أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رواد عبد المسيح - مسؤولية تاريخية على عاتق مسيحيي سوريا















المزيد.....


مسؤولية تاريخية على عاتق مسيحيي سوريا


رواد عبد المسيح

الحوار المتمدن-العدد: 3716 - 2012 / 5 / 3 - 22:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



كنت على طاولة عشاء مرة مع صديقين كتائبي و آخر عَونيّ، يومها تكلما هما الاثنان عن "رغبة وخطة الغرب لتفريغ المشرق العربي ولبنان من المسيحيين" وكأنها حقيقة بديهية، كأنهما يتكلمان عن كروية الأرض. وكانت قناعتهما أن الخطة تقتضي استغلال حرب لبنان لتهجير المسيحيين وتوطين الفلسطينيين وتخليص اسرائيل من همّ يطاردها. وكانت قصة “السفن الأمريكية التي جاء بها كسنجر إلى شواطئ بيروت عام 1976 لنقل المسيحيين لأمريكا” دائمة الذكرعلى ألسنتهم. لقد اعتبرا باختصار أن الوجود المسيحي كان ومازال مهددا وأنهم قد تجاوزوا مرحلة صعبة وخطيرة ونجحوا بالبقاء.

بغض النظرعن صحة أو خطأ هذه الفرضية- وإن كنت أنا شخصيا لا أجزم بوجودها- إلا أنه هناك حقيقة واضحة للعيان وهي أن الفوضى والاضطرابات السياسية والأمنية في المشرق العربي هي العدو الأكبر لمسيحيي المنطقة وهم الأسرع تأثرا بها، لأن نزعتهم أقرب للعمل والعلم ولا يستهويهم القتال والجهاد والجندية. لقد رأيت ذلك جليا في برنامج "موعد في المهجر" الذي بثته قناة الجزيرة، وفي وثائقي آخر لها بعنوان "العرب المسيحيون".

السبب المهم الآخر هو الأنظمة الشمولية غير الديمقراطية التي تسببت باضمحلال بطيء لمسيحيي المنطقة، ففي كثير من البلدان العربية تناقص عدد المسيحيون وليس فقط نسبتهم لمجموع السكان. فعدم وجود تمثيل سياسي لهم -أعني كمواطنين وليس كمسيحيين- تكون نتيجته إما أن يغيبوا عن المشاركة في الحكم، أو يكون تمثيلهم محصورا في الكنيسة كحالة المسيحيين في مصر مثلا، وكلا الحالتان مأساوي. ومما يسهل قرار الهجرة عند المسيحيين هو انخراطهم الصعب بالمجتمع الأوروبي والأميركي، لكن مع صعوبته يبقى أسهل من انخراط المسلمين في نفس المجتمعات بشكل عام. ويبدو جليا في أدب وشعر المهجر الحنين إلى الوطن مهما طالت الغربة.

على حد تعبير أحد رجال الدين في إحدى المقابلات "نحن لا نخاف من إخوتنا المسلمين بل نخاف من الفوضى"، وللأسف الشديد أن هذه الفوضى تقترب من سوريا، من غير المؤكد أنها ستصل، لكن الوضع في حمص مأساوي بلا شك. شعرة معاوية لم تسقط بعد مع أنها -برأيي- لن تصمد طويلا إن لم يكن هناك مخرج سياسي سريع. وهذه الفوضى هي التي تولد التجاوزات، أما الكلام عن أن مسيحيي حمص يتعرضون "للتطهير العرقي" فهو غير صحيح أبدا! فهم كغيرهم اضطروا إلى مغادرة المدينة وإن كانت بعض التجاوزات الفردية قد حصلت بسبب الفوضى. ومن المؤسف القول-هنا سأتكلم بصراحة دون مزاودات لا معنى لها- أن صيغة التعايش بين أهل السنة وأبناء الطائفة العلوية قد "جُمّدت" لأجل غير معروف في حمص، وأرجو ألا تكون بركانا سينفجر في مناطق أخرى مختلطة.
لأ أريد أن أدخل هنا بسجال "البيضة والدجاجة" وعن مَن بدأ ومن هو المسؤول عن تحويل الصراع إلى طائفي ومدى مسؤولية كل طرف لأنه نقاش عقيم لا ينفع الآن.
هناك من يتكلم عن "التقسيم" وأنا أراه غير وارد (إن حارب السوريون ضد ذلك)، وهناك من يتحدث عن فيدرالية بحسب الإثنيات والطوائف وهذا الحل مصيبة وإن كان يبدو كأحد الاحتمالات بعد أن وصل الدم "إلى الأذنين وليس إلى الركب"، وآخرون يتحدثون عن حرب أهلية قد تطول، وآخرون يتحدثون عن تغيير جذري قريب للنظام، وآخرون يقولون إن الأزمة ستنتهي بحسم عسكري مع تعديلات دستورية.

