عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 3701 - 2012 / 4 / 18 - 22:49
المحور:
الادب والفن
في طريق العودة من أتونا بشتم
" وعند ذاك جلس جلجامش ، وأخذ يبكي
حتى جرت دموعه على وجنتيه
وكلم ( أور ـ شنابي ) الملاح
من أجل مَن كلّت يا ( أور ـ نشابي ) يداي ؟
من أجل مَن استنزفتُ دم قلبي ؟
لم أحقّق لنفسي مغنما ،
أجل، لقد حققتُ المغنم إلى أسد التراب "
جلجامش يخاطب ملاح السفينة بعدما سرقت الأفعى عشبة الخلود
ملحمة جلجامش / ترجمة طه باقر /ص 169
تستيقـظ فـتجـد الليلَ ببدلته الـمرصّعة بالثكنات ، وبالنجوم التي صدئتْ ، لكثرة ما غسلتها الأشباحُ بمـاء الأساطير. ذكرى انفجـارات وقعتْ ، و وجـوه كثيرة خـذلتكَ ، كلها تـدوّي معا ، فجـأة ، فـي فـراغ الغرفة ، وأنتَ تـرفـع وسادتكَ ، كمَـن يفـتش فـي الصحـراء عـن قـارب ، بحـثا عــن عـلبة الدخان ، فـتعـثرُ عـلى الظلام جـافـا ، راسمـا على شـفتيه علامة اسـتفهام ، كـما راية ترفـرف فـي ذاكرتها عاصفةٌ مـرّتْ ، ذات يوم ، لتكنس ما بقيَ من ريش الأمان في مدينة منهوبة .
تـفـركُ عينيكَ لتتأكـدَ أن كلّ شيء على مـا يرام : لـم تمـسْ شظيةٌ ما بـَشَرةَ هذا الرحم الدافئ الذي تعيشُ فيه ، بـانتظار ولادة مغسولة بحنان امكَ ـ الغرفة ، غير أن علامة استفهام ثانية تظهر أمامكَ في المرآة ، وأنتَ تحلـقُ لحيتـَكَ ، التي خـالـطها الشَيبُ ، فتحزن لأنَّ الأفعى لم تكتفِ بالعشبة المسحورة ، إذ هي تجدّدُ عمرها ، لتلفّ بثيابها القديمة أجسادَ القـتـلى ، الذين تختم المعاركُ ، في كل مكان ، جوازاتهم ، من أجل السفر إلى السماء.
آه ،
كثيرا هِـمتَ على وجهكَ في الكتب ، باحثا عن خََلاص ، فأزعجكَ أنَّ جلجامش أضاع عشبه الخلود ، لأنَّه استسلم لضعفه البشري ، في تلك الساعة ، عندما هبط إلى النهر، ثم اكتفى بذرف دموعه ، كأي كائن هش ..
" لو كنتُ مكانه ، لو كنتُ مكانه .. لأمسكتُ الأفعى ، لأجبرتها أن تتقيأ ، لـ .. "
تصرخُ غاضبا وأنت تنفضُ غبارَ الرعب ، الذي صار يتراكم ، يوما بعد آخر، على اسطوانات الموسيقى ، لكنَّ لفتة منكَ إلى نافذة المطبخ ، حيث الساعةُ تدقُّ دقتها الكبرى ، تجبركَ عـلى أن تفركَ عـينيكَ مرة بعد مرة ، لتتأكد من أن جلجامش لم يملكَ أن يفعلَ شيئا ، وأنكَ تكرّرُ محنته الآن ، إذ تصرخ وحيدا :
- ما الذي يحصل ؟
مَن جاء بالليل في هذا الوقت ،
حيث الساعةُ تدقُّ دقتـَها السابعة ... صباحا ؟
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