|
عوامل الشخصية الأساسية وعلاقتها باستعمال المخدرات:
سوسن شاكر مجيد
(Sawsan Shakir Majeed)
الحوار المتمدن-العدد: 3705 - 2012 / 4 / 22 - 16:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عوامل الشخصية الأساسية وعلاقتها باستعمال المخدرات: يحسن في البداية الإشارة إلى أن علماء نفس الشخصية المعاصرين، عموما، ينظرون إلى أن الفرق بين السواء واللاسواء على أنه ليس فرقا في النوع بقدر ما هو فرق في الدرجة، حيث أنهم ينظرون إلى أي بعد من أبعاد الشخصية كمتصل يمكن ترتيب الأفراد عليه بحسب ما تتوافر من كمية البعد لدى الفرد. ويتضح من العبارة السابقة تأكيد علماء نفس الشخصية، كغيرهم من العلماء في كل حقول المعرفة، على أهمية التحديد الكمي لأي متغير من متغيرات الشخصية. فالحساب الكمي يمثل حجر إحدى زوايا بحوث الشخصية. وتعد النظرية البيولوجية-الاجتماعية في الشخصية من أكثر النظريات إثارة للجدل والبحوث العلمية. والقائلون بوجود أساس بيولوجي للشخصية يرون أن الأنظمة العصبية للإنسان ليست مجرد مخارج للاستجابات السلوكية التي يتم تطبيع الفرد الإنساني على إصدارها، بل أنها قد تختلف على المستوى التكويني ما يؤدي إلى جعل الأفراد أكثر قابلية لاكتساب خصائص سلوكية تتناسب مع الطبيعة التكوينية للنظام العصبي الذي يرثونه. وتندرج نظرية آيزنك في هذا الإطار، فقد بقي طول عمره العلمي، وكذلك زملاؤه وأنصاره يدافعون عن تصوره الذي ينبني على أن الأبعاد الثلاثة للشخصية؛ الانبساط-الانطواء، العصابية-الاستقرار الانفعالي، والذهانية-اللاذهانية (المسئولية-الضمير) تكفي لشرح التباين الملاحظ في شخصية الإنسان. ويؤكد آيزنك على أن هذه أبعاد طبيعية، وذات أساس بيولوجي جبِلِّي Predisposition، وتتوافر بدرجة معينة لدى كل الأفراد في كل الثقافات والحضارات قديما وحديثا. كما أنه كان يؤكد على أن الدرجات المتطرفة أي بعد قد تهيئ الفرد، في ظروف معينة، لظهور بعض الاضطرابات النفسية والعقلية لديه، واكتساب بعض السلوكات غير المقبولة اجتماعيا. وقد ربط آيزنك بين بعد الانبساط-الانطواء والجهاز العصبي المركزي، حيث يرى أن الانبساطي يرث نظاما عصبيا يؤدي إلى وصول الرسائل الحسية من المثيرات البيئية عبر أجهزة الاستقبال مرورا بالتكوين الشبكي الصاعد إلى القشرة اللحائية ببطء وتشتت أثرها بسرعة ما يجعل الانبساطي، على العكس من الإنطوائي، في حال جوع مستمر للاستثارة. وبسبب من ذلك يصعب تشريط الاستجابات المقبولة اجتماعيا بالنسبة للانبساطي، وهذا ما يجعله عرضة للتصادم مع محيطه الاجتماعي إذا لم تُفهم طبيعته التكوينية. كما أن حالة الجوع المتواصل للاستثارة قد تدفع الانبساطي للسلوك بطريقة تخالف المتعارف عليه لإضفاء نوع من الإثارة على حياته. وقد وجدت البحوث النفسية الكثير من المؤيدات لتصورات آيزنك وزملائه حيال الطبيعة البيولوجية للشخصية. وقد تكون نظريته أكثر نظرية تم اختبارها في سلسلة متواصلة تمتد من ردود الأفعال المنعكسة البسيطة إلى الاستجابات السلوكية المعقدة كالجريمة، وحظيت في كل ذلك بمؤيدات قوية. وكان من تصورات آيزنك أن المكونات الأولية للبعد الأول (الانبساط-الانطواء) هي الاجتماعية والاندفاعية. ولهذا تصور أن الدرجات المتطرفة باتجاه قطب الانبساط (الدرجات المرتفعة في الاندفاعية والاجتماعية) ترشح الفرد، تحت ظروف معينة، لأن يكتسب بعض الخصائص السلوكية