الاِعتزال ؛ القدر و العقل و الاِستدلال

أيوب بن حكيم

الحوار المتمدن-العدد: 3698 - 2012 / 4 / 14 - 18:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

لابد لي أن أعَرف علم أصول الدين الذي يبحث في العقيدة من أبواب مختلفة منها ما يتصل بموضوعنا كالإرادة والقدر والقضاء، لذلك علي أن أحترز من بعض المصطلحات المصاحبة التي تلبس علينا ومنها (علم الكلام،علم العقائد،علم التوحيد،الفقه الأكبر) فهذه المصطلحات تعبر عن مفهوم واحد هو "علم أصول الدين" فقط اختلفات التسميات،هذا من جهة الضبط المصطلحي، أما من جهة الضبط الموضوعي فإن التعريف الأقوى والأجرى لعلم أصول الدين هو "العلم بالعقائد الدينية بالأدلة اليقينية" [*]
1 ـ بما أن المنادين بالاختيار في الثقافة الكلامية القديمة كانوا عقلانيين وعلى رأسهم المعتزلة والقدريين، فهذا لا يعني أنهم أهملوا النص ،وحري بنا الرجوع الى بعض الآيات القرآنية التي تلح على التدبر والتفكر والتبصر،لذلك استقريت هذه الآيات انطلاقا من من معونة "المعجم المفهرس" لفؤاد عبد الباقي فكانت الحصيلة ضخمة جدا نكثفها في الآيات الآتية :
ـ "فلينظر الانسان مم خلق" الطارق/ 5.
ـ "فلينظر الانسان الى طعامه"عبس/ 24.
ـ "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" الذاريات/ 21.
ـ "أفلا يبصرون" السجدة /27.
ـ "كتاب أنزلناه مباركا ليدبروا آياته" ص/29.
ـ "أفلا يتدبرون القرآن" محمد/ 24.
ـ "أفلم يدبروا القول" المؤمنون/68.
ـ "إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" الجاثية/13.
ـ "إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" الرعد/3.
ـ "لعلكم تتفكرون" البقرة/219.
ـ "أن تقوموا لله مثنى و فرادى ثم تتفكرو" سبأ/ 46.
ـ كما أورد الفخر الرازي في التفسير الكبير والقرطبي في تفسيره قولَ النبي الكريم(ص) "ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمل فيها" على الآية التي تقول"إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" آل عمران/ 190...
2 ـ مفهوم القدر : من أجمل تعاريف القدر التي أتذكرها عن ظهر قلب قول الشريف الجرجاني في كتابه الشهير"التعريفات" "القدر تعلق الإرادة الذاتية بالأشياء في أوقاتها الخاصة،فتعليق كل حال من أحوال الأعيان بزمان معين وسبب معين عبارة عن قدر"،أما لغويا فعلينا الرجوع أولا للسان العرب في مادة "قدر"ولا يحضرني الآن.
3 ـ مفهوم العقل في أصول الدين :
يصف "أبو الهذيل العلاف" (القرن الثالث) العقلَ بأنه " علم الاضطرار الذي يفرق به الانسان بي نفسه وبين الحمار،وبين الماء وبين الأرض ومنه القوزة في اكتساب العلم" ويعرفه القاضي عبد الجبار المعتزلي في"المغني" بقوله" إعلم ان العقلَ هو جملة من العلوم مخصوصة متى حصلت من المكلف صح منه النظر والاستدلال والقيام بأداء ما كلف"،كما أن العقل عند المعتزلة هو العقل، بدليل قوله تعالى"أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها" الحج/ 46..وبإمكانكم الرجوع الى الدراسة المميزة جدا لحسني زينة الموسومة بـ"العقل عند المعتزلة" وكذلك الرجوع الى كتيب فاطمة اسماعيل المعنون بـ"القرآن والنظر العقلي" وكذلك محاولة فهد الرومي الضخمة "المدرسة العقلية الحديثة في التفسير" وكذلك كتابه الآخر في 3 أجزاء "اتجاهات التفسير في القرن 14"...هذا إذا تكاسلنا عن الرجوع الى تراثنا العظيم.
أما العقل عند الأشاعرة فهم لا ينكرونه أبدا وإنما يقدمون عليه الشرع،فها هو أبو الحسن الأشعري يقول قولته الشهيرة"العقل هو العلم" والباقلاني"العقل علوم ضرورية بوجوب الواجبات وجواز الجائزات واستحالة المستحيلات" مقالات الإسلاميين للأشعري ـ المواقف للأيجي ج 1 .
ومن هنا حاول بعض الفلاسفة التوفيق بين الدين والفلسفة ومنهم الكندي وابن مسرة أستاذ ابن عربي والفارابي وابن طفيل وابن رشد الحفيد .