مخاوف المسيحيين -عدا الفئة التي تهلوس بأن المسلمين سيذبحوهم ويفرضوا الحجاب- تنحصر في ثلاث نقاط، إلى جانب الفوضى والحرب الأهلية ألا وهي أولا أن يكون هناك تضييق على الحريات الشخصية والفكرية، وخصوصا أن التيارات الدينية السياسية في قوتها القصوى لعدة أسباب داخلية وخارجية، مما قد يؤدي إلى تناقص عدد المسيحيين بشكل بطيء بسبب الهجرة بحثا عن قدر أكبر من الحريات الاجتماعية في بلاد أخرى. ثانيا هناك من يعتبر أنه إن حكمت الأكثرية فهي ليست بحاجة لكل فئات الشعب طالما أنها كأكثرية تستطيع أن تجد مهارات وقدرات عديدة ومتنوعة تؤدي إلى سيطرتها على مفاصل الدولة والسياسة دون أن يؤثر تهميش باقي الفئات عليها سلبا. وثالثا أنه قد يتكون رد فعل من قبل هذه الأغلبية التي قد تعمل على الاستئثار بالسلطة فقط انتقاما وكرد فعل على طبيعة سوريا السياسية على مدى الخمس عقود الماضية، "فبقلك: يللي بتعرفو أحسن من يللي بتتعرف عليه". خصوصا أن المسيحي ينظر إلى الصراع السني الشيعي في المنطقة ،الذي يلقي بظلاله بقوة على سوريا، على أنه صراع لادخل له فيه, وحتى على أنه صراع مؤسف ولاداعي له، لكنه يؤثر على حياته بقوة. أنا شخصيا أرى أن هذا الصراع مشابه تماما للحروب المذهبية الأوروبية بين البروتستانت والكاثوليك وانتهت بإقامة دول علمانية ديموقراطية في تلك البلاد وتحييد السلطة الدينية عن السياسية، والأهم أنه لا تقوم فئة بالتعدي على خصوصية المنطقة الأخرى بالامتداد عقائديا على سبيل المثال.

فأين يقع المسيحي السوري في خضم كل هذه السيناريوهات؟ المؤسف أنه في الوسط المسيحي وبالذات المسيحي الحمصي بدأ- كالعادة- الحديث عن الهجرة، خصوصا أنه لا حل منظور للأزمة. ومع هذه الهواجس التي ظهرت أتى في "الوقت المناسب" خبر لم تثبت صحته للآن أن السويد -معقل المهاجرين السريان- وفرنسا وألمانيا وكندا قد فتحوا أبواب الهجرة، فإما أنه بالفعل خبرغير صحيح أو لأشخاص محددين من تحت الطاولة عن طريق بعض الأشخاص أو بعض رجال دين فاسدين، فهذا "بيزنيس" رابح. أحد الأصدقاء المقربين حصل على تأشيرة سفر إلى الإمارات، فسألته الموظفة بكل صراحة -أو وقاحة- "هل أنت مسلم؟"، أجاب "نعم"، فكان ردها "صعبة شوي". ومع أنه حصل على الفيزا في الآخر، لكن هذا السؤال بحد ذاته كان مفاجأة بالنسبة لي.

