطبيب العجوز البخيل أن يعيش على مدخراته، ذلك أنه لم يعد يرى زبونا مطلقا. وإذا بدت لكم هذه القصة غير قابلة للتصديق، اسألوا أحد العلماء ما إذا كان يعرف نبات "سنتيلا آسياتيكا"، فهو الاسم الذى يحمله العشب الذى أنقذ الحطاب وكذلك تلك التى أحبها.
كان تيانج، البخيل العجوز، يرفض زواج تاو ويولى. وأصاب الشاب بجرح قاتل، لكنه ارتكب خطأ. إنه بعرضه على تاو الزواج من ابنته، إذا نجح فى علاج نفسه فى صباح اليوم التالى، أعطاه الأمل والرغبة فى البقاء. وبالطبع، كان تانج يعتقد أن الحطاب سيكون عاجزا عن علاج جرحه. وتقوم أساطير عديدة بتطوير فكرة الامتحان هذه. فالبطل، لكى يكون جديرا بتلك التى يحبها، عليه أن ينجز مهامّ تبدو مستحيلة. ويتعلق الأمر فى كثير من الأحيان باكتشاف شيء، أو بمعرفة ماذا يعنى نعيب غراب، أو بإحضار شعرة من شعر ملك البحار، أو بحلّ لغز غير قابل للحل، أو ببناء قصر أو منزل فى ليلة واحدة، إلخ. وفى كشمير طلب ملك، قبل أن يعطى يد ابنته لأحد الأمراء، أن يتعرف هذا الأخير عليها قبل كل شيء بين أخواتها المائة اللائى يشبهنها جميعا. ولكن الشابة، متوقعة خطة أبيها، وضعت على جبهتها سلكا من اللآلئ وأخبرت خطيبها. وعلى هذا النحو نجح الشابان فى الزواج. وكما ترون فإن البطل يصل إلى غاياته بفضل تدخل خارجى. وفى الحكاية الهندية، تحمل الخطيبة علامة مميزة، وفى القصة اللاوسية، يقود الصبية تاو إلى الغابة. وقد استطاع الحطاب أن يكسب صداقتهم وبالتالى مساعدتهم. وتقدم قصة پيروڤية حيوانات تتدخل لصالح الشخصية الرئيسية. كان پيدرو يتنزه فى الغابة عندما سمع، بالمصادفة، حديثا بين ثعلبين. ومندهشا، اختفى وراء شجرة. وكان الحيوانان يتبادلان الحديث عن الأمراض ووسائل علاجها. وقد أصغى بطلنا وحاول أن يحفظ ويفهم كل ما قيل. وبعد هذا بعدة ساعات، وفى طريق عودته إلى القرية، توجه إلى بيت من أغنى البيوت فى البلاد. وكان المالك قد أصيب بمرض مستعصٍ على العلاج. وبطبيعة الحال، أنقذه پيدرو. وكدليل على العرفان عرض عليه الزواج من ابنته. وقبل پيدرو، الذى كان فقيرا جدا، غير أن أخا زوجته المستقبلى، الذى كان غير راضٍ عن هذا الزواج، واجهه بتحدى أن يبنى بيتا فى وقت قصير جدا. يئس الشاب. ماذا كان يمكنه أن يفعل، وحيدا، فى ليلة واحدة؟ ومن فرط إحباطه، قرر أن يتخلى عن الزواج، وعندئذ اقترب منه عدد من الثعابين، والسحالى، وعدد لانهائى من الطيور. ودون ضجة، بدأت جميعا فى العمل، وأخذت تجرّ الأحجار والتراب. وفى الصباح، كان يوجد بيت جديد عند مخرج القرية، وكان پيدرو، على العتبة، يستقبل محبى الاستطلاع. وشهد كل أهالى المنطقة عُرْس زواج الشاب، حتى أولئك الذين حاولوا منعه. ويبدو أنهم ظهروا بمظهر حزين، خصوصا أخو زوجة پيدرو. ولكن ألم يحدد هو ذاته شروط هذا الزواج؟
القرد الأبيض (الصين)
هذه قصة حدثت فى عام 545، فى ظل سلالة ليانج، أثناء الحملة التى شهدت قيام جيش كبير، موضوع تحت قيادة الچنرال الشهير لين كنج، بشن الحرب فى جنوب البلاد. وكان لين كنج قد عهد بقيادة طليعة حملته العسكرية إلى ملازم أول شاب اسمه إيويانج هو. ولأن الحملة كانت تنذر بالاستمرار سنوات عديدة فقد اصطحب ضباط كثيرون زوجاتهم معهم. وكان إيويانج قد فعل الشيء نفسه لأنه لم يتزوج إلا منذ عدة أشهر، ولم يكن ليقبل، لقاء أىّ شيء على الإطلاق، أن يترك نولى، زوجته الشابة التى كانت هى اللطف ذاته، والأناقة ذاتها، والجمال ذاته. ولكن ذات ليلة عسكر فيها الطابور الصغير فى أعماق الغابة، بينما كان الملازم الأول يقوم بدورية تفتيش، اختفت نولى. وفى الحال وضع إيويانج الطابور فى حالة الاستنفار، وبدأت أعمال البحث. وقد استمرت قرابة شهر قمرى دون أىّ نجاح. ستفكرون فى أنه تصور غريب، من جانب رجل عسكرى، لمهنته أن يتخلى عن الحرب لكى يبحث عن زوجته، ولكن لأن قيام مبعوث بحمل رسالة إلى المركز العام للقيادة كان يستغرق شهورا عديدة، فإنه لم تكن هناك أهمية لعدة أسابيع قبل انطلاق العمليات الحربية. ثم إن زوجة الچنرال الذى يقود الجيش المعادى ـ وهذا ما لم يكن عرفه إيويانج بعد ـ كانت قد اختفت، بحيث أن الجيشين كان لديهما، إلى حد ما، شيء آخر يقومان به غير الحرب. كان إيويانج ورجاله قد بدأوا يصابون باليأس، عندما وصلوا ذات صباح أمام جبل ذى منحدرات مشوشة توجد فيها أشجار مغطاة بنباتات متسلقة تنمو بين كتل ضخمة من الصخور. وفى سفح هذا الجبل، كان يجرى نهر عريض وعميق. ولم تكد فصيلة الهندسة تنتهى من صنع طوف من الخيزران للعبور عليه، حتى جاء أحد جنود الدورية وقال للملازم الأول: "الأعداء هناك، على بعد مائتى خطوة، وقد انتهوا أيضا منذ قليل من صنع طوف. ـ سأذهب الآن للقائهم، قال الملازم الأول. هذه ليست اللحظة التى نتقاتل فيها." ذهب إلى هناك، بالفعل، واستقبله الملازم الأول تشو وانج الذى أصغى إليه ثم قال له: "أنا أبحث بالتحديد عن زوجة چنرالى. هذا مضحك، ألا تعتقد هذا؟ ـ بالطبع. لكننى، لأن زوجتى ذاتها هى التى أبحث عنها، قلق قليلا مع هذا. ـ هذا صحيح. لقد نسيت. أعذرنى. لكن هل تريد أن نبحث معا؟ ـ كنت على وشك أن أقترح عليك هذا. فلنترك هنا رجالنا الذين سيلعبون الماچونج فى انتظارنا، ونعبر نحن هذا النهر." ركبا السفينة الشراعية الخيزرانية، وما كادا يغوصان عشرين خطوة تحت أوراق شجر الجبل حتى التقيا وجها لوجه مع ثلاث نساء شابات جئن لأخذ الماء. وكانت النساء الثلاث على قدر كبير من النحافة وكان الفزع مرسوما على نظراتهن. وعندما علمن مَنْ هما الرجلان وعمّ يبحثان، شرحن لهما أن نولى وزوجة الچنرال كانتا، مثلهن، أسيرتى القرد الأبيض الكبير، ملك الجبل. وكُنَّ لا يخرجن إلا ثلاثا ثلاثا من أجل سخرة الماء وسخرة الحطب، ولكن كان عليهن فى بقية الوقت أن يبقين حبيسات فى مغارة. وعلى أىّ حال، فلأن النهر كان يدور حول الجبل لم تكن لديهن أىّ فرصة للهرب لأن المياه كانت مليئة بالثعابين السامة. فكر الملازمان لحظة بإمعان، ثم قالا للنساء: "انتظرن هنا. ما دمنا نعرف أن القرد الأبيض شره فإننا سنقبض عليه من طريق الشراهة." عبرا النهر من جديد، وأحضرا أربعة كلاب سمينة جدا وبرميلا من كحول الأرز. وعندما لحقا بالأسيرات أعطياهن الكلاب وملآ بالكحول دلوا من الدلاء التى يحملنها. "ولتفسير تأخركن قـُلـْنَ أنكن رأيتن هذه الكلاب وأن القبض عليها استغرق وقتا طويلا. وسيأمركن بطبخها. وسوف تضعن كثيرا من الملح والفلفل فى الطبيخ. وفى عصير الفواكه الذى يشربه عادة، سوف تقمن بصب هذا الكحول. وعندما يسكر القرد الأبيض ويفقد وعيه، ستأتى واحدة منكن إلى هنا، وسوف نتصرف." وبطبيعة الحال، عندما عادت الأسيرات إلى المغارة، كان القرد الأبيض هائجا من الغضب لتأخرهن، ومع هذا فإنه لم يكن لديهن أىّ تفسير يعطينه لذلك. وبمجرد أن رأى الكلاب أخذ يرقص من الفرح وأخذ يغنى أغنية آكلى الكلاب: آه! يا كلبى الجميل السمين المكتنز بالشحم إننى سوف آكلك تماما سوف آكلك حتى مقودك، إلخ. أسرعت النساء إلى ذبح الحيوانات المسكينة، وقمن بحشوها بالأعشاب العطرية دون أن ينسين، بطبيعة الحال، الملح والفلفل. وأوقدن نارا كبيرة عند مدخل المغارة وحملت الريح التى كانت تسوط الدخان رائحة الكلب المشوىّ إلى الضفة الأخرى للنهر، حيث قال الملازمان الأولان لبعضهما أن أمورهما تسير على ما يرام. وبالفعل فإنهما لم يكادا يجدان الوقت ليلعبا عدة أدوار من لعبة الماچونج حتى نادتهما إحدى النساء. ركبا الطوف مصطحبين عشرة من الرجال المسلحين جيدا (خمسة من كل جيش) وكانوا يحملون حبالا متينة من القنب. ولن أصف لكم لا ابتهاج النساء ولا ابتهاج إيويانج عندما عثر على نولى، ولن أصف من جهة أخرى سرور الملازم الأول تشو وانج الذى كان يعلم جيدا أن الچنرال سوف يكافئه بترشيحه لرتبة النقيب. تم تقييد القرد الأبيض تقييدا متينا، وعندما أفاق، لم يكن بمقدوره إلا أن يدير عينيه غاضبا عندما اكتشف أنه كان قد غادر جبله. وحوله من كل ناحية، كان الجنود والنساء المحرَّرات يرقصون ويغنون على ضوء المشاعل. وفى اليوم التالى، عندما جاء وقت الرحيل، أراد كل واحد من الملازمين الأولين أن يصطحب هذا الحيوان الفريد بارتفاعه الذى يبلغ ثمانية أقدام وبفروه الأبيض. وحدث خلاف أدى إلى مواجهة بين الضابطين، ثم الجيشين اللذين اشتبكا بالأيدى قبل أن يشتبكا بالسلاح. وكانت ضجة قتالهما عالية إلى حد أن أغلب رجال الجيشين أتوا فى الحال فكانت هناك، فى الغابة، معركة مروِّعة. القتلى والجرحى بالآلاف، والزحف، والتقهقر، والتلاحم، والهجمات، وأخيرا كل ما كان ينبغى لاندلاع حرب حقيقية يذكرها التاريخ. وعلى كل حال فإن الجيشين كان قد تم إعدادهما للاقتتال، حسنا، ولكنْ من أجل قرد! وخصوصا فإنه لا أحد منهما استطاع أن يصطحبه. لأن هذا القرد، الماكر كما ينبغى لقرد، استغلّ المعركة فى التخلص من قيوده والاختفاء فى أعماق الغابة الكثيفة. ولأن الجنود كانوا قد تركوا الطوف قرب الشاطئ، فإنه لم يجد صعوبة فى أخذه للعودة إلى جبله. ومنذ ذلك الزمن يقول الناس فى الصين: الاقتتال من أجل ملك القرود، كما يقول الناس فى فرنسا: الاقتتال من أجل ملك پروسيا.
فى الصين، تشغل القرود مكانة خاصة. أحد هذه القرود، سون هو-زى، الذى نشأ من بيضة، انتهى بعد مغامرات خارقة بالفوز بالخلود. غير أن القرد الذى خطف نولى، زوجة الملازم الأول إيويانج، يستدعى فى نظرنا بالأحرى الشياطين التى كانت تقيم فى الجبال قديما. وفى السويد، وفى أرمينيا، وفى اليونان، وبالطبع فى بلادنا، تكثر الأساطير المتعلقة بشرور هذه الوحوش. وكانت شياطين منها، مثل القرد الأبيض، متخصصة فى خطف الشابات، وكانت شياطين أخرى تجعلهن يهبن أنفسهن. وفى جزيرة سيرا، فى اليونان، كان ثعبان باثنى عشر رأسا يطالب كل أسبوع بضحية بشرية تحت طائلة منع الوصول إلى ينبوع الماء الوحيد فى المدينة. وفى النوبة، واجه بطل، اسمه هِمّدْ، تمساحا كان يقطع مجرى النهر. وكان يُوهب كل يوم فتاة حتى يمكن أن يتدفق الماء. وفى فرنسا، قتل حطاب حيوانا بسبعة رؤوس. وكمكافأة له تزوج البطل من ابنة الملك. وفى بوربونيه، بالقرب من قرية لاشو، اختار تنين برأس أسد، ذو قرون، وله جناحان ضخمان، مسكنه على قمة جبل، ريه دو سول. ويروى إميل جيّومان هذه القصة فى كتابه Au vieux temps (Éditions des Cahiers bourbonnais) [فى الزمن القديم]. فى كل عام، فى الأحد السابق لعيد الميلاد [الكريسماس]، كان الوحش يظهر ويلتهم فتاة مسكينة. وكان يعود إلى كهفه، تاركا السكان الآخرين فى البلدة فى سلام لمدة عام. وكان يتم اختيار الضحايا بالقرعة أما الفتاة المختارة بهذه الطريقة فكان يتم تقييدها فى أعلى قمة الجبل، وكانت تنتظر الموت. وأثناء هذا الوقت كان الناس، فى القرية، يصلـُّون. وذات يوم حدد الحظ فتاة عمرها ستة عشر عاما، اسمها مادلين، وكانت خطيبة فتى شجاع، اسمه فرانتس. وفى التاريخ المحدد للتضحية، استعدت مادلين، بملابسها البيضاء، لتسلق منحدرات الجبل، عندما وصل فرانتس مصحوبا بكلبى حراسة ضخمين (دُوج). اقترح الفتى الباسل أن ينطلق إلى الأمام ويصارع التنين. وصفه سكان البلدة بأنه مجنون، وحاولوا الإمساك به، خوفا من انتقام التنين. ومع هذا تقدم الفلاح بحزم نحو ريه دو سول. كانت المعركة، فيما يبدو، طويلة جدا، غير أن فرانتس خرج منها منتصرا. وعندما عاد برأس الأسد المغروز فى حدّ سيفه، هتفت له القرية كلها. ويمكنكم أن تتخيلوا بسهولة الاحتفال الذى أقيم بمناسبة زواج فرانتس من مادلين. وتحررت المنطقة أخيرا، ومنذ ذلك الحين عاشت الفتيات فى أمان.
عملاق الجبل (نيپال)
كان كوزيو حطابا مجدا لا يتردد عن قطع الفراسخ ليجد أشجارا كبيرة يقطعها. وكان يحدث له أن يغادر بيته أسابيع عديدة فكانت زوجته نيما تبقى وحيدة مع أطفالها الثلاثة. وعندما كان يرحل على هذا النحو، كان هذا الرجل الجريء يقول دائما لزوجته: "خصوصا، بمجرد أن يحلّ الليل، لاتفتحى الباب لأحد. ـ وأنت، كانت نيما تجيب دوما، احذرْ عملاق الجبل. أنت تعرف أنه قادر على التهامك." وكان الحطاب يشير إلى بلطته الحادة ذات النصل اللامع ويقول: "بهذه البلطة بين يدىّ، لا أخشى أحدا، ولا حتى قبيلة من العمالقة." ومع هذا فذات مساء وجد نفسه فيه وحيدا فى أعماق الغابة، فى سفح الجبل الذى تنمو فيه أضخم أشجار البلوط، سمع صوتا أجشَّ يدمدم: "أنت تريد أن تقطع أشجارا كبيرة، أيها الحطاب، تعالَ إلى أعلى، تعالَ إلى أعلى." أحس برعشة تسرى على طول عموده الفقرى ولكنه صعد، مسيطرا على خوفه، فى الاتجاه الذى يأتى منه الصوت الذى استمر فى مناداته. وبالفعل فكلما صعد أكثر كان يرى قدرا أكبر من الأشجار الجميلة. وصل أخيرا إلى سفح جُرْف شديد الانحدار حيث انفتحت مغارة مظلمة كانت قبتها أعلى من شواشى الأشجار. ومن هناك كان يأتى الصوت. راح كوزيو يبتعد، لكنه لم يجد الوقت للقيام بأىّ حركة، ذلك أن يدا هائلة خرجت من الظلام، ثم خرج ذراع أكثر ضخامة وأكثر عُقـَدا من جذع شجرة بلوط. قبضت عليه اليد وضغطت عليه فجعلت عظامه تطقطق. أخذ يسدد ضربات سريعة إلى الأصابع، غير أن نصل بلطته لم يُصِبْها بأكثر مما تفعل شوكة شجيرة عُلـّيق. انسحب الذراع وفى غبش المغارة رأى الحطاب كهفا ينفتح، ولم يكن شيئا آخر سوى فم العملاق. ثم كان هناك، بالنسبة له، السواد الرطب والحار للمعدة حيث فقد الوعى. بعد أن بلع فريسته كما يمكن أن تبلعوا ثمرة كرز، نهض العملاق، وخرج من مغارته، وهبط فى اتجاه منزل الحطاب. ولأنه كان عملاقا لديه القدرة على تغيير قامته دون أن يفقد شيئا من قوته فإنه، عندما وصل أمام الباب، قام بتصغير نفسه بما يكفى لدخول المنزل منحنيا قليلا للمرور من الباب. "افتحى، يا امرأة، قال مغيِّرا صوته، أنا تعبان وجائع جدا." فتحت نيما الباب ودفعها العملاق بقوة وأخذ يلتهم كل ما فى الصندوق والخزانات التى كانت تحتوى على مواد غذائية. قبل كل شيء فكرت المرأة المسكينة، مرتعبة، فى أطفالها الذين كانت قد أرقدتهم ليناموا فى الحجرة العلوية منذ قليل والذين لم يسمعوا شيئا. وجالسة فى أسفل السلم، كانت ترتجف وهى تشاهد وجبة الوحش. وعندما شرب العملاق برميلا كاملا من النبيذ، نام بعرض الباب، وارتفع شخيره بحيث كان المنزل كله يرتج وكأنما هزه إعصار. ولاستحالة الخروج للبحث عن النجدة، توجهت زوجة الحطاب إلى الحجرة العلوية، ولكنها فيما كانت تصعد نثرت قطع أخشاب جافة على درجات السلم قائلة لنفسها أنها بهذه الطريقة يمكن أن تسمع صعود العملاق. رقدت إلى جانب أطفالها، غير أنها لم تستطع أن تنام، ومنذ الفجر سمعت حركة فى المطبخ. وكان العملاق يدمدم فيما كان يحطم الأوانى والأثاث. "حسنا، أخذ يصرخ. حيث أنه لم يعد يوجد شيء آخر، سوف آكل المرأة والأطفال." صعد السلم على عجل وعند الدرجة الرابعة من درجاته تراجع إلى الوراء وهبط بسرعة محدثا ضجة مرعبة. الصمت! المرأة والأطفال تكوروا فى ركن من الغرفة وظلوا يصغون وقتا طويلا، كاتمين أنفاسهم. ولكن، لأنه لم يتحرك أىّ شيء، خاطرت الأم بنفسها ببطء. كان العملاق ممددا على ظهره، وكان ذراعاه متصالبين، ورأسه عند حجر الموقد الذى كان قد انشقّ إلى نصفين. "إنه ميت، قالت المرأة. علينا أن ندفنه فى قبر." وبمساعدة أطفالها أخذت المرأة الشجاعة، التى كانت تضمر احتراما كبيرا للموتى، فى صُنع صندوق طويل دون أن ترتاب فى أن ما تقوم بتسميره سيكون فى الوقت نفسه تابوت العملاق، وتابوت زوجها. وبمجرد إغلاق الصندوق جرّوه إلى أمام الباب ومضوا إلى حقل لكى يحفروا فيه قبرا. وفى أثناء غيابهم، رأى الصندوق لصوصٌ كانوا يمرون من هناك، وقاموا بتحميله على عربة شدوا إليها بحزام حصان البيت وهربوا. وقطعوا على هذا النحو عدة فراسخ، ثم توقفوا متحيرين. فقد بدا لهم أن هناك مَنْ يطرق داخل الصندوق. رفعوا الغطاء وعندما رأوا العملاق الذى كان يتحرك، استولى عليهم الرعب وأسرعوا هاربين تاركين حزامهم. والحقيقة أن العملاق كان ميتا تماما، ولكن الحطاب استيقظ داخل معدته وأخذ يضرب بالبلطة لكى يخرج منها. وبمجرد أن صار فى الخارج تعرّف، دون أن يضطرب كثيرا على، على حصانه وعربته، وسلك طريق مسكنه حيث كانت زوجته وأطفاله مذهولين تماما عندما أدركوا أنه كان يوشك على أن يتم دفنه حيا. ومنذ ذلك الزمن، يكنّ الناس، فى ذلك البلد، احتراما من نوع ما للصوص، ولكن ينبغى القول أن هؤلاء لم يعودوا يسرقون صندوقا أبدا دون أن يعرفوا ما الذى يحتويه.
إذا صدقنا ما تقوله هذه القصة فإنه لم يكن من المعقول أن يتنزه المرء فى جبال نيپال. وقد تعلم كوزيو، الحطاب، هذا على حسابه. غير أنه يقال أنه فى هذا البلد كانت هناك أيضا كائنات أخرى غير العمالقة. إنكم معرضون أيضا بأن تلتقوا هناك بكائن أكثر غرابة بكثير وخطِرا بنفس القدر تماما: النيالمو. كانت هذه الكائنات تتردد بصورة خاصة على جبل هيلامبو، فى منطقة كتمندو. وكانت كائنات النيالمو تتصرف فى ظاهر الأمر مثل البشر. ومع هذا فإن المتهور الذى كان يقترب قليلا من مساكنها، كان يبتعد عنها بكل سرعة بمجرد أن يلمح أىّ نيالمو. والواقع أن مظهرها لم يكن فيه ما يدعو إلى الاطمئنان. وطويلة وضامرة، ومغطاة بشعر طويل، وبالأقدام الكبيرة جدا، كانت تتنقل فى جماعات. وكان ذكورها يلتهمون الرجال، وكانت إناثها تفضل، فيما يقال، النساء. ولحسن الحظ هربت كائنات النيالمو من جبل هيلامبو منذ أن أفزع رجل شاب أحدها، إلى الدرجة التى جعلتها جميعا تختفى. ومع هذا فإنه لا ينبغى أن نتصور أن الجبال كانت مأهولة فقط بكائنات معادية ومتوحشة. ففى أرمينيا، ساعد روح القوقاز أرملة مسكينة فى العثور على أبنائها. كانت امرأة تنتحب، جالسة على مقعد، أمام بيتها. كانت تتذكر حياتها. وكان زوجها الذى توفى منذ وقت قريب قد تركها وحيدة بجوار أبنائها، غير أن هؤلاء، الذين لم يكونوا يتكلمون إلا عن المعارك والمغامرات المحفوفة بالأخطار، رحلوا ليواجهوا عملاقا. ولاشك فى أنهم صاروا أسرى لدى الوحش، ذلك أن أمهم، التى لم تتلق أخبارا عنهم منذ شهور عديدة، انتظرتهم دون جدوى. وهكذا كانت المرأة تبكى كل يوم، منادية عليهم جميعا بأسمائهم، لاعنةً قسمتها المحزنة. غير أن طائرا سمعها. وطار نحو أعلى قمم جبال القوقاز ووصل إلى روح الجبال. ومفعما بالشفقة، فكر الجنى الطيب طويلا بإمعان قبل أن يتوصل إلى علاج لمصائب المرأة التعيسة. وقرر أخيرا أن يرسل إليها طفلا آخر. كبر الطفل بسرعة وأثبت بقوته أنه يساوى كل إخوته مجتمعين. وبعد عدة أعوام، قرر هو أيضا أن يتحدى العملاق، مما أصاب أمه بيأس شديد. إنكم تعتقدون عن حق أن روح الجبال لم يتخلَّ عنه. فبعد معركة مجيدة، شهدت هزيمة العملاق، حرر إخوته. وهكذا أتاحت طيبة روح القوقاز للأرملة أن تعرف، حتى نهاية حياتها، الفرح والسعادة بجوار أبنائها.
