سماح عادل
الحوار المتمدن-العدد: 1092 - 2005 / 1 / 28 - 10:30
المحور:
الادب والفن
-قول أنا مره
- قول أنا خ...
تردد الشاب ــ العاري إلا من سروال متسخ ,وبنطلون مفتوح ينزل إلى قدميه فيعيق حركته ــ في الاستجابة . نزلت صفعة قوية على ظهره. وقع على الأرض من شدتها, فركله آخر بقدمه. اندفع الجيران يطلون من شرفاتهم كعادتهم عند سماع أي صوت غير مألوف. الشارع ضيق لا يتجاوز ستة أمتار, والبيوت ملتصقة عالية, معظمها حديثة البناء في عشوائية. ظهرت عند أول الشارع عربة ميكروباص بيضاء, بجوارها خمسة أفراد يرتدون الزي الأبيض, ويتميزون بضخامة الجسد والصوت المهيب. التفوا حول شاب ضئيل الجسم, مكبلة يديه بكلبشات, وبدأوا يتناولونه فيما بينهم. انتبه الناس, الرجال الجالسين أمام منازلهم يتسامرون, ويفرزون الفتيات, مدعمين ذلك ببعض المعلومات عنهن, وأصحاب المحال المفتوحة الخالية, إلا من الأطفال, والمارة الذين يسيرون بكسل. قال رجل من الخمسة:
- كله يدخل بيته.
تباطأ الناس مندهشين.
- ادخلوا بيوتكم يا عالم وسخة.
اندفع الجميع إلى المنازل مهرولين. خلال الشارع في دقائق. انتظر الرجال في أحواش المنازل. ينظرون من خلف الأبواب الحديدية, والنساء يملئن النوافذ. الجميع في صمت. يسمع فقط صوت صراخ الشاب. وصفعات ذوي الرداء الأبيض. يردد الشاب انه لن يفعل ذلك ثانية. لكنهم يصرون على أن يقول انه امرأة وشاذ. يستسلم في النهاية .
- أنا مره . أنا خ..
- مش سامعك علي صوتك
يرتفع صوت الشاب في مرارة . وتمتليء ملامحه بالعجز. لكنهم لا يتوقفون, بل يستمر الرجال في صفعة في انتظام. يصفعه رجل, فيركله الثاني, فيتناوله آخر, وكأنهم فريق عمل متفاهم لدرجة تجعلهم يؤدون العمل دون خطأ, وبتناسق شديد. كلما يسقط الشاب يدفعه احدهم في مؤخرته ليقف.
يقفون أمام منزله. يطيلون الوقفة. مع زيادة الصفعات. يردد الشاب الكلمات بصوت عال, وهو ينظر إلى نافذة شقته. يبكي بصوت عال, وقد أصبح أكثر مطاوعه. يأمر فيفعل فورا. صفع مرات أخرى . أمره الضابط بالزحف على بطنه لعدة أمتار. ثم بان يركب العربة. دخل سريعا إلى مؤخرة السيارة . ركب الرجال العربة. اخذوا معهم البطل الذي امسك بالمجرم كشاهدا. ركب الرجل مرفوع الرأس تملأ وجهه ابتسامة.عند خروج العربة من الشارع بدأت الأصوات تتعالى. خرج الرجال من الأحواش يختالون. بعضهم يبتسم في سخرية لا تخلو من شماته . والبعض يتساءل عن السبب. النسوة هن اللاتي تأثرنفعل.ت تحكي امرأة عن مفعل. . وهي تملا صوتها بنبرات إشفاق. لقد أشعل النار في شقته. بعد أن تشاجر مع أمه. أوضحت أخرى انه مريض نفسيا. أمه كانت تقول ذلك. وتعجبت أخرى كيف يكون مريض نفسي ويظلوا يصفعونه هكذا. وأخرى تساءلت انه لا يبدو عليه الجنون.. دار الحديث حول الشاب وفعلته دقائق ثم تحول كل إلى حديث يخصه.
***
لم أكن اعلم أني سأفقد أعصابي. وأشعل النار في بيتي. أصبحت أمي في الآونة الأخيرة لا تطاق. لم تعد حنونة مثلما هي دائما. لم تعد تتحمل عدم جلبي مال لها. تقول:قائي في المنزل سببا كبيرا في إثارة غضبها. تقول :
- انزل دور على شغل.هو أنت عاجباك قعدت النسوان دي....؟
هي لا تفهم أني مللت من الأعمال المؤقتة. صاحب العمل يستعبدني . أظل اعمل طوال 16 ساعة. ورغم أني كنت في آخر عمل لي أمظهري.ن. إلا أني كنت احمل البضائع على ظهري . مثل أي عامل. واهدد دائما بتصفية حسابي. إذا أبديت أدنى اعتراض. ورغم رضائي التام عن ذلك. تخلص مني بمجرد غضب الفتاة التي تشاركني العمل. وبكائها له مشتكية. ورغم بقائي لديه أربع سنوات طردني في لحظة. وليس هو فقط. بل صاحب محل الكهرباء. الذي كنت اعمل لديه صبيا . فور تخرجي من كلية التجارة. وكنت أنظف له المكان. وأظل واقفا على قدمي لساعات. هو أيضا طردني. لأني رفضت سب أمي...