للمجرمين. فالشخص ذو الدرجة المرتفعة على بعد الانبساطي، من وجهة نظر آيزنك، ضعيف القابلية للتشريط من ضده. والقابلية للتشريط أساس اكتساب الخصائص السلوكية المقبولة اجتماعيا. والمظاهر السلوكية التي تميز الشخص الانبساطي هي أنه شخص اجتماعي محب للناس كثير الأصدقاء، وهو في العادة مبادر إلى تكوين الصداقات ومُبَادِئٌ بالتعرف على الغرباء. والانبساطي شخص مرح مليء بالحيوية يميل إلى التفاؤل ويحب الإثارة والتغيير ويبرم بالروتين اليومي، وتكون لديه دوما إجابات جاهزة، ويتصرف بشكل عفوي وربما دون ترو، وقد يأخذ على عاتقه من الأعمال أكثر مما يسمح به وقته، وهو بهذا يظهر على أنه شخص لا يمكن الاعتماد عليه كثيرا. والانبساطي يستمتع بتدبير المقالب للآخرين، وقد يقحم نفسه في المخاطر طلبا للاستثارة. ويصور لنا النموذج العام للمنطوي شخصا هادئا يحتفظ بمسافة لا بأس بها بينه وبين الآخرين، ولا يسعى للبحث عنهم كثيرا لأن كثرة الآخرين والإثارة الناجمة عن ذلك شيء غير مرغوب لديه، بل وقد تسبب له نوعا من الإزعاج، ولهذا فعدد صداقاته محدود. والانطوائي بهذا يفضل البقاء بعيدا عن الآخرين ربما بصحبة كتاب، كما أنه يميل إلى التروي والتخطيط، ويكون قادرا على ضبط مشاعره ويندر أن يكون عدوانيا، ولا ينفعل بسهولة. وهو بصفة عامة يميل إلى التشاؤم، ويهتم بالمعايير الأخلاقية، ويميل إلى أن يكون منظما في شؤون حياته، كما أنه شخص يمكن الاعتماد عليه. وعلى الرغم من كثافة التأييد الذي حازته تصورات آيزنك حول الشخصية الإنسانية عموما إلا أن نتائج البحوث النفسية التي تؤيدها فيما يتعلق بالمكونات الأولية لبعد الانبساط-الانطواء محدودة. كما أن الدلائل بوجود علاقة بين الدرجات المتطرفة على ذلك البعد وخصائص السلوك الإجرامي ضعيفة. فالدراسات النفسية العاملية عموما، والعبر ثقافية بالذات، وجدت أن مكون الاندفاعية مستقل عن بعد الانبساط-الانطواء ولم يتشبع عليه، بل أن بعض الدراسات وجدت علاقة سلبية بينهما. واقتصرت الأدلة المؤيدة لتصورات آيزنك، من حيث التكوين الأولي للبعد، على عينات مسحوبة من المجتمع البريطاني والألماني، ومالت معظم الدراسات النفسية إلى التأكيد على أن المكونات الأولية لبعد الانبساط-الانطواء هي الاجتماعية والحيوية. وقد يكون من نتائج ذلك أن وجه آيزنك لاحقا اهتماما خاصا بالكشف عن المكونات الأولية لسمة الاندفاعية، وهذا ما سنعود إليه في ثنايا البحث الذي بين أيدينا. ومع هذا يبقى الانبساطي أكثر عرضة من الانطوائي فيما يتعلق بالمشكلات التي يواجهها مع محيطه الاجتماعي عموما. أما بالنسبة للبعد الثاني فيربطه آيزنك بالجهاز العصبي المستقل (الوُدِّيُّ Sympathetic). وتشير تصوراته إلى أن الدرجات المتطرفة باتجاه قطب العصابية يرشح الفرد، تحت ظروف معينة، لتطوير بعض الاضطرابات العصابية. وقد وجدت الدراسات النفسية التي سعت لاختبار تلك التصورات دلائل قوية تؤيد ما ذهب إليه آيزنك. ويتميز العصابي بأنه شخص مهموم منشغل البال بما قد يقع من مصائب وكوارث، ويقلق كثيرا من ارتكاب الأخطاء. فالقلق والتوتر سمة بارزة لدى الأشخاص ذوي الدرجات المرتفعة على بعد العصابية. وسنعرض لاحقا للدراسات التي حاولت كشف العلاقة بين مكون القلق واستعمال المخدرات. وقد يكون بعد الذهانية هو البعد الأكثر صلة بالبحث الحالي من بين أبعاد الشخصية الأساس عند آيزنك، حيث تشير تصوراته إلى أن