غابة الظباء (الهند)
كان الملك دوشيانتا صيادا عنيدا. وكان فى كثير من الأحيان يترك بلاطه وأعماله، ويمضى وحيدا على حصانه ويختفى فى الغابة التى كان يعرفها أكثر من أىّ شخص. وعندما كان يطارد الصيد، لم يكن يفكر فى أىّ شيء آخر، وكان يحدث له أن يجتاز، دون أن يدرك ذلك، حدود مملكته هو. وإنما على هذا النحو، فيما كان يطارد ذات يوم أحد الأيائل ـ وكان رائعا ـ، وجد نفسه فجأة فى حضرة ثلاثة حكماء سدّوا عليه الطريق رافعين نحو السماء أذرعتهم الطويلة النحيلة. "أيها الملك العظيم دوشيانتا، قال أكبر الحكماء سنًّا، وكان اسمه كانڤا، هل أعمتك رذيلتك؟ ألا ترى أنك تصطاد فوق أراضى خلوتنا؟ ـ هل نسيت، قال حكيم آخر، أنه لا أحد يملك الحق فى قتل حيوان أتى ليلجأ إلينا فى مكان مقدس؟ وهل تجهل أنك تخاطر بهذه الطريقة بحقك فى الجنة الأبدية؟" نزل الملك من فوق حصانه، وساجدا أمام الحكماء الثلاثة توسل طالبا الصفح. "صحيح، قال، أن أهوائى تعمينى أحيانا. وأنا أطلب منكم الصفح بكل خضوع." وافق كانڤاه ورفيقاه على الصفح المطلوب، وعادوا يسيرون فى طريق خلوتهم. ومضى الملك بدوره، يتأمل شرور بعض الأهواء التى تـُفـْقِد الإنسان، أحيانا، الإحساس بواجبه. وقال لنفسه أن الصيد لعبة وحشية تماما وتعهد بأن يعمل كل ما فى وسعه لكى لا يستسلم لرغبته فى الدم. توقف، متعبا، تحت ظل شجرة ضخمة كانت أغصانها تتدلى منخفضة جدا وتشكل تقريبا قبة ندية. وبعد أن ربط حصانه، جلس على الطحالب وأخذ يتأمل. ولم يكن هناك أكثر من ساعة، عندما سمع اقتراب خطى وأصوات. أرهف السمع ونظر من خلال أغصان الشجرة. كانت ثلاث فتيات يتنزهن ويثرثرن، ثلاث فتيات تحيط بهن ظباء وطيور. كان ذلك مشهد نضارة لا حد لها وكانت له عذوبة نادرة. وكانت الشابة التى تسير بين الأخرَيَيْن جميلة جدا إلى حد أن الملك وقع، على الفور، فى حبها وقرر أن يتزوجها. وكان عليه أن يبحث عن وسيلة لتقديم نفسه دون أن يبدو مزعجا، عندما أخذ زنبور كبير الحجم يزنّ حول الفتاة التى لم تكن تعرف كيف تتخلص منه. قفز الملك، وأزاح أغصان الشجر، واصطاد الزنبور. "أحييك، أيها المجهول الوسيم، قالت الفتاة. لقد قدمت لى الآن مساعدة، فماذا يمكننى أن أفعل لأشكرك؟ ـ أنا الملك دوشيانتا، قال، وأنتِ، مَنْ أنتِ؟ ـ أنا شاكونتالا، ابنة الحكيم العظيم كانڤا." وجد الملك صعوبة فى أن يخفى حركة استياء. ذلك أنه كان يعلم أن الحكماء وحدهم يمكن أن يتزوجوا بنات الحكماء. كانت تلك الحسناء ستفلت منه إذن. وربما كان يوشك على أن ينفجر فى البكاء عندما ابتعدت الفتاتان الأخريان قائلتين: "سنترككما تثرثران. انتظرينا هنا، يا شاكونتالا، سنلحق بك فى طريق عودتنا من نزهتنا." بمجرد أن قطعت صديقتاها عدة خطوات، ابتسمت الفتاة للملك وغمغمت: "لا تقلق، هذا ليس صحيحا. فأنا لست ابنة الحكيم العجوز. وأبى هو الملك ڤيسڤامترا وأمى هى الحورية ميناكا. ـ ولكن كيف حدث أن تكونى هنا تحت هذا الاسم؟ فهل أنت أسيرة لدى أولئك الذين يملكون نفوذا كبيرا فى هذه الأماكن المقدسة؟" كانت الفتاة توشك على الإجابة عندما ترددت فى الغابة، آتية من قصر الحكماء، دقات جرس. وفى الوقت نفسه، أخذت فى الصراخ أصوات تردد صدى قلقا: "خذى حذرك، يا حيوانات الغابة، اختبئى. عودى إلى القصر، فالملك الشرير دوشيانتا يصطاد على أرض الحكماء. خذى حذرك! ..." استدار الملك ليحاول اكتشاف من أين تأتى هذه الأصوات التى بدت فى آن واحد قريبة جدا وبعيدة جدا، ولكنه لم ير شيئا سوى الغابة التى كان يهزها كلها طيران آلاف الطيور وعَدْو كل الحيوانات هاربة. وعندما أراد أن ينظر مرة أخرى إلى الفتاة، كانت قد اختفت. ولم يستطع أن يلمح سوى ثلاث ظباء يُسرعن فى اتجاه قصر الحكماء. وخلال أيام وأيام، عاد الملك يتجول فى هذه الغابة، غير أن أمله فى العثور على تلك التى أحبها ظل بلا جدوى. ومرارا وتكرارا، لمح ظباءً تهرب عند اقترابه، وكان هذا كل ما استطاع أن يراه، وأحزنته هذه اللقاءات أكثر. وداخل الحاشية، ساد قلق شديد عليه عندما رأوا هذه الهيئة الكئيبة وهذا الوجه المتوتر، ولم يفهم أحد لأىّ سبب لم يرغب الملك مطلقا فى أن يشارك فى أىّ صيد. وقد انتهى حتى إلى حظر أن يمارس الناس هذه اللعبة الوحشية فى كل مملكته التى صارت فى الحال فردوس كل الحيوانات المسماة بالبرية. وللأسف فإنه منذ وفاة الملك دوشيانتا، استؤنفت أعمال الصيد من جديد، وجرى قتل آلاف الظباء.
تستدعى الغابات، مثل البحر والجبل، إلى أذهاننا أحيانا عالما غامضا، من الصعب اختراقه. وقد تولدت عن جانبها المضياف والمرعب فى آن معا أساطير مختلفة جدا وحتى متناقضة. وباعتبارها مسكن الحكماء فى الهند، وملاذ الجنيات فى الصين، تخفى الغابات كائنات غريبة، لا يكون الالتقاء بها سارًّا مثل الالتقاء بشاكونتالا فى ’غابة الظباء‘. وكانت الغابة مكانا مفضلا لأولئك الذين يرغبون فى الاختباء، أو الذين لا يستطيعون العيش بين البشر. ألم تكن الأراضى المقطوعة الأشجار فى الغابة هى التى يجتمع فيها السحرة والساحرات للاحتفاء بالمحفل السبتى؟ وكانت الغابات مقدسة وفى الوقت نفسه مرعبة، مثل الكائنات التى تخيل الناس أنها موجودة فيها. ووفقا لمعتقد سلاڤى، كان أحد هذه الكائنات، ’الليشى‘ [روح الغابة]، يسكن فى الغابات قديما. ومن بعيد كان يمكن لهيئته البشرية أن تخدع المسافر، ولكن، من قريب، أفزعت وجنتاه الزرقاوان، وعيناه الخضراوان الجاحظتان، وحاجباه الكثيفان، ولحيته الطويلة، أىّ شخص رآه. وكان زيّه المضحك مدهشا أيضا: كان حزام كبير أبيض يحيط بخصره وكانت قدمه اليمنى تلبس حذاءه الأيسر. وفى قلب الغابة، كان رأس ’الليشى‘ يرتفع إلى شواشى الأشجار، ولكنه فى حافة الغابة كان يتحول إلى قزم، إلى درجة أنه كان يمكن أن يختبئ تحت ورقة من ورق الشجر. وكان المجيء للصيد، أو جمع الفطر، يمثل بالنسبة له أعمالا لا تغتفر، إهانة حقيقية. وفى الربيع بوجه خاص كان ’الليشى‘ يغدو شديد الخطورة. وضاربا فى الغابة صارخا ولاهثا، كان يطلق العنان لغضبه. وفى الخريف، فى شهر أكتوبر، كان يختفى. وبالطبع كان هناك غير الشياطين فى الغابات؛ ذلك أن الجنيات أيضا كُنَّ يخترن هناك مسكنهن. ومع ذلك فإن البعض كانوا يفضلون تجنبها. وفى غابة بروسيلياند الشهيرة، فى بريتانْى، حيث رأى ميرلان لانشانتير للمرة الأولى الجنية ڤيڤيان، مرّ الفارس چوڤان بمغامرة فريدة. ففى أحد الممرات، قابل فتاة أهمل أن يحييها. ومن باب الانتقام، تمنّت له الفتاة أن يصير شبيها بأول رجل يلتقى به. ولم يملك چوڤان المسكين فرصة، ذلك أن قزما كان يتجه نحوه. وفيما بعد، استعاد الفارس على كل حال قامته العادية. وكان الملك دوشيانتا يودّ أن يتزوج شاكونتالا. وبالفعل فإنه، فى بعض السرود، يحدث أن إنسانا فانيا يصير شريك حياة لإحدى إلهات الغابات، ولكن كما ستتأكد فى هذه الأسطورة [من شبه جزيرة كوتنتان Cotentin فى نورمانديا السفلى]، لم يكن هذا النوع من الزواج شديد السهولة مطلقا. كان راؤول دارجوچ يقيم فى قصره فى جراتوت، وكان ينفق معظم وقته فى الصيد. وذات يوم، فيما كان منهمكا فى مطاردة حيوان فى أعماق الغابة، اكتشف عشرين فتاة يغنّين ويرقصن. وكانت إحداهن، أجملهن، تقود الرقص. اقترب راؤول وبعيدا عن أن يفزع ملكة الجنيات استطاع أن يحادثها. بل إنه عرض عليها أن تعيش معه فى قصره. قبلت آندين، وكان هذا اسمها، ولكنها حذرت رفيقها من أنها لا تستطيع أبدا أن تسمع أحدا ينطق كلمة "موت"، تحت طائلة الاختفاء فى الحال. تزوجت آندين من سيِّد دارجوچ، فاقدة على هذا النحو مواهبها الخارقة للطبيعة، المنسوبة إلى أرواح الغابات. ولم يكن هناك زواج أسعد من هذا. تتابعت الاحتفالات والولائم وإنما على هذا النحو خصصت آندين، المتأنقة، وقتا طويلا لزينتها. ونافد الصبر، وضجرا من الانتظار، صعد إليها زوجها. "لقد أطلتِ كثيرا، قال لها، هل ستنفقين مثل هذا القدر من الوقت فى طلب الموت؟" أطلقت آندين صرخة، واندفعت من النافذة المفتوحة واختفت إلى الأبد.
الطبق المسحور (پاكستان)
كان صادق صبيا شجاعا لم يكن قد واتاه الحظ فى يوم من الأيام. وكان الأخ الأكبر بين سبعة أطفال ووجد نفسه وحيدا فى سنّ العمل. ولأنه حطاب ابن حطاب، كان عليه أن يقطع أخشابا تكفى لإطعام ليس فقط إخوته وأخواته، بل أيضا والديه، إذْ أن أباه، الرجل المسن أيوب، كانت قد وقعت على ظهره شجرة فلم يعد بإمكانه أن يستعمل البلطة منذ أعوام كثيرة. ولم يكن لصادق سوى صديق واحد. شجرة بلوط عجوز كان يلعب تحتها طوال طفولته وكان يرفض دائما أن يقطعها. ومرارا وتكرارا كانت شجرة البلوط تخاف جدا لأن التجار كانوا يأتون إليها ويجسون لحاءها قائلين: "عجبا، يا لها من شجرة بلوط يصنع خشبها عوارض ممتازة!" غير أن صادق كان يبادر كل مرة إلى القول شارحا: "تصوروا، هذه الشجرة لا تستحق حتى عناء أن آتى لقطعها. وإذا قمتم فقط بالتسلق على ملتقى أغصانها فإنكم ستكتشفون أنها مجوفة تماما، وأن جذعها مأهول بكل أنواع الحيوانات. ومن الأفضل تركها. وطالما وجدت الحيوانات فيها ملاذا فإنها لن تهاجم الأشجار الأخرى." ولأنه لم يكن هناك أىّ تاجر أخشاب رشيق بما يكفى للتسلق، لم يشكّ أحد مطلقا فى أن صادق كان يكذب بدافع صداقته لهذه الشجرة. مرت أعوام ، حتى اليوم الذى قالت فيه شجرة البلوط لصديقها: "لا أعرف ماذا بك، منذ بعض الوقت، ولكنك تبدو لى حزينا ومتعبا. أنت لم تعد تأتى مطلقا للثرثرة معى، كما كنت تفعل من قبل. ـ لا تؤاخذينى فأنا لم أقصد هذا، قال صادق. لكننى لم أعد آتى إلى هنا. إن إطعام ناس كثيرين يقتلنى. أنا لا أتوقف عن العمل دقيقة واحدة مطلقا، كما أن ما أنجح فى كسبه لم يعد يكفى. فإخوتى الذين يكبرون تنفتح شهيتهم أكثر كل يوم. وأخواتى يحتجن إلى فساتين جديدة. ـ اسمعنى، قالت الشجرة الكبيرة وهى تهز قليلا أثقل أغصانها، إننى أدين لك بالكثير. لقد أنقذت حياتى مرات عديدة. ستقوم بإحضار معول وتحفر عند أسفل جذعى، هناك، بين أضخم جذرين لى. سوف تجد طبقا من الذهب. أنا لا أعطيه لك لكى تبيعه، لأنه يساوى أكثر كثيرا من وزنه من الذهب. هذا الطبق يمكن أن يعمل. وسوف ينفـِّذ كل أوامرك. ولكن على وجه الخصوص، لا تتحدث عنه مع أحد." كان صادق مندهشا بعض الشيء، لأن هذه كانت المرة الأولى التى توجهت فيها شجرة البلوط إليه بالكلام. وبالتالى حفر وأخرج من الأرض فى الحال طبقا كبيرا مستديرا، ثقيلا جدا، ولكنه كان يلمع أشبه بشمس صغيرة. شكر شجرة البلوط وبدأ بالوصول إلى أجمة كان قد تم تكليفه باقتلاعها. وعندما وصل إلى مكان العمل، وضع الطبق أمام كتلة كثيفة من الشجر الشوكى وقال له: "اقتلع لى كل هذه الأعشاب الضارة. وخصوصا، انتبه إلى أن لا تـُتلف الفسائل." وقف الطبق فوق بوصة من الأرض، وتقدم ببطء وهو يدور حول نفسه بسرعة مذهلة. وفى أقل من الوقت الذى تستغرقه قراءة هذه القصة، اقتلع الطبق كل الأعشاب من قطعة الأرض الصغيرة. "غير ممكن، قال صادق. شيء هائل!" مذهولا، وناسيا أنه يجب أن لا يبوح بسره لأحد، جلس على الطبق وقال له: "والآن ننطلق إلى المنزل." ونقله الطبق فى الحال إلى باب مسكنه. "ماذا ينبغى عمله هنا؟ سأل الحطاب وهو يفتح الباب. ـ ينبغى عمله؟ تأوهت الأم. ولكنْ كل شيء هنا ينبغى عمله، الوجبة ينبغى إعدادها، البياضات ينبغى ترقيعها، المنزل ينبغى تنظيفه، وتوجد بلاطة ينبغى تبديلها. ـ لا تحملى همّ كل هذا، يا أمى، سيتم عمل هذا فى لمح البصر." وقبل أن تفيق الأسرة من ذهولها، كان الطبق الذهبى قد طبخ الحساء، ورتـَّب أدوات المائدة، وكنس المنزل، ورقـَّع البياضات، وبدل البلاطة، وحتى ملأ الماء من البئر. وفى هذه اللحظة تذكَّر صادق أنه كان قد تعهد بأن لا يتحدث مع أحد عن هذا الطبق وعن قدرته العجيبة. وعندئذ، قال مخاطبا الأسرة كلها: "خصوصا، لا يجب أن تتحدثوا عن هذا الطبق مع أحد." وعده الجميع بذلك، ولكن الأب الذى خشى بعض ثرثرات الأطفال، قال لصادق: "طبق مثل هذا، إذا اكتشفه أحد ذات يوم فإنه سيتدبر أمر سرقته منك. ولو كنت مكانك لحفرت اسمى بداخله." وذات يوم قام صادق بتشغيل الطبق فى الغابة ليقوم له بعمله مقدما، ثم ذهب به إلى النقـّاش على المعادن وقال له: "هذا طبق عادى من الذهب ورثته عن عمة عجوز كنت أحبها جدا. وأريد الاحتفاظ به كتذكار. وسوف تحفر اسمى بداخله. ـ هذا سهل جدا، قال النقـّاش. عُدْ مساءَ غدٍ، وسيكون الحفر قد تمّ." وفى اليوم التالى، ذهب صادق لإحضار طبقه وأسرع بالعودة به إلى منزله حيث وضعه على المائدة وقال له: "انطلقْ، أيها الطبق، فى العمل. يوجد غسيل ينبغى عمله." ولكن الطبق لم يتحرك من مكانه. غضب صادق، وثار، وهدَّد، دون جدوى، ذلك أن الطبق لم يعترض أكثر من أكثر القدور عادية. "لا بد أن النقـّاش هو الذى جعله يفقد قدرته، علقت الأم. يجب أن تذهب لتقابل شجرة البلوط، لا بد أنها تستطيع أن تردّ له هذه القدرة. يالها من فكرة، قال صادق. غدا، مع طلوع النهار، سأذهب لألتقى بشجرة البلوط." وفعل الحطاب كما قال. ولكن شجرة البلوط، عندما رأت الطبق، هزت أغصانها مُبْدية عطفها وأعلنت: "أيها المسكين صادق، لقد تمّ خداعك. أعطاك النقـّاش طبقا شبيها تماما بطبقى، ولكنه لا يتمتع بالقدرة على العمل. هذا النقـّاش لصّ، أسرعْ إليه لإحضار الطبق." جرى الحطاب بأقصى سرعة بوسعه وعندما وصل أمام دكان النقـّاش، وجده مغلقا. "أنت تبحث عن النقـّاش، قالت له جارة. حسنا، أنا لا أعرف ماذا جرى له، ولكنه رحل فى منتصف الليل. ويمكننى حتى أن أقول أنه أحدث ضجة غير قليلة. إلى درجة أدت إلى استيقاظى لكى أطلب منه الصمت. ولكننى استيقظت متأخرة قليلا، ولم أستطع أن أراه إلا فى اللحظة التى انعطفت فيها عربته المحمَّلة بالأثاث عند ناصية الشارع." ترددت المرأة الطيبة لحظة ثم انتهت إلى القول: "وأنا أتساءل كيف استطاع حقا أن يعمل كل شيء وحده، ليقوم بتحميل أشيائه فى مثل هذا الوقت القصير. صحيح أنه لابد أننى كنت نصف نائمة، لأنه بدا لى أننى رأيت أن ما كان يقطره لم يكن حيوانا، بل نوعا من طبق كبير كان يلمع كالذهب. لابد أننى كنت فى منتصف حلم." غير أن صادق كان لم يعد يصغى إليها فى تلك اللحظة. ومقتنعا بأنه لن يرى مرة أخرى لا النقـّاش ولا الطبق، عاد إلى شجرة البلوط العجوز التى واسته قائلة له: "سأعطيك عصا تتمتع بنفس القدرة. ولكنْ هذه المرة، اكتفِ بتشغيلها عندما تكون وحيدا معها. واحذرْ أن تتفاخر بها." وانطلق الحطاب الشجاع بعصاه التى لم يقم مطلقا بتشغيلها خارج الغابة، ولم يمنعه هذا من تكوين ثروة، تماما كأنه استخدم خمسينا من الرفاق.
سمعتم جميعا الحديث عن أشياء سحرية يملكها بعض الشخصيات، مثل الجنيات. وكان يمكن أن تسقط هذه الأشياء أحيانا فى يد شخص وأن تسمح له بأن يصير غنيا وقويا. ولكن، قبل استخدامها، ينبغى التصرف بشيء من الحكمة. والواقع أن صادق لم يُخْفِ أنه يملك طبقا مسحورا، كما أنه سُرق منه. وفى بعض الأحيان تنقلب قدرات الآنية ضد مالكها. وإذا ذهبتم ذات يوم إلى الصين، فربما ستزورون معبدا مخصصا لذكرى فلاحة اسمها لُوِى. كانت لوى تذهب لتملأ الماء من مكان بعيد جدا عن بيتها. وذات يوم، التقت برجل عجوز وساعدته فى أن يسقى حصانه. وليشكرها قدم لها الرجل، الذى كان ساحرا إلى حد ما، سوطا هدية لها. وكان يكفى إدخاله فى الجرة، وتحريكه، ليتدفق الماء الصافى. وذات مرة كان أخو لوى هو الذى ذهب إلى النبع. وهزّ السوط بقوة إلى حد أنه كان لابد من أن يفجر فيضانا. أما هى فقد استقرت فوق الجرة لتوقف الماء. ومنذ ذلك الحين يتدفق الماء دون أن ينضب: هذا هو منبع چن la jin. ويستطيع المسافرون أن يروا تمثال لوى وهى تجلس بمهابة على النبع. ولو أن الفتاة لم تكشف عن سرّ السوط لشخص آخر فربما ما كانت لتتحول إلى حجر. ولا يبادر الشيء السحرى إلى مساعدتكم إلا عندما تعرفون كيف تستخدمونه، وبصورة خاصة عندما تكونون جديرين به. وكانت سرقة الطبق مفيدة لصادق كدرس؛ واستطاع أن يكون جديرا بالعصا. وقد تسبب خاتم فى خسارة بطل إغريقى طموح أكثر مما ينبغى فلم يضع حدا لرغباته. كان چيچيس، راعى ملك ليديا، لافتا للنظر بجماله بقدر ما كان بفقره. وذات صباح، فيما كن يتنزه، اكتشف، فى عمق أحد الشقوق، حصانا برونزيا كان يحتوى على الهيكل العظمى لأحد العمالقة حمل أحد أصابعه خاتما ذهبيا. أمسك الراعى بالجوهرة واكتشف بذهول أنه صار غير مرئى عندما أدار فص هذا الخاتم. لم تكن لدى چيچيس غير فكرة واحدة فى رأسه: أن يستفيد من حظه الجيد. ذهب إلى القصر الملكى، وقتل الملك كاندواله وجلس على العرش، بعد أن تزوج الملكة. قرر العاهل الجديد، متصورا أنه محصن ضد الفشل، أن يوسع أراضى مملكته معلنا الحرب على شعب مجاور. وأثناء القتال اختفى وقتل أعداءه دون أن يتعرض هو نفسه لخطر أىّ ضربة قاتلة. لكنه، أثناء احتدام المعركة، فقد خاتمه دون أن يدرك ذلك. ومقتنعا بأنه غير مرئى دوما، لم يَحْمِ نفسه فقـُتِل. وهكذا، بسبب الافتقار إلى الحكمة، لم يستفيد چيچيس طويلا من فرصته. ومن المحتمل أن الخاتم السحرى كان له، فيما بعد، مالك أفضل، جدير به، استخدمه فى فعل الخير.
