أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - الفلسفة بين السوبر حداثة و السوبر مستقبلية















المزيد.....


الفلسفة بين السوبر حداثة و السوبر مستقبلية


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 3700 - 2012 / 4 / 16 - 08:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تكمن الفلسفة في تحليل المفاهيم و تفسير الظواهر و حل المشاكل الفكرية. لكن المشكلة الأساسية التي تواجه الفلسفة هي أنها قد تتحوّل إلى عقيدة أيديولوجية بمجرد أن تطرح تحليلات معينة للمفاهيم أو تقدِّم تفاسير معينة لهذه الظواهر أو تلك. عندما تصبح الفلسفة عقيدة أيديولوجية , حينها يتعصب أتباعها لها فيتوقف البحث الفكري عما هو جديد و يتم رفض المعتقدات و المذاهب الفكرية الأخرى فيغدو أتباع هذه الفلسفة أو تلك رافضين للآخر المختلف. و توقف البحث الفكري و عملية رفض الآخر مدمّران للحضارة و للفكر الإنساني. لكن يبدو أن الفلسفة في معظم الأحيان تقع في هاتين المشكلتين لأنها متى حددت معاني و مدلولات المفاهيم و قدّمت تفاسير معينة , تصبح حينئذ ٍ تحليلاتها و تفاسيرها عقائد يقينية لا تقبل الشك أو المراجعة بسبب أن التحليل أو التفسير بشكل عام يُحدِّد المفاهيم أو الظواهر التي يريد تحليلها أو تفسيرها و بذلك يتم رفض أية تحليلات أو تفاسير أخرى ممكنة أو مختلفة. هكذا لكي تقوم الفلسفة بمهمتها الكامنة في التحليل و التفسير لا بد من أن تحدِّد المفاهيم و الظواهر. لكن متى فعلت ذلك تسجن نفسها في نظريات مُحدَّدة فتتعصب لها و ترفض الآخر و أي بحث فكري جديد. من هنا , تقع الفلسفة في معضلة كبرى.

مثل ذلك إذا عرّفت الفلسفة الإنسان فقالت مثلا ً إن الإنسان حيوان اجتماعي , حينها متى رفض فرد ما الاجتماع مع الآخرين يغدو بذلك خارج صفة الإنسانية فيتم رفضه كما يتم رفض أي تعريف آخر للإنسان مختلف عن التعريف السابق. و حين نحلل الإنسان فنحدده لا نحتاج حينئذ ٍ إلى البحث عن تعريف جديد للإنسان بما أننا عرفنا ما هو. و بذلك يتوقف البحث الفكري. على ضوء هذه الاعتبارات , لا بد من حل المعضلة السابقة أي لا بد من إنقاذ الفلسفة من مصيرها القائم في رفض الآخر و المؤدي إلى إيقاف عملية التفكير و البحث. من هنا , تقدِّم كل من السوبر حداثة و السوبر مستقبلية حلا ً مناسباً للمعضلة الفلسفية الكبرى , و ذلك من خلال اعتماد السوبر حداثة على اللا مُحدَّد في عملية تفسير الظواهر و اعتماد السوبر مستقبلية على المستقبل في عملية تحليل المفاهيم.