الدرجات المتطرفة باتجاه قطب الذهانية قد تهيئ الفرد، تحت ظروف معينة، لاكتساب خصائص السلوك الإجرامي. ويتميز ذوو الدرجات المرتفعة في الذهانية بأنهم انعزاليون لا يهتمون للآخرين ولا ينسجمون معهم بحال. كما أنهم يفتقرون بشكل عام إلى المشاعر والتعاطف مع غيرهم، ويمكن أن يكونوا قاسين وغير إنسانين، ولا يتورعون عن ممارسة العدوان حتى مع الأقربين. إنهم غير حساسين لآلام الآخرين، ويحبون التلاعب بهم ومضايقتهم، كما أنهم يميلون إلى الأشياء الغريبة وغير المألوفة ويتهاونون بركوب المخاطر. بقي أن نشير إلى أن بعض أنصار آيزنك سعى مؤخرا إلى تطوير نظرية خماسية الأبعاد متأثرا، ربما، بنظرية الأبعاد الخمسة للشخصية، وربما بسبب الفشل الجزئي الذي صاحب تكوين مقاييس لبعد الذهانية. والحقيقة أن جميع المحاولات، تقريبا، التي قام بها الباحثون لتصميم مقياس للذهانية لم تسفر عن نتائج مرضية كما هو الحال بالنسبة للبعدين الآخرين. وهذا قد يكون ما دفع بعض المنظرين إلى التشكيك في حقيقة وجود الذهانية كبعد. ولكن وقد تكون الطبيعة التكوينية لبعد الذهانية مركبة بدرجة معقدة ما يجعلها عصية على الكشف. فهذا البعد يتشكل عبر الثقافات بطرق غير متسقة على العكس من البعدين الآخرين. فقد لا تكون التصورات التي بناها الباحثون للبعد ناضجة بعد، وقد لا تكون الذهانية بعدا راسخا كالبعدين الآخرين. ولكن لا يزال بعض الباحثين يتطلعون إلى بلورة تصور يمكنهم من تطوير مقاييس أكثر صدقا وثباتا لهذا البعد المشكل.
العصابية والذهانية Psychoticism وعلاقتهما باستعمال المخدرات: وجدت دراسة حديثة أن إحدى النتائج الأكثر اتساقا هي مساهمة بعد من أبعاد الشخصية تم عزله وأطلق عليه ’بنية الإدمان‘ مكون من مثلث الذهانية والعصابية والانطواء، في التنبؤ باستعمال المخدرات والكحول لدى المراهقين. هذه النتيجة تتسق مع تصورات آيزنك عن تأثير أبعاد الشخصية على تكون بعض الاضطرابات النفسية. كما وجدت دراسة أخرى أن سوء استعمال مواد الهلوسة يرتبط بدرجة دالة إحصائيا بمستويات أعلى من العصابية والذهانية، وهذه النتيجة تتفق مع ما وجدته دراسة مبكرة من أن الانغماس في استعمال الماريغوانا يرتبط بدرجات مرتفعة من القلق والعصابية والذهانية. وينظر الباحثون إلى الإسراف في الأكل وتناول الكحول على أنها سلوكات إدمانية. وقد أجريت دراسة على عدد من الإناث ممن يسرفن في تناول الأكل أو الكحول، ولكن ليس كليهما، وتبين أن أفراد المجموعتين أظهروا خصائص متشابهة من حيث حصولهن على درجات مرتفعة في الاندفاعية، وتأييد اتجاهات منحرفة اجتماعيا. أما الإناث اللواتي كن يسرفن في تناول الطعام والكحول معا فقد أظهرن درجات مرتفعة من عدم الاستقرار الانفعالي (عصابية)، ولم يَكُنَّ اندفاعيات أو منحرفات اجتماعيا بصفة خاصة. وقد قام بعض الباحثين بتحليل مقاييس الاضطرابات النفسية كما يصورها الدليل التشخيصي الثالث المعدل مع مقاييس آيزنك للشخصية، وأسفر تحليل تلك المقاييس مجتمعة عن تميز ثلاثة عوامل، اشتمل الأول على عامل العصابية وكل اضطرابات الشخصية ما عدا الذهان، والثاني على الذهانية واضطرابات العدوان السلبي والنرجسية والشخصية الحدية والضد-مجتمعية، أما الثالث فكانت تشبعاته سالبة على الانبساط وموجبة علي الذهان،. وفي دراسة أخرى حصل مستعملي أنواع متعددة من المخدرات، مقارنة بمستعملي نوع واحد، على درجات أعلى على