مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 1094 - 2005 / 1 / 30 - 11:57
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
تابع أعمال فصل الخريف :
*
تنظيف وغسل مؤونة الحمّص وحفظها .
*
غسل وتجفيف وتنظيف مادة العدس المخصصة للمؤنة السنوية وحفظها بأكياس أو صفائح مع وضع قليلا من الملح الخشن داخلها لحفظها من التسوّس .
*
ذبح الخروف المنزلي الذي ربتّه العائلة طوال الصيف لصنع ( القاورما ) اللحم المقدّد .
يأتي لحّام البلدة ويذبح الخروف أو الشاة , ليصنع من لحمه القاورما , من ثم دعوة الأقارب والجيران والأصدقاء للعشاء . وتتم هذه العملية بتقطيع اللحم الأحمر قطعا صغيرة وتوضع مع الملح على النار حتى تنضج في إناء كبير نحاسي , وبعد أن يبرد يضع في أوعية فخارية ( القدور ) أو زجاجية , وتحفظ طوال العام لطهي المأكولات . وتبقى العائلة مشغولة في هذه الورشة ,, أسبوعا من الزمن . وكانت المادة الدهنية تفرز على حدة جاهزة لإستعمالات خاصة . أما الجلد فكان يملح مع مواد خاصة كالسماق و ,, الشبّة ,, ويجفف ليستعمل مفرشا لأرضية البيت . وقد كانت هذه العملية متعبة لأهل البيت ( كنت لا أحبها أبدا ) كنت أكره موسمها لأنها متعددة المهام والأدوات , وبالمقابل كان الكثير من الناس والعائلات تفرح بها .
*
قطف العسل _ القطفة الثانية الخريفية :
يقطف العسل من أقراص الشهد ويعبأ في أواني خاصة بذلك . يحفظ قسم منه لطعام العائلة , ويترك قسم منه لطعام النحل في الخلية خلال فصل الشتاء , والباقي يباع . والعسل الصيدناوي مشهورا بجودته ونوعيته وطعمه كما شرحت سابقا , نسبة لنوعية الأعشاب المشبعة بالشمس والهواء الجبلي التي يأخذ منها الرحيق , بعيدا عن الرطوبة والبحار والغابات .
وهذه الصنعة أو المهنة الفنية كانت غالبا من إختصاص المرأة عندنا .. وهي مهنة تاريخية في صيدنايا القديمة , فقد كانت كل عائلة تقريبا تربي النحل على شرفات بيوتها وحدائقها الصغيرة .
*
شراء وتموين حطب أشجار الزيتون والحور والزاب والزعرور وغيرها , وبقايا نبات القمح والشعير , و ( البعر ) وترتيبها بقبو المنزل أو الغرفة الخاصة بذلك وتسمى ,, البايكه ,, , وذلك للإستعمالات المنزلية والطهو , والتدفئة والخبز على التنور , وبعض العائلات كانت تذهب للجبال العالية البعيدة ,, الجرود,, والبراري لجمعها للإستعمال البيتي أو لبيعها للاّخرين .
*
صنع ( الطبابيع للوقود ) : يجمع روث الحيوانات ويخلط بالتبن طوال الصيف في حفرة صخرية تسمى ( غباثة )_ وهي كلمة سريانية الأصل تعني الحفرة , وتجفف في الشمس في أطراف البلدة أو داخل أحواش المنازل على شكل قطع مدوّرة صغيرة , وذلك وقودا مساعدا للشتاء مع الحطب والشيح وغيره , وما تنتج الحقول والبراري من وقود . وهي بغنى عن روائح النفط والغاز . - لعمري كم كان حينها الجو والهواء نظيفا .. والحياة بسيطة ومتوازنة وهادئة دون تعقيد أو قلق .. تسير الأمور بتناغم من وإلى الطبيعة ..!
*
إطعام الطيور ( الدجاج ) وجمع البيض يوميا , وتنظيف بيوتهم ,, القّن ,أو الخم , غرفة الحطب , قبو ,, .
*
شراء وفرز وترتيب وحفظ البصل والثوم والبطاطا مؤونة البيت طوال العام : وقد كانت البطاطا تحضر من بلدة يبرود القلمونية , والبصل من حوران أو السلمية . وكثيرا ما كانت تتم مقايضة البصل مع التين المخصص للبيع .
*
جرش الملح الخشن - لحفظ المواد الغذائية والطهي , وكان هذا النوع من الملح يشترى حينها من بلدة جيرود , القلمونية أيضا لوجود الممالح الصخرية فيها . ويقال بأن هذا النوع , الملح الاسمر - أفضل لحفظ الأطعمة من الملح البحري الأبيض .