أصل شجرة جوز الهند (تاهيتى)
كانت هينا ابنة وحيدة لمالك غنى فى تاهيتى. وكانت فى السادسة عشرة من عمرها بالكاد، غير أن أباها كان قد وضع فى رأسه أن يزوّجها. "اسمعينى، قال لها، لقد دعوت إلى العشاء أميرا غنيا جدا رآك مؤخرا ذات يوم على الشاطئ وقد وقع فى حبك. على وجه الخصوص، كونى بالغة الرقة وأظهرى جيدا كل خصالك. ذلك أنه، لكى تكونى أميرة، لا يكفى الجمال." وعدت الفتاة وأخذت فى الحال ترقص من الفرح فيما كانت تغنى أغنية تتحدث عن زواج الطيور والزهور. وبالطبع، كانت الفتاة تفكر، منذ أن حدثها أبوها عن أمير، فى أمير فاتن. وتخيلته شابا، جميلا، مفعما بالفطنة واللطف. ورأت نفسها بالفعل فى قصر من قصور الأحلام، يخدمها عدد كبير من الخدم وتقيم ولائم دعت إليها صديقاتها اللائى كُنّ يَمُتْنَ من الغيرة. قضت نهارها تنظر فى كل المرايا، وأعادت تسريح شعرها عشرين مرة وغيرت مجوهراتها عشر مرات. وأخيرا عندما اقتربت ساعة العشاء، ذهبت إلى الحديقة لتترقب وصول الأمير. ولم يكن عليها أن تنتظر طويلا، لأن آداب الأمراء تتمثل فى أن يكونوا دقيقين، خاصة عندما يكونون واقعين فى الحب. ولم تكد الشمس تغيب حتى دخلت الميناء سفينة شراعية أرجوانية اللون. دوّت أبواق صدفية بحرية، وتقدم الأمير. وبمجرد أن لمحته هينا شحب لونها وأخذت ترتجف. "ولكن، تلعثمت هينا ... ولكن هذا هو ال... ال..." أبوها الذى بقى إلى جانبها، قال قلقا قليلا: " بالتأكيد، لقد تعرّفت عليه، هذا هو أمير أسماك الأنقليس. أعرف أنه ليس بالغ الجمال، ولكن ثروته ..." لم يكن لدى الرجل العجوز وقت ليقول أكثر. ذلك أن هينا أطلقت صرخة رعب وأخذت تجرى فى اتجاه الجبل. يمكنكم عن حق أن تتصوروا أن أمير أسماك الأنقليس استشاط غيظا. "كيف، زمجر الأمير، تسخر منى. لقد وعدتنى بفتاة لطيفة وديعة، وألتقى بصبية سيئة التربية وتجدنى قبيحا. أنا أجمل أمراء المحيطات..." وجد أبو هينا المسكينة نفسه فى موقف مربك جدا، ولكنْ يجب القول أن هذا الأمير، البالغ الجمال فى نظر أسماك الأنقليس، كان يُفزع أىّ فتاة مهما كانت، برأس سمك المورينا، ويديه الزعنفتين، وجسمه الطويل الذى كان يتموج بلا انقطاع ويلمع فى الشمس. " هذا لن يمر هكذا، صرخ. هذه الصبية سوف تعاقب!" وبينما كان يعود إلى سفينته، كانت هينا تتسلق المنحدرات المغطاة بالشجر، يلاحقها الخوف، ولا تجرؤ حتى على العودة، مقتنعة بأنها مطاردة. وظلت تجرى على هذا النحو حتى قمة الجبل حيث سقطت منهكة وفقدت وعيها. وعندما أفاقت، كان النهار يطلع. وكانت ممددة على فراش من أوراق الشجر، أسفل شجرة ضخمة كانت الطيور تغرد فوقها. وإلى جوارها، كان يجلس رجل عجوز ذو لحية بيضاء وكان يعزف هدهدة على آلة وترية ذات شكل غريب. وعندما رآها تفتح عينيها، توقف العجوز عن العزف وقال بصوت عميق ورقيق: " أنت لا تتعرضين لأى خطر، يا هينا. أنا إله الجبل، وأنت فى حمايتى. لن يجد أمير أسماك الأنقليس أىّ صعوبة فى العثور عليك من جديد، لأن شعرك جميل جدا، وبريقه لامع جدا إلى حد أنه لابد من أن ضوءه يُرًى من المحيط. ولكن إذا جاء ليأخذك فإننى سأدافع عنك." نصفَ مطمئنةٍ، أكلت هينا بعض الفاكهة وتنزهت فى الغابة بصحبة الرجل العجوز الذى كان يحمل فى جنبه سيفا من الصلب. وهكذا مرت عدة ساعات، فى سلام الغابات الكبرى حيث كان النسيم الخفيف يحرك أوراق الشجر فجعل فراشات الشمس ترفرف على الطحالب. ثم إنهما، فيما كانا يجلسان على جذع شجرة على حافة أرض الغابة المقطوعة الأشجار حيث كان ينبع النهر، سمعا دمدمة بين الأدغال. "إنه هو، قال إله الجبل. على وجه الخصوص، ابقى دائما ورائى." ودون أن يضطرب، استلّ سيفه الكبير وسار بخطى ثابتة لملاقاة الأمير الذى كان قد ظهر للتو. "جئت لأبحث عن هينا، صرخ الأمير. أبوها وعدنى بها، فهى من حقى! ـ عُدْ إلى قاع البحار، أجاب الإله. هنا، أنا فى مكانى. وإذا جرؤت على الاقتراب من هذه الطفلة، لن أتردد فى طعنك." استلّ الأمير سيفه، غير أن العجوز كان أسرع منه. أحدث سيفه صفيرا فى الجو وتدحرج رأس سمك المورينا، المقطوع فى الحال، على الأرض. ولم يكن هذا مرعبا. ذلك أنه لم تَسِلْ نقطة دم واحدة واختفى الرأس فى حفرة بينما كان الجسم يقفز إلى النهر ويسبح فى اتجاه البحر. وبينما كان الرجل العجوز يقترب من الحفرة ليهيل عليها التراب، سمعت هينا صوت الأمير الذى كان يقول: "ذات يوم، أيتها الفتاة الصغيرة، عندما ترسل السماء الصواعق ستأتين أنت وأهلك لتقبلونى فى فمى." كانت هينا قلقة، غير أن إله الجبل طَمْأنها قائلا لها أن رؤوس أسماك المورينا، بمجرد قطعها، لا تعود تدرك جيدا ما تقوله. أهال الرجل العجوز التراب على الحفرة، وفى الحال أخذت تنمو شجرة من نوع مجهول تماما، صاعدة بسرعة لتزدهر فى السماء مثل مظلة كبيرة. كانت هينا مذهولة حقا، ولكن دون شك لأنه، مثل كل الآلهة، كان يرى أشياء كثيرة، علق الرجل العجوز بهدوء: "انظرى، هاهى شجرة كاملة النمو. إننى أتساءل بماذا يمكن أن نسميها الآن. ينبغى أن أفكر فى هذا بهدوء." فهمت هينا أن الإله كان يرغب فى أن ينفرد بنفسه ليقوم بعمله، ولأنه لم يكن هناك ما يهددها عادت إلى قريتها. لن أروى لكم غضب أبيها الذى وصل إلى حدّ أن الفتاة أدركت أنها لن تستطيع بعد ذلك أن تعيش تحت سقف بيته. وتزوجت بالتالى فلاحا شجاعا أعطاها، خلال عامين، طفلين رائعين. ولابد أن الطفلين كانا فى الخامسة والسادسة عندما حدث الجفاف الكبير. فرغت الأنهار من الماء. وتوقفت الينابيع عن الغناء. وهجرت الطيور البلاد لتتجه إلى جزر بعيدة. وصارت الصواعق أكثر إحراقا. ومثل كل الأمهات، أصيبت هينا باليأس لأنه كان لم يعد لديها حتى قطرة ماء لطفليها. وعندئذ فكرت فى إله الجبل وقالت لنفسها: "لقد أنقذنى ذات مرة، ولابد أنه قادر حقا على مساعدتى مرة أخرى." جرّت طفليها معها وسلكت طريق الجبل ووجدت الإله جالسا فى ظل الشجرة التى كانت قد رأتها تنمو فجأة من الحفرة. "طفلاك عطشانان تماما، قال الرجل العجوز، وحتى هذا الينبوع جاف. ولكننى سأسقيهما شيئا ما أفضل حقا حتى من ماء أنقى الينابيع." ورافعا رأسه، قال الإله: "يا شجرة جوز الهند، هل تتفضلين بأن ترسلى إلىّ شيئا أروى به عطش امرأة وطفلين؟" ومن أعلى الشجرة أجاب الصوت الأغن لببغاء: "هاهو يا سيدى العزيز. ها هو، ها هو!" وسقطت ثلاث ثمرات كانت تشبه الجوزة قليلا، ولكنها كانت ضخمة. أخذ الإله إحداها وشرح، مشيرا إلى هينا: "كما تريْن، توجد فى قاعدة هذه الثمار ثلاث بقع تشبه إلى حد ما عينين وفمًا. وبحدّ سكينى سأثقب تلك التى تشبه الفم، وستقومين بلصقها بشفتيك وتمتصين." شربت المرأة الشابة طويلا، بينما كان الإله يقوم بإعداد الثمرتين الأخرييْن للطفلين اللذين رويا عطشهما أيضا. كانت هينا عطشانة جدا إلى حد أنها لم تتذكر نبوءة أمير أسماك الأنقليس إلا عندما أفرغت الجوزة. ورغبت فى أن تتحدث عن ذلك مع الإله، غير أنها امتنعت عن ذلك، إلى حد ما بسبب وجود الطفلين. ثم، هناك فى الأعلى، صاح الغراب سائلا: "إذن هل هى جيدة، جوزات الهند؟" وجاء كل الأطفال فى الحال ليرووا عطشهم تحت هذه الشجرة العجيبة. وزرع الناس الكثير جدا من أشجار جوز الهند بحيث كانت هناك بسرعة أشجار جوز هند لكل أطفال تاهيتى.
يبدو أن هناك أشجارا كثيرة لها قصص. وفى الهند سيحدثونك دون شك عن شجرة التين، وفى الياپان عن شجرة الصنوبر، وحول البحر الأبيض المتوسط عن شجرة الزيتون، وفى جبال الچورا عن شجرة التنّوب، كما يمكنك أن تتأكد عند قراءة قصة ’أصل شجرة التنوب‘. وتسعى الشعوب فى كثير من الأحيان إلى تفسير أصل النباتات الأوسع انتشارا فوق تربتها. وعلى هذا النحو، تشغل شجرة جوز الهند مكانة مهمة فى تاهيتى. وتقدم ثمرتها، جوزة الهند، كل أنواع الموارد وكما عرفت فى قصة ’أصل شجرة جوز الهند‘، فإنها يمكن أن تكون نافعة جدا فى حالة الجفاف. غير أن القصص لا تكشف لنا الأصل الأسطورى لشجرة فحسب، بل تقوم أيضا فى كثير جدا من الأحيان بشرح" سلوكها". لماذا لا يجلب بعضها أىّ شيء للبشر؟ وماذا تـُخفى تحت جذعها؟ وفى أفريقيا، هناك شجرة غريبة، الباأوباب، لها أيضا قصة. وهذه الشجرة القليلة الارتفاع قد يصل محيط جذعها إلى عشرين مترا. والواقع، وفقا لأسطورة من مالى، أن هذه الشجرة الضخمة لها سر تكتمه بغيرة شديدة. وينبغى أولا أن نعرف أن للأرنب البرى، فى القارة الأفريقية، سمعة كونه ماكرا، إلى حد ما مثل الثعلب عندنا. إذن، منذ وقت طويل، نام أرنب برى فى ظل شجرة باأوباب. وعندما استيقظ صرخ هذا الحيوان: "ظل شجرة الباأوباب هذه لطيف جدا، ولكن ثمرتها ليست بالتأكيد جيدة بنفس القدر." اغتاظت الشجرة، الساذجة، وتركت ثمرة تسقط عند أقدامه. وغير مكتف بهذا الانتصار الأول عاد الأرنب البرى إلى القول: "لذيذة، ولكننى أفترض أن لُبّ شجرة الباأوباب هذه ليس شهيا بنفس القدر." منفعلة، انفتحت الشجرة المسكينة ببطء. وبداخل الجذع، اكتشف الأرنب البرى لآلئ، وقلائد، وأحجارا كريمة استولى عليها. ومغطاة بالمجوهرات، جذبت زوجته انتباه كل حيوانات الغابة. حسدتها الضبعة على وجه الخصوص على هذا الغنى المفاجئ. الأرنب البرى، الذى كان يحب التفاخر، لم يكتم سره طويلا وأعلن كل شيء. وفى الحال انطلقت الضبعة لتقوم بزيارة لشجرة الباأوباب ومكرت مكرها بدورها. وغير قادرة على الاكتفاء بالعجائب التى كانت الشجرة تحتوى عليها، ألقت بنفسها على اللبّ ذاته لالتهامه. غير أن شجرة الباأوباب، الجريحة، انغلقت وحبست الحيوانة الجشعة. ومنذ ذلك اليوم، حرّمت أشجار الباأوباب نهائيا الوصول إلى لبها، ولم يعد البشر، وكذلك الحيوانات، يعرفون ما الذى تخبئه هذه الأشجار.
جبل الشيطان (المارتينيك)
قبل أن يجد الطريق إلى الجحيم، عاش الشيطان زمنا طويلا على الأرض. وبالطبع فإنه لم يبق غير ملحوظ. ونادرا ما كانت تمر أيامه دون أن يرتكب أحد الشرور، أما أولئك الذين كان عليهم أن يعانوا من جيرته فقد كانوا يتذمرون من ذلك كثيرا. ولكن لا أحد استطاع عمل شيء ضده، وكان العزاء الوحيد لهؤلاء التعساء يكمن فى الأمل فى أن يروا رحيل هذا الوحش العجوز ذى القرنين الذى لا يستقر فى مكان. وإنما على هذا النحو رآه الناس فى كل القارات قارة بعد قارة، مقيما فى السهول، والضفاف، والغابات، والجبال، وحتى فى المدن الكبيرة. ومن فرط ركضه حول العالم وبث سموم خبثه، انتهى إلى أن يشيخ. وصارت الهجمات الأولى للعمر محسوسة لديه فى اللحظة التى اتجه فيها إلى المارتينيك. "هذا بلد هادئ، قال لنفسه. مناخ جميل، حياة سهلة، غير مأهول جدا بالسكان. سأستقر على هذا الجبل وآخذ قليلا من الراحة." تنزه خلال عدة أيام، ثم، بعد أن اكتشف كهفا على قمة جبل مغطى بالشجر ومتوسط الارتفاع، قرر أن يختاره مسكنا له. "فى الوقت الحاضر، قال لنفسه وهو يهرش رأسه وراء القرن الأيسر، ينبغى أن أجد امرأة. وسأنزل إلى أول قرية وأحدد اختيارى." كل الشابات، عندما رأينه قبيحا وعينه مليئة بومضات مثيرة للقلق، اختفين. وثائرا عاد الشيطان إلى مغارته صارخا بأنه سينتقم لنفسه على هذه الإهانة. وبالنسبة له، كان الانتقام الأفضل يتمثل فى أن يجد فتاة جميلة فيقتادها بالقوة نحو مسكنه. ولم يجد صعوبة فى تحقيق مشروعه، لأن الشبان والشابات كانوا يذهبون فى المساء فى كثير من الأحيان ليتنزهوا فى الغابة. وكانت أرتيميز، خطيبة چو، هى التى سقطت لسوء حظها بين اليدين القاسيتين للشيطان. ومنذ أن صار اختفاؤها معروفا، كان كل الناس متفقين على القول أنها صارت مفقودة، وأنه لا شيء ولا أحد يستطيع أن ينقذها، وأنهم لن يروها حية مطلقا. ولكن چو لم يفهم الأمر بهذه الطريقة. ومتأثرا جدا بالحدث، بادر بسرعة وقرر أن يصعد فى الحال ليبحث عن خطيبته. ولأنه لم يقترح أحد أن يرافقه، رحل وحيدا، مسلحا فقط بهراوة ضخمة. وصعد مباشرة نحو الكهف الذى كان يتسرب منه بلا انقطاع دخان أصفر كانت له رائحة الكبريت. وعندما وصل إلى نهاية الأشجار الأخيرة، توقف واختبأ فى الأدغال ليراقب. وكان خائفا بعض الشيء عندما اكتشف أن الشيطان لم يكن هناك وحده. ذلك أن المغارة كان يحرسها ثلاثة شياطين ذوو قرون أيضا، وقبيحة، وكثيفة الشعر. كان الأول يجلس إلى جانب كومة من الأحجار كان يأكلها فيما كان يراقب حوله. وسمعه چو يزمجر قائلا: "دائما أحجار. هذا ليس طعاما. أنا طول الوقت أعانى من جوع فظيع، وكلما أكلت شعرت بوجع فى معدتى." الشيطان الثانى الذى كان منشغلا بالنار كان يقوم بلا توقف بتجميع الجمرات والرماد بذيله. "إلى هذا الحد تعتقد ، قال، أن من الطريف أن يقضى الواحد عمره فى إحراق ذيله ليقوم بعمله!" أما الثالث، فقد رأى أنه من وقت لوقت يظهر من بئر يُخْرِج منها بصعوبة كبيرة دلوا مليئا بالماء المغلى الذى كان يفرغه فى كرنبة ضخمة. "ما أعمق هذه البئر، كان يتأوه. لم أعد قادرا على هذا." فكر چو لحظة ثم جرى مسرعا نحو القرية، ثم عاد يصعد من جديد حاملا على ظهره سلة كبيرة من القنب المجدول. وحاسبا حساب كل شيء، ومتخليا عن هراوته، اقترب من الشياطين الثلاثة بابتسامة عريضة. "لا تقترب، دمدم آكل الأحجار، وإلا ستتحول إلى حجر. ـ انظروا، أجاب چو. أنا لا أريد أن ألحق بكم أىّ شرّ. وقد أحضرت لكم الخبز الذى سيغذيكم أكثر من الأحجار والذى سيكون ألطف لمعدتكم." وألقى إلى الشيطان بأربعة أرغفة ممتازة جيدة التحميص. وأخذ الشيطان يأكل قائلا: "لم يحدث مطلقا فى حياتى أن تناولت وجبة لذيذة إلى هذا الحد." استغلّ چو هذا لكى يمرّ أمامه، غير أن حارس النار سدّ عليه الطريق رافعا حفنة من الجمرات الحمراء. "لا أحد يمرّ من هنا، دمدم. أنقذ نفسك، إذا لم تكن تريد أن تـُنْهى حياتك فى هذه النار." سحب چو من سلته مكنسة جميلة وأوضح للشيطان أنه يمكن تماما أن يجمع الرماد والجمر دون أن يحرق ذيله. أخذ الشيطان المكنسة، سعيدا، مثل طفل أعطاه أحد للتو لعبة غير معروفة، وبينما كان يتعلم كيف يستخدمها، واصل چو تقدمه. ولكن فى اللحظة التى كان يمرّ فيها أمام البئر خرج منها الشيطان الذى يملأ الماء وصرخ: "ماذا تفعل هناك؟ أُخرجْ من هنا وإلا ألقيت بك فى هذه البئر. ـ هذا لن يسهّل عليك عملك، قال چو. أما إذا تركتنى أربط دلوك بهذا الحبل فإنك ستجد صعوبة أقل كثيرا." وأخرج من سلته حبلا طويلا، وربط الدلو به وأوضح للشيطان كيف يتم سحب الماء من البئر. بعد ذلك لم يبق سوى التوجه دون ضوضاء إلى عمق المغارة حيث كانت ترتجف أرتيميز المسكينة من الخوف، بينما كان الشيطان يغط فى نومه على سرير من الرماد المحرق الذى كان يومض داخله جمرات. أما الشياطين التى كانت مشغولة أحدها بسحب الماء، والآخر بالكنس، والثالث بأكل الخبز الطازج، فإنها لم تـَرَ حتى أن چو غادر المغارة وبصحبته خطيبته. وعندما استيقظ الشيطان وبحث عن أسيرته، استشاط غضبا إلى حد أنه، حتى فى القرية، سمع الناس الجبل يهتز. وصار دخان الموقد أكثر هياجا ومزخرفا بألسنة اللهب، ثم ساد الصمت كل شيء. عند عودتهما إلى قريتهما، أقيم احتفال للخطيبين، ولكن، مع هذا، كان الناس ينظرون إلى الجبل بشيء من القلق. "لا تشغلوا بالكم، شرح چو. إذا عرفتم أىّ نار أشعلها فى هذه المغارة لن يدهشكم أن الجبل يستمرّ فى إطلاق الدخان. وأعتقد أنه سيظل يطلق الدخان لوقت طويل أيضا، ولكن سيدهشنى للغاية أن يعود الشيطان للتجول هنا." وبالفعل فمنذ ذلك الزمن لم يعد أحد يلمح على الإطلاق شيطان هذه المنطقة. ويُرْوَى أنه بعد رحيل الشابين، قام الشيطان بضرب الشياطين الثلاثة ضربا مبرحا. ثم، عندما تحدث هؤلاء التعساء عن تركه، جرّهم وألقى بهم إلى الجحيم واستقر معهم إلى الأبد.
فى قديم الزمان، كانت الجبال تـُلهم فى كثير من الأحيان الرهبة والاحترام. ومَنْ ذا الذى كان يجرؤ على الاقتراب من هذه القمم المغطاة بالثلوج والتى تهدد بالأخطار؟ فالانهيارات الجليدية وأنقاض الصخور لم يكن من الممكن إلا أن تفزع البشر. وستار السُّحب الثقيلة والمظلمة؛ ألا يمكن أن يحجب عن نظر البشر الفانين وجود الآلهة أو الشياطين؟ وكان جبل الأولمپ، الواقع بين مقدونيا وتساليا، يعتبر فى نظر الإغريق القدماء مثوى الآلهة التى كانت تسهر، من عليائها، على العالم. وكان الهليكون، فى بويوشيا، مكان إقامة أپولون، والپرناس، بالقرب من ديلف، مكان إقامة ديونيسوس وربات الشعر. وكان العمالقة، والتنانين، تعتصم أصلا بالقمم، بعيدا عن البشر. وفى إقليم بريتانْى، غير بعيد عن كروزون، على جبل مينيز-أرو، عاش الشيطان قديما. وبعد أن حبسته جنية فى مغارة كان يرتفع عويله فى أيام العاصفة. وبالطبع فإنه فى أعلى الجبال كانت توجد أيضا الحيوانات المتوحشة. ومثل الشيطان أو التنانين، كانت الحيوانات تقوم أحيانا بخطف كائنات بشرية. وفى كولومبيا البريطانية أسر دب من نوع الجريزلى شابا هنديا، ويتحدث إسكيمو مضيق بهرنج عن قيام زوج من النسور كانا يعيشان فى جبل بخطف فتاة. وعندئذ صار الجبل ملعونا، مثل ذلك الجبل الذى كان يقيم بالقرب منه چو وأرتيميز، الشابان من المارتينيك. غير أن رجلا شجاعا قرر أن يواجه الحيوانات المؤذية، واستعادت الجبال السلام. ومنذ وقت طويل جدا اختارت نسور عملاقة مأواها على القمم المطلة على نهر يوكون، بالقرب من سوبوتنيسكى. وقد سماها الناس "طيور الرعد"، لأن عيونها تطلق بروقا وتذكِّر ضوضاء أجنحتها بهزيم الرعد. وذات يوم اختفت كل النسور، باستثناء اثنين منها. وقد أقاما وكرهما فى منخفض كبير، يشرف على القرية. ومن هذه الحافة الصخرية، كانا يطيران ويخطفان حيوان رنة، أو صياد سمك، أو طفلا. وبعد ظهر أحد أيام الصيف، توجهت إلى النهر زوجة شابة بينما كان زوجها قد خرج للصيد. وجعلتها ضجة تصم الآذان ترفع رأسها، وانقض عليها طائر وخطفها. وعند عودته، أخذ الزوج قوسه وتسلق صاعدا إلى الأعالى، رغم استنكار أصدقائه. وعندما وصل إلى مكان قريب من الوكر، أظهر الصياد وجوده. اندفع النسران إلى الجو، وأخذا يُعدّان نفسهما للانقضاض عليه. وجرحهما كليهما الصبى الباسل فى أجنحتهما؛ وابتعدا محلـِّقيْن إلى السماء. ولم يعد يراهما أحد فى المنطقة مطلقا. وصار الجبل اليوم مقصدا للنزهة.
الحبوب السحرية (مدغشقر)
كان راڤوهيمينا ملكا يملك مساحات واسعة من الأراضى وثلاث زوجات. وكانت هذه الزوجات الشابات الثلاث ثلاث أخوات، وكُنَّ بنات أمير كان يفضل المال على طفلاته وكان قد قال للملك: "أريد حقا أن أزوجك ريفاران، أجمل بناتى، ولكن يجب أن تشترى الأُخرييْن، رايوتڤو وليشو." ولأن الملك كان مولعا جدا بريفاران فقد قبل الصفقة، ولكن لا حاجة إلى أن أقول لكم أنه لم يهتم إلا بتلك التى أحبها. وكانت الأُخريان تعانيان الإذلال، وشيئا فشيئا ملأ الحقد قلبهما. مرت أعوام عديدة دون أن تمنح الملكة الشابة زوجها وريثا. وبطبيعة الحال فرحت الأختان بذلك قائلتين لبعضهما أنه إذا كان يريد أن يترك مملكته لابنٍ فإن راڤوهيمينا سيكون مجبرا، عاجلا أو آجلا، على استدعاء قرينتيه الأُخرييْن. غير أن ما كانت تجهله هاتان الزوجتان هو أن الملك كان ساحرا إلى حد ما. والواقع أنه، عشية سفره فى رحلة بعيدة، أعطى خمس حبوب لريفاران التى ابتلعتها. أبحر الملك وبعد رحيله بخمسة أشهر فقط، أنجبت زوجته خمسة أطفال رائعين. "حتما، قالت رايوتڤو لليشو، ليست لدينا فرصة. ماذا يمكننا أن نفعل الآن؟ ـ أنا أفكر فى هذا منذ عدة أيام، أجابت ليشو التى كانت الأكثر قبحا والأكثر مكرا. وقد ذهبت لألتقى بساحرة أعطتنى ما يلزم لتخليصنا من الأم وكذلك من الأطفال." وفيما كانت تتكلم أخرجت من كيس الچوت خمس خِرَق قديمة قذرة وقارورة ضئيلة الحجم تحتوى على سائل مائل إلى الصفرة. وأخذت أختها تضحك قائلة: "ماذا تريدين أن تفعلى بهذه الخِرَق الرثة؟ لقد سخرت منك ساحرتك. ـ أبدا. إنك أنت البلهاء. الخِرَق الخمس ستأخذ مكان الأطفال فى مهدهم. إنها خِرَق سحرية. وهى مشبعة بمادة عطرية تصيب العقول بالاختلال وتؤدى إلى أن لا يستطيع أحد أن يعثر من جديد على أثر. حتى الكلاب ستكون عاجزة عن تتبُّع الطريق الذى سنكون سلكناه بالمولودين الجدد. أما القارورة فإن ريفاران، إذا صببنا محتواها فى شرابها ستتحول إلى قردة من نوع الماكى." لم تصرّ رايوتڤو على رأيها. وأخذت تنظر إلى ليشو بكثير من الإعجاب ولكن أيضا بشيء من الخوف. ولأنه كان من العبث أن تعتقد أنها ذكية جدا فقد فكرت مع ذلك فى اللحظة التى سيعود فيها الملك ويكون عليه أن يختار محظية جديدة من بين زوجتيه. ومع هذا ساعدت أختها على تحقيق الخطة التى كانت قد وضعتها. ومنذ حلول الليل، ذهبتا دون إحداث ضجة إلى الكوخ الذى كانت تنام فيه الملكة وأطفالها. قامتا بصبّ محتوى القارورة فى الكأس الذى تشرب منه ريفاران، ثم أخذن الصغار الخمسة ووضعنهم فى سلة ضخمة. وبعد أن وضعن الخِرَق فى المهود، حملن السلة إلى شاطئ النهر وتركنها تبتعد مع مجرى التيار. وفى صباح اليوم التالى، عندما دخلت الخادمات الكوخ الملكى، استولى عليهن الرعب لرؤية قرد الماكى وهربن منه وسلكن مسرعات طريق الغابة. وكانت الملكة وأطفالها قد اختفوا. وبالطبع، أجرى وزير الشرطة بنفسه تحقيقا. وتمّ تعبئة كل السكان من أجل مطاردة واسعة، وذلك بلا نتيجة. وبكت رايوتڤو وليشو كثيرا جدا إلى حد أنه لم يكن لدى أىّ شخص أدنى شك. بعد هذا بسنة، عندما عاد الملك من رحلته، استشاط غضبا. وتم إرسال كل الوزراء إلى السجن وحلّ محلهم رجال سياسيون غير أكفاء مثلهم وغير أمناء مثلهم قاموا بتحريات وتفتيشات لم تـُعْطِ نتيجة أكثر. ولا شك فى أن الملك كان يوشك على اعتقالهم أيضا عندما تم إبلاغه بأن أحد العبيد أراد أن يتكلم معه فى موضوع قرينته. قرر الملك أن يستقبله، وقال العبد: "أيها الملك العظيم، كنت منهمكا فى قطع الشجر فى الغابة، عندما نادى علىّ قرد من نوع الماكى من فوق شجرة ليلومنى على قيامى بقطع شجرتك. وعندما أجبته بأنك أرجعتنى من رحلتك، ادّعى هذا القرد أن اسمه... انتظرْ قليلا حتى أتذكر اسمه... ريفا... ريفارا... ـ ريفاران! صرخ الملك." ـ نعم، هذا هو. ريفاران." اندفع الحراس عندئذ لقطع رأس العبد، غير أن الملك أوقفهم وقال للرجل: "اصطحبنى إلى ذلك القرد. إذا كان ما قلته صحيحا، سوف أعيّنك رئيسا للوزراء وسأعطيك كل الوزراء الحاليين عبيدا لك." توغلوا فى الغابة وعندما وصلوا إلى أسفل شجرة نحيلة وعالية جدا، قال العبد مشيرا إلى الشواشى: "انظر، أيها الملك العظيم، قرد الماكى دائما هناك." وبالفعل كان القرد يستقرّ فى قمة الشجرة. "إذا كنت ريفاران، صرخ الملك، أعطينى دليلا على هذا. ـ إذا لم أكن ريفاران، صرخ القرد، فإن هذه الشجرة ستبقى كما هى." وفىالحال، انحنت الشجرة مثل عُشْبة لينة ولمست شواشيها الأرض عند أقدام الملك. وكانت هناك عندئذ سحابة صغيرة من التراب، ولم يكن ما خرج منها قردا، بل الملكة، أكثر شبابا وأكثر جمالا من أىّ وقت مضى. وكانت هناك دقيقة من سعادة عظيمة سرعان ما أظلمت عندما تذكروا الأطفال الخمسة. ولأن الملك تحدث عنهم، قال العبد: "تعالَ معى. أعتقد أننى أعرف أين يوجد أبناؤك." ساروا جميعا إلى أن وصلوا إلى بيت فى الغابة يعيش فيه حطاب عجوز قدم لهم الأطفال الخمسة فى أكمل صحة. "وجدتهم صغارا جدا داخل سلة جرفها النهر، قال الحطاب." فى تلك اللحظة، تدخل رئيس الوزراء ثائرا: "وأنت لم تقلْ شيئا مطلقا. مع أن كل الوزراء نشروا فى كل مكان خبر هذا الاختفاء. ـ أنا، قال الرجل العجوز، بمجرد أن سمعت وزيرا يتكلم رفضت أن أسمع، لأنه ليس عندى وقت أضيعه." كان الوزير على وشك أن يضرب الحطاب عندما تدخل الملك معلنا: "هذا الرجل حكيم. يا حراس، اعتقلوا كل حكومتى. منذ الآن، سيحكم هذا العبد وهذا الحطاب." ثم استدار ونظر إلى ليشو ورايوتڤو وصرخ: "أما أنتما فأنا أعرف أىّ دور لعبتما فى كل هذا. وعندى سلطة معاقبتكما وسأستخدمها. ـ كيف، صرخت الأختان، لكننا لم نفعل شيئا." اقترب الملك من ليشو، وسألها: "هل تستطيعين أن تقولى لى ماذا فعلتِ بقـُرْط الأذن الذى ينقصك؟" اضطربت ليشو وغمغمت: "سُرِق منى... ذات ليلة... فى كوخى... ـ اسكتى، صرخ الملك. لقد وجدته منذ قليل. خذى، ها هو. كان فى السلة التى وضعتِ فيها أبنائى لتتركيهم يذهبون مع مجرى النهر." جثت الأختان على الرُّكَب وتوسلتا للملك أن يعفو عنهما. ولكن العاهل رفض أن يسمع شيئا. وناطقا ببعض الكلمات التى لم يفهمها أحد، رسم على الرمل، بطرف عصاه، خطوطا غريبة كانت الأختان تنظران إليها برعب. نظرتا لحظة، وتحولت ليشو إلى جرادة بينما تحولت أختها إلى قرد من نوع الماكى. وانفجر الجميع ضاحكين، عندما أخذت الجرادة تتقافز، والقرد يطاردها راغبا فى أن يأكلها.
