|
هل الدولة شرّ؟!!
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3726 - 2012 / 5 / 13 - 14:31
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هل الدولة شرّ؟!! في كثير من تناولاتنا للمفاهيم والاطر، يغيب التمييز بين الشرق والغرب، أي البيئة الحضارية للمصطلح. فالمصطلح ككائن لغوي يرتبط بالحاضنة الاجتماعية والأرضية التاريخية المنتجة له والتي تسمه بسمات وملامح بيئية محلية أو قومية تراثية معينة. المصطلح مثله مثل أي شيء آخر عرضة لسوء الاستخدام أو الاستغلال. وأي خلل يعتور سلامة اتصال المعنى بين المنتج والمتلقي، ينعكس سلبا على الواقع/ بكل ما يتضمنه من شمولية جغرافية وتاريخية. والعرب لديهم مشكلة بنيوية في مجال اللغة. فهم لا يكادون يعرفون شيئا عن أصول لغتهم وظروف ظهورها ونشأتها تاريخيا. وبسبب اقترانها التراثي بالمقدس والقومي الفوقاني يرفضون معاملتها إسوة ببقية اللغات. وبين الجهل والعنصرية، نسبوا لغتهم لمصدر غيبي فصارت لغزا من ألغاز الوجود العويصة كالروح والوجود وما وراءه. المهم في الأمر، ان منظري اللغة العربية فاتتهم الصدقية والشفافية في الربط بين اللغة وقاعدة لغات الشرق الأوسط القديمة، كما أنفوا ربطها بالبيئة الاجتماعية المحلية والمتباينة من موضع لآخر، مما انعكس في تباين الظواهر اللغوية. اللغة العربية في فقهها تختلف عن اللغات الأخرى باختلاف العقليات. فالعقلية العربية المتمثلة بالتسليم والمطلق والغيب، انعكست في لغة ترتبط المباني اللفظية فيها بمعاني جاهزة منزلة، لا يدرك المتكلم سرّ الصلة بينهما. أي ان المعنى في اللغة العربية ليس اشتقاقيا. والسبب أن اللغة العربية لا تقوم على قاعدة تركيبية أو تحليلية، أي أنها لا تستند إلى وحدات جزئية أو جزيئات [كما في اللغة الألمانية مثلا]، مثل المركب الكيمياوي، بحيث تتغير الخواص والمعطيات، مع اختلاف نوعية الوحدات الجزئية المشكلة لها. والسبب في ذلك هو انسجامها مع العقلية العربية التي لا تعرف المناقشة والدراسة. فالتفكير والتحليل يختلف عن لغة المسلمات والمفاهيم المجردة والمطلقة. فالطفل الذي يتعلم العربية لا يعرف علاقة اللفظ بهذا المعنى. وقد حصل في مرحلة ما بعد السنة الثالثة، إذ كان أحد الأطفال يتعرف على الاشياء ويسأل ذويه/ وكلما تعرف على اسم شيء تبعه بسؤال (لماذا؟).. وعندما قيل له ان اسم هذا الشيء [بقرة] سأل فورا [لماذا؟]، فقيل له لأنها بقرة.. فرفع يده وأشار بها الى شيء آخر وقال [بقرة!]، فقيل له على الفور: [لا؟؟ هذه ليست بقرة. هذه بقرة هنا!] ولكن الطفل ألح بذكائه [لماذا؟..] وحين يعجز ذووه في تقديم الجواب يعود ويستخدم الكلمة لوصف أشياء أخرى. فالاهل منذ الصغر يفرضون على أطفالهم عقلية تسليمية مطلقة كلية لا تحترم التفاصيل والجزئيات ولا تتقبل المناقشة أو التفكير والأسئلة*. بل أن الكبار غالبا ما يتندرون من كلام الأطفال وأسئلتهم العويصة. * الدولة في اللغة العربية لفظ مستحدث ليس له أصل في حياة العرب وبيئتهم التراثية. ويحاول اللغويون إعادته لأصل ثلاثي مجرد [دال/ يدول]/ والتي هي تحريف أو (تصحيف) بحسب المصطلح اللغوي [lignguistic] من الفعل [دار/ يدور]، والأصل فيه أن الأشخاص/ الزعماء يتعاقبون عليها/ فهي [دولة بينهم!