*
صنع الشعيرية من طحين القمح : بعد عجنه عجينة خاصة لذلك وفركها يدويا وصنعها قطعا صغيرة كحبة الأرز الطويلة , من ثم تجفيفها أو تحميصها وحفظها لأوقات الحاجة . لأن الصناعة الحديثة لكل هذه المواد لم تكن موجودة إلا في نطاق محدود في المدن الكبيرة . وقد كانت هذه الوظيفة في السهرات النسائية تسلية في أوقات الفراغ .. حتى الفراغ عند المرأة هو عمل أي لا تعرف الفرص أو الإستراحة الضرورية لجسمها وحقها كعاملة وربة بيت ...!! فبين العمل والعمل كان هناك .. عمل اّخر .
*
قطف الزيتون وفرزه - ( الأخضر والأسود ) - أو شرائه :
تحضير الزيتون في البيت يتم سنويا من قبل كل عائلة , وهو على عدة أنواع وطرق تحضير من : - المكلّس الأخضر أو الأسود بتحليته في ماء الكلس المخفف - ويكبس بالخل والماء والملح . الزيتون الأخضر المفقش ( تدّق كل حبة يدويا بمطرقة أو أي أداة أخرى ويوضع في إناء ويحلّى بالماء , ثم يحفظ بالماء والملح والزيت وشرائح الليمون وأوراق الغار وبعض قرون الفليفلة في أواني خاصة , وحديثا أصبح يكسر الزيتون اّليا , وقد خفف الكثير من تعب المرأة في هذا المجال . وهناك الزيتون الأسود ( المعطّن , والمجرّح , والمحلّى ) وبعضها يغمر بالزيت , وبعضها بالماء والملح والليمون . يحفظ بالجرار أو القطرميزات ( الشيشة ) .
والزيتون مادة أساسية في البيت الريفي , والسوري بشكل عام , لأن شجرة الزيتون المباركة هي شجرة بلاد البحر الأبيض المتوسط . وكما قالت أمثالنا الشعبية : ,و الزيتون سيّد المائدة ,, - إنه يدخل في الوجبات الثلاث الرئيسية لطعام إنساننا اليومي .
*
قطف ثمر الرمان من حديقة المنزل أو الحقل , أو شرائه :
ويحفظ قسم منه في غرفة المؤونة ( المخزن ) على شكل حبل وهو صحيحا , وذلك لتحميض الأطعمة وخاصة - فطائر السبانخ - وقسم منه يصنع على النار بعد فرطه دبس الرمان , لاستعمالاته في الطهي , أو كشراب الرمان المنعش والمقوّي .
*
جمع الحطب من البراري والحقول والمساميك اّخر الخريف _ وجمع بقايا التين والعنب المتأخرة عن النضوج أو المخبأة بين الأوراق .
*
قطاف عناقيد شجر السمّاق من الكروم والأرزاق النابتة فيها : تقطف أكواز هذا الشجر وتنقل في أكياس إلىالمنزل وتجفف قليلا في الظل , ثم تعبأ ثانية , يحفظ قسم . للإستعمال المنزلي كحامض وخاصة مع الملفوف , وقسم يجرش أو يدق ويضاف للزعتر , وما يتبقى يباع , أو يهدى لمن ليس عندهم , حسب إنتاج كل عائلة منه .
*
تبييض الأواني النحاسية : يحضر إلى البلدة سنويا .. ,, مبيّض النحاس ,, , ويقيم فيها أكثر من ثلاثة أشهر في الصيف والخريف , ويقوم بهذه المهمّة , حيث يجمع من سكان البلدة الأواني النحاسية التي يرغبون في تبييضها بمادة القصدير ,, , لتبدو وترجع جديدة وبرّاقة ونظيفة بعد إستعمالها طوال العام وما أثرت المواد المواد في تغيير لونها ,. فبالإضافة لأجرته يأخذ من الأهالي ما يحتاج من الحطب والوقود لأجل ذلك .