عندما تتصفحون بسرعة مجموعة من الأساطير المالاجاشيية [المدغشقرية] ستكتشفون شخصيات عديدة تحولت إلى حيوانات. وعلى سبيل المثال فإن إيتسيهيتاناتسو، الابن الأكبر لرجل غنى، سافر ذات يوم إلى الغابة. فماذا حدث له بالضبط؟ لا أحد يعلم. ربما استخدم، دون أن يعلم، شيئا محرما؟ لقد تحول المسكين بشكل نهائى إلى حيوان. وتاه فى الغابات، مفزعا كل أولئك الذين التقوا به. كم من الناس عرفوا مثل هذا المصير المرعب؟ فى اليونان سوف يحدثكم الناس عن أتلانتا وهيپومين، اللذين تحولا إلى أسدين، وأيضا عن أراشنيه، المطرزة الشهيرة، التى ـ بعد أن تحولت إلى عنكبوت ـ تنسج بلا انقطاع بيتها. وفى حكاية ’الحبوب السحرية‘، ظهرت تيمة أخرى، هى تيمة الأختين الغيورتين. وكانت رايوتڤو وليشو أكثر قسوة أيضا من أخوات سندريّون حيث أنهما لم تترددا فى إيذاء ريفاران بالسحر لجعلها تختفى. وفى مدغشقر، كما فى بلدان أخرى، توجد، فيما يبدو، وصفات لقتل الناس الذين يكرههم المرء، أو لسحرهم. والنجاح مضمون إذا توجه المرء أولا إلى ساحر يعرف كل أنواع التركيبات السحرية مثل شراب ما، مصنوع من الشعر، والطين، والشحم، وحطام الغابات. ويكفى بعد هذا تقديم هذا الشراب للضحية القادمة. وقصة ’الحبوب السحرية‘ لا يمكن إلا أن تذكرنا بأسطورة مالاجاشية أخرى، هى أسطورة إيفارا، التى كان مصيرها أكثر مأساوية حتى من مصير ريفاران. أنجبت إيفارا، الزوجة الثالثة للملك أندرياميهامينا، طفلا صغيرا، بعد أن مضى زوجها إلى الحرب بوقت قليل. قامت الزوجتان الأخريان بخطف الطفل الرضيع وذهبن به إلى الغابة وألقين سحرا مؤذيا على أمه، التى ماتت. كبر الطفل فى الغابة، مقتنعا بأنه ليس سوى واحد من العبيد العديدين للملك. وكان يقلقه شيء واحد، اسم أمه. خادمة عجوز، استولت عليها الشفقة، كشفت له عن أصله الحقيقى وأشارت له إلى الناحية التى كانت ترقد فيها إيفارا. وغرس الصبى ساق شجرة فوق القبر. كان يأس أندرياميهامينا هائلا عندما علم بوفاة زوجته الأثيرة. وبمجرد عودته من الحرب، قام بزيارة قبر إيفارا. لكى يخلو بنفسه هناك. وفى تلك اللحظة على وجه التحديد، بدأت ساق الشجرة التى غرسها ابنه تنمو. وتغطت الشجرة التى نمت فى تلك اللحظة بثمار غريبة. وعندما اقترب، اكتشف العاهل أنها كانت لآلئ. أراد أفراد الحاشية الملكية الاستيلاء عليها، غير أن اللآلئ تلاشت فى الحال. عندئذ تقدم طفل وصرخ: "يا أمى إيفارا، أنا ابنك أم عبد صغير؟ إذا كنت ابنك، اجعلى اللآلئ تسقط على هذه الحصيرة." وتغطت الحصيرة باللآلئ. أجبر الملك زوجتيه على الاعتراف بجريمتهن. ومع هذا فقد كان أقل قسوة من راڤوهيمينا؛ فقد اكتفى بطردهما إلى خارج مملكته.
دريوپ (اليونان)
أصدر اليونانيون، الذين كانوا بالغى الحكمة فى كثير من المجالات، قوانين شديدة القسوة بشأن حماية الطبيعة. وقد حظروا إتلاف الأشجار والنباتات من كل الأنواع. وكما فى كل وقت وفى كل بلد، كان فى اليونان أشخاص يسخرون من هذه القوانين وينجحون فى الإفلات من عدالة البشر. ومع هذا، حدث ذات يوم أن تدخلت العناية الإلهية فى الأمر. اعتقدت دريوپ، التى كانت ابنة الملك دريوپس، أن كل شيء مباح، وذات يوم قطعت سيقان زهرة لوتس رائعة لكى تجدل أكاليل أرادت أن تضعها على شعرها. والواقع أن هذه لم تكن المرة الأولى التى تتصرف فيها بهذه الطريقة، ولكنْ، فى ذلك الصباح، استولى عليها الرعب عندما رأت أن السيقان المقطوعة لم يكن يسيل منها النـُّسْغ بل الدم. وكلما كان ماء الحوض الذى عاش فيه النبات يصطبغ باللون الأحمر كانت تصعد نباتات نحو دريوپ التى رغبت عندئذ فى الفرار. صارت النباتات أكثر تحديدا، وقال صوت امرأة بلطف: "لقد جرحتنى، يا دريوپ، أنتِ لم يَعُدْ يمكنكِ الانصراف. ـ ولكنْ مَنْ أنتِ إذن؟ سألت دريوپ مرتعبة أكثر فأكثر. ـ أنا حورية وربما سمعتِ عنى، لأن الناس كانوا يسموننى زهرة اللوتس، وكنت واحدة من الأكثر جمالا بين أولئك اللائى كُنَّ يعشن على شاطئ المياه. ـ نعم، سمعت عنكِ. ولكن بعضهم يزعمون أن إلها ريفيا خطفك. ـ لا، شرحت لوتس. هو لم يخطفنى. فلكى أهرب منه، ألقيت بنفسى فى هذا الحوض حيث تحولت إلى زهرة لوتس... وأنت جرحتنى منذ قليل بقسوة عندما قطعتِ سيقانى. ـ سامحينى، توسلت دريوپ. لم أكن أعرف. ـ ما تعرفينه مع ذلك هو أن من المحظور تعذيب النباتات. ومع هذا فقد فعلتِ ذلك بذريعة أن النباتات لا تشكو مطلقا. لكنك تعرفين أنها تتألم. أنت قاسية، يا دريوپ، ولابد من عقابك." حاولت دريوپ أن تبتعد، ولكن قدميها كانتا وكأنهما مغروزتان فى الأرض. صرخت، وتخبطت، وتمددت على الأرض، ونهضت، ولكن لم يَعُدْ هناك شيء يستطيع أن يتيح لها انتزاع قدميها من الأرض. وشيئا فشيئا، أحست بعرقوبيها، ثم ربلتىْ ساقيها، ثم ركبتيها، ثم فخذيها، تصاب بالشلل. نظرت، ورأت جذعا يرتفع حولها، ببطء، تقريبا ببطء شجرة تنمو. ومجنونة من شدة الخوف، أخذت تصرخ. أختها إيول وابنها أوفيسوس، اللذان كانا أول مَنْ سمعها، أسرعا معتقديْن أنها سقطت فى الماء، ولكنهما عندما رأياها على هذا النحو، متحولة بالفعل إلى شجرة حتى خصرها، أدركا ما حدث وخمّنا أنه لم يَعُدْ هناك أىّ شيء يمكن عمله من أجل إخراجهما من هذه الورطة الفظيعة. "أنا أطلب الصفح من الأشجار والنباتات فى كل الأرض، توسلت. أنا أطلب الصفح من آلهة الغابات. أتعهد بأننى لن أقوم مطلقا بعد الآن بقطع غصن ولا بقطف زهرة، فقط أرجو السماح لى بالعودة إلى بيتى واستعادة حياتى كامرأة." وفى تلك اللحظة وصل أبوها الملك. "أنتِ، قال، ابنة العاهل الذى سنَّ القوانين، وها أنتِ أول مَنْ يزدرى بها. وقد فعلتِ هذا هنا، فى هذا المنتزه لأنك متأكدة من أنه لا رجل شرطة سيراك. هذا سيئ جدا، يا ابنتى. إن آلهة الغابة هى التى قررت عقوبتك. ولا شخص، حتى إذا كان ملكا، يملك لك شيئا. اهدئى. وإذا استمررت تصرخين هكذا وتتلويْن فى كل الاتجاهات، فإنك ستكونين شجرة ملتوية. ارفعى ذراعيك إلى السماء وقِفِى منتصبة القامة. ستكونين على الأقل شجرة جميلة يعجب بها الناس ويمكن أن تعيش مثقلة تماما بالطيور." أطاعت دريوپ. انتصبت فى وقفتها ورفعت ذراعيها إلى السماء ليصيرا فرعين جميلين. واستمر الجذع فى الارتفاع ببطء، ببطء، بينما كانت الحاشية التى احتشدت كلها تغنـِّى أنشودة ميلاد الأشجار: الأرض والشمس على حافة المياه العميقة لهما فنّ لا مثيل له تحت الضوء الأشقر من أجل منحنا شجرة الجنة... وعندما توقف الغناء، كان الجذع قد غطى بالفعل كل الجسم. وبقى الوجه فقط مرئيا واستطاعت دريوپ أن تغمغم: "أرجو أن يصطحب الناس الأطفال كثيرا ليلعبوا فى الظل الذى ستمنحهم إياه أغصانى. أرجو أن يبنى الناس هنا مقعدا حجريا للعشاق. وخصوصا، فليقلْ الناس للصغار وللكبار أنهم لا ينبغى مطلقا أن يقطفوا زهرة ولا يقطعوا شجرة." وأخذ كل أصدقائها يحتضنونها بحنان، ثم انغلق الجذع على وجهها، تاركا فقط ثقبا صغيرا ضئيلا يرى الناس من خلاله، من بعيد لبعيد، دمعة ما تزال تتلألأ.
أضمرت بعض الشعوب منذ وقت طويل إجلالا للأشجار، وكان لمس الأشجار أو قطعها بمثابة تدنيس للمحرمات. وكان يُحكم على مَنْ يرتكب مثل هذا الفعل بالموت. وكان الناس يعتقدون أن الأشجار مِلك للآلهة. وفى اليونان، كانت أثينا تملك شجرة الزيتون، وكانت أتيس تتماثل مع شجرة صنوبر، وكان يجرى تفسير حفيف أشجار البلوط فى دودونه Dodone على أنه صوت الإله زيوس. وهذا هو السبب فى أن دريوپ عوقبت عقابا صارما: إنها لم تحترم شجرة الحورية لوتس. وكان يتم إجلال أشجر البلوط بصورة خاصة. وعلى هذا النحو، تصور الغاليون أن نبات الهدال، الذى كان قطفه مناسبة لاحتفالات كبيرة، يدلّ على وجود الإله. وبعد التضحية بثوريْن أبيضيْن، تسلق درويد [= كاهن غالى] الشجرة، وفى يده منجل من الذهب. وعندئذ تم وضع الهدال داخل شبكة بيضاء. وفى ليتوانيا يُرْوَى أن مطرانا، فى القرن الثالث عشر، أمر بقطع شجرة بلوط مقدسة. وجرحت البلطة الرجل الذى تم تكليفه بهذا العمل جرحا قاتلا. وحاول المطران بدوره، ولكنه كان مضطرا لإحراق الشجرة، لأن الحديد لم يقطعها. ولكن الأشجار لم تكن فقط الشاهدة على وجود الآلهة، بل كانت حياتها مرتبطة أيضا بحياة البشر. وكان المالاجاشيون يعتقدون أنه توجد صلة وثيقة بين الكائنات البشرية والنباتات. وقبل أن يبدأ رحلة، توجه شاب إلى أمه بهذه العبارات: "هذه أشجار موز الجنوب. انظرى إليها كثيرا. إذا ذبلتْ فإننى سأكون فى خطر، وإذا ماتت فإننى سأكون ميِّتا." كان مصير الصبى ومصير أشجار الموز واحدا. ومن جهة أخرى نجد أيضا هذا الاعتقاد لدى شعوب أخرى وبصورة خاصة لدى الهنود الأمركيين. وفى الميثولوچيا الإغريقية، لقى عدد من الأبطال مصير دريوپ. ومع هذا فإن التحول، إذا كان يمثل فى أحيان كثيرة جدا عقابا، كان يمكن أيضا أن يكون مكافأة. ويوضح لنا الشاعر اللاتينى أوڤيد هذا عندما يروى مغامرة بوسيس وفيليمون. ذات يوم، هبط چوپيتر وميركورى من جبل الأوليمپ، فى صورة بشر فانين عاديين. وتوقفا فى قرية فى فريچيا لكى يحصلا على قليل من الراحة. ظلت الأبواب مغلقة أمام نداءاتهم. وأخيرا قبِلَ زوجان أن يعرضا عليهما الضيافة فى تلك الليلة. ورغم فقرهما قام بوسيس وفيليمون بإعداد وجبة عامرة. ولكن دهشتهما كانت بالغة، وكذلك رعبهما، عندما رأيا أن النبيذ يرتفع وحده فى الكؤوس. وعندما أدركا أنهما فى حضرة إلهين، تضرعا إليهما أن يغفرا لهما تقديم هذا الطعام غير اللائق بهما. ولكى يشكرهما، طلب زيوس من مضيفيهما أن يطلبا طلبا. عبّر الرجل والمرأة عن تمنيهما أن لا ينفصلا أبدا وأن يصيرا كاهنيْن. عندئذ جعل چوپيتر كل مساكن القرية تختفى تحت الماء ولم يستثن سوى مسكن بوسيس وفيليمون؛ وانتصب معبد فى ذلك المكان. وبعد ذلك بأعوام طويلة، عندما وصلا إلى عمر متقدم، تغيَّر الكاهنان، على تخوم معبدهما، إلى شجرة بلوط وشجرة زيزفون. وكان الزوّار يأتون قديما ويعلقون الأكاليل على أغصان هاتين الشجرتين المقدستين.
غابة الآس الصغيرة (إيطاليا)
كانت بلدة جرداء، بلا أشجار، تسحقها الشمس وتجلدها الرياح الحارة بلا انقطاع، ويملـِّحها البحر. وفى قرية صغيرة كان يعيش فيها بعض صيادى السمك، كان يوجد خزاف اسمه لويچى. وكان عمره خمسة وعشرين عاما وكان متزوجا، منذ أكثر من ستة أعوام، من چينا، التى كانت حسناء سمراء وفى نفس عمره بالضبط. وقد أحبّ الخزاف وزوجته بعضهما البعض كثيرا، وكان يمكن أن يكونا سعيدين جدا لو كان لهما طفل. كانت هذه رغبتهما الكبيرة، ولكنهما، منذ زواجهما، انتظرا دون جدوى. كانت چينا حزينة للغاية وعندما كان لويچى لا يحتاج إليها فى طلاء الأوانى الخزفية والقصعات التى يقوم بتقليبها، كانت تذهب وتجلس فى ظل بيتها، وتبقى ساعات بلا حراك، شاردة النظر فى اتجاه الجبل الأجرد الذى لم تكن تنبت عليه سوى بعض الأعشاب الضارة التى سرعان ما كانت تصفرّ من الشمس. "أنتِ مثلى، كانت تقول للأرض، أنتِ عاقر. أنتِ لا تنبتين أبدا أصغر شجرة." غير أنه، ذات صباح، فيما كانت مستغرقة فى التأمل على هذا النحو، رأت چينا نبات آس صغير جدا يسقط عند قدميها. نظرت إلى السماء ولم تجد الوقت إلا لتلمح طائرا جميلا متعدد الألوان كان يطير بسرعة شديدة واختفى فى الحال وراء الجبل. وكان للنبات ثلاث سيقان أوراق وكل جذورها التى كانت ما تزال تحتفظ بقليل من التربة السوداء الجيدة الطرية. أسرعت چينا إلى حفر حفرة على بعد عدة أمتار من بيتها، وغرست فيها الآس وذهبت تبحث عن الماء لترويه. لويچى، الذى جاء ليرى، قال لها أنه فى بلد مثل هذا، لا توجد أىّ فرصة لبقاء الشجيرة حية، ولكن المرأة الشابة تشبثت برأيها. وفى كل مساء وكل صباح، كانت تجلب الماء وتروى شجيرة الآس التى أخذت تكبر وسرعان ما كانت لها أزهار. مرت عدة مواسم وذات يوم رأى الأمير الشاب إنريكو، الذى كان يتنزه ممتطيا حصانه، شجيرة الآس وقال: "عجيب أنكما استطعتما جعلها تنمو. لا أحد، فيما تعى ذاكرة الأحياء، رأى شيئا كهذا مطلقا فى هذه المنطقة. وأنا أودّ ان تكون هذه الشجيرة بجوار قصرى. كم تريدان؟ ـ كنا نودّ للغاية إرضاءكم، قالت چينا، ولكننا ارتبطنا بشجيرة الآس هذه وكأنما بطفل. ولا نريد أن نفترق عنها مقابل أىّ شيء على الإطلاق." الأمير، الذى كان يفهم هذا الشعور جيدا جدا، تأمل لحظة ثم قال: "سأقترح عليكما اقتراحا: أنتما تأتيان لتقيما فى قصرى، وننقل شجيرة الآس إلى هناك. وعندى، يستطيع لويچى أن يصنع ويحرق منتجاته الخزفية، ولن يكون عندك أىّ قلق بشأن المال." وانتظروا عيد القديسة كاترين مراعاة للقول المأثور: "كل ما يُزرع فى عيد القديسة كاترين يمدّ جذوره"، وانتقلوا من البيت. اقتلعوا الشجيرة مع اتخاذ إجراءات كثيرة جدا تاركين فيها كتلة كبيرة من التربة، ثم أعادوا غرسها أمام القصر. وهناك، لأن چينا كانت ترويها، وكذلك الأمير، بعناية دائما، واصلت نموها بسرعة أكبر، حتى اليوم الذى لاحظوا فيه أن شجيرة الآس كانت تسكن بداخلها فتاة جميلة. "كما تريْن، قال الأمير لچينا، أنت وزوجك تتألمان لأنه ليس لديكما طفل، ولديكما الآن ابنة. بماذا تريدان تسميتها؟" دون أن يتردد، قال الخزاف: "سوف نسميها ميرتا [= الآس]. ـ إذن، قال الأمير، إذا وافقت ميرتا على هذا، سأطلب منكما يدها." قبلت ميرتا ووالداها، وفى الحال عرف الناس خبر خطوبة الأمير وابنة الخزاف. ولأن الأمير كان شابا، وسيما واسع الثراء، كانت كل شابات البلاد يحلمن بالزواج منه. وكان غضبهن شديدا فقمن باستغلال يومٍ خرج فيه الأمير للصيد وذهبن إلى القصر لقتل ميرتا. وبعد تقييد لويچى وزوجته، قمن بالتفتيش فى كل مكان، وحطمن عددا كبيرا من الأشياء وخاصة من الأوانى الخزفية، غير أنهن لم يجدن أحدا. وبعد ذلك قمن ـ لأنهن يعرفن أن الأمير كان يحبّ شجيرة الآس المغروسة أمام قصره ـ بالانتقام منه فكسرن كل أغصانها. وبمجرد اختفائهن، خرجت ميرتا من جذع الشجرة حيث كانت قد اختبأت وسارعت إلى تخليص والديها. "يا إلهى، قالت چينا عندما رأت الشجرة مقطوعة الأغصان، كم سيعانى زوجك من الحزن! ـ لا تقلقى، يا ماما، هذه الشجرة ستنمو من جديد، وستأتى لتلحق بها أشجارأخرى كثيرة. فلنذهب، تعالِى، أنتِ ستساعديننى. عند قيامهن بقطع أغصان شجرتى، لم تتصور هؤلاء الشابات الشريرات أنهن يعطين إياكما أطفالا كثيرين." والتقطت المرأتان كل ما كان قد تكسَّر، حتى أضأل غصن، وأقامتا مشتلا وأخذتا ترويان الشتلات كما كانت چينا تروى شجيرة الآس الأولى. بعد ذلك بستة أشهر، عندما كانت تقام حفلات عرس ميرتا و إنريكو، كان المدعوون مذهولين برؤية غابة صغيرة جميلة من أشجار الآس أمام القصر. وانتزع كل واحد منهم غصنا صغيرا لكى يغرسه، ومنذ ذلك الزمن صارت هذه البلاد دائما خضراء ومزهرة.
تستلهم هذه الحكاية قصة للمؤلف الناپوليتانى باسيلى Basile، وهى قصة La Mortella [= شجيرة الآس] التى أعاد تناولها العديد من الكتاب. ومن المحتمل أن أشهر إعادة رواية لها هى رواية الشاعر الألمانى كليمنس برينتانو Clemens Brentano وهى La Demoiselle au myrte [= فتاة الآس]. وكانت چينا ووالداها يمثلان هنا الخير والنقاء فى مواجهة الشر، الذى ترمز له الشابات الغيورات. وبالطبع، كما يحدث فى كثير جدا من الأحيان، يخرج الخير من هذا الصراع منتصرا. ومن الواضح أنه توجد فى هذه القصة تيمات أخرى. هكذا كان الخزاف وزوجته يتمنيان بشدة طفلا. ولعدم وجود طفل، قدم لهما الطائر نباتا صغيرا من الآس تشبه حياته النباتية حياة طفل رضيع. وبالإضافة إلى هذا، وكما شهدنا من خلال أساطير أخرى، فإن الشجرة تخفى أحيانا كائنا بشريا. ووفقا للمعتقدات الشعبية، لم تكن النباتات مسكونة فقط بآلهة، بل كان يمكن أيضا أن تكون مسكونة بالبشر أو بأرواح الموتى. وفى ليتوانيا، كان الناس يعتقدون أن مصيرهم مرتبط بمصير الأشجار. فإذا مات رجل وفضـَّلتْ شجرته بعد ذلك أن لا تجفّ، كان ذلك يعنى أن روح المتوفى موجود فيها. وفى بعض الأحيان، كانت الآلهة ذاتها تقوم بتحويل كائن إلى شجرة، ولكنْ كان على هذا الكائن أن يواصل الحياة تحت الجذع. وربما عرفتم قصة بلندا. كانت هذه المرأة الشابة تملك قدرة غريبة. كانت قادرة على ولادة أطفالها عن طريق يديها وعن طريق قدميها. وحسدتها الأرض وذات يوم فيما كانت بلندا تسير فى مرج رطب، انغرزت قدماها فى التربة؛ وتحولت المرأة الشابة إلى شجرة صفصاف. وفى إقليم پروڤانس، يجرى الحديث أيضا عن كاهن عجوز تحول أيضا، مثل بلندا، إلى شجرة صفصاف. وحفيف اأشجار... ألا يذكِّرنا بالغمغمات أو التأوهات؟ ألا يكون كائن سجين فى الشجرة هو الذى يعبِّر عن ألمه على هذا النحو؟ ربما فسرت هذه الصرخات، وهذه التوجعات، الإجلال الذى كان يُكِنـُّه الناس قديما لأشجار البلوط والصفصاف وكل أصناف النباتات. وحسب أسطورة برازيلية، أنجب جثمان طفل نباتا، أو على الأقل صار الطفل نباتا بعد موته. ووضعت ابنة رئيس قرية طفلا جميلا جدا حظى بإعجاب الجميع. كان اسمه مانى. وا أسفاه! مات الطفل مع نهاية عام من عمره، دون أن يكون مريضا. ويائسة، رغبت أمه فى أن تدفنه بالقرب منها، داخل كوخها. وأسرفت كثيرا فى العناية بالقبر الصغير، وكما تقتضى عادات القبيلة، كانت تروى القبر فى كثير من الأحيان. وفى ذلك الحين نبت نبات فوق القبر. وصار النبات عاليا وأعطى ثمارا، ثم انشقت الأرض. وبعد أن تردد الناس وقتا طويلا، حفروا واكتشفوا جذورا. ومقتنعين بأن جثمان مانى قد أنبت هذا النبات، منحوه اسم مانى-أوكا. وعندنا نقول مانيوكا [= المانيهوت].