ولم أمل. ظللت أدور في الشوارع على قدمي. ابحث عن عمل. لم ادقق في عدد الساعات.أو نوعية العمل. لكن كل الفرص تلاشت.هي لا تقدر ذلك. لا تفهم خيبتي اليومية.أو خجلي من الناس.وتلعثماالمواجهة. عند المواجهة . تسمعني كلماتها اللاذعة كل يوم. عند عودتي من المقهى. وعند إحضار الطعام. في هذا اليوم.لم أتحمل تمدويا.ا اللائمة.علا صراخي مدويا. أحضرت علبة الثقاب.أشعلت عودا.في البداية لتصمت.انوي فعل أي شيء.فقط اهددها لتصمت.لكنها لم تأبه. أشعلت النار في الأثاث.عند رؤية الفزع على وجهها. لم املك إطفاء الحريق. تدافع ابي..امسكوا بي .وكتفوني. جريت بكل قوتي.لم يكن في ذهني أي شيء.فقط خوف غريزي من محاولة الإمساك. تشبث بي ابقوة.مسك علي بقوة.لا اعلم من اتصل بالشرطة. ولم أتوقع حضورها.أسوأ موقف حدث لالشارع.رطة, حتى الآن, هو بقائي لساعات داخل القسم للتحري.بعد التقاطي منليلية..قامت به لجنة ليلية .تناولت فيها عدة صفعات أسخنت وجنتي.ولم يمتد الأمر طويلا. لأني دفعت كل ما معي من مال افتداءا.
ولاني الآن مجرم. فسوف تلتهب وجنتي أكثر. ذلك ما اعتقدته عندما سلمني الرجل لخمسة رجال – أسرعوا بكلبشة يدي – نزلوا توا من عربة ميكروباص بيضاء.
استعديت لوجبة دسمة. نزلت أول صفعة ساخنة. أدارت راسي مع احتراق شديد في خدي الأيمن. أثرت الصمت والهدبالتكلم.لم.مطابالتكلم.لم.قاومت في البداية انتزاع ملابسي. ومع رؤية الفزع على وجوه الناس تركت يدي مستسلمة. وتمنيت من الله ألا ينتزعوا سروالي..لو كانوا أناسا عاديين لأصبتهم في مقتل. حتى لو أدى الأمر لموتي.لكن مقاومة هؤلاء تعني ضياعي للأبد.وربما ضياع أمي أيضا.
–قول أنا مره. قول أنا خ..
لم استطع قولها. مع توالي الصفعات برتابة - خدرت جسدي -وجدت لساني يقولها وحده. لن اسمعني أقولها.ومع التكرار أوقفت إحساسي بالكلمات – كل الناس تخاف الحكومة.وأنا لست مختلفا عنهم – البلطجي يمكن قتله بتباهي. أما أن أقاوم شرطي فهو الهلاك بعينه.اقلها سوف يطلق علي الرصاص .دون تردد. وأموت كالكلب الجربان.ولن يتذكرني احد حتى. وقد يغتصبون أمي. حتى بعد مماتي. واتركها لمصير مشئوم. لو لمذلك. بيتي لما فعلوا ذلك .هم أيضا يحفظون امن البلاد. لو تركوا كل يفعل ما يشاء. لاحترقت البلاد كلها. إذن أنا مره وخ..
- والنبي خلاص . أنا مش هاعمل كده تاني.
-ازحف على بطنك يا ابن المره.
-ازحف يا للا.
سأزحف.وافعل ماهو أكثر.فانا المجرم ولابد أن أتأدب.لو كنت ضابط شرطة لفعلت أكثر من ذلك. كنت سأحرق من يجرؤ أن يشعل النار في أثاث بيته.وأمه.
-خلاص مش هاعمل كدة تاني. والله أنا غلطان ومره.
ركبت العربة وما زال القسم.ملئني برعشات لا إرادية.ترى هل سيعلقونني في القسم.لن أتحمل التعليق من قدمي.أو الجلد. سوف اعترف بجريمتي. وأنفذ كل ما يقولون. ثم أنا لست لصا كي يعلقوني.أنا اعرف أن اللصوص فقط, والقتلة أيضا, يعلقون. لكني في حكم القاتل, فهم يعتقدون أني كنت انوي حرق أمي..يا لها من جريمة بشعة.كيف سأقنعهم أني لم أكن ارغب في حرق أمي. سأحلف لهم بالله. وانزيرحمني.م الضابط واقبلها.عله يرحمني..
- والله يا بيه.. يا باشا ما كان قصدي احرق أمي.أنا كنت بس متضايق من قعادي في البيت. والشغل زى ما أنت عارف.
- تقوم تولع في أمك يا ابن المره.
-والله يا باشا ما اذيتهاش.أنا ولعت بس في الكرسي. علشان تسكت.
*********
احضر أهله محاميا.قدم ورقة تفيد بأنه يعالج, منذ عام, لدى طبيب نفسي.أفرجوا عنه بعد يومين. وذلك لان أحدا لم يؤذ من الحريق..خرج من باب القسم فرحا بنجاته يملأ صدره بالهواء النقي. ويدندن أغنية صاخبة. لم يلتفت لأثار الحريق بالشقة.أكل بشراهة بعد حمام دافيء.لم ينظر إليها. صمتت أمه فرحة برجوعه. اكتفت باحتضانه. ثم النظر إليمهندمة.ظة وأخرى.ارتدى ملابس مهندمة. ليقضي ساعاته المعتادة على مقهاه القريب, من المنزل. التف أصدقاءه فرحين يداعبونه:
-السجن للجدعان.
-ما لحقتش أبعت لك عيش وحلاوة.
-والله وبقيت سوابق يا للا.
يشددون بشراهة. وهم يحملقون في الفتيات السائرات.يدخنون بشراهة . عند انصرافه قال له صديق بلهجة حانية:
- يا سيد ضرب الحكومة مش عيب.
رد هو باعتزاز.
- لا ء مش عيب..
#سماح_عادل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