مقياس الذهانية،. ووجد أن استعمال الكوكايين يرتبط بدرجات أعلى على بعدي العصابية والذهانية. وتبين من دراسة أخرى أن نظام التنشيط السلوكي في نظرية غراي، Behavioral Activation System (BAS) كان، من بين عوامل الشخصية، أفضل عامل منبئ باستعمال المواد المخدرة. وأتي قطب الانبساط كثاني أفضل منبئ باستعمال المواد المخدرة. أما العصابية ونظام التثبيط السلوكي Behavioral Inhibition System (BIS) فكان ضعيفا وذا خصوصية جنسية؛ فبينما كان مصدر حماية لدى الإناث إلا أنه زاد من احتمالية تعرض الذكور لخطر زيادة استعمال المواد المخدرة. وفي دراسة مشابهة تبين أن المجموعة التي تتسم بضعف الكف تتصف بدرجة مرتفعة من الاندفاعية ومنخفضة من القيود ونظام تنشيط سلوكي قوي ونظام تثبيط سلوكي ضعيف، هذا في حين أن إحدى الدراسات وجدت أن بعدي الانبساط والمرغوبية الاجتماعية يمثلان أرضية خصبة يمكن أن تتطور من خلالها اتجاهات إيجابية نحو استعمال المواد الكحولية، ولم تجد الدراسة أثرا مشابها لبعدي العصابية والذهانية، وقد يعزي هذا الأثر إلى عوامل ثقافية تتفاوت من مجتمع إلى آخر. ووجد باحثون آخرون، دلائل من عينة تم اختبارها أربع مرات على مدى 12 سنة، بدءا من مرحلة المراهقة، على أن زيادة الاستعمال المتعدد للمخدرات يؤدي إلى تفاقم الذهانية والأفكار الانتحارية وغبرها من مؤشرات الاضطرابات العقلية. والذي يبدو من هذه النتائج أن محور الذهانية-العصابية-الانطواء قد يهيئ لنشوء بعض الاضطرابات السلوكية، وربما تؤدي تلك الاضطرابات إلى زيادة حدة المظاهر السلوكية المرتبطة بتلك الأبعاد. وفي دراسة أخرى وجد الباحثون، بجانب المؤثرات الجينية، أن الذهانية والمزاج السلبي أفضل منبئ بشدة استعمال المواد المخدرة لدى الذكور، كما أشارت دراسة أخرى إلى أن مستعملي المنشطات Stimulant فقط كانت لديهم أكثر مشكلات الكحول حدة، وحازوا أعلى الدرجات في الأعراض النفسية المتعلقة بالعدوانية واضطراب الارتياب والذهانية، وبعد شهرين من المقابلة التي عقدت لهم دخل 3% منهم فقط لتلقي العلاج من استعمال المواد المخدرة مقارنة بنصف عدد المجموعتين الثانيتين (مستعملي الأفيون فقط، أو الأفيون والمنشطات معا). وبعد عزل أثر المتغيرات المتباينة بين المجموعات، كان مستعملي المنشطات أقل ب25 مرة تقريبا من المجموعتين الأخريين في احتمالية أن يتلقوا علاجا نفسيا. وتشير دراسة على عينة مكونة من 222 توأما متطابق و 184 توأما ثنائي البويضة إلى أن الذهانية وإيذاء الذات self-harming behavior، وسمات الشخصية الضد-مجتمعية (لدى المراهقين بالذات)، منبئات بإمكانية التعرض لخبرات الاعتداء العنيفة الصادمة، ومن النتائج المثيرة في إحدى الدراسات أن بعد الذهانية كما يقيسها مقياس آيزنك كان أفضل عامل مفرد مميز بين مجموعتين من الكحوليين؛ التي حافظت على مواعيد المتابعة البحثية في أحد المستشفيات والأقل محافظة، كما في دراسة أخرى تبين أن الدرجة على مقياس الذهانية أقوى مؤشر على ضعف التقيد بالعلاج، فالذي يظهر أن بعد الذهانية لا يهيئ الفرد للتعرض للخبرات الصادمة أو اكتساب بعض الاضطرابات النفسية فحسب، بل قد يساهم في إعاقة جهود علاجها. والخلاصة أن عوامل الشخصية قد تكون من أقوى العوامل ارتباطا بتطور بعض الاستجابات غير المرغوبة اجتماعيا كتناول المخدرات والمسكرات، كما ترتبط بظهور الكثير من اللاضطرابات النفسية.
