فلاح كاظم حسين الكناني
الحوار المتمدن-العدد: 3715 - 2012 / 5 / 2 - 06:18
المحور:
الادب والفن
مظلمة روميو وجوليت في بغداد
فلاح كاظم حسين
طالب دكتوراه
فنون مسرحية
جامعة بغداد
القصة بالعراقي:
المسرحية تحكي قصة أسرتين عراقيتين من طائفتين مختلفتين تسببت الاحداث بعد عام 2003 بمعارضة اسرة الفتاة (جوليت) تزويجها من حبيبها (روميو)، حيث يرغب ابو الفتاة تزويجها لابن أحد (المجاهدين) العرب الذين دخلوا لقتال العراقيين، فترفض ويتسببان بمقتل اثنين، كل واحد من اسرة، فيما يصل الصراع الى ذروته وكل يدعي انه الأحق بـ (القيادة) التي رمز اليها بالسفينة، ثم يقرر الحبيبان الزواج سرا في كنيسة (سيدة النجاة) التي تتعرض للتفجير وتموت الفتاة الا ان الشاب يدعو ربه الذي سبق ان حدثه بالقول (ليش ما نكسر خاطرك) ، وحين يجد ان الفتاة حية يقول لها (شفتي الله شكد حباب)، لكن مايسمى (المجاهد العربي) يدخل اليهما وهو متمنطق بحزام ناسف فيفجره عليهما ، والاغرب في هذا كله ان الصراع الدموي والخلافات العميقة تنتهي وتتلاشى حين تذكر والدة (روميو) والد (جوليت) بالاكل الطيب الذي كانت تطبخه ويأكل منه.القصة هي واحدة من ملايين الناس التي تاثرو جراء التغيير, (الطائفية), وهي بالحقيقة احد العاب السياسيين المستوردة والسيطرة على مقاليد الحكم.
عمل المخرج على مغادرة البيئة المكانية التي اقترحها المؤلف في النص الاصلي مقدماً فرضياته الاخراجية التي أراد لها ان تنسجم مع البيئة العراقية المحلية سواء على مستوى اللغة النصية التي عمل على تحويلها من شعريتها الشكسبيرية إلى اللهجة المحلية العراقية، أو على مستوى البيئة المكانية التي كانت دائمة التحول بحسب المقترحات التي أراد المخرج ان تكون بديلة عن مقترحات المؤلف، وتعد هذه واحدا من ابجديات عمل المخرج المسرحي على تطوير رؤيته الاخراجية التي قد لا تكون متوافقة في كثير من الاحيان مع رؤية المؤلف. إلا إن الاشتغال على مفهوم الاطاحة بالمنجز النصي الشكسبيري لا يأتي على وفق فرضيات مقترحة تمنح المخرج القدرة على إزاحة المتن النصي فحسب، بل لابد لها أن تمتلك مقومات فكرية وجمالية قادرة على إيجاد بديل موضوعي منطقي يمنح المتلقي فرصة للتواصل مع المنجز البديل،الأمر الذي أوقع العرض في إشكاليات تقنية , نذكر منها ( الفولدر) نقرأ العنوان الكبير ليتبادرر الى الذهن ان شكسبير حضر الى بغداد , وهذا الامر بدلالة كلمة( نص) , الا اننا نتفاجأ باعداد واخراج , وقد بدأ العرض بصراع ادائي بين ممثين اثنين يحملان سلاح ( مسدس) بعمر الصبا, وكانها لعبة اطفال , ينتهي المشهد بفوز برشلونة على خصمه بواسطة احد الممثلين الاطفال يحمل كرة قدم ويرتدي قميص برشلونة المقلم بالاحمر والابيض, الخلفية سوداء يخرج دخان ابيض وكانك في ساحة عامة قرب احد المجاري للمياه الثقيلة بجانبيها مدرجات اثنين ,تتحول المدرجات والانبوب الى هرم سلطوي او اطلال روميو, والانبوب يخرج منها المستورد في ظلام الليل (الارهابي) , ليدخل فجأة بقوة السلاح في المشكلة العائلية العراقية بين الاخوة المتخاصمين بشأن عملية الزواج , هنا الموقف الدرامي تغير جذريا , اذ ان الموقف الشكسبيري كان الموقف جدلي لاختلاف قوانين العائلتين التي حكمو تلك البلدان وقد سقط العديد من العائلتين قتلى من اجل احتلال احد العائلات للمملكة. في حين ان العوائل العراقية تحكمها العادات والتقاليد والدين الاسلامي والالتزام اقوى من ان يتفرقوا من اجل شيء يفرق العوائل او الاخوة.
