|
عن الحق في المعرفة ( 2 )
محمد بقوح
الحوار المتمدن-العدد: 3701 - 2012 / 4 / 17 - 08:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لكن ماذا نعني ب الحق في المعرفة ؟ و ما الجهة التي تطالب بهذا الحق ؟ و ما الجهة المضادة، التي قصرت في العمل بهذا الواجب، فدفع هذا التقصير بالجهة الأولى، للمطالبة بحقها الأكيد و الحتمي، في اكتساب و امتلاك المعرفة، كباقي موجودات العالم من حولنا ؟ لابد هنا من الإشارة، إلى قولة بليغة من الناحية الفلسفية و العلمية، للفيلسوف الهولندي اسبينوزا (1632-1677)، و التي يؤكد فيها فيلسوفنا على أن كل تأكيد إيجابي، هو في نفس الوقت، نفي سلبي. يعني، أننا عندما نقول مثلا : مات الديكتاتور القذافي، فهذا تأكيد إيجابي. و هو معنى يعني أيضا : أن الديكتاتور القذافي لم يعد حيا. كما أننا حين نعلن : أن الربيع العربي انتصر. فهذه الحقيقة تعني : أن الربيع العربي لم ينهزم. كما أراد له الطغاة. لماذا جئنا بهذين المثالين المرتبطين بما يمكن تسميته، بالتناقض بين مظهري الحقيقة الواحدة (التأكيد و النفي) ؟ لنحاول تقديم الإجابة حسب حاجة السؤال و طلبه. أولا النموذج السبينوزي، في التفكير الفلسفي، هو نموذج رياضي دقيق. فكان لزاما عليه أن يكون عميقا يبحث عن الشمولية الأكثر تجريدا. هكذا يبدو لنا واضحا الآن، أن صيغتنا حول الحق في المعرفة، تتضمن صيغة مضادة، و مختلفة عنها، و هي الوجه الآخر، لحقيقة موضوع المعرفة، الذي نحن بصدده، و نريد البحث فيه. و نعني بها صيغة الحق في رفض اللامعرفة، أي التجهيل و تكريس الأمية. بمعنى أن المعرفة، تم اعتقالها، و بالمقابل، تم تحرير الجهل و فعل التجهيل و التبسيط الفكري، و الأمية الثقافية. نحن هنا، نؤكد على تراجيديا الوضع المعرفي في المغرب، و العالم العربي، بسبب الهيمنة الفجّة، و السيطرة التامة، لما هو سياسي توجيهي، له علاقة بالسلطة، على كل تجليات و مكونات، ما هو معرفي و إبداعي و علمي نقدي. يعني أنهم أفرغوا المعرفة، من محتواها العلمي و الفكري و النقدي العميق، و فرضوا عليها، كرأسمال رمزي بتعبير بورديو، وفق سياسة السلطة المتبعة، معرفة صورية مزيفة، و تابعة للسياسي، بالمعنى التقليدي، و معبرة عنه كل التعبير. و هذا الكلام حقيقة يحتاج إلى إثباتات، تساند وجهة نظرنا التحليلية، التي تبقى جوفاء، بدون أدلة و براهين، من الواقع المغربي الملموس. لننطلق إذن من واقع قضية حيوية، و إشكالية محيرة، في حياة المغرب الراهن: نعني بها القضية التعليمية، و علاقتها الجدلية، بالمشكلة الثقافية، ذات العمق الاجتماعي، الذي هو الفقر، سواء المادي أو الفكري. يكفينا، في الحقل التعليمي، أن نطرح التساؤل التالي: لماذا سُمح لأزمة التعليم، أن تستمر، و تعمّر كل هذا التاريخ الطويل، رغم أن الدولة تعتبر دوما مسألة التعليم و التكوين، ذات أهمية كبرى، بالنسبة لتقدم الإنسان المغربي، و تنمية المغرب، كبلد يتمتع بكل الشروط الموضوعية، التي من حقه أن يكون متقدما و مزدهرا ؟ بالنسبة للذين لا يخدمهم تقدم المغرب في شيء، يجب أن تستمر، و تبقى الأزمة في التعليم المغربي. لأنه ضمنيا، يتم الحرص هنا على بقاء و استمرار قيم الجهل و الأمية و الفقر .. و بالتالي ، و نتيجة لذلك، يتم الحفاظ على الجمود، و رعاية الركود العقلي، بالمفهوم المعرفي و التعليمي. سواء تعلق الأمر بعقول المتعلمين و التلاميذ و الطلبة.. أو بعقول المدرسين و المؤطرين و الإداريين. أي كل ما له علاقة بالمؤسسة التعليمية العمومية طبعا. حتى الجامعات المغربية، و أيضا الأسر، كمؤسسات تربوية، و اجتماعية حساسة، تأثرت بالضرورة، و أصيبت بلهيب داء هذا التأزيم و التسطيح و التجهيل و التعليب الفكري، و الإفراغ المعرفي القاهر.. و الذي فرض على الحقل التعليمي المغربي فرضا، منذ تنفيذ المخطط الخماسي، في أواسط الثمانينات.. و تعمق مع أحفاد العهد السابق، الذين باتوا اليوم يصولون داخل متاهة.. أصابتهم بالدوار.. فكان تكريس الأمية، اختيارا و منهجا استراتيجيا محكما، لاتقاء بطالة الخريجين و الخريجات، حسب تعبير محمد عابد الجابري، و ذلك من خلال السياسة التعليمية المتبعة و المملاة، في جميع مستويات و برامج و مناهج، و مستجدات المنظومة التعليمية و التربوية المغربية. تلك التي، في الحقيقة، لم تزد التعليم المغربي- بالنظر إلى نتائج تلك السياسة المخربة و المدمرة للتعليم المغربي - إلا مزيدا من التيه و الضياع و هدر المال العام.. و تهريب الآباء لأبنائهم، إلى التعليم الخاص، الذي لم يكن سوى الوجه الآخر و المفجع، لاختيار سياسي تعليمي درامي، تم به ضرب المجانية التعليمية، التي هي من حق كل تلميذ و تلميذة، في صالح الحفاظ على توازنات الأقوياء المهيمنين اقتصاديا،على حساب جيوب المواطنين الضعاف، في أصلهم الاجتماعي و الطبقي، قبل إنزال فاتورة تكلفة التعليم الخاص، التي زعزعت فيهم، ما تبقى في جعبتهم من قيم نبيلة.. فكثر التهافت، و سيطر الانبطاح، و الذاتية النفعية عمت العيون، و اختلت التوازنات الذهنية، و اختلطت بالأحلام الاجتماعية المأمولة.. رغم أن الجميع يسير و يعيش وفق نظامه الخاص، و تبعا لبرنامجه الصارم، الذي غالبا ما يتوّج بالحركات الرياضية، على شاطئ البحر أو الوادي، أو حتى في الشارع العام.. المهم، يجب تفجير وجع الضغط النفسي و الجسدي، و البحث عن سبل الاسترخاء الذهني، في نهاية كل أسبوع جديد.. هي لعبة جميلة بوجه مأساوي، مصطنعة بلا شك، تواطأ عليها الشيخ و المريد، و الجلاد و الضحية.. فباتت المعرفة حق في خبر كان، إلى أجل غير مسمى.
#محمد_بقوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحقيقة و الأشياء ( 1 )
-
قصة قصيرة ثورة مسعود
-
الصفعة قصة قصيرة
-
ضرورة الفلسفة
-
عنف السلطة .. و الطبقة التعليمية المغربية ( جهة سوس ماسة درع
...
-
الأرصفة ( 4 )
-
الأرصفة ( 3 )
-
الأرصفة ( 2 )
-
علاقة المقهى بثقافة الإنسان العربي
-
الأرصفة ( 1 )
-
إشكالية التعليم .. و قيم العلم بالمغرب
-
علاقة الثقافي بالسياسي في التجربة العربية - وجهة نظر نقدية
-
عودة الأنوار - قصة قصيرة
-
الحوار المتمدن كمعلمة عقلانية للفكر الحر
-
حجارة السماء
-
جدلية الفكر و قيم الإنحطاط
-
الخفاش الأنيق - قصة قصيرة
-
تيمة الجنون في رواية مدن الملح - نص التيه نموذجا - ( بحث )
-
الكرسي الأعرج
-
قصيدة يسكنها بحر
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|