|
حال المرأة على الصعيد الدولي
حواء مردان
الحوار المتمدن-العدد: 1088 - 2005 / 1 / 24 - 12:22
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
أ ـ وضعها بشكل عام:
وفي الحقيقة أنه لم يجد شيء من حقوق المرأة في غير المجال الإسلامي، إلا في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين وذلك بعد أن توسعت النهضة الصناعية في أوربا وأوجدت مع توسعها أسلوباً جديداً للحياة، اضطرت المرأة معه أن تعمل لتعيل نفسها حتى ولو كانت زوجاً وأماً.
وسارت المرأة في طريقها المحتوم، وأصبح لها قضية ازدادت حدتها بعد الحرب العالمية العظمى.
وقد ذكر (ويل ديورانت) أسباب تغيير المرأة في هذا القرن في كتابه (لذات الفلسفة) إذ يقول: (تحرر المرأة كان من آثار الثورة الصناعية. إذ أصبح للمرأة قضية وازدادت قضيتها حدة بعد الحرب العالمية العظمى، وبعد أن افتقدت الملايين من أيدي الرجال العاملة. فاستغلت المصانع والمعامل حاجة المرأة الماسة إلى العمل، وشغلتها ساعات طويلة وأعطتها أجراً أقل بكثير من أجر الرجل الذي كان يقوم معها بنفس العمل في نفس المصنع! وكان لا بد بعد هذا التمييز في الأجر والإجحاف بالحق، من ثورة تعرب فيها المرأة عن استيائها من مظاهر الظلم والتمييز. فابتدأت بالإضراب عن العمل، وتظاهرت مع رفيقات لها مما أتاح لها بعد ذلك أن تتفوه بالمطالب وتقاضي الرجل بما يسمى (حقوق المرأة).
فالقضية إذن في بدء المسيرة، لم تكن قضية مساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق الإنسانية، بقدر ما كانت قضية استياء وكفاح من أجل الوصول إلى مستوى المرأة في حق لقمة العيش الشريف، وتعادل الأجر الواحد للعمل الواحد بين المرأة والرجل، وعلى الأقل في المصنع الواحد!.
ب ـ استجابة الدول لصوت المرأة الثائرة:
وراحت أوروبا وأمريكا بعد ذلك في الخمسينيات تتنافسان في ادعاء الأسبقية والأولوية للمطالبة بحقوق الانسان بصورة عامة. وأخذتا تعقدان المؤتمر تلو الآخر للبحث في تقرير قاعدة المساواة بين الجنسين سواء أكان في الحقوق المدنية أو في الحقوق السياسية، إلى أن صدر أخيراً الإعلان العالمي لحقوق الانسان) التي أقرت بنوده الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من شهر كانون الأول (ديسمبر) 1949، والذي يؤكد مبدأ عدم جواز التمييز، ويعلن أن جميع الناس يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وإن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز بما في ذلك التمييز القائم على الجنس.
وبلغ التطور ذروته فيما يتعلق (بحقوق المرأة) بعقد الاتفاق الدولي الذي صادقت عليه الجمعية العامة في 20/ 12/ 1952، الذي ينص صراحة على حق المرأة الكامل ومساواتها بالرجل في حق التصويت والترشيح وشغل الوظائف العامة.
بيد أن هذا التطور الذي بلغ مداه من الناحية القانونية، لم يبلغ المدى نفسه من الناحية التطبيقية في جميع البلدان. إذ ما زالت الكثرة الكثيرة من نساء العالم يعشن تجارب قاسية ويلقين معاملة سيئة من الرجال من الظلم والاستبداد. ولكن إن كان ثمة تفاوت كبير بالنسبة إلى حالة المرأة، في مختلف مناطق العالم، فإنه يعود إلى البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل بلد، بيد أن أوجه الشبه في نظرة الرجل للمرأة، كان من شأنه توحيد صفوف النساء لمقاومة أشكال التمييز ضدهن. وقد دفع هذا التحرك الواعي من النساء، المهتمين من الرجال بقضية المرأة، إلى أن يعملوا على بذل الجهود الآيلة إلى تطبيق ما يسن من القوانين تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة، حتى لا تبقى حبراً على ورق!!.
