لو يصبح العرب مثل داروين

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3707 - 2012 / 4 / 24 - 21:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

استطاع العالم الشهير(داروين) أن يغير وجه العالم كله من خلال نظريته عن التطور وأصل الأنواع والأجناس وإن كان البعض غير مقتنعٍ بها غير أنها أثرت في عقول الملايين من البشر,وقد لا يخطر ببالكم كيف جاءته هذه الفكرة التي انفرد فيها عن جميع علماء الأحياء وعلم الاجتماع,والحق أقول لكم بأن داروين كَتَبَ عن نفسه بأنه طوال عمره كان يدون الأفكار التي تتناقض مع وجهات نظره ولا تتفق مع ما يقوله أكثر من تدوينه للأفكار التي تتفق معه وكان شديد الحرص على أن لا يضيع منها ولا حتى فكرة واحدة,وكان حين يسمع رأيا من أحد العلماء كان على الفور يذهب إلى طاولته ويخرج ورقة ليكتب عليها ما سمعه وما شاهده وخصوصا الآراء التي لا تتفق مع رأيه وبهذه العملية غير داروين وجه الكرة الأرضية,ومن الملفت للنظر أنه كان يراقب الأشياء البسيطة التي لا ينتبه إليها أحد مثل كم من الوقت تحتاجه البيضة لتصبح مسلوقة في جبال الهملاي...؟ وكان منها يستنتج نظريات جديدة لدرجة أنه انتبه عندما زار بشبابه جبال (الأنديز)ولاحظ هنالك بأن سلق البطاطة بحاجة إلى وقت كثير يختلف عن مقدار الوقت الذي تستغرقه البطاطة لتصبح مسلوقة في لندن أي هنالك فرقا بالوقت وبالحرارة وبالضغط الجوي واكتشف هنالك أن غليان الماء العذب النقي ليس من الضروري أن يصل إلى درجة 100ْ,واكتشف أن الأمر كله متعلق بالضغط الجوي حيث ينخفض الضغط الجوي كلما ارتفعنا عن سطح البحر وحتى يغلي الماء في جبال الأنديز يكون بحاجة إلى درجة حرارة مقدارها 40ْ,وعن هذا المبدأ نتج اختراع طاسات الضغط..إلخ.

وبالمقارنة بين هذا العالم الجليل (داروين) وبين الحكومات العربية هو أن العرب يأخذون إلى السجن كل من يختلف معهم في الرأي وعدى عن ذلك يدمرون الشخصية المثقفة تدميرا كليا ويتهمون المختلفين عنهم بالرأي بالجنون وبالهبل وبالاستعباط ويحاولون جر المثقف إلى قضايا نسوية كيدية وإفساد المثقف بكافة الوسائل حتى تصبح أخلاقه مثل أخلاق أولاد الشوارع ,ولا يقبل العلماء العرب بمجالسة غيرهم من المثقفين المختلفين عنهم في الرأي وأنا واحد من الناس أذكر عدة مرات وفي عدة جلسات رفض فيها بعض الناس مصافحتي لأني أختلف عنهم في الفكر لدرجة تكفيري وتحريم الأكل والشرب معي ونجد بأن علماء الإسلام يخفون أي نظرية علمية لا تتناسب مع معتقداتهم وخصوصا علم الإجتماع فأكثر شيء يرتهب منه علماء الإسلام هو علم الاجتماع الديني أو غير الديني,وكثيرا ما سألت الشيوخ السلفيين عن بعض المسائل التي يختلف فيها عنهم جماعة التبليغ فكانوا وما زالوا يهربون من السؤال ومن الإجابة معا.

ولم أقرأ في حياتي عن عالم عربي يسجل ويدون الملاحظات والمشاهدات التي يشاهدها حين تكون مختلفة في وجهات النظر عن معتقده بل على العكس جميع علماء الإسلام هذا إن كان عندنا علماء بالمعنى الصحيح للكلمة ,نعم, يدونون الملاحظات والمشاهدات التي تتفق مع آرائهم لذلك هم اليوم تأثيرهم في العالم ككل ضعيف جدا جدا,وهم لا يدونون ولا يحفظون إلا الأقاويل التي تتفق مع وجهات نظرهم وبالتالي هم يسيرون في منحنى خطي واحد وفي اتجاه واحد نحو الهاوية,ولا يقبل عالم عربي أو باحث أو دارس أن يرافق عالما أو باحثا آخر يختلف عنه في وجهات النظر ولو فعل أو لو يفعل العلماء العرب ما فعله داروين طوال حياته لغيروا وجه العالم كله ولكنهم وللأسف يقتلون كل من يخالفهم في الرأي وتمتد أياديهم القذرة إلى باقي أفراد العائلة الذين مثلا ينتمون بقرابة الروح والدم والمصاهرة مع رجلٍ له أفكار مغايره لأفكارهم.

ولم أشاهد طوال حياتي ماركسيا أو اشتراكيا يرافق رجلا من الإخوان المسلمين أو السلفيين وكذلك السلفيين العرب لا يمشون ولا يقعدون ولا يتحدثون مع الذين يختلفون معهم في الرأي لذلك لا يوجد أي تفاعل ولا توجد أي طبخة جديدة فكرية من الممكن أن نطلق عليها اسم حساء فكري جديد ذلك أن العرب المسلمين يخالفون داروين الذي كان يسجل كل الآراء التي تختلف معه وبالتالي محصها داروين ووجد إجابة عليها وغير بواسطة عقله كافة أنحاء أوروبا ونستطيع أن نظيف أسمه إلى رجال علماء غيروا التاريخ مثل أرسطو وابن رشد وتوماس الإكويني.

وكان داروين شديد الحرص على تقوية علاقته مع الذين يختلفون معه في الرأي,أما الحكام والعلماء العرب فهم شديدو الحرص على زعزعة العلاقة مع الذين يخالفونهم في الرأي لدرجة توجيه تهم دينية وسياسية وكيدية باطلة ضد كل من يحمل فكرا مغايرا لطبيعة النظام الاجتماعي والمعرفي السائد,لذلك نحن كعرب لا يمكن أن نتطور طالما لا نقبل بتاتا بالرأي والرأي الآخر,ولو يفعل أو لو تفعل حكوماتنا ما فعله داروين فإن حالنا ستتغير إلى ما هو أفضل.

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات