أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد يوسف - عندما يُخفي التّاريخُ مَعالِم الهُويّة...















المزيد.....

عندما يُخفي التّاريخُ مَعالِم الهُويّة...


أحمد يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3713 - 2012 / 4 / 30 - 19:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إذا كان التاريخ هو ذكرٌ طاغٍ ومستبدّ, فإنّ الجغرافيا هي أنثى مغتصَبة, وإذا كان التاريخ مخادعٌ متحوّل فإنّ الجغرافيا أمٌّ ثابتة تفتح ذراعيها لأبنائها على الدوام, فليس ثمّة شيء أبقى من المكان وكلّ ما عداه وهمٌ. للأمكنة دروبٌ تقودك إلى فجر الأزمنة وما من زمان إلّا ويقودك صوب الخديعة. ونحن الكرد لنا محنتنا في إدراك هذه الحقيقة, نستكين لظلم التاريخ ونتماهى معه ونعشقه أيضاً, نفتخر بأنّ التاريخ ظلمنا, ونشعر بالحرج عند الحديث عن جغرافيا سُلبت بمخالب ذاك التاريخ, يستهوينا أسر التاريخ لنا, ونكره الانعتاق من سطوته وجبروته لأن ما زرعه التاريخ فينا واقعٌ, والجغرافيا حلم.
إنّ التاريخ عندما يطمس معالم الجغرافيا فإنّ ذلك يعني طمساً للهويّة, لأن الجغرافيا ليست نقوشاً أو رسومات أو وهماً مصنوعاً في الأخيلة, وليست مخيالاً متعلّقاً بالاعتقاد, وإنّما حقيقة لا يمكن تجاوزها خاصّة في علاقتها مع تشكّل مفهوم الهوية لدى أيّة منظومة مجتمعيّة, لذا فإنّ البقاء أسرى لتاريخ مقيت بدافع الركون للواقع, ما هو إلّا تجاوز للهويّة كونها جوهرٌ ثابتٌ نسبيّاً – قد تتعرّض بعض مكوّناتها للتغيير مثل التقاليد والقيم وبعض أنماط التفكير - فالتاريخ الذي تمّت صياغته دون إرادة الشعب ليس قدَراً ثابتاً كما المكان والهويّة, وإذا كان كذلك فالأجدى الأخذ بالتاريخ الحقيقي الذي يصنعه الشعب والمرتبط بوعيه الجمعي الذي هو أساسٌ وركنٌ من أركان نشأة الهويّة وتمايزها, وإنّ إلغاء الجغرافيا من العناصر المشكّلة لهويّة ما بدعوى أنّ التاريخ بزيفه فرض واقعاً جغرافيّاً مغايراً وعلينا التسليم به, إنّ هذا لتغريبٌ للهويّة وسلبها التمايز الذي اكتسبته من التقاء عناصر عديدة أهمّها اللّغة والثقافة بالإضافة إلى الجغرافيا والتاريخ ووعيهما.
إنّ هذا الكلام يأتي في سياق اللغط والتهافت والمزاودة على قضيّة الشعب الكردي ( الكردستاني) عموماً, وقضيّة الشعب الكردستاني في غربي كردستان – أي الجزء الواقع في سوريا - خصوصاً, والاجتهاد في فصل قضية الكرد في سوريا عن الأرض وعدّها قضيّة حقوق مواطنة ولغة فقط, والنأي بها والتغاضي عنها كقضية هويّة ووجود وكيان وجغرافيا, والحال هذه تشبه قضية الفلسطينيّين, فهل يمكن عدّ القضية الفلسطينيّة على أنّها قضيّة مواطنة وحقوق ثقافية في إطار دولة إسرائيل العبريّة؟ وهل كفاح الفلسطينيّين هو كفاح من أجل نيل الهوية الاسرائيليّة؟ بالطبع إن من يقول هذا يتجنّى كلّ التجنّي على حقوق الشعب الفلسطيني, فقضيتهم هي قضيّة أرض وشعب, إذن هي قضيّة هويّة تمّ سلبها, ومن هنا فإن القراءة الخاطئة للتاريخ وحصره بالمئة سنة الأخيرة وما أفرزتها من تشويه وتحريف لمفهومي الهوية والانتماء بحكم خلقه لواقع جغرافيّ جديد يجعل من التاريخ الذي هو متحوّل وهماً وما الثبات إلّا للجغرافيا. قد يُفهَم من هذا الكلام دعوة لما نُتَّهم به على الدوام, ولكن القصد من وراء هذا هو أنّه لا يحقّ لأحد أن يفرض على الآخر هويّة لن يتآلف معها أو يلبسه انتماءًا غير ما هو يشعر بأنه منتمٍ إليه, فحرّية الانتماء ليست حديثاً مختلقاً ابتدعه الكرد ولا هي آية مزيّفة هبطت كوحي عليهم, بل هي طبيعة بشريّة عامّة رافقت البشر منذ بشائر الوجود الأولى.
إذا كانت الهوية العربية يتمّ تعريفها على أنّها هوية الانسان الموجود على أرض عربيّة, والهويّة التركية هي هويّة كل من ينتمي إلى تركيّا الأرض, والهويّة الفارسيّة هي هويّة كل الإيرانيّين, فكيف يتمّ تعريف الهويّة الكرديّة بمعزل عن الحيّز المكاني؟ فهل يمكن فصل الزمان بتحوّلاته عن المكان بثباته؟ وهل يمكن فصل اللغة عن المكان؟ وهل يمكن عزل الثقافة عن الجغرافيا التي نشات فيها؟ أين إذن تشكّلت معالم الهويّة الكرديّة كهويّة ثقافيّة وكهويّة أجتماعيّة - ولن أقول هويّة قوميّة كي لا نُتّهم بالتطرّف -؟ هل تشكّلت في الفراغ؟ ألم تكن ثمّة جغرافيا عليها نسج الكرد هويّتهم وكلّ حكاياتهم؟ قد يأتي من يلعب على وتر التسميات والمصطلحات ليقول: في أيّ تاريخ كانت هناك جغرافيا اسمها كردستان؟ لأقول: إنّ سوريا لم تكن بهذا الاسم قبل الحرب الكونيّة الأولى وأفغانستان كان اسمها آريانا ثمّ سمّاها المسلمون خراسان وقبل مئتي عام فقط أصبحت أفغانستان, أي هذا لا يعني مطلقاً أنّه لم يكن ثمّة أفغان قبل مئتي عام, إنّ اسم كردستان كان موجوداً على أقلّ تقدير منذ عهد السلاجقة, وكان ثمّة جغرافيا يقطنها الكرد منذ اقدم العصور.
"كلّنا سوريّون" هكذا يقولون عندما تقع الواقعة, يجوز لهم التبرّك بسواد بني العباس الموجود في العلم العربي السوري, وهي لجريمة كبرى وتطرّفٌ وانفصاليّة حين يحمل الكرديّ علمه ويرفعه عالياً ليعانق وجه الشمس, كلّنا سوريّون ولكن لزامٌ عليّ أن أردّد ( عرين العروبة بيت حرام ) و ( لم لا نسود ولم لا نشيد ). تخلّى إذن عن عروبيّتك إن كنت سوريّ الهويّة, حينها يحقّ لك مطالبتي بالتخلّي عن كرديّيتي لصالح الهويّة السوريّة. ثمّ ينغّمون على وتر آخر ويقولون ( كلّنا مسلمون ) ليعيدوا الكردي إلى الحظيرة الأولى وهذا ما لن يتمّ مع كردستانيّي القرن الواحد والعشرين.
ثمّة نقاط أخرى يجب تبيانها : إنّ " فقر الوعي الأخلاقي في العالم العربي الإسلامي"- أمين معلوف - وسطوة الفكر الأحادي الشمولي والعقلية الذكوريّة وضعه - أي العالم العربي الإسلامي - أمام امتحانٍ صعبٍ من جهة عجزه عن استيعاب حقوق الآخر المختلف المتمايز عنه, في الوقت الذي يتباكى فيه أمام العالم بأنّ اليهود يضطهدونهم والأميركان يسلبون حقوقهم والغرب يتآمر عليهم, والحال هذه تنطبق على كلا من الأنظمة والمعارضات على حدّ سواء, وهذا الامتحان شهدناه إبّان بعض الثورات في العالم العربي, فالأمازيغ في ليبيا وتونس ما زالت تهمة المؤامرة ملتصقة بهم, وكذلك في سوريا فمازالت المعارضة المتمثّلة بالمجلس السوري وهي لمّا تستلم السلطة بعد تنكر حقوق الشعب الكردستاني في غربي كردستان وسوريا في تصريحات لم تختلف كثيراً عن إنكار سلطة البعث نفسها.
ما أحوجنا اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى إلى ثقافة قبول الآخر, إلى ثقافة احترام حقوق الآخر, والتخلّص من ذهنيّة الشكّ والارتياب من شركاء التاريخ والجغرافيا وجعلِ تلك الذهنيّة طيّ النسيان, إذ لا يمكن لأحدٍ أن يحمل قطعة أرضه في جعبته ويرحل عن الآخر, هذا هو قدر كلّ البشر على هذه الأرض, والحقد الأصفر لن يجلب إلّا مزيداً من الفواجع والملّمات, وفي النهاية لا التاريخ أبقى ولا الجغرافيا, وما من قدسيّة تعلو على قدسيّة الانسان الذي هو غاية الوجود وجوهره, ولا معنى للوجود بدونه. لقد آن الأوان أن يسلب الإنسان من الهويّات أدواتها القاتلة بحكم انتماء كلّ البشر إلى هويّة واحدة هي الهويّة الإنسانيّة.