وتألفت لجان متخصصة من الرجال والنساء، لتدعم الحركة النسائية في مطاليبها الحقة، ولتدافع عنها وتناصرها ضمن أروقة الأمم المتحدة، التي أصدرت إعلانات خاصة وتفصيلية بحقوق المرأة، أهمها:
1 ـ اتفاقية حقوق النساء السياسية.
2 ـ إعلان إزالة التمييز ضد النساء.
وفيما يلي سرد سريع لأهم بنودهما:
أولاً: اتفاقية حقوق النساء السياسية عام 1953:
صدرت هذه الاتفاقية في العام 1953. وهي تتألف من إحدى عشرة مادة. وقد تنظمت ـ كما جاء في مقدمتها ـ تحقيقاً لمبدأ المساواة بين الجنسين الوارد في ميثاق الأمم المتحدة.
وقد صرحت هذه الاتفاقية بأن للمرأة بالتساوي مع الرجل، من دون أي تمييز، ثلاثة حقوق أساسية. وهي:
1 ـ حق الانتخابات في جميع الانتخابات الرسمية.
2 ـ وأهليتها لأن تنتخب لعضوية أي من الهيئات المؤسسة على الانتخاب بمقتضى القانون القومي.
3 ـ حق تولي المناصب العامة وممارسة الوظائف العامة.
ثانياً: إعلان إزالة التمييز ضد النساء عام 1967:
حضرت اللجنة الخاصة بوضع المرأة، واللجنة الفرعية الثالثة من الجمعية العمومية للأمم المتحدة صدور هذا الإعلان وتمت الموافقة عليه من قبل هذه الجمعية بالإجماع في جلستها المنعقدة في 7 تشرين الثاني سنة 1967. وهو مؤلف من إحدى عشرة مادة، تبحث في المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق، وإزالة كل تمييز بينهما فيها. وأوجب الإعلان على أعضاء المنظمة إدخال مبدأ المساواة في دساتير أو قوانينها المختصة بالموضوع، وإلغاء كل القوانين أو الأعراف المخالفة لذلك، واتخاذ التدابير المناسبة لتثقيف الرأي العام نحو هذا الاتجاه.
ثم عدد هذا الإعلان الحقوق السياسية الثلاثة المنوه بها في الاتفاقية السابقة، كما عدد سائر الحقوق الأخرى التي يجب الاعتراف بها للنساء المتزوجات والعازبات على قدم المساواة مع الرجال وخلاصتها:
أولاً: في الحقوق المدنية:
ذكر الإعلان حق المرأة في التملك والإرث، حق التمتع والإدارة والتصرف بأموالها، حتى التي اكتسبتها أثناء الزواج، والأهلية القانونية التامة من جهتي الوجوب والأداء، وحق اكتساب الجنسية وتغييرها من دون إجبار الزوجة على أخذ جنسية زوجها، وحق اختيار الزوج، وحقوق الزوجية أثناء الزواج وبعده والاشتراك في الولاية على الأولاد مع مراعاة مصلحة هؤلاء فيها.
ثانياً: في الأحكام الجزائية:
أوجب الإعلان إلغاء جميع ما كان فيها من تمييز بين المرأة والرجل.
ثالثا: في حقوق التربية:
ذكر الإعلان المساواة في حق الدخول إلى معاهد التعليم وتوابعها على اختلاف أنواعها. وحق اختيار البرامج وتعيين المعلمين، وفي تحديد المستوى المتساوي للمؤهلات المطلوبة وللامتحانات وفي حق مداومة التعليم، وفي حق الاستفادة من المنح المدرسية ومن المعلومات التربوية المفيدة لتأمين صحة العائلات ورفاهيتها.
رابعاً: في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية:
أقر الإعلان المساواة في حقوق التدريب المهني، وفي اختيار العمل ونوع المهنة والاستخدام، وفي حق الترقية، والمساواة في المعاملة والأجر العادل المتساوي في قيمته، والاستفادة من الإجازات المدفوعة الأجر، ومن حقوق التقاعد والتعويضات العائلية. ومن التأمين ضد البطالة والمرض والشيخوخة وسائر أسباب العجز عن العمل.