= دائرة عليهم]. نقارن ذلك بالمقابل الغربي، الاوربي والمشتق من أصول اغريقية ولاتينية، نجد أن اللفظ هو [state, staat] في كلّ من اللغتين الانجليزية والألمانية، ومعناها [حالة/ وضع]. أي أن المعنى يعود على أصل الشيء وكينونته أو خصائصه. والوضع أو الحالة تعود على الطبيعة في الفلسفة. فكلّ ما في الكون/ الأرض/ الحياة/ البيئة له حالة أو وضع معين. وتوصف الحالة بأنها [طبيعية، عادية، جيدة، ملائمة، مستقرة]. فالدولة لدى الأوربي لا ترتبط بالشخص أو الشخصيات، وانما لها استقلالية ذاتية. بمعنى أن مرجعية الدولة في ذاتها، بينما مرجعية الدولة العربية هو الحاكم. ونحن نستغرب لماذا تضطرب البلاد وتتبعثر عند موت الحاكم، ونخاف من تغيير الزعماء وكأننا نعبر من عهد إلى عهد، ولا تضطرب الدولة أو البلاد والحياة الغربية عند تغير الحكام والحكومات. هذا الأمر ينعكس في صورة علاقة/ موقف الحاكم من الدولة، ونظرة/ موقف الشعب من الحاكم، في كل من الشرق والغرب على حدة. فالعربي يعتبر الدولة دولته، وهو متفضل على الناس بولايته عليهم، وله حق السلطان والاستبداد، بل هو فيها [على شبه الإله في الأرض/ الكون]، يحيي ويميت، يغني ويفقر، يبني ويهدم، ولا يحق لأحد سؤال أو اعتراض، وانما العكس. وكلّ من يموت في سجونها وحروبها ويفقد صحته أو احد أعضائه فهو [فداء] للحاكم، بما يقابل [القربان] المقدم للألهة. الحالة مختلفة في الغرب، حيث يجد الحاكم نفسه مدينا للشعب في مركزه، ولذا يعمل على خدمة البلاد والالتزام بلادّ الجميل لشعبه والذين رشحوه أو انتخبوه وساندوه. فهو لا يتسلط على الدولة أو الناس، وانما موقعه في نقطة وسط بين الشعب والدولة. وعندما ينتخب الشعب شخصا آخر يحترم اختيارهم ويعود إلى بيته أو حياته السابقة. وفي الاسبوع الفائت شهدت عدة دول أوربية انتخابات جديدة وتغيرات في الرؤساء، لم يعترض أحدهم على نتائج الانتخابات أو يلتصق بكرسي الحكم، ودون أن تعتورهم أيّ مشاعر حقد أو احتقان وتهديد ووعيد ضدّ الذين لم ينتخبوه أو يعيدوا ترشيحه وانتخابه. أما في بلادنا العربية فيعتقد كلّ من [اعتلى العرش]* أنه الوحيد الجدير بالكرسي ولا يتركه إلا بالموت. في التراث السياسي يروى أن الملك سليمان إذ مات على عرشه، بقي على نفس جلسته مدة طويلة [عام تقريبا] دون أن يفطن أحد لموته أو يجرؤ على ازاحته، وربما اعتقدوا أنه تألّه في مكانه وخشوا غضب السماء إذا حركوه. والمعروف أن الدولة انقسمت وضاعت من بعده. فالحاكم العربي الذي يتفنن في تبرير جدارته الفريدة بالحكم بأسباب دينية أو طائفية أو أساليب عسكرية وسياسية لا يتخلى عن الكرسي عن قناعة أو رضا، حتى لو طال جلوسه أو تجاوز قواعد الدستور، أو قرفت منه الجماهير. لماذا؟.. لأنه فوق الدولة وفوق الدستور وفوق الشعب، وإذا وجب رحيله، فلا بدّ أن يحلّ الخراب من بعده. وطالما جرى التلويح بحدوث حرب أهلية إذا أزيح قسرا. وما زالت بلدان مثل العراق ومصر وسوريا والاردن، تعيش أوهام وكوابيس حصول حرب أو فتنة، وذلك كرادع نفسي وفكري عن التطلع للتغيير أو التمرد على الحاكم. ارتباط صورة الدولة بالحاكم، ليس مسوغا لانتشار الفساد والرياء، وانما لتعطيل آلية الدولة والقانون، وتحولها إلى ولاية أو مشيخة تجري بحسب رغبة الوالي ونزوة الشيخ. فلا مبادئ ولا ثوابت ولا مشاريع تنمية اجتماعية وبناء، إلا بحسب ارتخاء مشاعر السلطان واستمتاعه بالحفاوة والمديح والتبجيل والنساء فلا اعتراض ولا اقتراح ولا نقد، بل الطاعة، الطاعة دائما من البيت والعائلة والعمل والجيش إلى أعلى مركز في البلاد. وأطيعوا الله ورسله وأولي الأمر.... * الجانب الآخر في مجال المقارنة وسلبيات النظرة العربية، ينعكس في موقف الناس من الدولة بين الشرق والغرب. فالفرد الغربي يجد نفسه جزء من الدولة وهي جزء منه، تعمل في خدمته ويعمل في صيانتها. يخدمها وتخدمها، ليست هي فوقه وليس هو دونيا لها. ويفصل الغربي بدقة بين الدولة، والدستور، والهوية الوطنية، وبين الحكومة