العلاقة بين سمة الاندفاعية Impulsiveness واستعمال المخدرات: مع أن هناك اتفاق عام على أن الاندفاعية تنتمي إلى مكون الذهانية أكثر من انتمائها لمكون الانبساط، إلا أنها والذهانية ليست شيئا واحدا. وقد حددت بحوث سيبيل آيزنك وزملاؤها، أربعة مكونات أولية لبعد الاندفاعية العام Broad Impulsiveness (ImpB) وهي: الاندفاعية الضيقة Narrow Impulsiveness (ImpN)، المخاطرة Risk-Taking (RT)، عدم التخطيط Non-Planning (Npl)، والحيوية Liveliness (Live). كما تبين أن الاندفاعية الضيقة مكون مَرَضَي يرتبط بالعصابية كما يرتبط مكون المخاطرة بالذهانية. أما الحيوية فهي أقرب إلى طبيعة الانبساطية. كما يميز هؤلاء الباحثون بين الاندفاعية كسمة تعكس ضعف التحكم وعدم تقدير المخاطر حق قدرها، وبين حب المغامرة Venturesomeness التي تعكس المخاطرة المحسوبة. ومن الدراسات التي حاولت اختبار علاقة بعد الاندفاعية باستعمال المخدرات دراسة حديثة تبين منها أن مستعملي الكوكائين والكراك يظهرون مستويات مرتفعة من الاندفاعية، وتؤكد دراسة أخرى على أن الاندفاعية تتوسط العلاقة بين استعمال المخدرات وانتهاج سلوكات جنسية تتسم بالمخاطرة، كما وجدت دراسة أخرى علاقة دالة إحصائيا بين الاندفاعية والمشكلات الناجمة عن استعمال المخدرات واضطراب الشخصية الضد- مجتمعية واضطراب الشخصية الوسواسية. كما أشارت نفس الدراسة إلى وجود علاقة دالة بين المشاعر السلبية واستعمال المخدرات والكحول واضطراب الشخصية الضد-مجتمعية، واضطراب الشخصية الحدية واضطراب الشخصية النرجسية وقد وجدت دراسة حديثة علاقة بين أحداث الحياة الضاغطة واستعمال المخدرات ولكن ليس عند عزل تأثير الاندفاعية، والذي يظهر أن الذين يحصلون على درجات مرتفعة على بعد الاندفاعية يتعرضون لأحداث حياتية ضاغطة أكثر من ذوي الدرجات المنخفضة في الاندفاعية. والمخاطرة من المكونات الأولية للاندفاعية، حسب تنظير وبحوث هانز وسيبيل آيزنك وزملاؤهما. وكلما كان إحساس الفرد بخطر المادة المستعملة منخفضا، أو كان محبا لركوب المخاطر كلما كان احتمال استعمال المخدرات أكبر خاصة إذا رافق ذلك أفكار خاطئة عن آثار إيجابية للعقاقير. وقد تبين من دراسة حديثة، أن الاستعداد للمخاطرة قد يكون مسئولا عن نسبة جوهرية من التباين الملاحظ بين مستعملي المنشطات وغير مستعمليها حتى عند عزل أثر كل من التقريرات الذاتية للاندفاعية واشتهاء الاستثارة وأثر استعمال عدة أنواع من المواد المخدرة والمتغيرات الديموغرافية.