رغم تفهمي لوضع الكثيرين، كالمحتاج أو الأرملة أو المريض، لكني أرى أن الحديث عن الهجرة أتى سريعا وقد يكون فيه استسهال للأمور. فهم يجدون في الهجرة الداخلية أمرا غير مجد على المدى الطويل في هذا الوضع الاقتصادي المتردي وفي وضع أمني سيء يزداد سوءا. وهذا حال المسلمين أيضا الآن يعملون للبحث عن العمل والاستقرار. بل إن أغلب من يهاجر أو يفكر بالهجرة هو صاحب رأس المال وإن كان صغيرا، لأن معظم ذوي الإمكانيات المادية المحدودة سيضطرون للبقاء كما حدث في العراق لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف الانتقال، فما يبحث عنه المهاجر هو استمراية الدخل.

الكنيسة لها دور أساسي في المساهمة في إبقاء من لا يستطيع أو لا يود أو لا يفضل الهجرة بتقديم المساعدات المالية، والمساعدة بتأمين مساكن للمتضررين وحتى محاولة إيجاد لهم فرص عمل مثلا في مؤسسات تابعة لهذه الكنيسة أو تلك، وعليهم التواصل الدائم معهم خصوصا الذين مازالوا في بيوتهم في المناطق الخطرة. لكن هذا لا يمكن أن يتم في هذه الحالة المشرذمة للكنيسة وأحيانا اللامبالية وأحيانا أخرى الفوضوية أوالفاسدة (وهنا لا أعمم أو أشير لأحد بعينه) شأنها شأن كل مؤسسات الدولة، والشكر الجزيل لبضعة رجال الدين الذين يعملون لمساعدة الناس في حمص، وليس فقط المسيحيين، بدون كلل او ملل وهم معروفون، ولكن في نفس الوقت قد قمت شخصيا بجولة عند بعض الأشخاص الذين لهم وضعهم الخاص في المجتمع المسيحي وبعض رجال الدين، لأشرح لهم صعوبة الحال في حمص وعن احتمالات أن تحدث تغيرات ديموغرافية حقيقية في المدينة إن لم يفعلوا شيء، فقوبلت بالغالبية العظمى من الحالات إما باللامبالاة أو اليأس أو الأنانية أو التفهم مع إعتبار أنه "ليس باليد حيلة"، لا بل إن من تفهم خطورة الموقف وضرورة التحرك وكان جاد بالمساعدة كان من اللبنانيين في أغلب الحالات. وفي اواسط المسيحيين المنكوبين في حمص تسمع دائما كلام بما معنى: "يا ريت الكنيسة اهتمت بنا بعشر ما اهتمت بمنكوبي حرب تموز في لبنان." ولا تحل كل هذه البيروقراطية الا بإعادة "مجالس الملة" للمطرانيات التي حلّت في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات, والتي تحد من الصلاحيات المطلقة لرجال الدين وتسمح للرعايا أن يهتموا هم بشؤون أمورهم, وحتى أن يغيروا رجال الدين إن أرادوا. لأن رجل الدين موجود لخدمة رعاياه وليس العكس.
أما بالنسبة لمن عزم على الهجرة سعيا لإبقاء نفس مستوى المعيشة فأنا أرى أنه لا خطر من الذهاب إلى لبنان أو أي دولة خليجية إن أمكن بشكل مؤقت، لأنه بالنسبة لي سوريا ولبنان شيء واحد (وإن لم يعجب هذا الكلام سوريين ولبنانيين آخرين) وفي دول الخليج لا مجال للبقاء للأبد في بلد لا يمكن أن تكون فيه مواطنا بكل معنى الكلمة، فالمرجوع لسوريا. أما الذهاب إلى الغرب أو استراليا فيعني 99.99% لا عودة. لكل ظرفه، لكن ما أريد أن أقوله أن قرار الهجرة يجب أن يكون الخطة "ياء"، و ليس أول الاحتمالات.

