|
جميلة بوحيرد امرأة القرن العشرين .. تنكر لها الرفاق
أميمة أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 3709 - 2012 / 4 / 26 - 08:22
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
عندما وقفت أمام البرج ذي الطوابق العشرين سألت البواب عن المصعد، فدلني عليه ، لاحظت هناك ثلاثة مصاعد واحد منها يعمل . كان الصعود بالمصعد أشبه بمغامرة محفوفة بالمخاطر، أن يتوقف فجأة ولا توجد وسيلة للنجدة ، مثلا جرس إنذار ، أو أي وسيلة أخرى سوى الضرب على جدران المصعد ليسمع أحد قد يكون مارا من المكان . كنت أفكر ماذا أفعل لو توقف المصعد الآن وهذه أول زيارة لسيدة النضال السيدة جميلة بوحيرد، وتساءلت هل يعقل أن تسكن في هذا البرج العالي ؟ وماذا لو تعطل المصعد أليست مشقة في خروجها من المنزل ؟ كنت أتصور أنها تعيش في فيلا فيها كل وسائل الراحة ، ومعها من يخدمها في كبرها . على صوت المصعد معلنا توقفه بزعيق الحديد توقفت تساؤلاتي ، ونزلت لفة الدرج لأجد شقتها في الطابق الخامس عشر، كبست الجرس ، صوته صوت بيانو جميل ، وبعد لحظات سمعت صوتا دافئا من خلف الباب : " اشكون " أي مين ؟ كان صوتها جهوريا لكنه رخيم ومليء بالحنان ، قلت لها بنت بلادك . انفرج الباب عن وجه جميلة بوحيرد ، المناضلة التي ذاع صيتها في مغارب الأرض ومشارقها لنضالها وشجاعتها . فتحت الباب وهي ترحب " هلا ومرحبا ادخلي بنت بلادي" وقالت بوحه باش " أنا جزائرية وأحمل الجنسية السورية ، وأنت سورية تحملين الجنسية الجزائرية والحقيقة أنك جزائرية أكثر منك سورية لأنك عشت بالجزائر أكثر مما عشت في سورية ، فأي الجنسيتين أنت بنت بلادي "
في صالون يغلب عليه اللون الأبيض ، وهي تمشي كحمامة بيضاء بلباسها الأبيض الناصع كنصاعة تاريخها المشرف. جلسنا متقابلتين ، لم أصدق أني وجها لوجه مع جميلة بوحيرد، التي تعلمنا الكثير عن نضالها مذ كنت في المدرسة الابتدائية ، يومها كنا ننشد النشيد الوطني الجزائري قبل النشيد الوطني السوري عند تحية العلم صباحا ، وكانت المعلمة تحكي لنا قصص ثوار ثورة الجزائر ، ومنها حكاية البطلة جميلة بوحيرد ، عرفنا كيف كانت تواجه الاستعمار الفرنسي الغاشم رغم التعذيب على يد الجلادين الفرنسيين . حكاية جميلة بوحيرد ترسخت بالذاكرة ولن تمحوها الأيام ، والآن أجلس معها وجها لوجه ، أجل وجها لوجه مع صانعة التاريخ ، في منزلها ذي الإطلالة الرائعة ، حيث نرى العاصمة كراحة اليد ، الميناء ، الغابات ، المارة ، السيارات ، والأبنية والعمارات ، كان الوقت شتاء ، فتأملت المنظر من إحدى النوافذ فلفحتني نسمة باردة ، جعلت جسدي يقفقف من البرد ، وبعد لحظات انهمر المطر غزيرا كعادة مطر السواحل ، فتسرب الماء من شقوق النافذة ليسيح قرب طاولة الطعام بالصالون ، فذهلت عندما أسرعت السيدة جميلة وبيدها منشفة أرض لتلقف الماء وتضعه في وعاء ، وقالت مبتسمة بحياء " اسمحيلي ، كلما أمطرت دخل الماء للبيت، رقعّت النوافذ بالنايلون الشفاف ، لكنه لايصمد أمام المطر خاصة إذا كان عزيرا " كنت أسمعها وأتأمل نوافذ الشقة ذات الشكل الدائري، فكل الجدران نوافذ تقريبا ، والزجاج نظيف ، لكن الخلل في الفجوات بين نجارة النوافذ والجدران، فمنها يتسرب ماء المطر . تساءلت أيعقل أن يكون منزل سيدة القرن العشرين مهتريء لهذه الدرجة؟ ألا يكفي ارتفاعه الشاهق وما يسبب لها من مشقة عند تعطل المصعد فأيضا تسرب الماء من شقوق النوافذ والأبواب ؟ * * * مضى على ذاك اللقاء سنوات ، ولم تنقطع زياراتي لها ، ودوما نوافذ شقتها يرفرف على جوانبها النايلون الشفاف وكأنه من أصل البناء . فأصبحت أختي وصديقتي بل كل أهلي في هذه الغربة القاسية ، تخفف عني معاناة الاغتراب القسري والبعد عن الأهل ، وكانت حكاياتها عن الثورة والثوار تشد أزري وتمنحي القوة لمقاومة الغربة . اكتشفت فيها المرأة المضيافة الكريمة الشجاعة التي لاتخشى لومة لائم في قول الحق والحقيقة ، هذا الذي صنع من جميلة بوحيرد تاريخا، لأنها صاحبة مباديء بقيت وفية لها رغم الصعاب. عند الصعاب أتوقف ، عندما تفاجأت يوما برسالتها في الصحافة الجزائرية تطلب من الشعب الجزائري الذي ناضلت لأجله أن يساعدها في العلاج من مرضها . لا أدري كيف طفرت دموعي متسائلة أيعقل أن تطلب سيدة النضال من الشعب تكاليف علاجها والدولة التي كانت جميلة بوحيرد واحدة ممن قدموا التضحيات الجسام لاستقلال البلاد وبناء الدولة لاتسأل هذه الدولة عن حالها ؟ وهي قدمت الكثير ، ومما عرفته من نتف الحديث معها ، أن سبعة شهداء من عائلتها أخوة وأعمام ، واحد منهم أخوها، تعرض للتعذيب ثم رماه جلادو الاستعمار الفرنسي حيا للكلاب ، لتنهشه ويموت بنهشات الكلاب المسعورة ، ودمروا خمسة منازل لعائلتها، وهي حكموا عليها بالإعدام، ولكن بعد موجة استنكار عالمية ضد إعدامها ، خففوا الحكم للسجن . لكن اندفاع الجزائريين والعرب في عدة دول عربية للتبرع لسيدة النضال جعلني في حيرة من مشاعري ، فرحة لأن الشعب العربي لن ينسى بطلة الجزائر ، وحزنت أن تضطر هذه البطلة لهذا الموقف تطالب بحق مكتسب. أخبرتني فيما بعد أن الدولة أرسلتها للعلاج من صندوق التضامن الذي تدفع اشتراك شهري من مرتبها ، وغطت نفقات إقامتها أيضا . لكن المحزن أم المؤسف- لست أدري -أن تلجأ سيدة النضال مرة أخرى إلى الصحافة من أجل العلاج أيضا ، وهي في حالة صحية خطيرة " انسداد في الشرايين تحتاج إلى العلاج بالخارج " حسب تشخيص الأطباء الجزائريين ، فالضمان يدفع لها ثمن العلاج والإقامة بالفندق ، ولا يدفع تكاليف إقامتها بالخارج خلال فترة العلاج التي غطتها الدولة في المرة السابقة وتجاهلتها هذه المرة . بالحقيقة هي تكاليف زهيدة لكن جميلة لاتملكها، ويلومها الآخرون على صراحتها هذه وبوحها بقدرتها المالية المتواضعة . لماذا اللوم يارفاق السلاح ؟ هل سألها أحد عن احتياجاتها ورفضت حتى يلومونها؟ هي صاحبة حق لأنها صاحبة فضل ليس فقط على الجزائريين الذين كانت إحدى بطلات الجزائر، بل فضلها على العرب جميعا بموقفها ونضالها المشرف ، وفضلها على كل مناضل في العالم لأجل الحرية والكرامة ، وفضلها على نساء العالم بنضال قل نظيره في خمسينيات القرن العشرين عندما كانت المرأة أشبه بخيمة متنقلة من الحُجُب والتستر باسم الدين ، كانت جميلة بوحيرد آنذاك كتفا لكتف مع العربي بن مهيدي أحد قادة ثورة الجزائر، تدافع مثله عن حرية بلدها. لذا صاحب الحق لايـُـلام ، بل اللوم على من تجاهل الحق .
#أميمة_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيدة العاصي تقدم قوافل الشهداء قرابينا للحرية
-
سورية أمام مفترق المصالح الإقليمية والدولية
-
الفنان علي فرزات ... إرهابي سلاحه الريشة
-
تراجع الاقتصاد السوري جراء الحل الأمني
-
حماه الشهيد .. ثلاثون عاما بين مجزرتين
-
الوحدة الوطنية في سورية لن ولن تتصدع
-
دعما للسياحة في مصر وتونس
-
النظام السوري يعيد أمجاد الموت في حماه الباسلة
-
سورية -الممانعة- حريصة على أمن إسرائيل
-
على النظام السوري وقف المجازر ضد المتظاهرين
-
سورية .. التغيير أو الرحيل
-
إطلاق فضائية علمانية يسارية
-
الأصولية والعنف في الجزائر
-
مريم مهدي إحدى ضحايا الشركات الأجنبية بالجزائر
-
إلى روح الإعلامية السورية سلوى الأسطواني
-
حفاظا على لبنان وسورية نقول
-
عفواً سيادة الرئيس الأسد الابن
-
هل النظام السوري جاد في التحول الديمقراطي؟
المزيد.....
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|