العلاقة بين سمة اشتهاء الاستثارة Sensation Seeking واستعمال المخدرات: ينظِّر مارفن زكرمان لسمة اشتهاء الاستثارة أو البحث عن الإثارة على أن لها أربعة مكونات أولية: البحث عن المغامرة والإثارة Thrill and Adventure seeking (TAS)، البحث عن الخبرات (الجديدة) Experience Seeking (ES)، ضعف الكف (أو التحرر من الكف) Disinhibiton (Dis)، قابلية الشعور بالملل Boredom Succeptibility (BS). والمكون الأول يشبه مكون حب المغامرة في تنظير آيزنك وزملائه. أما المكون الثاني فهو يعكس الرغبة في تجريب الأشياء الجديدة،والتي قد يكون من بينها المواد المخدرة. أما المكون الثالث فهو مكون مَرَضَي وقد يكون المسئول الأول عن الارتباطات التي وجدها الباحثون بين سمة اشتهاء الاستثارة واستمرار استعمال المواد المخدرة وبالذات الخطرة منها. أما المكون الأخير فيرتبط باستعمال المخدرات كطريقة للتخفيف من الشعور بالملل. وقد تبين من إحدى الدراسات أن سمة اشتهاء الاستثارة كانت العامل الوحيد المرتبط باستعمال المواد المخدرة والانحرافات السلوكية عند من يخاطرون بدرجة منخفضة مقارنة بمن يخاطرون بتكرار أعلى. كما تشير الدراسة أن التكرار الأعلى للمخاطرة، وبصفة خاصة فيما يتعلق باستعمال المواد المخدرة، يمكن التنبؤ به من العمر واشتهاء الاستثارة والعاطفة السلبية، إلا أن اشتهاء الاستثارة كان العامل الوحيد القادر على التنبؤ بتكرار المخاطرة في القيادة على الطرقات وفي العلاقات الجنسية وفي السلوك الانحرافي. كما وجد بعض الباحثين مستويات بارزة من العنف واشتهاء الاستثارة عند مستعملي المخدرات بصورة اعتيادية ومن يجربونها عند الحدود الدنيا (مع عدم وجود فروق دالة بين المجموعتين) عند مقارنتهم بمن يمتنعون عن استعمال المخدرات. وفي دراسة على عينة من طلبة الجامعة تبين أن اشتهاء الاستثارة يرتبط بدرجة تكرار استعمال المواد المخدرة، وفي دراسة تتبعية تبين أن الاكتئاب والاندفاعية واشتهاء الاستثارة لا تستطيع التنبؤ ببداية استعمال عقار النشوة (Ecstacy) لدى عينة من صغار الراشدين لكن استعمال ذلك العقار يؤثر مستقبلا على درجة اشتهاء الاستثارة وأحد مكوناتها الأولية؛ ضعف الكف Disinhibition (Dis)،. ويشبه مفهوم ’البحث عن الجِدَّة Novelty seeking‘ في قائمة كلوننغر الثلاثية الأبعاد لقياس الشخصية، Tridimentional Personality Questionnaire (TPQ) مفهوم البحث عن الخبرات عند زكرمان. وقد وجدت إحدى الدراسات على عينة من المعتمدين على الهروين ومتعاطي الكوكائين، أن الذين يحصلون على درجات مرتفعة على مقياس البحث عن الجِدَّة، مقارنة بمن يحصلون على درجات منخفضة، حضروا عددا أقل من الزيارات المجدولة بدرجة دالة إحصائيا، كما شجعت نتائج دراسة أجريت على عينة من التوائم القائمين بها على اقتراح البحث عن الجِدَّة كمنبئ قوي باستعمال الماريغوانا، بالإضافة لكونه أكثر العوامل ارتباطا باستعمال المخدرات،.. وهذا يتسق مع ما سبق ذكره عن الذهانية والاندفاعية.
القلق Anxiety وعلاقته باستعمال المخدرات: تقترح نتائج بعض البحوث أن أعراض اضطرابات القلق لدى الأطفال يمكن أن ينتج عنها، إن لم تُعالج، قلق حاد واكتئاب واستعمال للمواد المخدرة. وفي إحدى الدراسات التي استمرت قرابة السبع سنوات على مجموعة من الأطفال يعانون من مختلف أنواع اضطرابات القلق (قلق عام، قلق انفصال، وقلق اجتماعي) تبين أن تلقيهم لعلاج ذهني سلوكي لمدة 16 أسبوعا أدى إلى محافظة نسبة جوهرية من أفراد العينة على تحسن ملحوظ من أعراض القلق على المدى الطويل. وعند مقارنة من استجابوا بدرجة أكثر إيجابية للعلاج بمن استجابوا بدرجة أقل إيجابية، تبين أنهم أقل استعمالا للمواد المخدرة وأقل تعرضا لما يصاحب ذلك من مشكلات سلوكية. وفي دراسة أخرى تبين أن عينة من سكان المناطق الريفية الذين كان هناك احتمالية أكبر لأن تنطبق عليهم معايير سوء استعمال الكحول (الاعتمادية) بحسب الدليل التشخيصي الثالث المعدل في الشهر الذي سبق الدراسة أيضا كانت هناك احتمالية أكبر لأن تنطبق عليهم معايير اضطراب الاكتئاب الحاد أو الشخصية الضد-مجتمعية في الشهر الذي سبق الدراسة عند التحكم في أثر العمر والعرق والجنس ومستوى التعليم والدخل المادي.