وأكد الإعلان على عدم تحريم تسريح المرأة بسبب زواجها أو أمومتها وعلى حقها في إجازة الأمومة المدفوعة الأجر، مع حقها بالرجع إلى عملها السابق، وحقها في الاستفادة من الخدمات الاجتماعية ومن تسهيل العناية بالأطفال.
ج ـ إعلان (عام 1975 السنة العالمية للمرأة):
وهكذا كان للحركات النسوية المحلية والإقليمية والعالمية، مع الفرق العالمية المختصة على إزالة أشكال التمييز ضد المرأة، أثر محسوس في بلورة هذه الحقوق. حتى كانت نتيجة لهذه الجهود الدولية المبذولة، إن اعتمدت الجمعية العمومية للأم المتحدة في جلستها المنعقدة في 18 / 12 / 1972، إعلان (عام 1975 السنة العالمية للمرأة) هدفها تشجيع مشاركة المرأة بشكل حقيقي وكامل في عملية إدماج تام لها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
د ـ مؤتمر (مكسيكوسيتي) 1975:
وكان عام 1975، بالفعل عاماً مميزاً بالنسبة إلى المرأة. إذ أعيد فيه تقييم مكانة المرأة في المجتمع الدولي من جهة وتقييم دورها البناء في بناء مجتمع إنساني يقوم على المساواة والتنمية والسلم من جهة ثانية.
وجاء نتيجة هذا الاعتبار، أن عقد المؤتمر العالمي للمرأة في مكسيكوسيتي من 19 تموز إلى 2 آب 1975، الذي اعتمد خطة عمل عالمية تبنتها جميع الدول المنظمة في هيئة الأمم المتحدة، كي تضمن مزيداً من عملية اندماج المرأة في مختلف المرافق الحياتية. وقد اعتمدت هذه الخطة على المواثيق والاتفاقات والإعلانات والتوصيات الرسمية والصكوك التي تهدف جميعاً إلى صون حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة دون تمييز، وعلى تطوير المبادئ الجوهرية وتنفيذها قصد القضاء على جميع أشكال التمييز الذي تعاني منه نساء العالم.
وقد أعلن مؤتمر مكسيكو تسمية الفترة الواقعة بين 1976 ـ 1985 (عقد الأمم المتحدة للمرأة العالمية) يقيناً منه أن هذا العقد قد يكون آونة زمنية كافية لتحقيق الأهداف أولاً، ولتنفيذ الخطط الموضوعة لها في المجال التطبيقي ثانياً.
أما أهداف العقد فهي: المساواة والتنمية والسلم. وقد صدر عن المؤتمر تفسيراً لمعنى هذه الأهداف الثلاثة وغاياتها:
أولاً: المساواة:
لا تعني هذه الكلمة، المساواة القانونية فقط. إنما تعني المساواة في الحقوق والمسؤوليات والفرص المتعلقة بإشراك المرأة في التنمية، بوصفها مستفيدة، وبوصفها فاعلة نشطة على حد سواء. وعلى ذلك، فإن تحقيق هذه المساواة يستلزم المساواة في فرص الحلول على الموارد، وسلطة الاشتراك على قدم المساواة، وعلى نحو فعال في توزيعها، وصنع القرارات على شتى المستويات. ومن ثم فإن قضية عدم المساواة بوصفها تمس السواد الأعظم من النساء في العالم، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمشكلة التخلف التي يعود وجودها أساساً إلى نظام اقتصادي عالمي شديد الإجحاف ووفقاً لذلك يجب التسليم بأن تحقيق المساواة لمجموعات طال تضررها، قد يتطلب أنشطة
تعويضية لتصحيح المظالم المشتركة.
ولبلوغ هذه الغاية تعتبر إعادة تقييم الوظائف والأدوار المسندة تقليدياً لكل جنس داخل الأسرة والمجتمع بوجه عام، أمراً أساسياً، ويجب التسليم بضرورة إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل والمرأة أيضاً!! ومن أجل السماح للمرأة بالمشاركة على نحو أكمل في كافة الأنشطة المجتمعية، ينبغي إنشاء خدمات منظمة تنظيماً اجتماعياً والاستمرار فيها بغية تخفيف أعباء الأعمال المنزلية الشاقة.
