|
النكبة
يعقوب ابراهامي
الحوار المتمدن-العدد: 3728 - 2012 / 5 / 15 - 18:28
المحور:
القضية الفلسطينية
ليس في ما يلي إنكارٌ لحق الشعب العربي الفلسطيني في إحياء ذكرى "النكبة" في اليوم الذي يريده وبالشكل الذي يختاره. ليس لإنسان في العالم الحق في منع عرب فلسطين من إحياء ذكرى مأساةٍ مسجلة في ذاكرتهم الجماعية، وبالتأكيد لا يحق ذلك لمن بلاده تحتل أراضيهم. قصة "النكبة" هي قصة الصراع بين شعبين على قطعة أرضٍ واحدة. في هذا الصراع لكل طرفٍ قصته المشروعة. نجاح الشعب اليهودي بإقامة دولته اقترن ب"نكبة" أصابت الشعب العربي الفلسطيني. "نكبة" الشعب الفلسطيني هي بمعنى معين نكبة اسرائيل أيضاً. لولا "النكبة" لما حلت "الكارثة التاريخية الكبرى" (حرب الأيام الستة واحتلال الضفة الغربية عام 1967) التي تهدد اليوم بالقضاء على المشروع الصهيوني برمته. لذلك مع كل تفهمنا للغبن التاريخي الذي أصاب الشعب الفلسطيني من واجبنا أن نسأل: من المسؤول عن "النكبة"؟ وهل هناك من يتاجر ب"النكبة" على حساب الشعب الفلسطيني؟ وأهم من ذلك: عندما يؤكد قادة الحزب الشيوعي العربي في اسرائيل، بمناسبة ذكرى "النكبة"، أنهم لن يعترفوا بدولة اسرائيل كدولة يهودية، وعندما يتحدث حزب الشعب (الشيوعي) الفلسطيني، في بيانٍ يصدره بمناسبة ذكرى "النكبة"، عن "الكيان الصهيوني" وكأنه لا يعرف أن هذه اللغة هي اللغة التي أنزلت "النكبة"، ألا يحق لنا أن نسأل: أهذا هو كل ما تعلمه اليسار العربي من "نكبة" شعبه؟ هذا ما سنحاول أن نبحثه هنا. لماذا "نكبة"؟ هل الشعب العربي الفلسطيني هو شعب منكوب أم شعب يدفع ثمناً باهضاً لأنه رفض رفضاً قاطعاً أن يعترف بوجود شعبٍ ثانٍ يشاركه الوطن الواحد، وبدل أن يتفاهم معه فضل الإنجرار وراء شعارات جوفاء ("فلسطين للعرب") خدع بها نفسه وجرّته إلى الهلاك؟ ولماذا في 15 أيار؟ ماذا حدث في 15 أيار بالذات؟ هل أن كارثة طبيعية (لا قدرة لأحد على منعها) عصفت بالشعب الفلسطيني في 15 أيار عام 1948 أم إن زعامة فاسدة بائسة، غير مسؤولة، هي التي قادته إلى الهاوية وأنزلت به هزيمة شنعاء؟
الشعب العربي الفلسطيني لا يستطيع أن يلقي باللوم،على المصير الذي آل إليه، سوى على نفسه. أحد (عدا طبعاً الحكام والملوك العرب) لم يتآمر على الشعب الفلسطيني. وفي 15 أيار عام 1948 بدل أن تنتهز قيادة هذا الشعب الفرصة التاريخية السانحة (على أثر انتهاء الإنتداب البريطاني على فلسطين) وتعلن عن قيام الدولة العربية الفلسطينية المستقلة في الجزء المخصص لها حسب قرار التقسيم (كما فعلت القيادة اليهودية الحكيمة) أعلنت القيادة العربية الحمقاء (التي فضلت في الأمس القريب التعاون مع ألمانيا النازية على التفاهم مع ممثلي الشعب اليهودي في فلسطين) أنها لن تتنازل عن شبرٍ واحد من فلسطين، شنت الحرب على الدولة اليهودية الناشئة ولم ترح وتسترح إلاّ بعد أن أنزلت الخراب بشعبها. ومنذ ذلك الحين، بدل أن يحتفل الشعب العربي الفلسطيني (ويحتفل معه اصدقاؤه اليهود) في 15 أيار من كل عام بعيد استقلال فلسطين، يحيي هذا الشعب المشرد ذكرى "النكبة".