لؤلؤة الغابة (إسپانيا)
كان العجوز جومارى رجلا شديد الغموض. وكان يقيم فى منزل ضخم،، منخفض وواسع، وظهره إلى الغابة. وكان باب منخفض، ونافذتان ضيقتان، هى الفتحات الوحيدة فى الواجهة الحجرية الرمادية التى كانت تجعل المرء يفكر إلى حد ما فى جدار سجن. وعندما كان يحضر زائر، كان جومارى العجوز يخرج ويتكلم على الباب أو يستقبل المتطفل تحت عريش يوجد فى منتصف حديقته. ويُحكى أنه كان غنيا وأن مَنْ يتزوج ابنته سوف يرث ثروة كبيرة. وحضر فى ذلك الحين طـُلاب زواج عديدون، غير أن العجوز البخيل كان يرفض استقبالهم قائلا: "تريسا لن تتزوج إلا فتى لا يكون كل ما يريد من الزواج هو مالى المكتنز. وأما مَنْ يأتون بدافع الطمع فأنا خبير بهم. إننى ذكى جدا. وأنا أحس بكم قادمين من بُعد عشرة فراسخ!" ولأن هذا العجوز لم يكن من أولئك الذين يمكن أن يتناقش المرء معهم، فإنه لا أحد جرؤ على الإلحاح عليه. ومع هذا، كان المزيد والمزيد من طـُلاب الزواج يرون تريسا عندما كان يصطحبها أبوها، يوم الأحد، إلى القداس. وبعد ذلك فذات صباح لم يَعُدْ أحد يرى تريسا. لمَّح أبوها إلى أنها متعبة. ولكنْ، لأنه لم يتم استدعاء طبيب مطلقا، فمع نهاية عدة أسابيع، تساءل أغلب الناس عما إذا كان الرجل العجوز قد حبسها. وبصورة مبهمة صار الموضوع هو إبلاغ السلطات، غير أنه لم يجرؤ أحد على أن يفعل ذلك. ومع هذا، كان هناك، فى القرية، ولد اسمه فيديريجو وكان كل الناس يعرفونه لأنه كان فى وقت واحد الأجمل والأفقر. وكان يتم استئجاره كعامل باليومية لقطع الأشجار واقتلاع اليابسة منها. وكثيرا ما رغب هو أيضا فى أن يذهب ليطلب يد تريسا، ليس أبدا من أجل مال أبيها، بل لأنه كان غارقا فى حبها. ولم يكن يجرؤ على الاقتراب من العجوز جومارى ولا من ابنته، ولكنْ، منذ اليوم الذى اختفت فيه تريسا، صار يتألم إلى حد أنه سرعان ما فقد الشهية والنوم. وفى كل ليلة، كان يأخذ فى التجول حول منزل العجوز البخيل، راجيا دائما أن يسمع نداءً من تلك التى اعتقد أنها محبوسة، غير أن المسكن الكبير ظل صامتا. وبعد عدة أسابيع، لم يَعُدْ فيديريجو يتحمل فاستجمع كل شجاعته وذهب ذات صباح يطرق الباب. "ماذا تريد، سأله العجوز. العمل؟ لا أحتاج إليك فى هذه اللحظة، كل أخشابى تم تشوينها." احمرّ الصبى خجلا، وبصوت غير واثق أجاب: "لا يا سيد جومارى، إن ما جئت لأطلبه منك... هو يد ابنتك..." بدأ الرجل العجوز بالانفجار فى قهقهة عالية خططت وجهه النحيف بتجاعيد عميقة. ثم، متوقفا فجأة، بدا مذهولا. "حقا، قال... حقا... هل يكون هذا بالصدفة..." سكت. ومتحيرا جدا، سأل الولد نفسه عما يمكن أن يكون قد حدث فى رأس العجوز الذى ظل يتأمل وقتا طويلا قبل أن يعلن: "على كل حال، أنت بالتأكيد ولد أمين ومجتهد فى العمل. ليس عندى ما ألومك عليه وأعتقد جدا أننى سأوافق على طلبك إذا كانت ابنتى ما تزال هناك. فلسوء الحظ، لأننى استأت جدا من كل طـثلاب الزواج هؤلاء الذين لم يكونوا يريدون من الزواج إلا مدخراتى، أرسلتها لتعيش فى الغابة. وإذا استطعت أن تجدها، وإذا أحبّتك، فسوف أبارك زواجكما بكل سرور." وفجأة، مجنونا بالفرح، انصرف فيديريجو، الذى كان يعرف الغابة أفضل من أىّ شخص، راكضا وكأنما يطارده سرب من الزنابير، ونظر إليه الرجل العجوز وهو يختفى، قائلا لنفسه أن ذلك الولد سوف يجعل ابنته سعيدة بالتأكيد. جرى الحطاب الشاب حتى الليل دون أن يلتقى بأىّ شيء سوى الحيوانات التى كان قد اعتاد رؤيتها عندما كان يذهب لقطع الأشجار. وسأل كل حيوان منها: "ألم تَرَ شابة سمراء جميلة جدا؟" وكانت الحيوانات تنفى بهزّ رأسها، مع إحساس بالدهشة. قضى فيديريجو الليل تحت شجرة بلوط، ومع الأضواء الأولى للنهار، أخذ يبحث من جديد. ولأنه لم يذهب بشيء يأكله، كان عليه أن يكتفى ببعض الفطر وبعض الكستناء. والحقيقة أن الجوع كان يؤلمه أقل كثيرا من رغبته فى اكتشاف تلك التى كان يحلم بها منذ وقت طويل جدا. وعندما وصل إلى جوف وادٍ كانت نباتاته كثيفة للغاية وكان يجرى فيه نبع يعرفه جيدا لأنه كان يشرب منه فى كثير من الأحيان، وجد فيديريجو نفسه فجأة وجها لوجه أمام عملاق كان يلتقى به أحيانا. "صباح الخير أيها العملاق، قال. أنت عطشان، أنت أيضا؟ ـ لا، بل أريد أن أستحمّ. لقد جئتَ فى وقتك. إننى قوى جدا عبثا، فأنا لا أنجح فى تحريك هذه الصخرة. ـ إذن ماذا تريد أن تفعل بها؟ ـ أريد أن أسدّ مجرى جدول الماء. فهذا سيحجز الماء ويصنع لى حماما ممتازا." وأخذ العملاق يضحك بصوته الغليظ المجلجل الذى كان يبدو أنه يخرج من برميل ضخم. "كما ترى، أنا مستعجل جدا، قال فيديريجو. أنا أبحث عن فتاة اسمها تريسا. ألم ترها؟ ـ لا، لكنْ إذا ساعدتنى، سأعطيك توضيحا ربما سمح لك بالعثور عليها." أخذ الاثنان معا يدفعان الصخرة التى لم يستطيعا حتى أن يزحزحاها. "تلزمنا رافعة، قال فيديريجو. ـ رافعة؟ ما هو هذا الحيوان؟ ـ أنت القوى جدا، اذهب واقطع جذع شجرة وسترى ماذا تعنى الرافعة." العملاق الذى كان أكثر قوة منه ذكاءً، اقتلع شجرة دردار كان جذعها مستقيما جدا، وقطع أغصانها، ثم، بعد أن أدخل طرف الجذع تحت الصخرة، ضغط على الطرف الآخر. ارتفعت الصخرة ونزلت بسرعة على المنحدر لتتوقف عند منتصف المجرى الذى حجز تدفق الماء فيه. "كما ترى، قال فيديريجو. عندما يفكر المرء جيدا، ليس من الضرورى أن يكون قويا." كان العملاق سعيدا جدا بأنه اكتشف الرافعة إلى درجة أنه كان يتكلم بالفعل عن نقل كل صخور البلاد من أماكنها لمجرد متعة رؤيتها تتدحرج. "سوف ننقل كل ما تريد نقله، قال الحطاب. ولكننى أنا، مستعجل... ـ حسنا. سوف تسير بمحاذاة المجرى وبعد ساعة بالضبط من هنا، سترى مغارة تقيم فيها امرأة عجوز منذ عدة أسابيع. وربما استطاعت هى أن تخبرك." قال فيديريجو لنفسه أن العملاق ربما كان يسخر منه، ولكنْ، لأنه مستعجل وليس له خط سير دقيق لتحرياته، اتبع طريق المجرى. وكان طريقه سهلا، لأن الماء، بسبب الصخرة، كان لم يَعُدْ يتدفق تقريبا وقال الصبى لنفسه أنه سيلزم أكثر من ساعة قبل أن يمتلئ حمّام العملاق. وعندما وصل إلى الشاطئ الصخرى الذى قصد إليه حيث انفتح باب المغارة، لمح المرأة العجوز التى كانت تنتحب على الشاطئ قائلة: "يا إلهى، مزيد من الماء، ولكنْ ماذا سيجرى لى؟ ـ لاتقلقى، قال لها، بعد عدة ساعات سيعود المجرى إلى التدفق." نظرت إليه المرأة العجوز دون أن تفهم وكان عليه أن يشرح لها ما حدث فى اتجاه منبع المجرى. وعندما انتهى من هذا، سأل: ألم تَرَىْ شابة سمراء، بالغة الجمال، اسمها تريسا؟" فكرت المرأة لحظة ثم سألت: هل تحب حقا هذه الطفلة، أم أن ثروة أبيها هى ما تطمع فيه؟ ـ أنا أزدرى الكثير من المال. عندى ذراعان متينان، وأنا قادر على أن أجعل امرأة سعيدة دون أن تجلب معها شيئا آخر سوى حبها. عظيم. أوضحْ لى ما أنت قادر عليه، وإذا كنت مخلصا فربما ساعدتك السماء على العثور عليها. طلب فيديريجو إيضاحات دون جدوى، فقد رفضت العجوز أن تقول المزيد. مرت عدة أيام قام فيها الشاب بقطع وتقطيع كمية كبيرة من الأشجار وكوَّمها فى عمق المغارة. وبدأ يتساءل كم من الوقت استغرقت هذه المحنة عندما ـ فى نهاية يوم شاق من جراء حرّ ثقيل وخانق ـ هبّ إعصار مرعب. وعنما مزّق أول قصف للرعد صمت الغابة، وجد فيديريجو نفسه قريبا جدا من المرأة العجوز التى استولى عليها الفزع فاندفعت إلى ذراعيه. وضمها بقوة بالغة إلى نفسه لكى يُطـَمْئنها، وعندما أرخى قبضته، اكتشف أنها تحولت. كانت لم تـَعُدْ عجوزا ولا قبيحة، بل صارت شابة جدا وجميلة جدا. "نعم، قالت، أنا فى الحقيقة تلك التى تبحث عنها، ولكنْ لم يكن لى الحق فى أن أقول لك هذا. ومن أجل تحريرى من المصير الذى ألقانى إليه أبى كان لابد من أن تعانقنى فجأة، مدفوعا فقط بطيبة قلبك. ولكنْ يمكننى أن أقول لك أننى أنا أيضا أحبك منذ وقت طويل. ـ هل تحدثتِ عن هذا مع أبيك؟ ـ لا، قالت. قلت له فقط أن مَنْ أحبه لن يجرؤ أبدا على يأتى ليطلب يدى. ـ هذا صحيح إلى حد ما، اعترف الشاب. ولو لم تكونى قد اختفيتِ، ربما ما كنت لأجرؤ على هذا أبدا." عادا إلى القرية مصطحبين العملاق الطيب، الذى أراد بأىّ ثمن أن يكون شاهد زواجهما، والذى ساعد فيديريجو على أن يبنى قريبا جدا من الغابة، منزلا رائعا حيث عاشا سعيديْن، مُحاطيْن بأطفال كثيرين.
مغامرة تريزا، التى تركها أبوها العجوز جومارى فى الغابة، تيمة متكررة فى الأساطير. وفى نيپال، فـُقدت فى الغابة على هذا النحو سبع أخوات. ومن جهة أخرى فإن قصتهن قريبة جدا من قصة پوسيه الصغيرة، التى تعرفونها جميعا، فقد أنقذتهن الأكثر جمالا بينهن. ولكنْ، فى كثير جدا من الأحيان، يكون لابد، قبل العثور على الطفل المتروك، من الوفاء بشروط عديدة. وقد عمل فيديريجو من أجل العملاق وعانق المرأة العجوز. وكانت تلك هى المهام التى كان عليه أن ينجزها لكى ينجح فى مغامرته. ولو أنه فشل، لما صارت تريسا شابة وجميلة من جديد. وفى إحدى حكايات الأخوين جريم Grimm، حكاية الإخوة الاثنى عشر، توضع فى الامتحان فتاة صغيرة. فلكى تجد إخوتها، كان عليها أن تلزم الصمت طوال سبعة أعوام. كان لملك وملكة اثنا عشر ابنا، ولكن أباهم كان يودّ أن تكون له ابنة. ونذر على نفسه نذرا قاسيا: أن يضحى بكل أبنائه لكى يحصل على ابنة. وعند ولادة أختهم، قام الأبناء، بتنبيه من أمهم إلى نوايا الملك، بإنقاذ أنفسهم بالهرب إلى الغابة. وأقاموا فى بيت صغير فى أعماق الغابة. وفى القصر كبرت أختهم. وذات يوم، اكتشفت اثنى عشر قميصا. وحائرة، سألت الملكة التى حكت لها القصة الحزينة لإخوتها. رحلت الشابة للبحث عنهم، ولحقت بهم، وبقيت إلى جوارهم. وا أسفاه! وا أسفاه! إن هذه الحياة الوادعة لن تدوم إلا قليلا من الوقت. فذات صباح، فيما كانت الأميرة تتنزه فى الحديقة، قطفت اثنتى عشرة زهرة زنبق. وفى الحال تحول إخوتها إلى غربان وطاروا. واختفى البيت والحديقة فى حين ظهرت فجأة امرأة عجوز، وقالت لها: "إذا أردتِ الالتقاء بإخوتك مرة أخرى، عليك أن تبقى صامتة طوال سبعة أعوام، ولا تضحكى أبدا." أخذت التعيسة تقتفى الأثر، عاقدة عزمها تماما على أن لا تتكلم طوال سبعة أعوام. وبعد ذلك بوقت قليل، كان يتنزه فى الغابة أمير، ورآها.. وتزوجها. وأثار هذا الزواج غضب الملكة الأم. فلا يمكن أن تليق خرساء بابنها. أيضا، وخلال أعوام عديدة، استخدمت كل الوسائل من أجل تشويه سمعة زوجة ابنها. وكانت عنيدة إلى حد أنها وصلت إلى أهدافها. أما الزوجة الشابة، التى لم تسعَ حتى إلى الدفاع عن نفسها، فقد كان لابد من حرقها حيّة. وفى مساء يوم العقاب، فيما كانت ألسنة اللهب تلمس بالفعل ملابسها، حطَّ اثنا عشر غرابا بالقرب من المحرقة. وتحولوا إلى اثنى عشر شخصا. وهكذا تم تحرير الزوجة الشابة على أيدى إخوتها. وكانت الأعوام السبعة من المحن تنقضى فى تلك اللحظة.
الراعية والأمير (فرنسا)
كانت آديل راعية مثل كل الراعيات، وهذا يعنى أنها كانت فى الثامنة عشرة، وأنها كانت جميلة وهيّابة قليلا مع طريقة لذيذة فى الاحمرار خجلا كلما التقت بفتى وسيم يوجه إليها نظرات الاستلطاف. وفى كثير من الأحيان كانت تسمع الناس يحكون عن راعيات يطلب الزواج منهن أمراء أو حتى ملوك. وبالطبع، كانت تتظاهر بأنها لا تصدِّق ذلك، ومع هذا فإنها، فى كل مرة يمرّ فيها فارس مجهول حسن الملبس، كانت تشعر بقلبها يدقّ بكل قوة. غير أنها كانت تـُسوِّى غطاء رأسها المصنوع من الدانتيلا دون جدوى، ذلك أنه لم يحدث أن أعارها فارس اهتماما إلا ليصرخ قائلا لها: "أسرعى بتنحية قطيعك جانبا، حتى أستطيع المرور. أنا مستعجل جدا!" وكانت آديل تقوم بتنحية بهائمها على طول المنحدر، وكان الفارس الوسيم يمرّ مسرعا وسط سحابة من الغبار كان يتطاير مع الريح كما تتطاير أحلام كل راعيات العالم. كانت حياة الفتاة تمضى رتيبة، موزعة بين العناية، التى كانت تقوم بها، بالأوز، وبالخنازير، وبالماعز، وبالخرفان. ومع هذا فذات صباح كانت تقوم فيه بحراسة قطيعها فى المرعى حيث وجدت نفسها تماما بعد منعطف الغابة، سمعت تأوهات. وكانت تأتى من أدغال كثيفة تحيط بالغابة. ولأن آديل كانت طيبة القلب، اندفعت قائلة لنفسها أنه لابد أنه يوجد هناك شخص جريح. وبالفعل، بمجرد أن تقدمت عدة خطوات فيما كانت تـُبْعِد الأغصان بعصاها، اكتشفت ذئبا كبيرا راقدا على جنبه، وكان يلعق رجله الأمامية. "ولكنْ ماذا حدث لك، أيها الذئب المسكين، سألت. ـ هذا غباء، قال الذئب. فمع أننى معتاد على الجرى عبر الغابة إلا أننى لا أعرف كيف أعمل حسابى، وها أنا الآن مصاب فى رجلى الأمامية بشوكة سوداء تجعلنى أتألم بصورة مفزعة. وإذا استطعتِ أن تخلـِّصينى دون أن تصيبينى بألم شديد، سأكون بالغ العرفان لك. ـ بالنسبة لذئب، قالت الراعية، لا يبدو لى أنك شجاع جدا. هناك مجرد شوكة سوداء فى رجلك الأمامية، وها أنت تنتحب وتتأوَّه وكأن صيادا أصابك بجرح خطير. ـ هذا لأننى لست ذئبا مثل..." سكت فجأة وسألته آديل: "ماذا كنت ستقول، ما هو؟ أنك لست ذئبا مثل الذئاب الأخرى؟" بدا أن الذئب قد استدرك الأمر، وبينما كانت الراعية تنحنى لتنزع الشوكة ممسكة بها بين أسنانها مع أخذ احتياطات كثيرة جدا، اعتقد أن من الأفضل أن يضيف: "فلنقلْ أننى لست مثل أبناء جنسى تماما. وبالتالى لا تظنى أننى أتيت إلى طرف الغابة بنوايا سيئة. أنت تعرفين أننى ذئب ولا أحب إلا الصيد البرى. والخروف لا يغرينى. والصوف ضايق حلقى دائما... أوللـَّلا، أنت تؤلميننى! ـ لا تصرخ، أيها المرهف الكبير، لقد انتهينا، قالت فيما كانت تبصق الشوكة السوداء التى كانت فى طول إصبعها الصغير. وخصوصا، لا تحكى لى قصصا تجعلنى أنام واقفة. ـ هذا أفضل، قال الذئب. أنت فتاة شجاعة. سأقول لكل أصدقائى أن الخروف ليس طعاما للذئاب. وسوف تريْن أنهم سوف يصغون إلىّ. ولن يلمسوا مطلقا بعد الآن بهائمك." لعق الذئب يديها ليشكرها، ثم، فيما كان يعرج قليلا، اختفى تحت أشجار البلوط الكبيرة. وعندما عادت إلى المرج، اكتشفت الراعية أن قطيعها بكامله قد اختفى. بحثت، ونادت، وقامت بجولات وجولات عبر المراعى، والبرارى، والأحراج، لكنها لم تجد أىّ أثر لبهائمها. الصغيرة المسكينة ذهبت لتلقى نظرة على الحظيرة: لا شيء! وعندئذ لم تجرؤ على العودة إلى بيت سادتها خشية أن يضربوها، وذهبت إلى الغابة حيث اختبأت. وتساءلت عما إذا كان الذئب الودود جدا الذى ساعدته فىصباح اليوم ذاته قد احتجزها بينما تعهد شركاء له بالخرفان. وكانت تعرف جيدا جدا كل أسرار الجبل والغابة، وبمجرد أن حلّ الليل، أخذت آديل ترتجف. تكورت فى أسفل شجرة بلوط، وظهرها إلى الجذع الخشن وقدماها مستندتان إلى جذر كبير. حبست أنفاسها، وأصغت إلى كل تنهُّد للريح، وكل طقطقة، وكل حفيف، بقلق لم يتوقف عن الازدياد. انقبض حلقها، ودقّ قلبها بكل قوة إلى حد أنه بدا لها أنه يُسْمَع بالتأكيد على بُعْد مائة قدم. "لا، كانت تقول لنفسها. من غير الممكن أن يكون الذئب الذى اعتنيت به قد خاننى. فقط إذا استطاع أن يأتى، سأكون أقلّ خوفا. كان له صوت دافئ جدا وكانت له عينان جميلتان داكنتان... أيتها القديسة آديل، اجعليه يأتى! لم تكد تـُنْهى الغمغمة بهذه الكلمات، حتى سمعت صوت أغصان قريبا جدا. وربما كانت على وشك الفرار، عندما سمعت صوتا أشبه بصوت الذئب يقول لها: "لا تخافى، أيتها الراعية الجميلة، أنا فريدريك أمير الجبل. ـ لكن لك نفس صوت ذئب عالجته هذا الصباح." ابتسم الشاب، ثم قال: "دعينى أحكى لك قصتى، أيتها الراعية الجميلة، وسوف تريْن أن هذا التشابه ليس فيه شيء غريب." جلس إلى جانب آديل، وأخذ يروى: "تصورى أنه ذات يوم كانت هناك ظبية وقعت فى مصيدة وقمت بتحريرها. ولكن المصيدة كان قد نصبها سيپريان لو روچ، أنت تعرفين، ذلك العملاق الشرير الذى يقيم فى قاع هاوية ويدمدم بلا انقطاع. ـ نعم، قالت الراعية. سمعت مَنْ يتحدثون عنه. يبدو أنه بشع جدا. ـ طبعا. ولكى يعاقبنى، ألحق بى أذى. فأنا لم أعد أميرا إلا ليلا. وفى النهار أكون ذئبا. وإنما لى أنا قدمتِ خدمة صباح اليوم. ـ إذن، ماذا سيحدث لك؟ ـ سأكون على هذا النحو إلى اليوم الذى أستطيع فيه أن أعطى للعملاق فستانا مصنوعا من شعر أميرة." الصغيرة، التى لم تكن غبية مطلقا، فكرت لحظة، ثم قالت: "إذا تزوجتنى، سأكون أميرة؟ ـ أنا فاهم، قال فريدريك، أنت ستعطيننى شعرك وسوف تنطلى الحيلة. فقط، لن نجد شخصا يقوم بتزويجنا فى وسط الليل. وبمجرد أن يطلع الفجر، سوف أعود ذئبا. وأنت لا تريدين على كل حال أن تتزوجى ذئبا؟ ـ أوه! أنا، قالت، هذا لن يزعجنى كثيرا. أنت طيب جدا، عندما تكون ذئبا. كما أعتقد أن هذا سوف يدهش الناس كثيرا." وجد فريدريك صعوبة كبيرة فى جعل آديل تفهم أن كل هذا ليس جادًّا جدا وأن فتاة صغيرة لا تتزوج لمجرد متعة أن تـُدْهش أصدقاءها. "هذا مؤسف، قالت، أنا لن يزعجنى أن أتزوج ذئبا. ـ لكننى أعتقد أنه لن يزعجك كذلك أن تتزوجى أميرا. ـ أنت عارف، تنهدت. الأمراء الذين يأتون ليطلبوا يد راعيات، لم أعُدْ أصدِّق هذا. حكوا لى هذا فى كثير من الأحيان، لكن هذا كان يضحكنى دائما. ـ حسنا، أنت مخطئة. لأننى إذا نجحتِ فى أن تعثرى لى على شعر أميرة، سأتزوجك أنا. هذا كلام الأمير وكلام الذئب." من الواضح أن هذا كان عرضا مغريا، وقبلت آديل أن تدخل فى خدمة أميرة أعطاها فريدريك عنوانها. ومن اليوم التالى تقدمت إلى القصر، حيث تم تعيينها خادمة. ولأن الأميرة كان لها شعر أشقر طويل، كانت آديل تقوم، كل صباح، أثناء تسريح شعرها، بوضع قبضة يد من شعرها وكانت تنسجه فى المساء، عندما تكون بمفردها فى حجرتها. وكان يلزمها عام لجمع ما يكفى لصنع فستان لزوجة العملاق. ولكن ماذا يمثل عام من الصبر تبدأ، فى نهايته، حياة كاملة من السعادة؟ ولأن فريدريك انتظر، فبمجرد أن قدم سيپريان لو روچ الفستان لزوجته، صار الذئب من جديد أميرا وتزوج الراعية. ومنذ ذلك اليوم تستعيد الفتيات الفقيرات الأمل ويواصلن انتظار مجيئ الأمير الفاتن. فقط، هناك شيء تنساه هؤلاء الفتيات أحيانا، وهو أنه ليس كل الذئاب أمراء.
