مراد غربي
الحوار المتمدن-العدد: 3728 - 2012 / 5 / 15 - 18:31
المحور:
الادب والفن
إنّ الفنّ بأشكاله المتعدّدة بما هو ذلك الرّفض الأكبر لا يلتصق بالواقع إلّا بقدر ما يمكن أن يكيله له من ضربات وبقدر ما ينجح في تعرية مواطن قبحه الأكثر مدعاة للخجل فهو في علاقة عدائيّة مع هذا الواقع مهما إكتنفه من رفاه مموّه قائم على تلبية حاجات وهميّة تشكّل غالبا عائقا أمام التحرّر الفعلي للإنسان بما هي تلهيه عن حاجاته الحقيقيّة.. وهذا الإستعداء الضروري جدّا لا يجعل من الفنّ مساءلة متواصلة لما هو قائم فقط بل سعيا دؤوبا وإندفاعا لا يخمد لهدم أعمدته وتقويض أسسه لا إحتفالا بالهدم بل تأسيسا لما يمكن أن يوجد ، فهو بمعنى ما ذلك "العمل الذي يحيي فينا ما ليس موجودا" كما عرّف بول فاليري الشّعر ، ولعلّ تعريفه يتجاوز الشّعر إلى مختلف الأشكال الفنّية الأخرى كأن يأتيك مثلا صوت مارسيل خليفة وصوت أميمة الخليل بكلّ تلك العذوبة التي يكتنزانها ولكن أيضا وخاصّة بكلّ ما يحملانه من طاقة إحتجاجيّة ، أقول يأتيك ذلك الصوت ليبعث فيك ما لا عهد لك به ، وهذا الذي لم تعهده لم يكن ضرورة غير موجود بل من الممكن جدّا أن يكون ذلك الصوت قد حرّكه من زاوية ما يقبع بها داخلك وخرج به بالتالي من مدار كمونه الجامد المستسلم إلى مدار تجلّيه المتحرّك المحتجّ.
لذلك فإنّ الفنّ الذي لا يفاجؤك ولا يحدث بداخلك تلك الصّدمة المحبّبة قد إختار الإنخراط في السياق الذي يراد له أن يظلّ راكدا بهدف قطع الطريق أمام كلّ طاقة إحتجاجيّة تناضل من أجل تحرّرها من كمونها، وهو بذلك قد كفّ عن أن يكون رافضا وتاليا كفّ عن أن يكون فنّا.
#مراد_غربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