من المسؤول إذن عن "النكبة"؟ من حوّل يوم العيد الى يوم "نكبة"؟ أليس المسؤول عن ذلك هم أولئك الذين غرروا بالشعب الفلسطيني بشعارات "بطولية" حول ثوابت "وطنية" مقدسة لا يمكن التخلي عنها (بالضبط كما يغررون اليوم باللاجئين الفلسطينيين ويخدعونهم بالعودة كلٌّ إلى بيته في حيفا (أي بيتٍ فلسطيني تحتل يا يعقوب؟) ويافا وعكا وغيرها من المدن الفلسطينية-الإسرائيلية)؟ أم أن المسؤول هم أولئك الذين قالوا: تعالوا نتقاسم الأرض فيما بيننا؟ (هل يجب أن أقول هنا أنني لا أزعم بهذا أن الجانب اليهودي كان يتألف من ملائكة؟ و"أية دولة في العالم لم تولد بخطيئة؟" - باولو بازوليني)
من المسؤول عن "النكبة"؟ أولئك الذين أعلنوا مساء 29 نوفمبر 1947: "في هذه الساعة التي نحتفل بها بقرار التقسيم نقول لجيراننا، في فلسطين والأقطار المجاورة، أننا لا ننسى أبداً أننا سنعيش معكم في المستقبل أيضاً . . .نحن نمد لكم يد السلام من أعماق قلوبنا" (غولدة مئير، في خطاب أمام الجماهير المحتشدة في القدس احتفالاً بقرار التقسيم)؟ أم أولئك الذين دعوا إلى "الجهاد" من أجل "تحرير" فلسطين (اليوم يضيفون: كل فلسطين) من الكفار و"الصليبيين الجدد" (صدىً بعيداً ل"بالروح والدم نفديك يا أقصى!") وطافوا شوارع العواصم العربية وهم يصيحون: "تل أبيب سوف تصلى باللهيب واليهود سوف يصبحوا الوقود"؟ (اليوم يكتفون بأضعف الإيمان: إحراق العلم الإسرائيلي).
الحركة الصهيونية برمتها (باستثناء أجنحة متطرفة لا وزن لها) رحبت بقرار التقسيم الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة في نوفمبر عام 1947. ورغم أن الكثيرين في الحركة الصهيونية لم يكونوا مرتاحين من اقتطاع أراضٍ من فلسطين كانوا يرون فيها مهد الشعب اليهودي وجزءً من تراثه الثقافي والتاريخي وكانوا يتمنون أن يرونها داخل حدود الدولة اليهودية المقترحة، إلاّ أن الحركة الصهيونية، بقيادة بن غوريون ووايزمان، وافقت على قرار التقسيم. أمّا عرب فلسطين والشعوب العربية فقد رفضوا قرار التقسيم رفضاً قاطعاً. الحركة القومية العربية لم توافق على إقامة دولة يهودية، مهما كان حجمها وفي أي جزءٍ من فلسطين. الحركة القومية العربية رأت (ولا تزال ترى) في منطقتنا منطقة عربية صرفة. (كان كارل ماركس يقول إن التاريخ يعيد نفسه مرتين: المرة الأولى كمأساة والمرة الثانية كمهزلة. عندما رفض عرب فلسطين عام 1948 الإعتراف بدولة يهودية في فلسطين كانت المأساة. عندما يقول عضو الكنيست محمد بركة "أننا لن نعترف أبداً بدولة اسرائيل كدولة يهودية" فأن هذه هي المهزلة. إنتبهوا جيداً إلى كلمة "أبداً". "أبداً" تعني: حتى النهاية المرة. أي حتّى أن يموت آخر عربي فلسطيني أو آخر يهودي اسرائيلي. هذا هو نفس محمد بركة الذي يريد أن يطرد الأمريكان من منطقتنا بقنادر أبي القاسم الطنبوري) في 15 أيار 1948 قامت دولة اسرائيل. المتاجرون بالقضية الفلسطينية الذين يدعون إلى احياء ذكرى "النكبة" في هذا اليوم بالذات ماذا يريدون أن يقولوا لعرب فلسطين وعلى من يريدون أن يتستروا؟ الجواب: يريدون أن يقولوا إن إقامة إسرائيل ("الكيان الصهيوني") هي سبب "نكبة" الشعب الفلسطيني (بعد سايكس بيكو طبعاً). وكالمجرم الذي يحاول ان يخفي آثار جريمته يتسترون على المسؤولين الحقيقيين عن "نكبة" الشعب الفلسطيني.
في 1968/11/29 كتب موشي سنيه (أحد أبرز زعماء "الجماعة المنحرفة". أين أنت صديق صديق؟) ما يلي: "إن وجود الشعب اليهودي في فلسطين ("أيريتس يسرائيل") هو وجود شرعي لا يرقى إلى شرعيته الشك: هذه هي شرعية التاريخ، الشرعية الدولية وشرعية الواقع الحي. الشعب العربي أيضاً يقيم في هذه الأرض بصورة شرعية. الشعب اليهودي لم يرجع إلى وطنه لكي يسلب اراضي الشعب العربي الذي يقيم في وطنه. الشعب اليهودي أتى إلى هنا لكي يمارس حقوقه هو، لا لكي يلغي حقوق الآخرين. ومن هنا نشأت مسألة التوفيق بين حقوق كلا الشعبين. إن ضمان الحقوق القومية لشعبٍ واحد على حساب حقوق الشعب الثاني هو ظلم وإجحاف ومنبع للعداء وللنزاع المسلح. بتاريخ 29 نوفمبر 1947 قررت الأمم المتحدة أن لكلا الشعبين حقوق في فلسطين. لا هيئة الأمم المتحدة إذن، ولا اليهود، هم الذين هدروا حقوق الشعب العربي الفلسطيني، بل زعماؤه في "الهيئة العربية العليا"، وحكام الدول العربية، الذين حاولوا أن يسلبوا حقوق الشعب اليهودي بإعلان حربٍ عدوانية (1948)، رفضوا أن يقيموا دولة فلسطينية في الجزء العربي وفقاً لقرار التقسيم، نادوا بشعار "كلها لي" وخسروا كل شيء."