بالنسبة إلى السوبر حداثة , اللا مُحدَّد يحكم الكون و ظواهره. من هذا المنظور, تعتمد السوبر حداثة على اللا محدَّد من أجل أن تفسِّر الظواهر المختلفة. فمثلا ً , تعتبر السوبر حداثة أن الإنسان غير مُحدَّد مَن هو. فبما أن ماهية الإنسان ( أي صفاته الأساسية ) غير مُحدَّدة ما هي , إذن يتمكن الإنسان من تغيير صفاته كافة و استبدالها بأخرى فينجح في التكيف مع الظروف المختلفة فيستمر و يبقى. هنا تفسِّر السوبر حداثة إمكانية تغيير صفات الإنسان كافة و نجاحه في البقاء. هكذا تكتسب السوبر حداثة قدرة تفسيرية قوية من جراء اعتبارها أن الإنسان غير محدَّد في ماهيته و صفاته. لكنها في الوقت نفسه تنجح في تجنب المعضلة الفلسفية السابقة ألا و هي رفض المذاهب الفكرية الأخرى و التعصب لموقفها و رفض الآخر. فبما أن الإنسان غير محدَّد ما هو كما تقول السوبر حداثة , إذن قد يكون الإنسان حيواناً ناطقاً أو حيواناً مفكراً أو حيواناً اجتماعياً أو أي شيء آخر , و بذلك تتساوى التحليلات المختلفة للإنسان في قيمتها و مقبوليتها ما يؤدي إلى تجنب رفض أي مذهب فكري و ما يجنبنا رفض الآخر المختلف عنا في سلوكه و معتقده ؛ فالإنسان غير محدَّد و بذلك مهما كانت صفات هذا الفرد أو ذاك يبقى إنساناً ما يضمن قبوله. هكذا تحل السوبر حداثة المشكلة التي تقع فيها الفلسفة فتحررنا من أن تصبح أفكارنا و نظرياتنا عقائد أيديولوجية من خلال اعتبار النظريات المختلفة متساوية في قيمتها و مقبوليتها و بذلك تحررنا أيضاً من التعصب و رفض الآخر.

من جهة أخرى , بما أن , بالنسبة إلى السوبر حداثة , الإنسان غير محدَّد في ماهيته و صفاته , إذن لا بد من البحث الدائم عن نظريات جديدة في محاولة فهم الإنسان و طبيعته ؛ فالنظريات التقليدية و المعروفة غير قادرة على فهم الإنسان علماً بأن الإنسان غير محدَّد أصلا ً. هكذا تضمن السوبر حداثة استمرارية البحث الفكري فتتجنب المعضلة الفلسفية الكبرى. فلا محددية الإنسان تدعونا إلى التفكير في كيف من الممكن أن يكون الإنسان في أكوان ممكنة مختلفة ما يستدعي بناء نظريات عديدة و متنوعة حول الإنسان و طبيعته على ضوء تنوع و تعدد الأكوان الممكنة التي من الممكن وجودها. من هنا , لا تضمن السوبر حداثة استمرارية البحث الفكري فقط بل تدفع أيضاً إلى صياغة نظريات عدة مختلفة و جديدة.

من المنطلق ذاته , بالنسبة إلى السوبر حداثة , الكون غير محدَّد ما هو , و بذلك لا بد من دراسة كيف من الممكن أن يكون. لكن الممكنات لا متناهية في العدد و مختلفة ما يدفع إلى بناء نظريات فلسفية و علمية عديدة و مختلفة و جديدة تصف أكواناً ممكنة متنوعة. هكذا تضمن السوبر حداثة استمرارية البحث الفلسفي و العلمي و تدفع إلى صياغة المزيد من النظريات الفلسفية و العلمية الجديدة و المختلفة. و بما أن الكون غير محدَّد كما تقول السوبر حداثة , إذن لا توجد نظرية علمية أو فلسفية واحدة صادقة دون النظريات الأخرى , و بذلك تتساوى كل النظريات العلمية و الفلسفية في قيمتها و مقبوليتها ما يستدعي عدم رفض أي مذهب فكري أو علمي و عدم رفض الآخر المختلف في فكره و معتقده. هكذا تتمكن السوبر حداثة من حل المعضلة الفلسفية الكبرى فتكتسب فضيلتها الأقوى. من هنا , السوبر حداثة منهج يحررنا من العقائد اليقينية فمن التعصب و رفض الآخرين.