على المسيحيين قبل كل شيء مسؤوليات وطنية، فبعد تفاقم الأمور بين السنة والعلويين في حمص وفي الوقت الذي كان ما زال باستطاعة بعض المحلات أن تفتح، كان أحد أصدقائي الصيادلة يعمل وسيطا بين صيدلي في منطقة علوية وصيدلي آخر في منطقة سنية لأنه لا يستطيع أن يذهب أحدهم للمنطقة الثانية فيتم نقل الأدوية إلى صيدلية صديقي ومن ثم إلى الصيدلية الأخرى. قد يكون هذا مثالا صغيرا وسخيفا، والمشكلة قطعا ليست بهذه البساطة، لكن هذا لا يعني (والكلام هنا لكل الأطراف) أن نستسلم ونقبر صيغة التعايش فعلى كل من بقي بقلبه ذرة تسامح وفي عقله ذرة هدوء أن يعمل على "شفاء" نفسه في الدرجة الأولى. وأقول هذا وأنا أعرف أنه هناك من سيقول أن هذا كلام عاطفي وحاليا غير واقعي وخصوصا أن الأسباب لم تزل بعد، فكيف تزول النتائج؟ لكن المسؤولية الوطنية سوف تنحصر بكل بساطة بأن سوريا دون طيف من أطيافها لا تكون سوريا، وإذا رفضنا سوريا الدولة بشكلها الحالي فما هي الخطة البديلة إذا عند من لم يعد يؤمن بها؟

للمسيحيين في الشام تاريخ كبير خصوصا في قرن النهضة 1830-1930، و هذا التاريخ الذي نساه المسيحيون أنفسهم، بل إنهم لا يعرفونه ولم يتعلموه، ولقد بنوا جنبا إلى جنب مع إخوتهم المسلمين دول الشام الحديثة.فعلى المسيحيين المشاركة بل المبادرة لبدء نهضة فكرية سورية أخرى جديدة، خصوصا ونحن نعيش في عالمنا الإسلامي المهدد بدخول حروب مذهبية كبرى مدمرة. لقد أسس المسيحيون في النهضة السابقة المطابع والجرائد ودور النشر، وتألق مفكرون وأدباء ومؤرخون في الداخل والمهجر، وهناك لائحة لا تنتهي من الأسماء، كأمين الريحاني ونسيب عريضة وماري عجمي وبطرس البستاني ومي زيادة وشبلي شميل وفرنسيس مراش وقسطنطين زريق وجبران خليل جبران وجرجي زيدان وفرح أنطون وسليم تقلا وقسطاكي حمصي وميخائيل نعيمة وفارس الخوري وحتى ميشيل عفلق وأنطون سعادة.

من المدهش أن التفجير الذي حصل عند منطقة القصاع كان بالنسبة لكثيرين من سكان المنطقة- كما بالنسبة لكثيرين من أهل دمشق المدينة- وكأنه بداية التاريخ. بينما على مدار السنة الماضية وخصوصا من بداية السنة الحالية كثرت تعليقات الهاربين من جحيم الأحداث في حمص عن ارتفاع أسعار الآجارات في دمشق، والمناطق المسيحية ليست استثناء، "كل عشرة ايام".ونفس التعليق كان عن آجارات وادي النضارة (النصارى). المقصد أن من يستطيع أن يضمن بقاء السوريين في الداخل (كل السوريين) هم السوريون أنفسهم بالدرجة الأولى.
على المسيحيين بعد المسؤولية الوطنية، مسؤولية تاريخية وهي الحفاظ على ديموغرافية المناطق التاريخية المسيحية كحمص القديمة مثلا، وفي المشرق العربي ككل، وهذا عمل أكبر منهم وربما حتى أكبر من البطاركة في سوريا والجوار (طبعا هذا لا يعفيهم من مسؤولياتهم). ولا يمكن الحفاظ على هذه الديموغرافية متجانسة ولا على هذا الإرث التاريخي إلا بمساعدة سكان تلك المناطق بعد إصلاح الضرر الذي أصابهم، وهذا يحتاج جهد الجميع بما فيها الكنائس في الخارج. وعلينا أن نعرف أن من دمر بيته فهو على الغالب لن يستطيع بناء بيت آخر، فبكل بساطة ليس لديه مكان يعود إليه بالأساس. فهذا يبين مدى الجهد والالتزام والمال والوقت والتنسيق والمثابرة الذي يحتاجه حل كل هذه المشاكل المعقدة. فلا يمكن طلب عدم الهجرة إن لم يكن هناك بدائل.