#أحمد_يوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوهامُ مثّقفٍ كردي
- آخر خيارات الثورة السوريّة
- في ذكرى اعتقال القائد والمفكّر الكوردي عبدالله أوجآلان
- الخطابُ القوميّ العربيّ قَرابَةَ قَرنٍ مِنَ الخَديعَة - محاو ...


المزيد.....




- مصادر تكشف لـCNN عن زيارة متوقعة لمسؤول روسي يخضع لعقوبات أم ...
- سيناتور يحطم الرقم القياسي لأطول خطاب في مجلس الشيوخ ليحذر م ...
- -قطر غيت-.. تمديد احتجاز شخصين من المقربين لنتنياهو مع تعمق ...
- من السودان وغزة: كيف عاش العائدون إلى منازلهم فرحة العيد لأ ...
- ما هي أبرز العوامل التي ساهمت في التهدئة الدبلوماسية بين بار ...
- واشنطن ترسل قاذفات وحاملة طائرات إلى الشرق الأوسط
- هاري يستقيل من جمعية أسسها تكريما لوالدته.. ما علاقة زوجته؟ ...
- خطاب -القرصنة-.. سناتور أميركي يهاجم ترامب بطريقة غريبة
- الجزائر تسقط مسيّرة مسلحة اخترقت مجالها الجوي
- ترامب يدرس المقترح النهائي لتيك توك قبل -موعد الحظر-


المزيد.....

- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد يوسف - عندما يُخفي التّاريخُ مَعالِم الهُويّة...