أما بالنسبة إلى السوبر مستقبلية فالتاريخ يبدأ من المستقبل , و لذا تحلل السوبر مستقبلية المفاهيم من خلال المستقبل. فمثلا ً , تعتبر السوبر مستقبلية أن المعنى قرار اجتماعي في المستقبل. و بما أن القرار الاجتماعي مشترك بين الأفراد لأنهم يشتركون في اتخاذه , إذن تشترك المعاني بين الأفراد فينجح التخاطب و التواصل و التفاهم فيما بينهم. هكذا تتمكن السوبر مستقبلية من التعبير عن إمكانية التواصل اللغوي فتكتسب فضيلتها الفلسفية. هنا تقدِّم السوبر مستقبلية تحليلا ً معيناً لمفهوم المعنى. لكن بما أنها تحلل المعنى من خلال المستقبل و علماً بأن المستقبل لم يتحقق كلياً في الحاضر و الماضي , إذن لا تحدِّد السوبر مستقبلية مفهوم المعنى بشكل كامل؛ فالمعنى قرار اجتماعي في المستقبل , و المستقبل منفتح على احتمالات عدة. بذلك تعرِّف السوبر مستقبلية المعنى من دون أن تحدِّد المعنى كلياً ما يتضمن عدم رفض السوبر مستقبلية للمذاهب الأخرى في تحليل المعنى. فمن الممكن أن يكون القرار الاجتماعي في المستقبل ( المرتبط بتحليل المعنى بالنسبة إلى السوبر مستقبلية ) متفقاً مع أي مذهب فكري حول المعنى , و بذلك السوبر مستقبلية لا ترفض المذاهب الأخرى في المعنى. هكذا تتجنب السوبر مستقبلية المعضلة الفلسفية الكبرى من خلال عدم سجن المفاهيم في تحليلات مُحدَّدة و لذا لا ترفض المذاهب الأخرى فتتجنب بذلك أيضاً رفض الآخرين أنصار الأفكار الأخرى. من هنا , السوبر مستقبلية تتجنب الوقوع في التعصب الفكري و في الأيديولوجيات العقائدية اليقينية. هنا تكمن فضيلتها الأساسية.

بالإضافة إلى ذلك , تعتبر السوبر مستقبلية أن الحقيقة قرار علمي في المستقبل , و بذلك لا بد من أن يستمر البحث العلمي و الفلسفي عما هي الحقيقة علماً بأن المستقبل لم يتحقق كلياً في الحاضر و الماضي. هكذا تضمن السوبر مستقبلية استمرارية البحث المعرفي فتكتسب مقبوليتها. هنا تقوم السوبر مستقبلية بمهمتها الفلسفية فتحلل الحقيقة , لكن في الوقت نفسه لا تسجننا في تعريف مُحدَّد للحقيقة لأنها تعرِّف الحقيقة على أنها قرار علمي في المستقبل. فبما أن الحقيقة قرار علمي في المستقبل , و المستقبل منفتح على احتمالات عدة , إذن السوبر مستقبلية لا تحدِّد الحقيقة رغم أنها تعرِّفها. هكذا تنجح السوبر مستقبلية في إنقاذ الفلسفة فتقوم بمهمة التحليل من دون أن تسجننا في تحليلات مُحدَّدة فتحررنا من الأيديولوجيات و العقائد اليقينية من دون أن تتخلى عن عملية التفلسف. من هنا , تتمكن السوبر مستقبلية من حل المعضلة الكبرى التي تواجه الفلسفة.