وينبغي على وجه الخصوص توفير الخدمات المتعلقة بالأطفال.
وينبغي بذل جميع الجهود لتغيير المواقف الاجتماعية التي تستند أساساً إلى التعليم من قبول اقتسام المسؤوليات المتعلقة بالمنزل والأطفال بين الرجل والمرأة.
ثانياً: التنمية:
أما الهدف الثاني من أهداف (عقد المرأة العالمية)، فهو التنمية. وقد فسرها المؤتمر على أن المراد منها: التنمية الكاملة بما في ذلك الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من أبعاد الحياة الانسانية، كذلك تنمية الموارد الاقتصادية وغيرها من الموارد المادية، وأيضاً النمو الجسدي والأخلاقي والفكري والثقافي.
وتحسين مركز المرأة، يستلزم العمل على كل من المستوى الوطني والمحلي والأسري. كما أنه يقضي تغييراً لمواقف وآراء الرجال والنساء على السواء. فلا ينبغي النظر إلى تنمية المرأة من زاوية التنمية الاجتماعية فحسب، بل ينبغي النظر إليها بوصفها عنصراً أساسياً في كل بعد من أبعاد التنمية.
وتحسيناً لمركز المرأة، ودورها في عملية التنمية، ينبغي أن تكون هذه التنمية جزءاً لا يتجزأ من المشروع العالمي لإقامة نظام اقتصادي جديد مبني على العدالة والمساواة في السيادة والتكامل والارتباط والمصلحة المشتركة والتعاون بين جميع الدول كافة.
وفي سبيل تحقيق هذه التنمية الشاملة، فقد عقدت عدة مؤتمرات غايتها بحث الوسائل في إشراك المرأة في التنمية الكاملة، لمواجهة الحواجز والقيود المفروضة على إشتراك المرأة في التنمية بشكل تام وكامل.
أما التوصيات التي صدرت عن هذه المؤتمرات بشأن إشراك المرأة في عملية التنمية الكاملة، فقد لخصها الخبير الاستشاري (انفريد بالمر) في التقرير العام الذي أعده لإدارة الشؤون الدولية الاقتصادية والاجتماعية بقوله: (يمكن إيجاز المبادئ المعلن عنها في الخطط المتعلقة بالمرأة أثناء عملية التنمية في إثني عشر مؤتمراً عالمياً، على أنها مساواة المرأة والرجل في الحقوق والفرص والمسؤوليات، داخل الأسرة والمجتمع كليهما، وإزالة العقبات التي تعترض طريق تلك المساواة ومسؤولية الدولة عن تيسير إدماج المرأة في المجتمع عن طريق إتاحة الموارد اللازمة).
ثالثاً: السلم:
أما الهدف الثالث من أهداف العقد، فهو لاسلم وقد علق على تحقيق السلم أهمية كبرى إذ لا يمكن أن تتحقق أي تنمية بدون السلم والاستقرار.
وبذلك يكون السلم شرطاً مسبقاً للتنمية. وعلاوة على ذلك، فلن يدوم السلم بدون تنمية، وبدون القضاء على وجوه عدم المساواة والتمييز على جميع المستويات. وسيساهم الاشتراك على قدم المساواة في تنمية العلاقات الودية والتعاون بين الدول، في تنمية المرأة نفسها.
هـ ـ مؤتمر كوبنهاجن / الدنمارك 1980:
وحرصاً من المؤتمرين في (مكسيكوسيتي) على ضمان سير خطة العمل العالمية بمجراها الصحيح كي تحقق أهداف العقد الجسام، فقد رأت لجنة المتابعة إلى أن يصار إلى عقد مؤتمر عالمي آخر في منتصف العقد في مدينة كوبنهاجن/ الدنمارك) من 14 تموز إلى 30 منه من عام 1980 تحت شعار: (عقد الأمم المتحدة للمرأة العالميةالمساواة، والتنمية، والسلم) وذلك:
أولاً: لاستعراض التقدم المحرز في تنفيذ توصيات المؤتمر العالمي للسنة الدولية للمرأة.