التنفيذية أو الحاكم أو البرلمان كمتغيرات وجعالت تقوم بادارة عجلة الدولة والبناء والتقدم. الصورة عند العرب معاكسة تماما، حيث يجد العربي نفسه ضحية لتسلط الدولة ومؤسساتها، ضحية للاستبداد والفساد وسوء الظن. وهو في نظر الحكومة متهم وغير جدير بالثقة او الخير، ولذلك تستخدم ادارة الدولة معه أساليب غير محترمة ولا متحضرة في التعامل. العربي يحكمه الشرطي أو رجل الأمن وجماعات الأمر بالمعروف، أو الموظف الفارغ والمتكبر. ويتسم الخطاب اللغوي بالصلافة والعنجهية والازدراء والتحقير والطرد أو التجاهل [لغة السيد والعبد/ لغة الطاهر البار مع الخاطي النجس]. ومن التراث العربي الزراية بأشكال الناس، وتقييم الناس بحسب مراكزهم وصورهم، ونسبة كل شيء لارادة السماء. المعاملة السيئة تنتج تراكمات نفسية احتقانية داخل الشخصية، وهذه تبحث عن ثفرة للتنفيس والتغبير، ينعكس في كراهة الفرد للبيئة والممتلكات العامة ورموز الدولة والسلطة وحتى الناس الذين معه. فسوء الظن وانعدام الثقة ومشاعة احتقار الفوق للدون هو تأسيس لثقافة اجتماعية سيئة يتم توارثها عير الاجيال، بكل ما لها من انعكاسات كارثية. وهكذا تكون الفكرة السلبية الخاطئة لمؤسسة الدولة ضحية للوجدان الشرقي، بين غرور الحاكم ونزعاته الاستبدادية من جهة، وموضع انتقام وكراهة المواطن المحروم من حقوقه. وفي كثير من الأحوال، تشكل مواقف المواطنين وتصرفاتهم النفسية المحتقة، دافعا لمزيد من الاستبداد والشرّ من جانب الحاكم والحكومة. ييستخدم البعض تعبير التفاهم أو التفهم لتنفيس الاحتقان بين الحاكم والمحكوم، لكن الحاجة الحقيقية تتمثل في تضحية الحاكم وتجرده ورفع مستوى وعي المجتمع السياسي تجاه الحياة والدولة والعالم. وتحقيق نقلة ثقافية اجتماعية، لتمتين أسس الانتماء بين الفرد وبلده. الدولة مؤسسة حضارية ابدعها الفكر البشري لتنظيم حياة المجتمع وإدارة موارده وقدراته، وتأمين الاحتياجات والمتطلبات التي تضمن لأبناء البلاد مستوى لائقا من الحياة وضمانات الرفعة والنقدم, ولكنها في النموذج العربي تنقض على نفسها وتدمر أسس الحياة الكريمة اللائقة والتعايش المشترك والتطلع للامام. والعجز عن التصحيح وإضاءة المفهوم وتغيير الصورة التقليدية، يشيع مزيدا من اليأس والخيبة لدى المواطن، مما ينعكس على نظرته المتشائمة للحياة والعالم. ورغم أن العرب قرفوا من أوضاع بلادهم ويئسوا من الحلم، وهاجروا إلى دعة الغرب واستقراره، فالكثيرون يجترون عقلياتهم وتراثهم الذي هو سبب تشريدهم وخراب بلادهم، فهل من مفكر!.. ــــــــــــــــــ • عرض يوتيوب التمدن قبل مدة فيلما عن مدارس [انسانية] خاصة في روسيا يتم استخدام طريقة المناقشة والتحليل في التعليم وتشجيع الاطفال الصغار على المشاركة وتدعيم امكانياتهم الذاتية في هذا المجال. • قارن التعبير الديني [ثم استوى على العرش..]!.
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عمال بلا عيد
-
الدين.. والحرية
-
الدين والسياسة
-
الناس بين الإله وموظفيه!
-
علم الأديان المقارَن.. والدرس الديني
-
الدين والعقل
-
قطار البصرة
-
هل الدين علم؟!..
-
رسالة من شهيد
-
فردتا حذاء
-
من عذابات حرف السين
-
الأديب الكردي حافظ القاضي.. وشيء من كتاباته
-
موسوعة الوطن الأثيريّ..
-
اليسار والتعددية.. والابداع واللامركزية
-
مع الفنان منير الله ويردي في فيننا..
-
نظرة في الحاضر..
-
في دارة الأستاذ عبد الهادي الفكيكي..
-
في دارة المنولوجست عزيز علي
-
في دارة الاستاذ خضر الولي*..
-
حامد البازي.. في مقهى الزهاوي
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|