*
تنزيل الفرش واللحف والبسط من فوق أساطيح المنازل بعد عيد الصليب : لأن الليل يصبح باردا ونديا أورطبا , لأن معظم سكان القرية كانوا ينامون فوق السطوح خلال فصل الصيف - كما يقول المثل عندنا : عنصر واطلع صلّب وانزل ,, . سأشرح كل هذه التعابير الشعبية والمفرداة المحلية وبعض الأمثال في ملحق لهذه الدراسة . *
صنع النبيذ :
يقطف العنب الأسود والأحمر بالدرجة الأولى ثم الأبيض , ويفرش تحت أشعة الشمس عدة أيام - ( 4 - 5 أيام ) ثم يفرط ويهرس قليلاويوضع في أوان فخارية كبيرة وإغلاقها بإحكام دون أن يدخلها الهواء أو الماء , لمدة تتراوح بين 10 - 20 يوما وفق ما نريد النبيذ حلوا أو حادا ( مزّا ) . بعد تخميره هذه المدة , يعصر ويصفّى جيدا تملأ منه زجاجات وأوان خاصة وتغلق جيدا حتى لا يدخلها الهواء , وتحفظ في الأقبية وتعتّق في أمكنة رطبة ,, وكان لدينا في القرية نبيذ عمره عشرات السنين من صنعنا وصنع عمي والد زوجي رحمه الله , الذي علّمني صنع النبيذ حتى أتقنته تماما .
*
تنقية الزبيب الجيّد : - بعد إنقضاء مدة تجفيف العنب الذي أصبح زبيبا في الحقل , يعبأ في أكياس كبيرة وينقل إلى المنزل , وبعد ذلك تبدأ ربة البيت يوميا بتنقية قسم من الزبيب على طبق كبير , ذو النوعية الجيّدة بلونيه الأحمر والعسلي , وذلك للطعام , والباقي منه يعبأ ثانية بدوره ليؤخذ إلى معصرة الدبس لكي يصنع منه _ دبس الزبيب - وكان في البلدة ثلاث معاصر لصنع الدبس وواحدة تابعة لدير صيدنايا لصنع الزيت .
*
صناعة الدبس - وتتم على ثلاثة مراحل :
المرحلة الأولى : ينقل الزبيب إلى المعصرة لدرسه ( هرسه ) تحت حجر المعصرة الكبير الذي يجر ويدور بواسطة الدابة - من تجميعه في شكل هرمي , يكتب عليه إسم صاحبه , وتسمى ( الدريسة ) , وتحفظ حتى يأتي دوره .
المرحلة الثانية : فتّ الدريسة - يفتت قسم منها يوميا بواسطة اّلة حادة حديدية مشفّرة تسمّى القدّوم , وتدوم هذه العملية ثلاثة أيام حسب حجم الدريسة , ثم توضع ثم توضع في أوعية فخارية مفتوحة ليمر فوقها الماء , ويصفى العصير للأسفل في وعاء خاص يسمى هذا العصير ,, الجلاّب ,, , وكانت الفتاة أو المرأة هي التي تجلب الماء للمعصرة وتشرف على كل مراحل العملية .
المرحلة الثالثة والأخيرة : ينقل عصير الجلاب ويوضع في إناء كبير جدا نحاسي يدعى الخلقين أو الماعون , ويقوم الدباس بطبخه على النار حتى ينضج مع التحريك الدائم طبعا مع المعرفة والخبرة المهنية , وينقل بعدها إلى المنزل وهو ساخنا طبعا بعد تعبئته في أوان نحاسية أخرى أصغر حجما , . وبعدها يوضع الدبس في أوان مختلفة الأحجام حسب الحاجة بعد تحريك الدبس عدة أيام مع إضافة قليل من الدبس القديم حتى يصبح لون الدبس أشقرا , وكانت كل عائلة تفتخر بصنع دبس أفضل ... وقد كانت عائلة خالتي هيلانة رحمهما اللة - تتقن صنع الدبس بامتياز في القرية .
ولا ننسى اّخر طبخة في هذه الصناعة ... في المعصرة , , حيث يجمّد قسم صغير من الدبس ويوضع في إناء صغير مع اجوز واللوز أو السمسم يدعى ( الزرزورة ) , وكان هدية الخطوبة لأهل العروس , لأنها من ألذ الحلويات . حيث كان يقال للأطفال حينها أن العصافير هي التي تأتي بها من نوافذ المعصرة تحملها بمناقيرها ..!
أما صناعة الحلاوة من مادة الدبس : فقد كانت تصنع من الدبس زائدا ماء ( العصلج ) وهو إسم سرياني الأصل , وهو عبارة عن جذور نبات يجلب من الجرود , لإعطاء الحلاوة اللون الأبيض بعد طبخها على النار مع التحريك الدائم , وأخيرا تسكب في صواني ويضاف لها الجوز أو اللوز , أو الفستق , أو الأنبس كل حسب طلبه . - كل ذلك كان يتم بالإعتماد على النفس والتجربة الذاتية للخبرة - وبالمواد الأولية المحلية - وقد كانت جدّتي لوسيا الزين الخوري , رحمها الله الصانعة الأولى الماهرة في هذا الإنتاج القروي .. ثم علّمته للاّخرين .
يتبع القسم الأخير .. والملحق .
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