وثانياً: لتعديل البرامج المتعلقة بالنصف الثاني للعقد في ضوء الاقتراحات والبحوث الجديدة المقدمة من قبل مؤتمر كوبنهاجن، وقد كان لي شرف الانضمام إلى الوفد الرسمي الذي مثل لبنان في هذا المؤتمر، والذي حضره ممثلون عن مائة وستين دولة بالإضافة إلى ممثلين عن لجان إقليمية من مختلف أصقاع الأرض، فضلاً عن تسع وكالات متخصصة، وثماني منظمات تابعة لهيئة الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الوطنية الرسمية وغير الرسمية التي اشتركت في المؤتمر.
و ـ مؤتمر نيروبي/ كينيا عام 1985:
تم عقد مؤتمر عالمي ثالث في نهاية العقد في مدينة نيروبي/ كينيا عام 1985. وذلك لاستعراض التقدم المحرز في تنفيذ خطة العمل العالمية بعد مرور عشر سنوات على وضعها قيد التنفيذ، ولدراسة العقبات والمعوقات التي حالت دون تنفيذها كاملاً في جميع بلدان العالم.
ومما تجدر الإشارة إليه، أنه بين مؤتمر مكسيكوسيتي عام 75 ومؤتمر نيروبي عام 85، عقدت مؤتمرات عدة قامت بها مختلف الوكالات المتخصصة والمنظمات الدولية، ولجان القضاء على التمييز ضد المرأة، تبحث كل فرقة منها عن برنامج عمل خاص ضمن دائرة اختصاصها لتعزيز دور المرأة فيها ودمجها دمجاً كاملاً في برنامج التنمية الشامل. ولكن انقضى العقد ومؤتمراته المحلية والإقليمية والدولية، ولم يستطع أن يحقق العقد غاياته وأهدافه ومقاصده العديدة، كما لم تحقق خطة العمل العالمية ما كان يصبو لها واضعوها من إقرار المساواة بين الجنسين في جميع مجالات الحياة الحقوقية التشريعية منها والتطبيقية إلا جزئياً رغم الجهود الكبيرة التي بذلت في غالبية البلدان لتعزيز أهداف العقد: المساواة والتنمية والسلم. وهذا ما حدا بالأمين العام للمؤتمر أن يصرح قائلاً: (إنه على الرغم من ازدياد مشاركة المرأة على جميع الصعد في بعض البلدان، إلا أن التقدم المحرز لم يكن كافياً لتحقيق التحسن الكمي والنوعي المنشود في مركز المرأة.
والسبب في ذلك يعود إلى أنه يوجد في العالم أجمع ثغرات بين القوانين والممارسات الاجتماعية. وأنه من الضروري منع هذه الثغرات وسدها من خلال اتخاذ إجراءات اجتماعية مثمرة، لأن المشاكل العالمية بلغت درجة من التشابك، تقتضي معها بذل جهود على عدة جبهات في آن واحد، فضلاً عن عقبات أخرى تتعلق بالمشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لكل بلد من بلدان العالم. وبما أن أهداف العقد الثلاثة لعقد المرأة، هي أهداف الأمم المتحدة ذاتها، فلا بد إذن لتحقيقها من زيادة التعاون الدولي. إذ بدون السلم ـ كما ترى اللجنة التحضيرية للمؤتمر ـ لا يمكن أن تكون هناك مساواة حقيقية، وبدون المساواة الحقيقية لا يمكن أن تكون تنمية حقيقية. لذلك لا يمكن فصل القضايا المقتصرة ظاهرياً على المرأة، عن المسائل الأوسع نطاقاً عالمياً).
وهكذا يبدو واضحاً جلياً أن العقبات التي تحول دون إحقاق المساواة بين المرأة والرجل على الصعيد الدولي، وفي كل بلد من بلدان العالم، هي عقبات جمة متداخلة ومتشابكة محلياً وإقليمياً ودولياً. ولكن على كثرتها سنتوقف عند أهمها، وبما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوعنا الأساسي: (حقوق المرأة بين الشرع الاسلامي، والشرعة العالمية لحقوق الانسان) معتمدين في ذكر هذه العقبات على ما ورد في تقرير (اللجنة التحضيرية لخطة العمل العالمية الثانية).