العلاقة بين فعالية الذات Self-efficacy وضبط الذات Self-control واستعمال المخدرات: تتأثر فعالية الذات بجودة العلاقة بين الوالدين والذرية. وتبين من إحدى الدراسات أن الإهمال الذي تتعرض له الذرية ينبئ بمستويات منخفضة من فعالية الذات، والتي بدورها تنبئ بدرجة منخفضة من الامتناع عن بعض السلوكات المشكلة . وقد وجدت إحدى الدراسات على عينة من الإناث أن جودة العلاقة بين الأب وابنته كانت منبئة بدرجة دالة إحصائيا بعامل فاعلية الذات الرافض لاستعمال المخدرات. ويعتقد أن فعالية الذات من العوامل الواقية من استخدام المخدرات، كما تحاول بعض البرامج البحثية تحديد دورها في المساعدة على الإقلاع عن المخدرات وبعض الاضطرابات السلوكية. كما وجدت إحدى الدراسات أن الدرجة المرتفعة على فعالية الذات تستطيع التنبؤ بدرجة الامتناع اللاحق عن استعمال المخدرات خلال فترة العلاج. وتبين من دراسة أخرى أن مستهلكي المخدرات، عند مقارنتهم بقليلي أو عديمي الاستهلاك يحصلون على درجات منخفضة في بعد ضبط الذات . كما وُجِد أن الدرجات المنخفضة في فعالية الذات ترتبط بارتفاع عدد الأيام التي يعاني فيها المفحوص من مشكلات متعلقة بالمخدرات. كما وجد أن التوقعات المنخفضة حول فعالية الذات كانت العامل الأقوى ارتباطا بالمشكلات السلوكية عند عينة من الذكور المراهقين
#سوسن_شاكر_مجيد (هاشتاغ)
Sawsan_Shakir_Majeed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خصائص الاطفال الذين يعانون من إضطراب فرط الحركة وتشتت الانتب
...
-
الحروب والازمات والكوارث وتاثيراتها النفسية والتربوية والاجت
...
-
الصدمات النفسية وآثارها على الاطفال
-
اهمية الرضا الوظيفي للمعلمين في العملية التربوية
-
العدوان، مفهومه، نظرياته، اشكاله، والفروق بين الجنسين
-
مشكلات السلوك التكيفي للاطفال بطيئي التعلم
-
ترتيب الجامعات العالمية مالها وماعليها
-
تعرف على الويبومتركس لترتيب الجامعات العالميةWebometrics Ran
...
-
تطوير مناهج التعليم العام ( الرياضيات) بدءا من رياض الأطفال
...
-
ضبط جودة التعليم، وفوائده ، ومجالات تطبيق الجودة الشاملة في
...
-
المخاوف المرضية وأعراضها وأساليب قياسها
-
معايير التقويم الشامل وأساليب تحقيقها
-
مَفْهُومِ الجَوْدَةِ ومراحل تطورها
-
مفْهُوم الجَوْدَة الشَّامِلَة فِي التَّعْلِيْم
-
الشخصية العصابية واهم خصائصها
-
عناصر ومجالات جودة التعليم الجامعي
-
تعرف على أَبْرَزُ الرُوَّادِ والعلماء الَّذِيْنَ أَرْسَوْا ق
...
-
ابرز المؤشرات والمؤسسات المعتمدة في ترتيب الجامعات الصينية
-
ابرز المؤشرات والمؤسسات المعتمدة في ترتيب الجامعات البريطاني
...
-
الشخصية الاتكالية خصائصها وعلاقتها ببعض المتغيرات
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|