فى الأساطير، لا يقوم الكائن المتحول إلى حيوان بأىّ مغامرة استثنائية. أشخاص عديدون، مثل فريدريك، وجدوا أنفسهم ذات يوم متحولين إلى ذئاب، أو ضفادع، أو طيور، أو زواحف. وكانت هذه التحولات السحرية ترتبط بعقاب كما كانت ترتبط بثواب إلهى، وكان من المستحيل منع أو إبطال هذا السحر. وهذا مثال، مقتبس من الميثولوچيا الإغريقية: عشق تيريه، ملك تراقيا، أخت زوجته الجميلة، فيلوميل. وبعد أن حبس زوجته، پروسنيه، وأشاع أنها ماتت، تزوج فيلوميل. ومن سجنها، نجحت پروسنيه فى الاتصال بأختها، وسعت المرأتان بالتالى إلى الهرب معا. الملك، الذى تم إبلاغه، طاردهما. وتضرعتا للآلهة أن تحميهما. پروسنيه صارت عندليبا وفيلوميل طائر سنونو، بينما تيريه، طائر العُقاب اليوم، كرهه الناس وطاردوه. وكان السحرة والساحرات قادرين، هم أيضا، على أن يسحروا الناس، بدافع الغيرة أو لمجرد الشرّ. غير أن رُقيتهم الشريرة كان يمكن فكّها ببعض الشروط. وقد أحضر فريدريك نفسه معه فستانا منسوجا من شعر أميرة. وفى بغداد، يتحدثون عن فتاة تحولت إلى بومة لا يمكن أن يحررها إلا طلب زواج فقط. وذات يوم زار تاجرٌ عجوز حاكم المدينة، خاسد [؟]. "هل ترى هذا المسحوق الأبيض، أيها الحاكم الكبير؟ باستخدامه ستكون لديك إمكانية تحويل نفسك إلى حيوان. يكفى أن تتناول منه عدة جرامات." رغب خاسد فى الحال فى أن يحصل على هذا المسحوق العجيب. شيء واحد كان يثير قلقه. كيف يستردّ هيئته البشرية. "أوه، هذا بسيط جدا. سوف تستدير نحو مكة مردِّدا: ’موتابور‘ [؟]. فقط احذرْ! امتنعْ عن الضحك طوال وقت السحر، وإلا نسيت هذه الكلمة." اشترى حاكمنا المسحوق وتمنى أن يشبه طائر لقلق. وحدث كل شيء على ما يرام. ولكنه، للأسف، عندما رأى نفسه غريبا جدا بمنقاره وساقيه النحيلتيْن، انفجر ضاحكا. وهكذا صار مسحورا بشكل نهائى. وسافر للحج إلى المدينة المقدسة، على أمل أن يجد علاجا هناك، ولأنه كان ما يزال لم يكتسب عادة الطيران، أرغمه التعب على التوقف فى المساء نفسه ليستريح. وكان أول مأوى ظهر لعينيه أطلال قصر شديد الكآبة. وأقام خاسد فى مكانه الأفضل. وفجأة وصلت إليه أصوات غريبة، وتوجعات، وتأوهات. كانت بومة صغيرة تنتحب. اقترب خاسد. وحكت له البومة، طائر الليل، قصتها. فبعد أن سحرها ساحر فإنها لا تستطيع الخروج من هذه الحالة إلا إذا قبل رجل أن يتخذها زوجة. تعهد الحاكم بأن يتزوجها، إذا استردّ هو هيئته البشرية. فى نفس الليلة، استيقظ الطائران على أصوات. كان يقام حفل فى قاعة القصر. وبين المدعوين، تعرَّف خاسد على تاجره. وكان الماكر يكشف لأصدقائه الحيلة الشريرة التى لعبها على حاكم بغداد، وبالطبع نطق كلمة ’موتابور‘. اندفع طائر اللقلق إلى الخارج واستدار نحو مكة وردد الكلمة السحرية. وكان الحاكم فخورا جدا بالعودة إلى قصره وفى ذراعه زوجته الشابة، التى كانت حقا فى غاية الجمال.
الملك الطفل (ألمانيا)
فى أقصى شمال البلاد، كانت توجد قديما غابة ضخمة وكثيفة جدا. وفى بعض النواحى، كانت النباتات كثيفة إلى حد أنه، حتى فى أيام الصيف الأكثر سطوعا، لم يكن يصل أىّ شعاع من الشمس مطلقا إلى طبقة الطحالب التى كانت تغطى أرض الغابة. وفى وسط الغابة كانت تنبسط أرض مقطوعة الأشجار عاشت فيها قرية بكاملها تتألف من دزينة من الأُسَر. وكان لدى هانس، راعى هذه القرية، وزوجته هيلجا، ستة صبية. وكانوا جميعا شـُقرا، ولكن شعر أصغرهم كان له بالضبط لون وبريق الذهب، إلى حد أن والديه قاما بتعميده باسم دوريه [= الذهبى]. وكان طفلا أضخم وأمتن كثيرا من إخوته. وكانت عيناه الزرقاوان على قدر مدهش من الصفاء. كان دوريه أكبر قليلا من ثمانية أعوام عندما، فى الوقت الذى ذهب فيه إلى الغابة مع إخوته ليجمعوا هناك الخشب الميت، ابتعد عن الجماعة وضل الطريق. ولأنه كان شديد الكبرياءفإنه لم يُرِدْ أن ينادى، مقتنعا بأنه سوف ينجح تماما فى العودة إلى الأرض المقطوعة الأشجار فى الغابة. ومع هذا، وصل بسرعة إلى ذلك الجانب الأكثر كثافة فى الغابة، وعندما لم يَعُدْ يرى الشمس صار عاجزا عن تحديد اتجاهه. وكان أبوه قد أوضح له جيدا أن طحالب الأشجار توجد دائما على الجانب الشمالى من جذوعها، ولكنه عندما فكر فى الأمر، دون أن يأخذ ذلك فى الاعتبار، كان قد دار بالفعل حول الأرض المقطوعة الأشجار فى الغابة. وهكذا فإنه، متقدما نحو الشرق، أدار ظهره إلى قريته. سار بشجاعة إلى أن حلّ الليل ثم رقد على الأرض ونام، مرهقا من التعب. وفى صباح اليوم التالى، ومنذ الأضواء الأولى، استأنف سيره دون أن يضطرب لأنه كان طفلا لا يعرف الخوف. وكان ذكيا جدا بما يكفى ليفهم أنه تجاوز الأرض المقطوعة الأشجار منذ وقت طويل، ولكنه كان يعلم أنه بالاستمرار دائما فى نفس الاتجاه، سيخرج بالطبع من الغابة. وهناك قد يلتقى بأحد يساعده. وبالنسبة له، هو الذى كان يعرف كيف يتغذى على الجذور والفاكهة، كانت هذه الرحلة مغامرة رائعة. وقد فكر قليلا فى الألم الذى لابد من أن يعانيه والداه وإخوته، إلا أنه تصوَّر خصوصا كم ستكون فرحتهم عند عودته، وكان يقول لنفسه أيضا أن الناس سوف يدهشهم كثيرا أنه لم يكن خائفا. وفى صباح اليوم الرابع، بينما كان يسير منذ ساعة كاملة، لاحظ أن الغابة أخذت المسافة تنفرج بين أشجارها. وكان الجو يحمل روائح مجهولة، وأخذ يصل إليه صوت لم يكن صوت هبوب الريح على الأشجار. سار دوريه بخطى أسرع ثم أخذ يجرى. وكان يلهث بشدة عندما وصل إلى شاطئ البحر، إلى شاطئ صخرى كانت الأمواج تجلده وسط تطاير شديد للزبد المتلألئ. الطفل، الذى كان لم يَرَ البحر مطلقا من قبل، بقى وقتا طويلا يتأمل هذا المشهد، ثم انطلق يسير بمحاذاة الشاطئ حتى اللحظة التى وصل فيها إلى قرية صغيرة لصيادى السمك. وعندما حكى قصة رحلته، أصيب أهالى القرية بالذهول، ولكنْ لم يَبْدُ أن أىّ شخص يعرف مكان أرض الغابة المقطوعة الأشجار فى الغابة التى كان يعيش فيها من قبل. "اسمع، قال له صياد سمك عجوز. أنت لم تَعُدْ على مسافة ساعات معدودة من قريتك. ونحن ذاهبون لصيد السمك. اذهب معنا، وعند عودتنا سنفكر فى الأمر. سيكون مدهشا جدا إذا لم نتوصل نحن جميعا إلى العثور على قريتك. فالرجال الذين لا يتوهون فوق الماء لا يتوهون كذلك فى الغابة، التى هى محيط على طريقتها الخاصة." ركب الطفل إذن مع الرجل العجوز وطاقمه، وغادر المركب المرسى. وبمجرد أن صاروا فى عرض البحر، طرح العجوز شبكته وسحبها بعدة أسماك. "إنه عمل سهل كما أنه ممتع هذا الذى تقوم به، قال دوريه. أودّ أن أجرِّب. لا شك فى أن هذا أقلّ صعوبة من نشر الخشب." انفجر البحارة ضاحكين، وأعطوا الصبى شبكة، مقتنعين بأنه سيقوم بتعقيد الشبكة عند أول حركة. غير أن دوريه أمسك بشبكة الصيد، وقام بتدويرها، وطرحها بعيدا جدا. "مستحيل، قال العجوز. لم أرَ مطلقا شيئا كهذا!... وتحلف لى أنك لم تكن صياد سمك مطلقا؟" حلف الطفل، مضيفا أنه كان يرى البحر لأول مرة. غير أن هذا لم يكن آخر ما أدهش صيادى السمك. فبمجرد أن خرجت الشبكة من الماء، رأوا أنها لم تكن تحتوى على أىّ أسماك، بل على تاج من الذهب المنقوش حيث كانت ترصعه سبع ماسات ذات قـَطـْع غير مألوف ونفس القدر من اللآلئ الخالصة. وليس هناك ما يدهش إطلاقا فى أن الطفل أخذ التاج ووضعه على شعره الذهبى. وعندئذ، ودفعة واحدة، سجد صيادو السمك عند قدميه وأعلنوا: "أنت مَلِكنا! أنت ملك هذه البلاد. البر والغابة مملكتك! أنت الملك الذى ينتظره شعبنا منذ زمن طويل جدا!" ومن اليوم التالى، ذهب الرُّسُل يحملون النبأ، بعضهم بالمراكب، وبعضهم بالخيل، وبعضهم على الأقدام عن طريق حراس الأحراج. وتم تنظيم احتفالات كبرى، وعلى الشاطئ، بين زبد الأمواج وأوراق الأشجار الأولى، ووسط حشد لا يُعَدّ ولا يُحْصَى التقى دوريه بينهم بأهله الذين أسرعوا إليه منذ إعلان هذا النبأ. أجرى الناس التتويج، وكان صياد السمك العجوز هو الذى حكى كيف وصل دوريه إلى الميناء وكيف أخرج التاج من قاع الماء. ثم قال ما يلى: "سمعتم جميعا ما قيل عن هنريك العجوز، مَلِكنا. وفى عشية موته، حيث أنه لم يكن له وريث، جاء ليطلب من أبى أن يصطحبه إلى عرض البحر بمركبه. وهناك، ألقى بالتاج فى الماء، وأعلن أن ذلك الذى يخرجه فى شباك صيده سيأخذ مكانه على رأس مملكته. وظللنا قرنا كاملا بدون ملك، ولكنْ صار لدينا اليوم ملك. ثم إننى أشهد أن هذا ملك عظيم، وسيم وذكى وشجاع. وسوف يعرف كيف يحكم شعب البحر تماما مثل شعب الغابات." وقد ضاعت الكلمات التى تلت ذلك بين هتافات الحشد الذى كان قد شرب فى ذلك الحين كميات كبيرة من الجعة.
انتظر رعايا هنريك العجوز ملكا جديدا طوال قرن كامل. ولم يكن هناك شخص جدير بإخراج التاج من قاع الماء. أما دوريه، الصبى الصغير التائه فى الغابة، فهو كائن استثنائى؛ ولأنه يتمثل فيه البساطة والنقاء، فقد كان عليه أن يقوم بمهمة تحقيق النبوءة. ومن النادر، فى الأساطير، الالتقاء بشخصيات مثله. ففى العادة يكون على الأبطال أن يثبتوا حكمتهم من خلال سلسلة من الاختبارات، والمهام فوق البشرية أحيانا. أما بالنسبة لدوريه، على العكس، فكل شيء يبدو بسيطا وسهلا. فهو يطرح الشبكة فى الماء ويجد التاج الذهبى. ولا يتلقى الطفل أىّ مساعدة، لا مساعدة جنى طيب، ولا مساعدة شيء سحرى. وهو لا يحتاج إلى تدخل خارجى؛ إن نقاءه، ونظرته نفسها، يُنْبئان عن مصير غير عادى. وهناك حكاية أخرى تقدم فتاة مختلفة جدا عن دوريه. غير أن بطلة هذه الحكاية تدرك، أمام الموت، أن الشرف والطيبة وحدهما قادران على الإنقاذ، وأنه تكمن فيها هى ذاتها القدرة على الحفاظ على حياتها. وتحتوى هذه الأسطورة، مثل ’الملك الطفل‘، على إرشاد بسيط للغاية. بالنسبة للإنسان، تكون الخصال الأخلاقية أساسية وتأتى حقا قبل الثراء أو القوة. والقصة التى ستقرأونها الآن تـُحكى فى تشيكوسلاڤيا، والسويد، وفى مجموعة الأخوين جريم، ’حكايات الطفولة والأسرة‘، ولكن بصيغة مختلفة بعض الشيء. عاش حطاب فقير جدا مع زوجته فى أقصى أعماق الغابة. وكان كلُّ يوم يأتى معه بشيء من البؤس؛ وكان الجوع، على وجه الخصوص، لا يُحتمل. ومع هذا كان صاحبنا يعمل بلا توقف، لأنه كانت لديه ابنة صغيرة يربِّيها. وذات صباح، عندما ذهب كالعادة لتقطيع الأخشاب، التقى بكائن غريب. امرأة نصف جنية ونصف سمكة. ومتأثرة كثيرا بالبؤس، ولكنْ أيضا بالشجاعة، عرضت الجنية على الحطاب إحضار ابنته، ما دام لا يستطيع إطعامها. وقبل الأب، متعزيا بفكرة أن طفلته ستكون أخيرا سعيدة. وبالفعل عرفت الفتاة السعادة بجوار أمها الجديدة. ولكنها تمردت ذات يوم ولم تُرِدْ، بأىّ ثمن، أن تعترف بخطئها. ولكى تعاقبها على هذا الكذب، جعلتها ولية نعمتها خرساء وتركتها فى غابة بالغة الاتساع. تاهت الفتاة الصغيرة فى الغابة، أياما وليالى، وكانت تتغذى على الجذور والفاكهة. ولمحها أمير أثناء رحلة صيد؛ واصطحبها إلى مملكته وتزوجها، رغم عاهتها. وأنجب الزوجان خمسة أطفال، ولكنْ فى كل ولادة كان الطفل الرضيع يختفى. كانت الجنية تخطف الأمراء الصغار، على أمل أن تعترف أمهم بخطئها سابقا. وا أسفاه، فالملكة، العنيدة، رفضت الإقرار بأنها كذبت. وعند ولادة الطفل الثالث، اختفى أيضا بطرقة غامضة مثل أخويه. تصور الناس، قلقين، أن ملكتهم ساحرة وأنها كانت تلتهم أبناءها. وأصيب الملك نفسه بالقلق، وأمام الضغط العام وعد بإحراق زوجته. ومدركة أخيرا أنها ، لكى تنجو من الموت، يكفى أن تكون أمينة، اعترفت الملكة بأنها كذبت من قبل. ولمكافأتها، حررتها الجنية وأعادت إليها أطفالها... ونطقها.
حدادو جبل بولوڤا (فنلندا)
كان كل الناس، فى فنلندا، يعرفون شهرة جبل بولوڤا، ولكنْ لا أحد كان قد رآه فى يوم من الأيام. إذْ أن أولئك الذين حاولوا الاقتراب منه عادوا من رحلتهم عُميانا، دون أن يتمكنوا من اجتياز الستار السميك للضباب الذى يحيط بهذا الجبل فى كل الفصول. وكان الناس يعرفون مع هذا أنه، فى داخل هذه الجبال، فى الممرات والمغارات، كان يعمل شعب كامل من الأقزام فى استخراج ركاز الصول وتصنيع أنقى معدن عرفوه فى يوم من الأيام. غير أنه كان يعيش، فى قرية صغيرة، حداد شاب اسمه ڤيلاند وكان يعتبر أحد أفضل الصناع فى البلاد، ولكنه كان يحلم بأن يعمل دائما بمعادن عالية الجودة. ومثل كل الناس، كان يسمع ما يقال عن أقزام جبل بولوڤا وعن اكتشافاتهم، ولكن الالتقاء بالعديد من العميان الذين كانوا يرون أشياء مخيفة دفعه إلى التعقل. غير أنه حدث جفاف كبير جعل التربة صلبة إلى حد أن كل سكاكين المحاريث ونصالها أخذت تنكسر مثل الزجاج. وطلب عاهل المنطقة مجيئ ڤيلاند وقال له: "أنت أفضل حداد، وعليك بالتأكيد أن تجد حلا. وإذا لم تجد شيئا فإن البلاد كلها سوف تشهد مجاعة مرعبة. ـ لا يوجد لهذا سوى حلّ واحد، أجاب الشاب: اكتشاف سرّ أقزام جبل بولوڤا. ـ أعرف هذا تماما، قال العاهل، ولكننى لن أخاطر بجنودى فى مواجهة هذا الضباب الذى يُعْمِى الأبصار. ومن جهة أخرى، حتى إذا نجحنا فى عبور هذا الخط الدفاعى الطبيعى الرهيب، فإننا لن نذهب بعيدا، إذْ أن سيوفنا سوف تنكسر على دروع جنودهم الذين يحملون أسلحة مرعبة. عليك حتما أن تجد شيئا آخر. فكر الحداد لحظة، ثم قال: "مولاى، أنا لا أرى أىّ وسيلة أخرى. إننى أريد حقا أن أحاول اكتشاف السرّ، ولكنْ إذا نجحت فى هذا فإننى أريد أن أحصل على تأكيد منك بأنك لن ترغمنى على صنع أسلحة بالمعدن الجديد. أريد حقا أن أخاطر ببصرى من أجل سعادة البشر، ولكنْ ليس من أجل شقائهم." العاهل، الذى كان رجل سلام، وعد ڤيلاند بأنه لن يطلب منه أبدا أن يفعل ما يناقض ما يمليه عليه ضميره. "عظيم، قال الحداد. فى غضون ثمانية أيام، سأكون مستعدًّا للرحيل. ـ لماذا ثمانية أيام؟ ـ لا أستطيع أن أقول لك شيئا، ولكنْ تلزمنى ثمانية أيام لكى أستعدّ. وإلا فلن تكون لى أىّ فرصة للنجاح." عاد ڤيلاند إلى ورشة حدادته وقال لأبيه الذى علمه الصنعة قبل أن يترك له مكانه: "أبى، سأطلب منك أن تستأنف عملك بالمطرقة بعض الوقت." اندهش الرجل العجوز، ولكنه، عندما شرح له ابنه مشروعه، قـَبِل. ومنذ اليوم التالى انطلق الفتى إلى الغابة بينما أخذ أبوه، من الفجر إلى الشفق، يضرب على السندان بالمدقّ وبالمطرقة. اندهش القرويون، وبدأ بعضهم يغمغمون بأن ڤيلاند صار كسولا، ولكنْ لم يجرؤ أحد مطلقا على سؤال الأب أو الابن. وأخيرا، فى نهاية ثمانية أيام، رحل ڤيلاند، حاملا كيسا كبيرا وضع بداخله طعاما يكفيه أسبوعا كاملا. وكان اختفاؤه محيرا أكثر حتى من نزهاته فى الغابة، ولكنْ، لأن العجوز كان يواصل القيام بالعمل المنتظر منه، لم يطرح أحد أسئلة. وببساطة كان الناس يسألون أحيانا عن أخبار ڤيلاند، وكان أبوه يجيب، بابتسامة صغيرة غامضة: " لا تقلقوا، فقد ذهب يبحث عن شيء يصنع لكم به محاريث تكسر حتى الصخر." وواصل العجوز الطرق على السندان. مرت عشرة أيام، وذات مساء، رأى الناس ڤيلاند عائدا بادى التعب ولكنْ مبتسما. وعندئذ اندفع نحوه الجميع يسألونه: " من أين جئت؟ ـ ماذا فعلت؟ هل أحضرت المعدن الصلب؟" وبهدوء أعلن الحداد: "لم أحضر أىّ معدن، بل فقط سرّ أقزام جبل بولوڤا." أبعد محبى الاستطلاع، وأغلق على نفسه فى ورشة الحدادة مع أبيه العجوز الذى بكى من الفرح. وفى الخارج، رأى القرويون الذين تجمعوا المدخنة تدخن بينما سمعوا المطارق والمدقات تدوِّى مثل أجراس ممتازة تصلصل. وأخيرا، وبعد ثلاث ساعات من الانتظار، رأوا الباب يُفتح. ودفع ڤيلاند أمامهم محراثا من حديد جديد تماما. "اربطوا به أربعة خيول قوية، أمر. ـ ولكنْ ينبغى الذهاب إلى حقل، قال الفلاحون، هذا المكان متيبس إلى حد أن تربته صلدة مثل الصخرة. ـ هذا بالضبط هو ما يلزمنى"، قال ڤيلاند دون أن يضطرب. القرية كلها كانت هناك، وكان بينهم العاهل، وحاشيته ووزراؤه. وعندما تم الربط، أمسك الحداد نفسه بمقبض المحراث وصرخ: "حا.. شى..! حا..شى..! يا حِلـْوِينْ! وأرجو أن لا يوقفكم شيء!" جرت الحيوانات الأربعة بكل قوة إلى حد أن الناس سمعوا الخشب يطقطق والسروج تئنّ. ولمعت شرارات من الحوافر، وأحدثت سكاكين ونصال المحراث صريرا، ولكنها انغرزت فى التربة الصلدة، ودون أن يتوقف رَسَم ڤيلاند فى منتصف المكان خط محراث كبيرا، عميقا ومستقيما. وبمجرد أن أكمل هتفوا له وحملوه على الأكتاف، ثم، عندما عاد الصمت، طلبوا منه أن يحكى لهم كيف استطاع أن يصل إلى قلب الجبل دون أن يُصاب بالعمى. "هذا بسيط جدا، قال بتواضع. طوال ثمانية أيام، تعلمت أن أمشى مغمض العينين على هدى الصوت الذى يطلقه أبى بالطرق على السندان. وهناك، فعلت نفس الشيء لكى أجتاز الضباب مستمعا إلى ورشة حدادة الأقزام. وحالما وصلت، اختبأت فى ممرّ، وراقبت الأقزام وهم يعملون. وأنا أعرف الآن كيف يقومون بتصنيع هذا المعدن الصلب إلى هذا الحد. ولكى أجتاز الضباب من جديد فى طريق العودة، سِرْتُ معصوب العينين، وأصغيت من جديد إلى مطرقة أبى." وأولئك الذين كانوا يتوقعون مغامرة يشاهدون فيها الحداد وهو يتقاتل مع الأقزام خاب ظنهم، ولكن أولئك الأكثر ذكاءً قدَّروا ما كان ينبغى أن يفعله ڤيلاند الذى نجح فى إنقاذ البلاد من المجاعة. أما الملك فقد وفى بوعده. ولم يطلب مطلقا من الحداد أن يضع اكتشافه فى خدمة الشرّ. ولكنْ وا أسفاه فقد جاء بعدهما ملوك آخرون وحدادون آخرون أقلّ حكمة بكثير. ولأن ڤيلاند لم يكنْ يريد أن يحمل معه سره إلى قبره فإن المعدن الصلب للغاية سرعان ما جرى استخدامه فى صنع سيوف، ودروع، ومدافع. ومنذ ذلك الحين، يعرف الحكماء لماذا رفض أقزام جبل بولوڤا أن يبوحوا بسرّهم للبشر الذين يعلم الأقزام أنه تنقصهم الحكمة.
الجنّ، هذه الكائنات الصغيرة التى تقيم تحت الأرض أو فى الجو، مثل جنى ’الإلف‘، أفسحت المجال لقصص لا تحصى ولا تعد. ولكنْ إذا تغير اسمها، حسب البلاد، فإن دورها وسلوكها يختلفان أيضا فى كثير من الأحيان. وفى الحكايات العربية، كان بنو الجن يسكنون فى الأماكن المهجورة وكانوا فى الليل يهاجمون المسافرين. والميثولوچيا الأفريقية، بدورها غنية بأساطير تروى شرور أقزام الغابات والجبال. ووفقا لما يقوله رواة الحكايات، كان بعض الجن يشبه أشباحا شفافة، وكان بعضهم، ذوو اللون الأحمر، يتسلون بخداع المتنزهين فى خليج غينيا. وبأجسامهم الضئيلة، ومطلقين لِحًى بيضاء طويلة، وبأقدام معكوسة، كانوا يتسلقون الأشجار بمهارة مدهشة. وبين هؤلاء الجن، كان هناك مَنْ لم يعرف الكلام: كانوا يصفرون أو فى حالات أخرى يموءون كالقطط المتوحشة. وكان سكان غانا يخشون بصورة خاصة جدا الأرواح التى يكون لها جثمان نحيل يحمل رأسا ضخما كثيف الشعر والتى كانت، فيما يقال، تصيب الفرد الذى يسيئ إليها بالجنون. وفى تراث شعوب الشمال، كان الجبابرة والأقزام هم الذين قدموا موضوعات كثيرة للحكايات. ومرتبطين بالجبال، حيث كانوا يخفون ورش حدادتهم، كانوا هم الذين راقبهم ڤيلاند طوال أسبوع، إذْ كانوا يصنعون سيوفا لا تـُقهر، مثل الشهيرة دوراندال. ولآن بنى الجن هؤلاء كانوا يعيشون فى باطن الأرض، فقد كانوا مرعبين فى كثير من الأحيان. وبالفعل كان الناس يعتقدون أنهم من رعايا الشيطان. وبنفس الطريقة كان الحدادون، فى بعض الحضارات، مبجلين ومحتقرين فى آن معا. ومثل الجبابرة والأقزام، كانوا يشتغلون بمعدن مستخرج من تحت التربة. ومع أنهم كانوا يُعتبرون أحيانا محتفظين بسرّ إلهى، فقد كانوا أحيانا أخرى مستبعدين من المجتمع لأنهم، كما كان يقال، عقدوا تحالفا مع الشيطان. ومع هذا كان لبعضهم أهمية كبرى. وهكذا صنع هيفايستوس، الحداد الرسمى لآلهة الأوليمپ والأبطال، دروع أخيل، والشوكة الثلاثية لپوسيدون، وصولجان زيوس. وفى أفريقيا، تفدم إحدى الأساطير الحدادين باعتبارهم أنصاف آلهة، أبناء الجبل الذى علمهم صنعتهم. وقديما، منذ وقت طويل جدا، حلت مجاعة مرعبة على الأرض. استدار الناس محبطين، نحو الجبال وطلبوا منها مساعدتهم. ومفعمة بالشفقة، فتحت الجبال منحدراتها وسلـَّمتهم كل ثرواتها. ولكن طيبتها لم تقف عند هذا الحد؛ بل علـَّمتْ بعض الناس كيف يصهرون المعدن وكيف يقومون بتصنيع الأدوات لحرث الأرض، وكذلك الأسلحة للقتال. ومنذ ذلك اليوم، لم يَعُدْ البشر الفانون يصابون بمجاعة، واليوم ما يزال الحدادون يحتفظون بأسرار الأرض؛ إنهم أنصاف آلهة. والحقيقة أن فنّ طرْق الحديد يمثل سرًّا غامضا، ولهم وحدهم الحق فى معرفته. وهذا هو السبب فى أنهم يدفعون إلى الخوف والاحترام.