ز ـ العقبات التي حالت دون تحقيق أهداف العقد:
أولاً: أول العقبات الأساسية هي عقبات تتعلق بمواقف الدول. هذه المواقف التي ترتكز على صورة المرأة بوصفها تختلف عن الرجل وكثيراً ما تكون أقل شأناً منه. وهذه المواقف في رأي الحكومات، كما جاء في التقرير، تجيز وضع المرأة في مرتبة أدنى، وتجيز التقسيم المقولب للأدوار حسب الجنس المألوف في كثير من المجتمعات. إذ ينظر إلى المرأة على أنها تعتمد اقتصادياً على الرجال، وأنها أقل قدرة على الاضطلاع بالأنشطة الاقتصادية بنفسها. والمرأة في هذا النمط المقولب هي (مدبرة المنزل). أما الرجل فهو المعيل.
ثانياً: إن هذا الموقف القائم على التمييز الفعلي على أساس الجنس، هو من العقبات الأساسية التي تعترض مساواة المرأة بالرجل. وإن هذا التمييز والتفاوت الفعليين في المكانة بين الإثنين ناجم عن عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية على نطاق واسع. وهي عقبات تبرر على أساس الاختلافات الفسيولوجية. ورغم عدم وجود قاعدة فسيولوجية للنظر إلى المنزل والأسرة على أنهما مجال المرأة أساساً، وللحط من قيمة العمل المنزلي، ولاعتبار قدرات المرأة أدنى من قدرات الرجل، فإن الاعتقاد بوجود مثل هذه القاعدة يديم التفاوت ويمنع التغييرات الهيكلية والمواقفية اللازمة لإزالة هذا التفاوت. لذا تعتبر إعادة تقييم الوظائف والأدوار المسندة تقليدياً لكل جنس داخل الأسرة والمجتمع بوجه عام، أمراً أساسياً لبلوغ تحقيق غايات العقد: المساواة، والتنمية والسلم.
ثالثاً: ومن العقبات الأساسية التي تعترض أهداف العقد، وخاصة على الصعيد الوطني، هو استمرار وضع المرأة غير المتساوي في المجتمع في غالبية الدول.
وقد برهن العقد بوضوح على أن الإعلان الرسمي عن تدابير ترمي إلى القضاء على التمييز ضد المرأة، وإنشاء مؤسسات حكومية خاصة تتناول مشاكل المرأة، لم تكفل حتى الآن تنفيذ ضمانات الدولة والحماية اللازمة لحقوق المرأة في تلك البلدان على أساس المساواة في الأهلية والحالة القانونيتين للمرأة، وخصوصاً المرأة (المتزوجة) من حيث الجنسية والإرث والملكية والتصرف بالأموال، وحرية انتقال المرأة، وحضانة الأطفال وجنسيتهم، وحرية العمل في كافة الميادين... وما زالت هناك، قبل كل شيء مقاومة عميقة الجذور من جانب العناصر المحافظة في المجتمع للتغيير اللازم في الموقف، لغرض حظر تام على الممارسات التمييزية ضد المرأة على
الأصعدة الأسرية والمحلية والوطنية والدولية).
لذلك، وفي سبيل تذليل هذه العقبات الأساسية والجوهرية التي حالت دون إنجاز خطة العمل العالمية في المدة المحددة لها، يدعو الأمين العام للمؤتمر، على أن يجري الآن حث الحكومات التي لم توقع بعد على (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، على أن تفعل ذلك. وعلى أن تتخذ كل الإجراءات اللازمة للتصديق عليها أو الانضمام إليها، وعلى أن تسعى سعياً حثيثاً إلى تعديل القوانين المدنية لا سيما ما كان منها مرتبطاً بالأسرة لتجنب الممارسات المنطوية على التمييز حيثما وجدت، وأينما اعتبرت المرأة قاصرة، كما ينبغي إعادة النظر في الأهلية القانونية للمرأة المتزوجة بحيث تمنح المساواة في الحقوق والواجبات مع الرجل. لذا أعد المؤتمر في نهاية العقد ورقة عمل عالمية ثانية، استراتيجية استشرافية ـ هكذا سميت ـ من أجل النهوض بالمرأة ومن أجل اتخاذ تدابير ملموسة حتى تنفذ بنودها تنفيذاً فعالاً.