وأنا لدي وجهة نظر لم تطرح بعد حول الربيع العربي وتحديدا عن دول المغرب العربي. إن الدول الأوروبية برأيي ستحاول قدر الإمكان خلق نوع من الاستقرار والديموقراطية مصبوغة بطابع ديني في تلك البلدان لأن الاحزاب والتيارات اليمينية التي تسيطر في دول اوروبية تريد في المرحلة الحالية التخلص من هجرة المسلمين إلى بلادهم، وهذا يفسر دعمهم لأحزاب الإسلام السياسي وهذه "الإسلاموفوبيا" هي التي تفسر بداية عودة- وإن كان خفية- اليمين المتطرف الذي دمر العالم في السابق إلى الساحة السياسية. لقد زادني قناعة التقرير الذي رأيته عن الهجرة العكسية لكثير من المواطنين والمهاجرين من أصول مصرية أو تونسية أوغيرها إلى بلادهم الأصلية، وبالتالي الأوروبيون، بالمساعدة على إضفاء الطابع الديني في بلدان شمال إفريقيا، يضمنوا عودة كثير من الإسلاميين من بلادهم. وهذا يفسر,مثلا, منع فرنسا مؤخرا بعض رجال دين مسلمين من دخول أراضيها. وعلاقة هذا الشيء مع مسيحيي الشام هو أن بلدان كالدول الأوروبية التي بحاجة لمهاجرين من حين لآخر تفضل (أو على الأقل اصبحت تفضل) المسيحي الشامي عن المسلم من أصول شمال إفريقيّة. هذا كله ما زال ضمن نطاق النظريات فقط.