لقد رفض الفلسطينيون أن يروا في مشروع التقسيم ما رأى فيه كل العالم المتمدن: أنهاء الإنتداب البريطاني على فلسطين ومنح كلا الشعبين، العربي واليهودي، حقهما في تقرير مصيرهما بنفسيهما. وبدل أن يروا في ذلك انتصاراً لحركة التحرر الوطني العربية وفرصة تاريخية نادرة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، رأى عرب فلسطين، والعرب عموماً، في قرار التقسيم، كالعادة، مؤامرة. عرب فلسطين رفضوا كل مشروع فيه إشارة الى الحقوق القومية للشعب اليهودي. لم يكتفوا إلاّ ب"كل فلسطين" واعتبروا إلحاق 45% من اراضي فلسطين إلى الدولة اليهودية المقترحة غبناً لا يمكن تحمله. وفي نهاية الأمر النتيجة كانت أنهم وقعوا هم بأنفسهم ضحية سياستهم الطائشة، سياسة "الكل أولا شيء": 750 ألف لاجئ فلسطيني، إخلاء 11 مدينة من سكانها العرب وفقدان اكثر من 400 قرية وأربعة ملايين دونم من الآرض. عشرين عاماً لزم للقيادة الفلسطينية لكي تغير موقفها وتلتزم بقواعد الشرعية الدولية. وفي عام 1968 اعلنت على موافقتها على إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، بحدود عام 1967. أي أن سياسة "كل فلسطين للعرب" كلفت عرب فلسطين، بالإضافة إلى "النكبة"، التنازل عن حوالي نصف مساحة الأرض التي خصصت للدولة العربية المقترحة حسب قرار التقسيم. هذه هو درس "النكبة". وهذا الدرس ليس موجهاً لعرب فلسطين فقط بل أنه إنذار رهيب موجه اليوم لليهود دعاة "كل إيريتس يسرائيل لليهود".
ثقافة الكذب: كشف اللواء المصري المتقاعد ياسين سند القناع لأول مرة عن المؤامرات الصهيونية على الثورة المصرية. ففي حديث مع مراسل قناة "الجزيرة" قال اللواء المتقاعد: "اسرائيل فجرت 14 مرة أنابيب الغاز في سيناء". لم يشرح اللواء الخبير بتفجير الأنابيب كيف نجح الإسرائيليون في التخفي بزي بدو سيناء، وإذا كانوا قد استفادوا من تجربة القناصة الإسرائيليين الذين احتلوا سطوح المنازل في تونس وأطلقوا النار على المتظاهرين التونسيين كما كشفت في حينه السيدة مكارم ابراهيم. كذلك نسى مراسل "الجزيرة" أن يسأل اللواء المتقاعد عن مصلحة اسرائيل في تفجير أنابيب تزودها بالغاز بسعر رخيص
#يعقوب_ابراهامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقال ال-100
-
كيف تهرب من إسرائيل وأنت في السويد
-
الرجل الذي لم ينس سايكس بيكو
-
فائض القيمة كمثال
-
مؤتمر المفلسين
-
لا، يا سيدي، ليس للوقاحة حدود
-
في ذكرى اغتيال صديقي شهاب أحمد التميمي
-
المعادلة
-
من يريد أن يشطف دماغه؟
-
العقدة الصهيونية
-
-La Femme Fatale- أو: هي ليست جان دارك
-
أخبار من العدو الصهيوني
-
محامي الشيطان أو عمّن يدافع محمد نفاع؟
-
الحكيم الذي لا تكفيه الإشارة
-
قتلناهم وقتلونا
-
إنتصار الأمهات
-
لماذا ابتسمت أحلام التميمي؟
-
שנה טובה! (سنة طيب
...
-
ديالكتيكهم وديالكتيكنا - ستالينيتهم وماركسيتنا-2
-
غوغاء لا حثالات ولا ثوار يقتحمون الباستيل
المزيد.....
-
صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
...
-
الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا
...
-
-غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
-
بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال
...
-
في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
-
5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
-
قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا
...
-
خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة
...
-
اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال
...
-
اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|