وعليه، يعتبر الأمين العام للمؤتمر بأن: (التحدي المطروح الآن أمام المجتمع الدولي، هو أن تكون ضمانات أوجه الأهلية قد أتيحت لكل النساء في العالم مع حلول عام 2000، لا بوصفها جانباً من التنمية فحسب، بل بوصفها واحد من حقوق الانسان الأساسية بحيث تكون القوانين التي تضمن المساواة للنساء في كل ميادين الحياة قيد التنفيذ الشامل.
ويضيف الأمين العام قائلاً: (إن مشاركة المرأة أمر حاسم لتحقيق أهداف العقد التي هي أهداف الأمم المتحدة بالذات لأن الإنسانية قد وصلت إلى مرحلة من الضروري فيها استخدام قوة وطاقة المرأة في المجالات الجماعية إذا أريد بلوغ الأهداف المتفق عليها عالمياً: (المساواة والتنمية والسلم).
لذلك يعتبر الأمين العام أن نجاح العقد في إنجاز خطة العمل العالمية الأولى كان جزئياً، إلا أن أهم إنجازاته يكمن في اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة (وثيقة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) في جلستها المنعقدة في 18 / 12 / 1979.
ح ـ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة:
ولعل من هم ما ورد من مواثيق واتفاقات دولية بشأن حقوق المرأة هو (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الصادرة عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 18 / 12 / 1979.
وتدعو هذه الاتفاقية إلى المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل، بغض النظر عن حالتها الزوجية، في جميع الميادين:
السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية. كما أنها تدعو إلى استنان تشريعات وطنية لحظر التمييز ضد المرأة، وتوصي باتخاذ تدابير خاصة مؤقتة للتعجيل بالمساواة بين الرجل والمرأة، وباتخاذ خطوات لتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تجعل من التمييز عرفاً متمادياً.
وإننا إذا ما عدنا إلى النص الكامل لهذه الاتفاقية، نرى أن الدول الأطراف تتعهد في المواد الست الأولى، أن تجسد مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في دساتيرها الوطنية. وبأن تتخذ المناسب من التدابير التشريعية وغيرها لتقر الحماية القانونية لحقوق المرأة، بما في ذلك التشريع لتعديل القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة، والأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف القضاء على كل أشكال التمييز بينهما.
أما في المواد الخمس التالية (76 ـ 11): فإن الدول الأطراف تتعهد بأن تتخذ جميع التدابير اللازمة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية العامة للبلد، في حق التصويت والانتخابات وحق المشاركة في صياغة سياسة الحكومة، وفي شغل الوظائف العامة، وفي حق التمتع بفرص التوظيف نفسها، وحرية اختيار المهنة والعمل، وحق المساواة في الأجر، وحق الرعاية الصحية، وحق التعلم على أساس التساوي بين الرجل والمرأة.
أما المادتان الأخيرتان: الخامسة عشرة والسادسة عشرة من الاتفاقية، فإنهما تنصان على منح المرأة المساواة مع الرجل أمام القانون. كما أنهما تدعوان الدول الأطراف إلى أن تكفل للمرأة حقوقاً مساوية لحقوق الرجل في إبرام العقود وإدارة الممتكلات الخاصة بها، وحق الإشراف عليها والتمتع بها والتصرف فيها. كما أنهما تنصان على أساس المساواة. الحق نفسه للمرأة في عقد الزواج واختيار الزوج، وكذلك نفس المسؤوليات في أثناء الزواج وعند فسخه، والحقوق ذاتها فيما يتعلق بالقوامة والوصاية على الأطفال.
وفي أول آذار مارس سنة 1980 فتح باب التوقيع على هذه الاتفاقية من قبل الدول وأصبحت نافذة المفعول ابتداء من 3 أيلول سبتمبر سنة 1981. ولغاية 31 أيار مايو سنة 1987 كان 93 بلداً قد وافق على الالتزام بأحكامها، إما بتصديقها أو الانضام إليها.
#حواء_مردان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن
...
-
ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
-
بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية
...
-
استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا
...
-
الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
-
ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية
...
-
الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي
...
-
تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
-
فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|