السوبر مستقبلية طريقة جديدة في إنتاج النظريات الفلسفية تماماً كالسوبر حداثة. فالسوبر مستقبلية تطرح منهجاً جديداً في صناعة الفلسفة بفضل تحليلها للمفاهيم من خلال المستقبل ما يضمن حل المشكلة الفلسفية الكبرى. السوبر حداثة أيضاً تشكّل منهجية جديدة في التفكير الفلسفي. فالسوبر حداثة تفسِّر الظواهر من خلال اللا محدَّد و بذلك تقوم بالمهمة الأساسية للفلسفة ألا و هي التفسير , لكن من دون أن تحدِّد الظواهر لكونها تفسِّرها من خلال اللا محدَّد. فمثلا ً , تعتبر السوبر حداثة أن الكون غير مُحدَّد , و لذا من المتوقع أن تنجح نظريات علمية عدة في وصف و تفسير العالم رغم الاختلاف فيما بينها. فلو كان الكون محدَّداً ما هو لنجحت نظرية علمية واحدة في وصفه و تفسيره. لكن ثمة نظريات علمية مختلفة ناجحة في تفسير الكون و ظواهره لأن الكون غير محدَّد ما هو. هكذا تفسِّر السوبر حداثة لماذا تنجح النظريات العلمية العديدة في وصف و تفسير العالم رغم الاختلاف فيما بينها. و بذلك تكتسب السوبر حداثة قدرة تفسيرية مهمة ما يجعلها مقبولة إلى أقصى حد. مثل ذلك أن نظرية النسبية لأينشتاين تقول إن قوانين الطبيعة حتمية بينما نظرية ميكانيكا الكم تقول إن قوانين الطبيعة غير حتمية. لكن كلا ً من هاتين النظريتين ناجحة في وصف و تفسير الكون رغم اختلافهما و تعارضهما بسبب أن الكون ذاته غير محدَّد ما هو. من هنا , تفسِّر السوبر حداثة لماذا تنجح النظريات العلمية العديدة رغم اختلافها , و في الوقت نفسه لا تحدِّد طبيعة الكون و ظواهره فلا تسجننا في نظرية محدَّدة لأنها تعتبر أن الكون غير محدَّد أصلا ً. هكذا تتمكن السوبر حداثة من القيام بالمهمة الفلسفية ألا و هي التفسير من دون أن تقيّدنا في أيديولوجيا أو عقيدة يقينية محدَّدة. و بذلك تحل السوبر حداثة معضلة الفلسفة من دون أن تتخلى عن عملية التفلسف.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاج الثقافي : السوبر ثوار في مواجهة السوبر إضطهاد
- السوبر طائفية : تفكيك الحداثة و الأصولية و الإرهاب
- فلسفة السخافة
- التراث بين السوبر حداثة و السوبر مستقبلية
- السوبر علمانية في مواجهة السوبر عقائدية
- السوبر فلسفة: تزاوج الفلسفة والعلوم
- صراع اليقين واللايقين: العلم أساس زوال الديكتاتورية
- هل الحياة والعقل والكون مجرد كومبيوترات؟
- السوبر تخلف
- السوبر حداثة : الحرية و النهضة
- خصخصة الثقافة خصخصة الإنسان


المزيد.....




- اصطدمتا وسقطتا في نهر شبه متجمد.. تفاصيل ما جرى لطائرة ركاب ...
- أول تعليق من العاهل السعودي وولي العهد على تنصيب أحمد الشرع ...
- بعد تأجيله.. مسؤول مصري يكشف لـCNN موعد الإفراج عن فلسطينيين ...
- السويد: إطلاق نار يقتل سلوان موميكا اللاجئ العراقي الذي احرق ...
- حاولت إسرائيل اغتياله مرارا وسيطلق سراحه اليوم.. من هو زكريا ...
- مستشار ترامب: نرحب بحلول أفضل من مصر والأردن إذا رفضتا استقب ...
- الديوان الأميري القطري يكشف ما دار في لقاء الشيخ تميم بن حمد ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته العسكرية في الضفة الغربية ويق ...
- بعد ساعات من تعيينه رئيسا لسوريا.. أحمد الشرع يستقبل أمير قط ...
- نتانياهو يندد بـ-مشاهد صادمة- خلال إطلاق سراح الرهائن في غزة ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - الفلسفة بين السوبر حداثة و السوبر مستقبلية