وقد عمل المخرج على إقحام الطائفة المسيحية في العرض المسرحي حتى بدت الكنيسة باجراسها وقبتها المتكونة فوق انبوب بعد ان يرتفع الى الاعلى وتنزل فوقه المقرنص المذهب من الاعلى لتعبر عن حاضنة مكانية مجردة من المعنى للصراع الطائفي الذي كان واقعاً بين روميو من جهة، ومن يحاولون قتله من اهل جوليت من جهة اخرى. تفاعل العرض مع الرقصات الفولكلورية البصراوية ،(الصراع الخليجي) والتي يعمل المخرج على تأكيدها من خلال حضور المركب الشراعي الذي كان السبب في تكالب الاخوة على السلطة، وهو السبب في الانقسام الدموي بينهما، الامر الذي ترك المتلقي يراجع منظومته المعرفية من اجل إيجاد توافقات مفاهيمية تسهم في تفكيك هذه المغالطات الفكرية، كما يحدث اليوم في الصراعات السياسية التي يقحمنا فيها ساستنا، حينما يطلق احدهم تصريحا تنكشف على إثره ازمة سياسية تلوح في الافق، وسرعان ما يطلع علينا من يبرر التصريح ويصف المتلقي بأنه اساء الفهم الذي ابتغاه ذلك السياسي ب( بالحكمة والموعظة ) ألا يكفي النظر إلى الخلف في كل شيء.
موضوع الاداء التاريخي, من ضمن اشكالية الخطر الدرامي النصي عندما يضعها المخرج واضحة بشخصية الممثل , حيث ان التاريخ يقرأ للاستنارة ولايقلد , وهو منطق العقل , على الرغم من محاولة المسرح النهوض مجددا بالرغم من الأزمات الكبيرة التي تعصف بالعراق، بعد سنوات من الحصار والانتكاسات الفنية والحروب والضغوط السياسية، وخاصةً صراع الطائفية. وفي سياق متصل بالحب والتضحية، يحارب روميو الشيعي وجولييت السنية، الطائفية التي تمزق العراق منذ اعوام، يحيي احد اشهر روايات وليام شكسبير بقالب اكثر دراماتيكية، وتماشيا مع هذا القالب، حلت المسدسات مكان السيوف، وارتدت بعض الشخصيات في المسرحية الدشداشة التقليدية والكوفية، فيما اختارت النسوة العباءة والحجاب، الى جانب تغييرات اخرى تجاوزت المظاهر والازياء، وطغى على المسرحية طابع عراقي خالص، رغم انها تجسد الرواية الكلاسيكية لشكسبير والتي تعود الى القرن السادس عشر، حيث يتحدث الممثلون اللغة العربية المكسوة باللهجة العراقية، فيما يتولى البطولة والاخراج عراقيون، وقد تم تكييف المسرحية مع النسيج الاجتماعي العراقي والصراعات ومعاناة التي عاشها العراقيون خلال السنوات التسع الماضية، ويلخص المشهد الاخير من المسرحية الرعب العام من التفجيرات الانتحارية في العراق، معيدا احياء ذكرى الهجوم الذي وقع في 31 تشرين الاول/اكتوبر 2010 وقتل فيه 44 من المصلين وكاهنين في كنيسة سيدة النجاة في بغداد، وفي هذا المشهد يهرب روميو الى الكنيسة وتنضم اليه بعد ذلك جولييت، وفي ابتعاد كبير عن نص مسرحية شكسبير الاصلية، يدخل باريس، احد شخصيات الرواية الاصلية، وهو يرتدي حزاما ناسفا فيفجر نفسه ويقتل روميو وجولييت معا، ويقول مناضل داود (52 عاما) الذي اخرج المسرحية ان "باريس عضو في تنظيم القاعدة وليس عراقيا"، في اشارة الى المقاتلين الاجانب الذين دخلوا الى العراق بعد اجتياح الولايات المتحدة عام 2003، وضربت البلاد موجة من العنف الطائفي في العام 2006 قتل على اثرها عشرات الالاف اثر قيام متشددين بتفجير قبة الامامين العسكريين في سامراء شمال بغداد. بحسب فرانس برس.
#فلاح_كاظم_حسين_الكناني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