وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3716 - 2012 / 5 / 3 - 18:12
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ان ايران تفتخر بالانتماء الى النسب العلوي . ويكتب الباحث الايراني الاسلامي الدكتور علي شريعتي في كتابه ( التشيع العلوي والتشيع الصفوي ) ان ايران كانت سنية المذهب ولكن بمجيء الصفويين قاموا بفرض التشيع بالقوة على الشعب الايراني في محاولة منهم لانتاج اسلام شيعي ذو طابع قومي ايراني فارسي . فظهر فجاة ملايين الاشخاص الذين ينتسبون للبيت العلوي !!! .
يؤكد الباحث سليم مطر في كتابه ( الذات الجريحة ) ان المؤرخين القوميين العروبيين قد ركزوا بصورة مبالغة جدا على وجود الفرس في العراق ,لكنهم لم يعطوا اهمية لوجود العراقيين والعرب المتميز في ايران بالاضافة الى تركستان وافغانستان وبلاد السند .
العلامة المستشرق الدكتور لويس ماسينيون يحدثنا باسهاب عن نشاط جاليات اهل البصرة والكوفة في خراسان بعد الفتح . ويعدد مدن الاستيطان المعروفة : بلخ , مرد , هراة ونيسابور . ويشير الى دور العراقيين الحضاري والسياسي في ايران حيث اسسوا( مدينة قم ) التي اصبحت منذ الفتح مركز التشيع العراقي والذي ظهر فيها فيما بعد التشيع الصفوي الايراني . وكذلك دورهم اي العراقيين والعرب في مدينة البيزا او البيضاء التي انجبت سيبويه والحلاج ( ماسينيون – خطط البصرة – المؤسسة العربية – بيروت – 1981 – ص 28 – 50
يذكر الطبري انه كان في خراسان اربعون الفا من مقاتلة البصرة وسبعة الاف من الكوفة ومعهم سبعة الاف من موالي العراق .
ويذكر البلاذري ان والي خراسان حول معه من اهل المصرين ( الكوفة والبصرة ) زهاء خمسين الفا هم وعيالهم واسكنهم دون النهر اي خراسان .
( فيصل شكري – المجتمعات الاسلامية – دار العلم – بيروت – 1091 – ص 111
وكل هؤلاء العراقيين اعتبروا خراسانيين وشكلوا النخبة المسلمة التي قادت الحياة الثقافية والدينية والسياسية والعسكرية في خراسان .
هؤلاء الخراسانيون العراقيون هم الذين ساهموا بنجاح الثورة العباسية , وعادوا الى العراق وشاركوا ببناء الدولة في بغداد . ويلاحظ مثلا ان كثيرا منهم يحمل القابا خراسانية وعربية في نفس الوقت : قحطبة الجرجاني ( الطائي ) , الفضل الطوسي ( التميمي ) , جديع الكرماني ( الازدي ) وغيرهم ...
ان مشكلة الانتماء والنقاء العرقي لاتخص العراق وحده , بل تخص ايران بدرجة اكبر واكثر حدة , خصوصا اذا علمنا ان الفرس في ايران ظلوا طيلة التاريخ اقلية عرقية فرضت نفسها على باقي شعوب ايران من خلال اللغة فقط . من المعروف ان الناطقين بالفارسية في ايران اقل من خمسين بالمئة . وهناك اكثرمن الثلث ناطقون بلهجات تركستانية مختلفة . بالاضافة الى الاكراد والعرب والبلوش . لكن الفارسية تبقى اللغة الرسمية والثقافية لهذه الفئات اللغوية .
ان جميع السلالات التي حكمت ايران منذ عشرة قرون وحتى القرن الحالي كانت سلالات تركستانية : ( السلاجقة , الايلخانيون , التركمان ,الصفويون والقاجاريون ) .ولكن في ظل هؤلاء سادت اللغة الفارسية الحديثة ونشا الادب الايراني منذ الفردوسي ولحد عمر الخيام وحتى الان .
ان الكثير من مبدعي ايران ماكانوا من الفرس بل من اصول عرقية مختلفة , منهم التركستاني ومنهم العربي , ولكن الجميع تبنوا اللغة الفارسية وابدعوا بها , وتم اعتبارهم ايرانيين فرس .
لماذا لايطبق هذا القياس على العراق ايضا؟, ولماذا تم التعامل مع شخصياته المبدعة على مدى اساس انتمائهم العربي القح , وتم التغاضي عن حقيقة انتمائهم لارض العراق ومجتمعه وحضارته ولغته الوطنية العربية ؟
ان الحديث عن المبدعين في الحضارة العربية الاسلامية يجب ان لايستند على الاصل العرقي وانما على ارض الميلاد والمنشا والثقافة .
ان الانتماء للوطن وحضارته هو الاساس وليس الانتماء لهذه القومية البيولوجية الاسطورية المفترضة .