بعض الأصدقاء وأثناء مناقشتهم بالمواضيع المذكورة هنا تعجبوا وسألوني سؤال شخصي: هل أنتقل أنا بهذا الكلام من اليسار العلماني الليبرالي إلى اليمين المسيحي المتشدد؟ الجواب: طبعا لا!
لكن للأسف أصبحت هذه اللغة المحكية شئنا أم أبينا بسبب ما فرضته الظروف، لست سعيدا بذلك لكنه واقع مفروض، وهناك كثير من الرموز العلمانية في المنطقة تتكلم اليوم بهذه الصراحة عن التفاصيل الطائفية في سوريا، وأنا برأيي لا مشكلة في ذلك لأن أول خطوة لحل أي مشكلة هو بالأساس الاعتراف بوجود هذه المشكلة. قناعتي بأهمية الأنظمة السياسية العلمانية الديمقراطية (المانيا، النمسا، اليابان...) قناعة راسخة ولا حتى تحتاج لنقاش بالنسبة لي، لأن التجربة أكبر برهان، وإني أرى النظام العلماني الديمقراطي هو الأنسب حتى في دول ذات لون ديني ومذهبي وعرقي واحد. ولست من مؤيدي الأحزاب على أساس عرقي أو عشائري أو ديني أو مذهبي. لكني أتحدث هنا عن موضوع تاريخي وثقافي مرتبط بثقافة سوريا ارتباطا وثيقا، وحتى من منحى علماني فإن الوجود المسيحي كان ويبقى مهما لإبقاء التيارات العلمانية فاعلة في البلد. وهنا تبرز نظرية أخرى عند البعض أنه ليس من مصلحة اسرائيل قيام دول علمانية ديمقراطية في المنطقة، أولا لإنها ستظل غريبة كدولة دينية (وهي برأيهم اثنية ايضا) عنصرية في المنطقة. وثانيا، إن هذا يسهل قيام أنظمة دينية شمولية تبقي دولنا متأخرة عن التطور الفكري والعلمي ومتأخرة في مستوى الحريات، كما مثّل الموضوع أحد أصدقائي من عائلة حمصية مسلمة عريقة، أنها إذا كان على سبيل المثال ثلاث شبان مسلمين ورابع مسيحي يعيشون في نفس المنزل فإن تطبيق حكم الشريعة في المنزل يصعب مراعاة لشعور هذا المسيحي أو الغير مسلم بشكل عام، لكن عند زوال هذا المختلف يصبح من الصعب على المسلم الذي يؤمن بفصل السلطة السياسية عن الدينية "التهرب" من فرض الشريعة ويخسر سبب لعدم إقامة حكم الشريعة وبالتالي ستزداد عليه الضغوط والاتهامات مما قد يضطره للقبول بذلك. عدا عن كره اليهود المتطرفين للمسيحي أكثر من أي إنسان على وجه الارض بسبب صراعات عقائدية وتاريخية قديمة قدم المسيحية نفسها. فهذه أسباب برأي البعض تجعل اسرائيل تعمل أو على الأقل تفضل الآن الخلاص من مسيحيي المشرق العربي، فما خلفه الاجتياح الأميركي كان السبب بتشرد ثلثي مسيحيي العراق دون أن تحاول أمريكا منع ذلك البتة، والغني عن الذكر المدايقات التي يتعرض لها مسيحيو القدس وغيرها من أراضي فلسطين التاريخية.

الخلاصة, لا يجب أن يستغني السوريون، ومنهم المسيحيون، عن سوريتهم. وإنه على المسيحيين (كهنوت ومدنيين) أن يفهموا خطورة المرحلة وأنهم على مفترق طرق، وأنه لا يوجد إلا احتمالين، إما أن ينسوا أنه هناك تواجد تاريخي مسيحي في هذه المناطق ويعتبروا أنفسهم غير سوريين وليس لهم واجبات وحقوق في هذا البلد أو أن يعملوا على إبقاء كل ذلك وتطويره. أما اذا تعاملوا مع الأمور باستهتار خوفا من فلان أو خوفا على مشاعر فلان فإنهم هم بالدرجة الأولى وسوريا ككل من سيكون الخاسر، وعندها سيندمون على ذلك بعد 200 عام في كتب التاريخ، وما الملام إلا هم أنفسهم.



#رواد_عبد_المسيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فصل السلطة الدينية عن السياسية في -طبائع الاستبداد-


المزيد.....




- مصدر سعودي: الرياض حذرت ألمانيا 3 مرات من المشتبه به في هجوم ...
- تفاصيل جديدة عن هجوم الدهس في ألمانيا.. هذا ما رصدته كاميرا ...
- طبيب ولاجئ وملحد.. من هو السعودي المشتبه به تنفيذ هجوم الدهس ...
- ارتفاع حصيلة هجوم ماغديبورغ وشولتس يتعهد -بعدم الرضوخ للكراه ...
- وزير الخارجية التركي لا يستبعد نشوب صراع بين إسرائيل وإيران ...
- زاخاروفا: صمت الغرب عن الهجمات الأوكرانية على قازان مثير للغ ...
- جائزة خالد الخطيب الدولية لعام 2024
- سعودي ومعاد للإسلام... ما نعرفه عن منفذ الهجوم على سوق لعيد ...
- الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب ...
- منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رواد عبد المسيح - مسؤولية تاريخية على عاتق مسيحيي سوريا