طفل أعماق الغابة (روسيا)
فى ذلك الزمن، كانت ما تزال توجد، فى قارتنا غابات شاسعة كثيفة جدا وعميقة جداإلى درجة أنه لا أحد كان يجرؤ مطلقا على اجتيازها. وكانت الذئاب تعيش فيها بأعداد هائلة، وكذلك الدببة، ولم يكن الناس يجازفون بأنفسهم هناك إلا وهم مدججون بالسلاح. وذات يوم، رأى الملك إيجور، الذى كان يقيم فى قصر على حافة إحدى هذه الغابات، منجِّما يأتى ويقول له: "ليس عندك سوى ابنة واحدة، أيها الملك العظيم، ولن يكون لك طفل آخر أبدا. ولهذا فإنك تتمنى أن تتزوج سونيا الصغيرة فتى غنيا ونبيلا، محاربا ممتازا مثلك، ويكون على مستوى أن يحكم بالقوة، كما تفعل أنت نفسك. ـ بالطبع، هذا ما أتمناه، قال الملك. ـ حسنا، أنت تعلل نفسك بالأوهام. ابنتك ستتزوج فتى فقيرا جدا، وُلد فى نفس الوقت الذى وُلِدَتْ هى فيه. فى نفس اليوم وفى نفس الساعة. وهذا الطفل ليس بعيدا عن هنا. واسمه ديمترى. وأبوه هو الحطاب إيڤان، الذى أمرتَ بجلده هذا الشتاء لأنه أخذ أرنبا بريا من مصيدة فوق أرض تملكها أنت. ما هذا الكلام! صرخ الملك غاضبا. هل أصابك الجنون؟ وما سبب رغبتك فى أن أعطى ابنتى لشخص بائس؟" هادئا جدا، أسكته المنجِّم بإشارة من يده واكتفى بالقول: "انتبهْ، أيها الملك العظيم، على هذه الأرض، لك كل السلطات، باستثناء سلطة الاعتراض على ما هو مكتوب فى السماء. لقد حددت النجوم مصير ابنتك، وأنت لا تملك شيئا فى مواجهة ذلك. لا أحد يملك شيئا فى مواجهة ذلك. ـ وأنت متيقن تماما مما تقوله؟ ـ متيقن تماما. إننى لن أخاطر بسمعتى من أجل متعة تخويفك." انصرف المنجم وأخذ الملك يتأمل. وبعد عدة ساعات من التأمل، ذهب إلى منزل الحطاب الذى كان لديه حينئذ سبعة عشر طفلا وقال له: "لقد أمرتُ بجلدك، يا عزيزى إيڤان الطيب، لكننى أعتذر لك عن ذلك، على كل حال. وأريد أن أصنع شيئا من أجلك. أنت عندك سبعة عشر طفلا أما أنا فليس عندى سوى أبنة. أنت فقير أما أنا فإننى واسع الثراء. إننى أعرض عليك أن أشترى أصغر أولادك. سوف نربيه كسيِّد، والمال الذى سوف تتلقاه سوف يتيح لك أن تطعم بسهولة الستة غشر طفلا الآخرين." تردد الحطاب الفقير طويلا، غير أن البؤس، فى تلك المنطقة، كان شديدا إلى درجة أنه انتهى بقبول صُرّة مليئة بالقطع الذهبية التى خشخش بها الملك فى أذنه. "إنك لن تأسف على هذا، قال الملك. وبما أنك غفرت لى ضربات السوط، فإننى أعطيك أيضا الإذن بأن تنصب فخاخك على أرضى، وأن تأخذ أىّ مقدار تشاء من الصيد." وأخذ الملك معه الصغير ديمترى الذى كان لم يبلغ عمره سوى ثلاثة أعوام. ولكنْ، بدلا من أن يتخذ طريق قصره، شقّ طريقه داخل الغابة. وسار مسرعا طوال ساعة كاملة، ثم وضع الطفل فى أسفل شجرة. "لا تتحرك، قال له. أنت غير مهدد بأىّ خطر. وسيأتى أشخاص من عندى لإحضارك" كان الطفل أصغر من أن يدرك جيدا. وبالإضافة إلى هذا، ولأنه كان معتادا على الغابة فقد كان يعرف أخطارها، لكنه كان يجهل الخوف الذى توحى به الغابة لأولئك الذين يغامرون هناك للمرة الأولى. ابتعد الملك، مقتنعا بأنه، منذ اليوم التالى، سيختفى ديمترى، إذْ ستلتهمه الذئاب، أو الثعالب، أو الدببة. وبالطبع، فمنذ رحيل الفارس، أخذ الطفل يلعب، وفيما كان يلعب كان يمشى، ويلعب، ويقفز، كان يقطع كثيرا من الطريق. انقضى جانب من النهار على هذا النحو، بكل اطمئنان، حتى اللحظة التى ظهرت فيها ذئبة عجوز كانت تتنزه باطمئنان. ولأن الصيد كان جيدا كما أن الذئبة لم تكن جائعة بعد، فقد اقتربت من الطفل وسألته، بصوتها الأكثر عذوبة: "ماذا تفعل هنا، يا صغيرى، وحيدا تماما فى هذه الغابة، أليس عندك إذن أىّ شخص يهتمّ بك؟ ـ أنا أنتظر الملك أو أىّ واحد من حاشيته. ـ الملك، قالت الذئبة مرتعبة، ولكنه الحيوان الأكثر شراسة فى هذه المنطقة. وإذا وجدك هنا فإنه سيقتلك كما قتل بالفعل العديد من أطفالى." حكى الطفل قصته، وقالت الذئبة: "إذا كان قد أتى بك إلى هنا، فإنما لتلتهمك الذئاب.حسنا، سوف أثبت له أن الذئاب أقلّ شراسة منه. فلنذهب، اركبْ فوق ظهرى، وسأعود بك إلى بيتك، حيث أنه لابد أن والديك فى حالة من القلق الشديد." الذئبة العجوز كانت تعرف الغابة جيدا جدا، ولكن الحطاب كان فى نظرها حطابا، تماما كما أن الذئب ذئب فى نظرنا. واتخذت بالتالى اتجاها غير مناسب ووضعت الطفل أمام باب بيت فى الغابة لم يكن بيت أبيه. ولكنْ، لأن كل هذه القصة قامت النجوم سلفا ببنائها ولأنه يحدث أن تصنع النجوم الأشياء جيدا جدا، كان الحطاب المقيم فى ذلك البيت أرمل وبلا أطفال. وكان فرحه طاغيا جدا عندما اكتشف ديمترى الذى قام بتربيته مدلـِّلا إياه كثيرا ومعتنيا بشدة بصحته. ولهذا كبر ديمترى مثل حيوان صغير، فى قلب الغابة. وحيث أن الذئبة حكت حكايته لكل الحيوانات، سرعان ما صار ديمترى صديقا لهذه الحيوانات. ويمكنكم أن تتخيلوا بدون صعوبة أىّ شباب جميلا كان ذلك، بكل حرية، ومع رفاق مماثلين! وعلـَّمه كل حيوان شيئا ما. السنجاب أوضح له كيف يتسلق أعلى الأشجار، وكيف يمكن القفز من غصن إلى غصن، وماهى الفواكه التى يمكن حفظها خلال الشتاء. وعلمه الغراب الكلام. وأرشدته البومة إلى طريقة تحديد الاتجاه فى الليالى الأشد ظلمة. وجعلت منه الذئبة والثعالب صيادا ممتازا. وأوضح له الحلزون ماهى نباتات الفـُطر الخطرة. كما أن ظبية لم يكن لها صغير أدخلته فى حمايتها وأعطته دروسا فى الجرى على الأقدام والقفز الطويل. وجعلت منه ضفادع المستنقع أفضل سباح فى البلاد، وأعطاه النمل دروسا فى الاقتصاد والهندسة. وباختصار، كان لديه أشهر الأساتذة فى كل فروع التخصص. ولابد أن ديمترى كان فى حوالى العشرين من عمره عندما، ذات يوم كان يتنزه فيه وحيدا فى الغابة، رأى آتيا إليه فارسا عجوزا كان تائها وسأله عن الطريق. أعاد ديمترى الرجل إلى الطريق السليم، ولأن الرجل سأله مَنْ يكون، حكى له قصته. "اسمعْ، قال له الفارس الذى لم يكن سوى الملك، سأطلب منك خدمة. ستحمل هذه الرسالة إلى رئيس حراس القصر الموجود عند مدخل الغابة." ودون ارتياب، قبل ديمترى. ولأنه كان أمـِّيـًّا رغم كل معرفته، لم يستطع أن يقرأ ما كتبه الملك. عندما وصل إلى مقربة من القصر، التقى بشابة بالغة الجمال سألته عما يريد: "طلب منى فارس تسليم هذه الرسالة إلى رئيس الحرس، قال. ـ أرنى هذه الرسالة، قالت الشابة. وعندما قرأت الخطاب، شحب وجهها، لأنها تعرفت على خط كتابة الملك والدها الذى كتب هذه الكلمات المرعبة: "اقطعْ فورا رأس حامل هذا الخطاب." وعندئذ، لأن ديمترى كان وسيما ولأن النجوم ألهمتها دون شك، قامت بتعديل الرسالة إلى ما يلى: "قمْ بتزويج ابنتى فورا من حامل هذا الخطاب." رئيس ديوان القصر، الذى لم يكن اعتاد مناقشة أوامر الملك، أقام دون إبطاء حفل الزواج، وعندما عاد الملك، لم يكن بوسعه إلا أن يجترّ غضبه. وغاضبا لأنه جرى خداعه، حبس نفسه فى غرفته، ولأن هذه الحجرة كانت رطبة جدا، أصيب بالتهاب شـُعَبِىّ قضى عليه خلال أيام قليلة. وكان ديمترى هو الذى خلفه على العرش، مانحا فى الحال لكل رعاياه الحريات التى كانوا يحلمون بها منذ أجيال وأجيال. أما المنجِّم فلا حاجة إلى أن أقول لكم أن له تمثالا فى فناء القصر وأنه يجرى الاحتفال بذكراه فى كل المملكة. ولم يكن هناك مَنْ جرى شكره سواه. وقد استدعى ديمترى إلى البلاط والديه وأصدقاءه جميعا بما فى ذلك الحيوانات. وعلى هذا النحو وُلِدَتْ صداقة كبيرة بين البشر والحيوانات، صداقة يقال أنها مستمرّة دائما فى هذه المنطقة التى جرت فيها المحافظة على كل الأنواع.
تيمة هذه الحكاية شائعة فى أساطير كثيرة جدا. شابة تقوم بتغيير خطاب فى سبيل إنقاذ ذلك الذى تحبه وتتزوجه فى النهاية. وتقوم حكاية للأخوين جريم، ’الشيطان ذو الشعرات الذهبية‘، بتطوير نفس الفكرة. فتى يتزوج أميرة، رغم معارضة أبيها. ولكن ما يحدث هنا هو أن قطاع طريق، يجرى الالتقاء بهم بالمصادفة، هم الذين يزوِّرون الرسالة. طبعا ليست كل هذه الحكايات متماثلة بالضبط فأحيانا لا يحدث حتى تغيير فى ألفاظ الرسالة. ويحدث لحامل الخطاب أن يوقفه ابن جلاده، أو عدوٌّ يقترح عليه أن يقوم بمهمته. وبالتالى يحدث إنقاذ البطل ويصير شخص آخر هو الضحية، بدلا منه، بموجب الأمر الدموى. ومع هذا، ولأن هذه الأساطير تأتى من أوروپا، أو من أفرقيا، أو من الهند، هناك مغزى يُستنتج منها: لا جدوى من السعى إلى الحيلولة دون حدوث القدر. والملك إيجور ليس فقط لن ينجح فى المقاومة "ضدّ ما هو مكتوب فى السماء"، بل سوف يُعاقب بقسوة. وبالمقابل فإن الأشخاص الأنقياء، مثل ديمترى، سيكونون دائما محصَّنين وحتى تجرى مكافأتهم. وفى الهند، مرّ شاب بمغامرة تشبه مغامرة ديمترى. رُزق فلاح فقير بطفل وكان يعلم أنه لن ينجح فى إطعامه. وبدلا من أن يراه يموت أمامه فضـَّل أن يتركه فى الغابة. ولكنْ، فى الوقت نفسه، كان هناك متنبئ يتكلم أمام جمع حاشد. وأعلن أن طفلا، يُولد فى ذلك اليوم ويُفقد فى الغابة، سيصير عندما يكبر حكيما وقويا. سمع رجل غنى هذه النبوءة ولأنه لم يكن لديه وريث أخذ يبحث عن المولود، لكى يتبناه. رامى، وكان هذا هو الاسم الذى تم إطلاقه على طفل الغابة، عاش حياة سعيدة، طوال سنوات عديدة، لدى أسرته الجديدة. ولكنْ وا أسفاه، لم يكد يبلغ السادسة من عمره حتى أنجبت أمه بالتبنى طفلا. عندئذ رغب الأب فى أن يتخلص من رامى، الذى لم يكن بالنسبة له سوى طفل لقيط. عهد إليه بخطاب طالبا تسليمه للمشرف على أملاكه. ولم يكن عند رامى الفضول الذى يدفعه إلى قراءة الرسالة التى كان يمسك بها فى يده. وكيف كان له أن يتصور أن ذلك الذى اعتبره أبًا له يأمر بقتله؟ ولأن السفر كان طويلا، توقف الفتى فى المساء، ليستريح، فى بيت أحد البراهمة الهندوسيين وكان صديقا لوالديه. وأثناء الليل، بينما كان كل البيت فى نوم عميق، استيقظت ابنة البرهمى واستولت على الخطاب. ومذهولة ومرتعبة أمام مثل تلك القسوة، قامت الفتاة، التى كانت تكنّ مودة كبيرة لرامى، بتحرير رسالة أخرى. وفى اليوم التالى فوجئ المشرف على أملاك الغنى إلى حد ما بتلقى أوامر سيده. فلا أحد كان قد أخبره بعد بخطوبة رامى وابنة البرهمى. ومع هذا امتثل للأمر ونظم بلا إبطاء الاحتفال بالزواج الذى كان لابد من أن يحدث فى نفس اليوم. وصل الخبر إلى والد رامى بالتبنى بعد ذلك بيومين. واستولى على الرجل الشرير غضب شديد إلى حد أنه مات فى الحال.
أصل شجرة التنـُّوب (فرنسا)
الشيطان شخص نعزو إليه دائما كل العيوب، وكل الرذائل، وكل المكائد. ولا نراه أبدا يقوم بعمل طيب. حسنا، فى منطقة الڤوچ، وفوق جبال الچورا العالية، مايزال هناك بعض الأشخاص الذين يعزون إليه خلق شجرة التنوب، وهو ما لا يمكن مطلقا اعتباره عملا شريرا. إنها مغامرة تعود إلى زمن سحيق القدم، فى العصر الذى كانت الأرض قد ظهرت فيه للتو، وكانت ما تزال مبتلة بماء الطوفان الذى كان قد رفع منسوب مياه المحيطات. وكما يمكنكم أن تتصوروا، لم تكن توجد فى ذلك الحين أىّ نباتات، وكانت الكائنات الحية هنا، متضايقة تحت الشمس الحامية التى كانت تجفف الصلصال والصخور. ولم يكن العيش على هذا النحو دون وجود شيء يتيح الاحتماء بالظل مسليا مطلقا. ولكنْ، بين أوائل سكان الجبل، حينما كان الماء ينحسر ببطء عن الوديان والسهول، كان هناك عدد كبير من الشياطين الصغيرة التى كان الشيطان قد اصطحبها إلى هناك وكان يأتى لرؤيتها من وقت لآخر للإشراف عليها قليلا. وخلال أسابيع، كان البخار يتصاعد من القيعان فى الشمس. وكانت ترتفع سحابات كثيفة من الضباب تمتدّ على منحدرات الجبال. وجد الشياطين الصغار ذلك مسليا جدا. كانوا يطاردون بعضهم البعض، ويفقدون بعضهم البعض، ويعثرون على بعضهم البعض من جديد، ليفقدوا بعضهم البعض من جديد أيضا، ثم عندما دفع الحرّ البحار إلى حدودها الحالية الآن تقريبا، عندما اختفت الرطوبة، صار كل شيء واضحا وأكثر رتابة تحت الضوء الساطع. وذات يوم جاء فيه الشيطان لزيارة الشياطين الصغيرة، قالوا له: "عارف، لقد اصطحبتنا إلى كوكب ليس مسليا مطلقا. انظر إلىّ هكذا! العرى الكامل. ما تريد أن تفعل فى عالم كهذا؟ دون أن تأخذ فى الاعتبار أن الجو حارّ فيه. فلا شيء للاحتماء فى الظل، ولا شيء للتسلية..." أقرَّ الشيطان بأنهم على حق، ولأنه أخذ يصرخ فى نفس الوقت فقد فرض عليهم الصمت وقال: "دعونى أفكر خمس دقائق. سأجد لكم شيئا ما." جلس الشياطين الصغار متحلقين حول الشيطان الذى أخذ يتأمل، ورأسه بين يديه والعرق فى جبينه. ومن وقت لوقت، كان يرفع عينيه إلى السماء ويدمدم: "عندهم حق، هؤلاء العفاريت، الجو حار جدا هنا! إن ما يلزم هو شيء مرتفع جدا لا يشغل مكانا كبيرا من التربة، ويتسع قليلا فوق الرأس." نهض، وقطع بضع خطوات، وعاد إلى نقطة بدايته، ثم، ضاربا الأرض بمؤخرة قدمه، أنبت فيها شجرة. وأنا لا أستطيع أن أقول لكم هل كانت شجرة بلوط، أم شجرة زان، أم شجرة بتول، أم شجرة دردار، لكننى أعرف أن هذه الشجرة كانت كثيرة الأوراق. وفى الحال، جاءت كل قبيلة الشياطين الصغار يلوذون بالظل وأخذوا يرقصون متحلقين حول الشيطان الذى أسند ظهره إلى جذع شجرته. ولم يحفظ أحد لحن ولا كلمات ما كانوا يغنونه، ولكن من المعروف أنهم كانوا يشكرون أستاذهم الطيب بهذه الطريقة طالبين منه أشجارا أخرى. ولم يتمنع الشيطان وخلال دقائق قليلة أوجد غابات واسعة حيث استطاع محاسيبه الصغار أن يعيشوا حياة طيبة. مرت شهور، ثم جاء الخريف الذى أتلف الأوراق وأسقطها. وقامت الرياح الشديدة التى تدخلت فى الأمر بتعرية الغابة فى غضون أسابيع قليلة. ولأنه لم يكن أحد قد اكتشف إلى ذلك الحين تبدُّل الفصول فقد وجد الشياطين الصغار الخريف مسليا، ولكنْ عندما وصلت أول عاصفة ثلجية بدأوا يتحررون من الأوهام. وفى اليوم الذى عاد فيه الشيطان لرؤيتهم، أخذوا يصرخون: قلْ إذن، لقد ضحكت علينا بهذه الأشجار! ما هذا الاختراع الذى يفقد أوراقه قبل أن يبدأ الثلج فى السقوط؟ أين تريد أن نجد نحن ما نختبئ فيه؟" كان لا مناص من أن يعترف الشيطان بأنهم على حق وبأنه لم يكن ظريفا مطلقا أن يعيشوا هكذا تحت العواصف الثلجية. وكما فعل قبل إنبات الأشجار الكثيرة الورق، أخذ يفكر مليًّا وبعد لحظة قال: "إذا كانت ذاكرتى قوية، ألم أجعل شيئا ينمو عاليا فوق الجبال؟ ـ لا، أنت لم تضع شيئا هناك فى الأعلى. ـ إذن، اتبعونى، هناك فى الأعلى سنجد الحلّ. ـ آه، لا، صرخ الشياطين الصغار. ما يزال هناك مزيد من الثلج فى أعالى الأشجار. والريح تهبّ هناك بصورة مخيفة. لا تعتقد مع هذا أننا سنتبعك، إننا نفضل أن نهبط إلى السهل. ـ هناك فى المنخفضات، قال الشيطان معلـِّقا، ستغوص أقدامكم فى الوحل وستكون رؤوسكم تحت المطر. الذين يريدون الذهاب إلى هناك سيذهبون بدونى. أما الذين يثقون بى فسوف يتبعوننى نحو القمم." لم يذهب أحد إلى السهول. وتبعه بعضهم متذمرين، ولكنهم تبعوه مع ذلك. وبمجرد أن وصلوا إلى الحدود العليا للغابة الكثيرة الورق، أنبت الشيطان ـ الذى كان يفكر أثناء سيره ـ شجرة تنّوب ضخمة. شجرة تنّوب من الضخامة بحيث أن كل الشياطين الصغار استطاعوا أن يتجمعوا تحت أغصانه المنخفضة، فى نوع من الظل الخفيف الفاتر الذى كان يتناقض مع البياض الثلجى للشتاء. وعندما زرع الشيطان كل القمم، انصرف فخورا جدا بعمله، تاركا الشياطين الصغار يتنقلون من غابة إلى الأخرى على مرّ الفصول، محميين دائما بالأشجار التى صارت أروع أصدقاء الشياطين الصغار والبشر.
يمثل ميلاد شجرة ظاهرة غريبة حقا. فلماذا لا نصدِّق، كما تؤكد بعض الحكايات، أن الشيطان أوجد شجرة التنّوب، وأن شجرة جوز الهند انبثقت من ثـُقـْبٍ حفره رأس أمير أسماك الأنقليس؟ وقد حاول البشر فى كثير من الأحيان تفسير وجود نباتات بدت لهم غامضة الأصل على أرضهم. وقد نشأت الأساطير آنذاك لتفسير لماذا كانت بعض البلدان صحراوية والأخرى على العكس مغطاة بنباتات وفيرة. وهكذا ففى ڤنزويلا وجويانا تساءل الناس منذ وقت طويل كيف حدث أن وُجدت فى الغابة أشجار موز لم يزرعها أحد. وتقدم لنا أسطورة، تُرْوَى فى المرتفعات الجبلية التى يتفرع منها نهر أورينوكو وبعض روافد نهر الأمازون، السبب وراء وجودها الغريب. وتخبرنا هذه القصة فى الوقت نفسه ظهور جبل رورايما. كان هناك أربعة إخوة، أكولى، وماكوناينا، وكالى، وماناپى، وكانوا يبقون على قيد الحياة بصعوبة فى الغابة. ذلك أن الطعام لم يكن شديد الوفرة ولم يكن القليل الذى يجدونه يُشبع شهيتهم. وذات صباح، اكتشف أكولى شجرة، شجرة الڤازاكا، التى كانت تحمل كل أنواع الفاكهة، وخصوصا الموز. الفتى، الذى لم يكن كريما بصورة خاصة، قرر أن يستفيد وحده من النعمة. وكان كل يوم يُشبع نهمه دون أن يقول شيئا لإخوته. وانتهى هؤلاء إلى إدراك أن أكولى فى صحة أفضل منهم. وذات صباح، اقترح عليه كالى أن يذهب معه إلى الغابة. أكولى، الذى كان حريصا حقا على أن لا يفشى سرّه، نجح فى أن يسبقه ويضلله. واكتفى كالى التعيس بأكل فواكه شجرة اسمها زان. وبدا أن هذه الفواكه رديئة إلى حدّ أنه كان لا يمكن أن يقنع بها سوى حيوان قارض، هو حيوان الأجوتى. وفى اليوم التالى، تكرر نفس المشهد مع ماكونايما. وأبلغ الأخوان المغامرة لأخيهم الأكبر، ماناپى، الذى لم يتحمل أن يتم خداعه أطول من ذلك. سار وراء أكولى مختبئا ووجد شجرة الڤازاكا. لم يستطع ماناپى أن يصفح عن أنانية أخيه؛ ومستعدًّا للانتقام، أمسك ببلطة ليقطع الشجرة. ورغم صرخات أكولى ضرب جذع الشجرة بكل قواه. ونطق الأخوان بصيغ سحرية، أحدهما مدفوعا بالغضب، والآخر ليحافظ على ملكه. كان ماناپى يقول: "پاپايى"، وصارت الشجرة طرية، فكان النصل يخترق عميقا. وكان أكولى يصرخ: "وايناييج"، فكانت الشجرة تتصلب. ومع هذا فإن ماناپى، الأقوى عزما، فاز بالانتصار. سقطت الشجرة، ومعها كثير من الموز. وهذا هو السبب فى أن أشجار الموز أخذت تنبت فى الغابة. واليوم يبدو أن أشجارا منها ما تزال موجودة. ويزعم بعضهم حتى أن ما بقى من الڤازاكا قد قام بتكوين جبل، رورايما، وهو مرتفَع ضخم من الصلصال الرملى الوردى اللون، ويصل ارتفاعه إلى 2772 متر، ودائما تتوِّجه السُّحُب.