وهكذا تم اعتبار كل الاراميين وهم مسيحيون والاكراد والتركمان والارمن واليهود وغيرهم على الاعاجم والفرس ما داموا ليس عربا اصلاء ولا ينحدرون مبلاشرة من عدنان وقحطان . ولنا مثال صلاح الدين الايوبي الذي يحسب دائما على اصله الكردي من دون الاهتمام بحقيقة مولده هو وابيه في العراق ثم نشاته وحياته في سورية : (هادي العلوي – شخصيات غير قلقة في الاسلام – دار الكنوز – بيروت 1995 – فصل 14
ومثل هذا الكلام يقال عن الشاعر ابي نؤاس الذي لاتربطه بالعرق الفارسي اية نسبة ولكنه حسب فارسيا وفق المدرسة القومية العروبية العنصرية واحد اسباب اتهامه بالنسب الفارسي هو وقوفه الى جانب الامين في صراعه ضد اخيه المامون !! (د . رشيد الخيون – طروس من تراث الاسلام ) . والنموذج الاخر هو الامام الاعظم ابو حنيفة النعمان الذي تم اعتباره فارسيا ايرانيا لان جده كان افغانيا من سبي كابول حيث كانت فارس تحتل افغانستان , فتم اعتباره فارسيا .علما انه ولد وتعلم ومات ودفن في الكوفة واسمه النعمان بن ثابت الكوفي . ولد في الكوفة وتزوج من امراة كوفية ومات في الكوفة ولايعرف لغة سوى العربية . وهكذا كان ابوه الذي ولد في الكوفة وعاش ومات فيها ولايعرف لغة سوى العربية . ولم يسافر ابو حنيفة خارج العراق ولم يشاهد ايران او غيرها . وامضى حياته ينشردعوته في العراق حتى اطلق على مذهبه :
( مذهب اهل العراق ) .. ومات سجينا في بغداد ومسموما بعد ان ناصر ودعم ثورة زيد بن علي الشيعية بالمال .
تصوروا كاتبا من اتباع المدرسة القومية العروبية هو ( عبد الرحمن الشرقاوي ) يتحدث عن ابي حنيفة قائلا : ( ولد ابو حنيفة بالكوفة سنة 80 هجرية من اسرة فارسية وسمي النعمان تيمنا باحد ملوك الفرس ) , ( عبد الرحمن الشرقاوي – ائمة الفقه التسعة – دار غريب – القاهرة – 1995- ص 56
يقول سليم مطر : هكذا يبلغ الجهل والتجاهل بكاتبنا بحيث انه يعتبر اسم التعمان ( احد ملوك الفرس ) . فهو تجاهل بعناد ان اسم النعمان كلمة ارامية اطلقت على اله الخصب بعل – تموز . ومنه اطلق على ورود الربيع شقائق النعمان والتي تدعى ايضا جراح ادونيس , وهي من جذر ( نعم ) بمعنى جميل . وللكاتب وليد يوسف عطو عودة على النعمان وشقائق النعمان وجراح ادونيس والاسطورة المتعلقة به بمقال قادم ( راجع – فراس السواح – مغامرة العقل الاولى ) .
نعود الى كتاب مطهري حيث نراه كبف قام بتفريس الشخصيات التاريخية العراقية :
1 – كتب المطهري (محمد بن قاسم الانباري المعروف بابن الانباري ,نسبة الى الانبار , الذي سمي انبارا لانه كان مخزنا للحبوب على عهد الساسانيين ) . لقد اعتبر ايرانيا لمجرد ان منطقة الانبار كانت تابعة للساسانيين مثل كل العراق , خصوصا وان الانباري ليس عربيا قحا وانما من اهل العراق الااراميين الاصليين ,فهو اذن ايراني !!!!
2 – محمد بن اسحاق اول مؤلف للسيرة النبوية , هو ايراني لانه كان مولى شيعي من عين تمر بالعراق والتي تقع قرب كربلا ولاعلاقة لها بايران .
3 – ابن خلكان الاربيلي , هو ايراني لانه من مواليد اربيل في العراق !!!
4 – موسى بن نصير هو مولى فارسي كما يقول مطهري , بينما يخبرنا التاريخ بان حكايته مثل حكاية الحسن البصري واسماعيل بن يسار ومحمد بن سيرين , انهم ولدوا في الحجاز من اباء اراميين سبوا في جنوب العراق اثناء حروب خالد بن الوليد الاولى .
يقول فيليب حتي : ( كان موسى بن نصير رجل نصراني من العراق , اخذه خالد بن الوليد اسيرتا مع عدد من الصبيان امثاله كانوا يدرسون في كنيسة تدرس الاناجيل ) . ( حتي , فيليب – موجز تاريخ الشرق الادنى – دار الثقافة – بيروت – ص 167
5 – الحسن البصري , من الموالي العجم بل الفرس , هكذا يكتب مطهري ص 113 .علما بان الحسن البصري ولد في الحجاز واصل ابيه مسيحي ارامي او صابئي من ميسان في جنوب العراق . وقد تم سبي ابيه وهو صبي . وعاش وتزوج في الحجاز , وقد اتى الحسن الى البصرة وعاش بين اقاربه . لكن المشكلة بما انه ليس عربيا قحا بل مولى عراقيالاصل ,فانه تلقائيا صار محسوبا على الايرانيين .
6 – معروف الكرخي , واسم ابيه فيروز ولهذا حسب فارسيا . قيل ان ابويه مسيحيين واسلم هو .
نجد الملايين من الايرانيين ذوي اسماء عربية فلماذا لم يتم اعتبارهم عربا ؟؟
على المودة نلتقيكم ...
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