الغابة-الصغيرة (جزر الباليار)
فى أرض مقطوعة الأشجار فى الغابة، كانت هناك قديما فتاة عاشت وحيدة ولم يعرف أحد عنها شيئا. وذات يوم، اكتشف بعض الحطابين وجود منزل خشبى صغير مبنى فى هذه الناحية النائية. وفى الخارج، قريبا جدا من الباب، وعلى مقعد مصنوع من جذع شجرة مقطوع بالطول وموضوع على عارضتين من فروع الشجر، كانت تجلس الفتاة، منهمكة فى غزل الصوف. تقدَّم حطابون للبدء فى الحديث، غير أن الفتاة، بمجرد أن لمحتهم، دخلت منزلها الصغير الذى أغلقت بابه ثانية. ومرارا وتكرارا، كان أشخاص آخرون من القرى الواقعة على حافة الغابات الكبرى يحاولون الكلام مع الفتاة التى كانت تغلق على نفسها، كل مرة، بنفس الطريقة. ولأن الناس لم يكونوا يعرفون اسمها، فقد أطلقوا عليها اسم الحسناء المتوحشة فى أرض الغابة المقطوعة الأشجار، وكانوا يروون عن طيب خاطر أنها ليست سوى جنية شريرة حوَّلت نفسها إلى فتاة جميلة لكى تجذب بصورة أفضل محبى الاستطلاع وتلعب عليهم أدوارها الشريرة. ولهذا كان الناس ينهون الأطفال عن المخاطرة بأنفسهم فى هذه الناحية من الغابة، وبالتدريج اعتاد الحطابون على الالتفاف حول هذه الأرض فى الغابة. وبعون الوقت، توقفوا عن قطع الأشجار داخل محيط كبير كان المنزل الصغير مركزه. وعلى هذا النحو كانت توجد، فى قلب الغابات، دائرة استطاعت النباتات أن تنمو فيها بكل حرية، وصارت فيها الحيوانات، متأكدة من أنها لن تلتقى بأىّ صياد، كثيرة بصورة متزايدة، وعاشت فى سعادة تامة. وكانت الفتاة تتفاهم بصورة كاملة مع كل هذه الحيوانات التى قدمت لها خدمات عديدة. قامت الذئاب والثعالب بالحراسة، وأقامت الطيور الحفلات الموسيقية، وأحضرت السناجب جوز الهند، والبندق، والكستناء. ونبش الخنزير البرى الأرض بحثا عن فـُطر اللفت، وجاءت الفئران لتقوم بنشر الخشب، وقامت الأرانب بإزالة الأعشاب الضارة فى الحديقة التى كانت تحرثها حيوانات الخلد. وباختصار فقد اشتغل هناك عالم صغير منتوف الريش أو كثير الشعر، بدافع المودة نحو الفتاة. ولكن ذات صباح، فيما كانت منهمكة فى قطف الزهور بصحبة ظبية قلما كانت تغادرها، رأت الفتاة ـ وهو يخرج من ظل أشجار البلوط العجوزة ـ رجلا ضخما وقويا فى حوالى الثلاثين من عمره، وكان يرتدى زيًّا تلمع منه خيوط الذهب واللآلئ. ولأن هذا كان أبعد عن المنزل من أن تستطيع اللجوء إليه، بقيت الفتاة فى مكانها، مسمَّرة من الذهول. أما الظبية، التى كانت أرشق كثيرا، فقد اختفت بقفزة صارخة: "احذرى، أيتها الغابة-الصغيرة، هذا هو الملك! وهو صياد مرعب." نظرت الفتاة إلى الشخص المجهول الذى ابتسم لها. "هذا صحيح، قال. أنا الملك. لكننى لن ألحق بك أىّ أذى. كذلك لن أؤذى أصدقاءك الحيوانات، لأننى أعلم أننى فوق أراضيك... ولكنْ، قولى لى، يبدو لى أن هذه الظبية أطلقت عليك اسم الغابة-الصغيرة؟ ما معنى هذا؟" كانت الفتاة أشدّ انفعالا من أن تستطيع الإجابة؛ وخافضة رأسها، نظرت إلى الأرض عند قدميها وأخذت ترتجف. فى تلك اللحظة، انزاحت كتلة من الطين وسجل خطم أحد فئران الزباب حضوره فى ظل ورقة خسّ عريضة: "لا تخافى من شيء، غمغم فأر الزباب. هذا الملك عظيم وقوى، ولكنْ أمام جمالك، لن يجديه ثراؤه وقوته نفعا. ـ حسنا، قال الملك الذى لم يستطع أن يسمع فأر الزباب، هل أنت خرساء؟ ـ لا، قالت الفتاة. ولكن الزيارات نادرة جدا هنا... ـ إذن، ما اسمك؟ ـ لقد فهمتَ بالضبط. الحيوانات أطلقت علىّ اسم الغابة-الصغيرة لأنه، من حولى من كل اتجاه، يوجد من أجلها ما يشبه جزيرة سلام صغيرة فى قلب الغابة. وقد سموها الغابة الصغيرة وأنا أيضا يسموننى كذلك. ـ حسنا، قال الملك. هذا اسم جميل جدا. وأنا أجد أيضا أن مملكتك بالغة الجمال. والطريقة التى غزوتِ بها هذه المملكة بمساعدة الحيوانات تعجبنى للغاية." وبعد قليل من التردد، ابتسم ابتسامة غامضة إلى حدّ ما، وأضاف: "هل تعرفين أنك إذا لبست كما يحدث فى البلاط، ستكون لك حقا سيماء أميرة؟" احمرّ وجه الغابة-الصغيرة، واضطربت، ثم استدركت لتجيب: "أشكرك على هذه المجاملة، غير أن فستانى الصوفى وقبقابى كافيان لى. ـ اسمعى، قال الملك. سأطلب منك خدمة. عندى وزّتان أحضرهما إلىّ أمير أجنبى وهما من سلالة أصيلة وعريقة للغاية. ويضايقنى كثيرا أن أتركهما فى فناء دواجنى مع الدواجن الأخرى. وأنتِ التى تعيشين فى أتمّ عزلة، هل تقبلين أن تقومى برعايتهما من أجلى إلى أن أجد ذكرا جديرا بتخصيبهما؟ ـ بالطبع، قالت الغابة-الصغيرة. ليس المكان هو ما ينقصنا هنا." انصرف الملك، ومنذ ذهابه، دعت الغابة-الصغيرة أصدقاءها الذئاب والثعالب. "قولوا إذن، بادرتهم، مقطبة حاجبيها، لماذا تركتم هذا الغريب يمرّ حتى دون إبلاغى بوصوله." أكبر الذئاب سنا، وهو الذى كان مسئولا عن الجنود، ابتسم وغمز فى اتجاه رفاقه. "سامحينا، قال. هذا خطأ جسيم. إننى أعترف بهذا، لكنْ إذا عاد هذا الرجل فسوف نلتهمه. ـ لا، لا، صرخت الغابة-الصغيرة فى الحال. لا بد أن يُحْضِر لى الوزّتين. وخصوصا، لا تلحقوا به أىّ أذى." انفجر الجميع ضاحكين، ومرة أخرى احمرّ وجه الفتاة بشدة. ومنذ اليوم التالى، أحضر الملك الوزّتين اللتين أطلقهما فى أرض الغابة المقطوعة الأشجار حيث قام ذكر بط عجوز فى الحال بتعليمهما إزالة الأعشاب الضارة. "لكى أشكرك، قال الملك للغابة الصغيرة، أحضرت لك بندقة، ولوزة، وجوزة هند. هذه أشياء قليلة جدا، ولكنْ إذا أحببتِها، سأحضر لك غيرها. ـ أشكرك، قالت الفتاة، ولكنْ لا تكلف نفسك بهذه المشقة، إذْ أن سناجبى تقطف لى منها أكثر مما أستطيع أن آكل. ـ مع هذا، كُلى ما أحضرت لك"، قال الملك الذى انصرف ضاحكا. وبمجرد أن اختفى بين الأشجار، جلست الغابة-الصغيرة على الأرض، وتناولت حجرين وكسرت البندقة. وبداخلها، كانت توجد كرة صغيرة من الفضة صارت، بمجرد تخلصها من صدفتها، مثل فراشة تخرج من خادرتها وصارت فستانا بديعا مقصَّبا بالفضة. ارتدت الغابة-الصغيرة الفستان ثم، عندما كسرت اللوزة، وجدت بداخلها إكليلا للشعر من الذهب والياقوت. وأخيرا اكتشفت، بداخل الجوزة، حذاءً من الجلد الفاخر بحلقات من المعدن المرصع. وبمجرد أن رأتها الوزتان لابسة هكذا، أخذتا تصفقان أجنحتهما وتـُطلقان صيحات الابتهاج والإعجاب. عندما سمعهما الملك، الذى لم يكن بعيدا جدا، استدار وعاد راكضا. "كنت أعرف تماما، قال، أنك أجمل الأميرات. هل تقبلين أن تصبحى زوجتى؟" بعد عدة لحظات من التردد، قالت الفتاة: "نعم، أقبل، ولكنْ بشرط أن نعيش هنا، كلانا، وسط أصدقائى الحيوانات. ـ عندك حق، قال الملك، إن كنزا مثلك يجب أن يظل مخبوءًا. ثم إننى سئمت من الحياة الزائفة فى البلاط. وسيكون أخى سعيدا بأن يخلفنى على العرش، أما أنا فسأعرف الحياة الحقيقية هنا." وبينما كان يتكلم على هذا النحو، فى الظل الخفيف للدغل، كان الذئب العجوز يضحك بصحبة حيوانات الغابة.
الغابة-الصغيرة هى بطلة أسطورة قديمة جدا فى جزر الباليار. وكما هو الحال بالنسبة لحكايات عديدة، فإن لهذه الحكاية روايات عديدة. أحيانا يترك الأخ أخته الفتاة فى الغابة. وعندئذ تأتى امرأة عجوز إليها وتعطيها لوزة، وبندقة، وجوزة هند. وعندما تكسر الفواكه، ترى الغابة-الصغيرة ظهور ثلاثة فساتين رائعة. ووفقا لرواة آخرين، تقدم المرأة العجوز ثلاثا من أوراق الشجر. ومع أن بعض التفاصيل تتغير فإن التيمة الأساسية للحكاية تبقى كما هى. فالغابة-الصغيرة، مطرودة من بيت والديها أو تاركة إياه طوعا، تلجأ دوما إلى الغابة وتقرر أن تعيش هناك. والغابات، فى وقت واحد، مكان حماية ومكان لقاءات غير متوقعة. وإنما بهذه الطريقة يكتشف الأمير الغابة-الصغيرة بالقرب من كوخها. وفى الحكاية التى قرأتموها منذ قليل، يفضل الملك التخلى عن حياة البلاط الملكى لكى يقيم بجوارها. ومثل الجبل، تمثل الغابة ملاذا للحكماء، وللعشاق، ولكل أولئك الذين سئموا "الحياة الزائفة" فى المدينة. وفى الجزائر، نذر، بدوره، على نفسه أمير اسمه علىّ أن يعيش فى الغابة. وقد أقام فى بيت صغير فقير وصار حطابا. ولكن مصيره، كما سترون بعد قليل، لا يشبه تماما مصير الغابة-الصغيرة. كان علىّ يحلم منذ وقت طويل بأن يصير حطابا. وذات يوم، رحل، حاملا بلطة ودافعا أمامه حمارا. وبنى لنفسه كوخا فى الغابة ومنذ الفجر كان يقطع أشجارا. وكان الشاب يذهب كل أسبوع إلى المدينة المجاورة لكى يبيع حطبه. ومن جهة أخرى كان للسلطان الذى يحكم هذه المدينة سبع بنات. وراغبا فى تزويجهن، أخفى كل شبان ضواحى المدينة واقترح على الأميرات أن يقمن بإلقاء سبع تفاحات ذهبية من شبابيك القصر. وأولئك الذين يتلقفونها سوف يتزوجون من الفتيات. وقعت إحدى التفاحات فى يد علىّ الذى كان هناك بالصدفة. ولم يغيِّر الزواج فى شيء حياة الحطاب. وبعد الاحتفال عاد، مع زوجته، إلى مسكنه الفقير. ويمكنكم أن تتخيلوا بسهولة الاحتقار الذى كانت تكنـُّه له أسرة قرينته، وخصوصا إخوتها الذين كانوا جميعا أغنياء. ولإذلاله بأقصى قدر، نظموا فيما بينهم وجبات باذخة. وعندما جاء الدور على علىّ ليدعو أسرة زوجته، استولى عليهم الغضب والذهول. فرغم فقره، كان الفتى قد أعدّ وليمة حقيقية. وفى اليوم التالى، استأنف الحطاب عمله، دون أن يسعى إلى إشباع فضول مدعوِّيه. والواقع أن عليًّا كان فى حوزته خاتم سحرى كان يتيح له تحقيق كل رغباته، غير أنه لم يكن يستخدمه مطلقا. وإذا كان قد استخدمه فى ذلك اليوم فمن المحتمل. أن هذا إنما كان لتلقين إخوة زوجته درسا. وقد عاش علىّ بعد ذلك وقتا طويلا فى الغابة، دون أن يخشى لا العمل ولا نقص المال. وبعد ذلك بأعوام عديدة، عاد إلى بلده. وبعد أن خلع عليه رعاياه لقب الملك الحطاب كان، فيما يقال، عاهلا عادلا وحكيما.
مبعوث القيصر (روسيا)
كان هناك، فى قديم الزمان، فى سهل واسع مزروع قمحا فى روسيا البيضاء، فلاح بلا أرض طفح به الكيل من العمل فى خدمة مالك غنى بخيل وشرس. وذات يوم، قال لقرينته: "اسمعى، لدينا سبعة عشر طفلا. وأولئك الأكبر سنا لديهم من القدرة ما يكفى لمساعدتى. وإذا رحلنا فى اتجاه سيبريا، سوف ننتهى إلى العثور على أرض يكون من الممكن لنا أن نستقر فيها للعمل لحسابنا. ويبدو أنه توجد، هناك، مساحات واسعة لا يملكها أحد." قبلت الزوجة وقالت ببساطة: "نعم، لدينا سبعة عشر طفلا ، زائدا قِطـّنا. ـ قِطـُّنا، علق الفلاح، لن نصطحبه معنا. إنه يأكل مثل أربعة، وهو كسول جدا، وهو سيئ الطبع؛ وهذا السفر فرصة جيدة للتخلص منه. وعندما سنكون بعيدين، سيكون فى القرية أشخاص كثيرون يتبنونه." المرأة، التى أحبت القط كثيرا رغم هذه العيوب، حاولت الدفاع عنه، غير أن الزوج رفض أن يسمع شيئا، وأخذ يُعِدّ لرحيل الأسرة. وعندما صارت العربة محملة وتجمع كل الناس حول العربة والحصان، استدرج القط إلى مخزن الغلال وصبّ له ملء قصعة من اللبن. ثم، بعد أن أغلق الأبواب والنوافذ بعناية، فرقع سوطه. ورحل الحصان بخطى سريعة، وهو يجرّ العربة التى سمعها القط تبتعد على الطريق المتجمد بالجليد. ودون أن يتعجل، أفرغ القط قصعته، وملـَّس شاربيه بقائمته، ونظف نفسه، ثم تسلل، حتى دون أن يذهب إلى الباب، من خلال ثقب فى السقف وقفز إلى الأرض. ولأنه كانت له حاسة شمّ جيدة كصياد، لم يجد أىّ صعوبة فى تتبُّع العربة التى لحق بها مع حلول الليل. وكانت تشتعل نار كبيرة من فروع الشجر، تمدَّد حولها الأب والأبناء الأربعة الأكبر سنـًّا بينما كانت الأم وبقية الأطفال ينامون فوق التبن، تحت غطاء العربة. ودون أدنى ضوضاء، تسلـَّق القط إليهم، وأكل ما أبقوه من لحم ونام فى المكان الدافئ، قريبا من الأم. وبالطبع ففى صباح اليوم التالى، عندما اكتشف الفلاح أن اللحم قد اختفى، حاول القبض على القط الذى رحل مثل سهم أشقر على الطريق، سابقا أصحابه. مرت ثلاثة أسابيع فى نهارات لا نهاية لها من السير وليالٍ من مخيمات العراء. ولتهدئة شكوك القط، كان صاحبه يعطيه كل مساء ما يأكله، قبل أن ينام. وبهذه الطريقة استطاع، ذات ليلة، أن يقبض عليه وأن يدخله فى كيس كان قد أعدَّه بحبل متين. وكان القط يموء ويخدش بمخالبه عبثا، وكان مُلْقـًى على القش، واستأنفت العربة طريقها. وفيما كان الحصان يجرى مسرعا، قالت المرأة للقط، دون أن تفتح الكيس: "اسمعْ، أريد حقل أن أحررك، ولكنْ ينبغى أن تعدنى بأنك ستعود إلى القرية وبأنك لن تسعى بعد الآن إلى اللحاق بنا. زوجى يكرهك. ولأننى أعرف أنه عنيف، أعتقد أنه سيكون قادرا على ذبحك. ـ عظيم، قال القط. فهمت. افتحى الكيس، وأنا أقسم لك أنك لن تسمعى عنى مطلقا بعد الآن." وبمجرد أن تحرر، قفز واختفى فى الغابة. وهناك، قال لنفسه وهو يفرك أذنه: "الثلج ليس بعيدا. وأنا أعرف تماما أننى أستطيع الصيد، ولكن هذا شاق جدا على قط كان البشر يغذونه دوما. وينبغى تماما أن أجد أحدا يعطينى مأوى وطعاما." وأخذ يتجول محتميا بالأشجار، حزينا جدا، وجائعا. والحال أن أول شخص التقى به كان أنثى ثعلب رائعة، ذات شعر أشقر مثل شعره، سألتـْه عما يفعل هناك. فكر القط لحظة ثم أجاب بعجرفة: "أنا مبعوث القيصر العظيم لعموم روسيا. وقد قال لى: ’اذهبْ إلى الغابة. وستكون حاكما على كل الحيوانات التى تعيش فيها. ستتزوج هناك وتنفذ الأوامر التى سيحملها إليك سعاة بريدى‘. ـ أوه! قالت أنثى الثعلب. ولكنْ قلْ لى، هل أعجبك؟ ـ أنت تعجبيننى جدا، قال القط. ـ بما يكفى لأن تتزوجنى؟ ـ إذا قررتِ أن تكونى زوجة وفية ومطيعة، ستكونين قرينة حاكم الغابة." أقيم الزواج فى اليوم التالى، واستطاع القط أن يقيم برفاهية فى جُحْر أنثى الثعلب التى انطلقت فى الحال لتصطاد لإطعامه. ولأن القط كان جائعا جدا ولم يكن من السهل اللحاق بالصيد فى الغابة المجردة من أغصان الشجر، ذهبت أنثى الثعلب لتبحث عن ذئب كان يرغب ، منذ وقت طويل، فى أن يتزوجها. "أنا متزوجة، قالت له. ـ كيف، ولكنك كنت قد وعدتِنى..." ولم تنسَ أن تقول له أكثر من ذلك. "لا تعُدْ إلى أشياء الماضى، قالت. إن زوجى هو حاكمنا الجديد. قط أشقر قوى جدا وهو صديق القيصر. وإذا كنت حريصا على إقامة علاقات جيدة معه، سيكون عليك أن تحمل إليه هدية صغيرة. خروفا، على سبيل المثال، أو بالأحرى عجلا." امتثل الذئب، ثم أبلغ الدُّبّ، وخلال أيام معدودة علمت كل حيوانات الغابة بالخبر. ولأنها جميعا كانت حريصة على صداقة الحاكم الجديد، فقد أخذت جميعا تصطاد من أجله. لم يَعُدْ أحد يسمع مطلقا عن الفلاح الذى أقام دون شك بعيدا عن هناك، ولكن القط سرعان ما صار شهيرا، وعاش إلى أن صار عجوزا جدا، يغذيه دوما باللحم الطازج رعاياه المفعمون بالإعجاب والتفانى، مدلـَّلا دائما من جانب قرينته التى أحبته وأعجبت به كثيرا.
كان مبعوث القيصر قطا كسولا جدا، ولكنْ بارعا جدا أيضا، مما سمح له بأن يعيش، دون أن يفعل شيئا، فى الغابة. ولاشك فى أن البراعة، مع الفطنة والصبر، تمثل إحدى السمات الأكثر تمييزا للقطط، وتثبت هذا بدورها جيدا حكاية [القط المحتذى] الشهيرة ﻟ پيرُّو Perrault. ومع هذا فإن البشر لم يقدِّروا دائما هذه الحيوانات حق قدرها. وإذا كانت بعض قبائل أمريكا الشمالية قد خصتها بإجلال حقيقى فقد اعتبرتها شعوب أخرى كائنات شيطانية، تتمتع بقوى سحرية. وتوحى القطط السوداء، أكثر من كل القطط الأخرى، بارتياب عميق. وقديما زعم الناس الغيبيون أن هذه السنوريات الوديعة تتصف، مثل الساحرات والسحرة، بعادة الاجتماع على ضوء القمر، على أرض مهجورة. ويقال أن البشر كانوا يهتمون بالعودة على أعقابهم إذا قادتهم خطاهم، بالمصادفة، إلى مكان غير بعيد عن هذه الاجتماعات الليلية. وكانت معتقدات كثيرة تعزو إليها أيضا القدرة على التحول. وفى الياپان يجرى الحديث عن قطط ذات ذيول مشطورة، هى قطط نيكوماتا nekomata، وهى قادرة على قتل النساء واتخاذ أشكالهن. كما أننا نلتقى من جديد حتى بنفس الفكرة المتعلقة بأسطورة ألمانية قديمة. فقديما كان الشبان والشابات الذين يقيمون فى مزارع منعزلة يعودون، يوم الأحد، إلى أقرب قرية ليرقصوا. وبالطبع كانت كل فتيات المناطق المجاورة يأتين إلى حفل الرقص. وكانت إحداهن، وهى خادمة، تعتاد على الاختفاء عدة ساعات أثناء الاحتفال، وهذا ما كان يدهش أصدقاءها كثيرا. وذات يوم، قرر بعض الفتيان والفتيات الأكثر فضولا من الآخرين، أن يتبعوها، دون أن تستطيع أن تلمحهم. الفتاة، التى كانت تجرى عبر الحقول، توقفت فجأة بالقرب من شجرة صفصاف عجوز، كان جذعها مجوفا، دخلت فى جوفه. وبعد ذلك بلحظات رأى الفلاحون قطا يخرج من الشجرة ويبتعد بسرعة. ومدفوعين بالفضول، اقترب هؤلاء الشباب من الشجرة واكتشفوا بذهول الجسد الذى لا حياة فيه للخادمة. ومرتعبين، اختبأوا بأسرع ما استطاعوا وانتظروا. وقد كوفئوا على صبرهم. فقد عاد القط بالفعل، ودخل بهدوء فى جوف شجرة الصفصاف، أما الخادمة، التى كانت تبدو ميتة قبل ذلك بوقت قصير، فقد ظهرت وسلكت من جديد طريق القرية.
المؤلف فى سطور
ولد برنار كلاڤيل Bernard Clavel فى لونس-لو-سونييه Lons-le-Saunier فى 1923، وكان يحلم منذ أيام المدرسة الابتدائية بدخول الفنون الجميلة؛ غير أنه كان فى البداية حلوانيا مبتدئا وكان عليه أن يمارس فى سبيل لقمة العيش المهن الأكثر تنوعا، ولم يمنعه هذا من التصوير بالألوان وفى الحال من الكتابة. ومن الكتابة جاء نجاحه. وفى 1968، حصل، بصورة متلاحقة، على جائزة جونكور، وجائزة چان ماسيه، والجائزة الأدبية الكبرى لمدينة پاريس. وقد كتب برنار كلارڤيل قصائد، ومقالات، وقصص أطفال، وقرابة ثلاثين رواية، تم إخراج العديد منها فى التليڤزيون.
المترجم فى سطور
كاتب ومترجم مصرى، كتب العديد من مقالات النقد الأدبى فى النصف الثانى من الستينيات وبداية السبعينيات صدرت مؤخرا بعنوان "خطوات فى النقد الأدبى". وفى النصف الثانى من السبعينيات كتب (باسم قلم) العديد من المقالات والكتب فى مختلف مجالات السياسة المصرية والعربية والعالمية. يعمل منذ بداية الثمانينيات فى مجال إعداد المعاجم والترجمة عن الإنجليزية والفرنسية حيث ترجم العديد من الكتب فى مجالات الأدب والنقد الأدبى والسياسة والفكر. وفى مجال كتب الناشئة والأطفال: كان المحرر والمستشار اللغوى لمعجم Elias Illustrated Junior Dictionary, English-Arbic الصادر عن دار الياس العصرية للطباعة والنشر (عام 1999) وهو من إعداد كارين جلاسجو وإيڤا الياس، كما ترجم كتبا أخرى صدرت عن نفس الدار وهى: دينو، الديناصور تأليف: آنا ماريا روميرو يبرا (عن الإسپانية)؛ وملك الغابة تأليف: ميكيل باربيردى (عن الإسپانية)؛ وتيمور والتعبيرات تأليف: آنى جروڤى (عن الفرنسية بالاشتراك مع هويدا نور الدين).
كلمة الغلاف الخارجى الخلفى
أساطير الجبال والغابات برنار كلاڤيل
فى بلد الأساطير، تحت غطاء الجبال والغابات، يغدو الشيطان والقرد الأبيض الضخم ملكين. ولا تمثل الفتيات المسحورات والأشجار التى تتكلم سوى أدنى رموز هذا العالم الملئ بالسحر و الحلم.
#خليل_كلفت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هاجس الحرب الأهلية فى مصر
-
أساطير البحيرات والأنهار - برنار كلاڤيل
-
أضأل امرأة فى العالم - كلاريس ليسپكتور
-
أسطورة الفترة الانتقالية وحقائق المسار الفعلى للتطورات فى مص
...
-
مقالات مترجمة فى الفن التشكيلى
-
أساطير البحر - برنار كلاڤيل
-
تسع قصائد للشاعر البرازيلى: مانويل بانديرا
-
سبع قصائد لناظم حكمت
-
غنوة
-
مشاكل تخلُّف (قصيدة)
-
الإعداد للموت (قصيدة)
-
أربع قصائد لبورخيس
-
الترجمة فى سياق ما بعد كولونيالىّ
-
الأب ضد الأم وقصص أخرى
-
طريق الآلام
-
وَقْع أقدام
-
الازدواج فى اللغة العربية بين -الفصحى- و-العامية-
-
شعار -ثورتنا برلمان وميدان- مُخَدِّر جديد لقوى الثورة!
-
المهدى الرئاسى المنتظر فى مصر!
-
من سؤال الأسباب إلى سؤال النتائج (كلمة للإلقاء فى مؤتمر الثو
...
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|