أما درجات تغليب العقل فتنقسم في أصول الدين الإسلامي الى اتجاهات كبرى
أ ـ اتجاه معتزلي قال بتقديم العقل على الشرع.
ب ـ اتجاه الأشاعرة وأهل السنة والجماعة وقالوا بتقديم الشرع على العقل،لكنهم احترموا العقل.
ج ـ الظاهرية و الجسوية وقالوا برفض العقل تماما.
لكن المعتزلة قيدوا العقل الناظر الى النص بـ :
ـ الاستدلال بالتشبيه والأمثال.
ـ الاستدلال بالتجزئة.
ـ الاستدلال بالتعميم ثم بالتخصيص.
ـ الاستدلال بالتعريف.
ـ الاستدلال بالمقابلة.
ـ الاستدلال بالقـَصَ القرآني.
ـ الاستدلال بالجدل والمناظرة عبر السبر والتقسيم والتحدي والقول بالموجب والتسليم والإسجال والانتقال والمناقضة ومجاراة الخصم وغير ذلك.
ـ الاستدلال عن طريق الاستقراء.
كما ذموا الهوى والتقليد الأعمى والظن المذموم.
4ـ مناهج الأدلة وتعالقها بمفهوم القضاء والقدر :
أ ـ الدليل العقلي عند المعتزلة
تبلغ نظرية علم الكلام أوجها في الأدلة فالدليل يؤدي الى المدلول والمدلول الى الدال،والدال الى المستدل وكلها عمليات فينومينولوجية تتسم ب؟أفعال الشعور (حنفي المقدمات النظرية).
نبدأ بقولة حجة الإسلام الشهيرة التي يقول فيها "الذي ينكر النظر لا يستتب له الرشاد،لأن البرهان العقلي هو الذي نعرف به صدق الشارع" والمعتزلة لم يروا في الدليل العقلي حجة وحيدة فقد قسم القاضي عبد الجبار المعتزلي في "شرح الأصول الخمسة والإمام الرسي في "أصول العدل و والتوحيد" الأدلة الى :
ـ حجة العقل.
ـ حجة الشرع.
ـ حجة السنة.
ـ حجة الإجماع.
ب ـ نقد الدليل النقلي :
صدق الخبر لا يثبت إلا بالحس والمتن والسند،وكأن الخبر حجة ؟ وكأن النقل برهان ؟ ويتناسى الناس أن قدح العقل هو قدح للنقل أيضا،فالعقل أساس النقل والواقع كما في "أسباب النزول" و "الناسخ والمنسوخ"،بالإضافة الى أن الدلالة اللفظية لا تفيد اليقين في علم اصول الدين على عكس علم أصول الفقه (حنفي) وانظروا في ذلك "التمهيد" و "المحصل" و "المعالم" و"المقاصد" و "الإنصاف" وكلها تتفق على أن "الدلالة اللفظية ليست يقينية"، اما الدليل العقلي فيشمل الحس والخبر والعقل والواقع.
ـ مشكلتنا اليوم و في الماضي أننا نقلنا مسألة الفعل من علاقة الإسنان بالعالم الى علاقة الإنسان بالله فهذا السؤال خطأ "من الأقدر الله ام الإنسان ؟" فغلطتنا الفادحة أننا وضعنا الله في مقابل الإنسان [*] .
أما عن الصفة الغالبة على الجبريين في ذرائع الجبر فهي صفة الإرادة،ونشأ الإيهام بالجبر من تصور الله ملكا والإنسان ممملوكا في صورة مهينة لهما معا، فمشكلة الجبر جاءت من مشكلة إثبات الصفات ونفيها وانظر في ذلك آراء "جهم بن صفوان" و"عمرو بن عباد السلمي" في الملل والنحل، ورأيَ الجاحظ في "الغاية" و القاضي عبد الجبار في المغني في الجزء المخصص للصفات .[*] .
ـ سأورد نصا طريفا "وأما خصماؤهم فكان نظرهم و اعتبارهم في مسألة القدر الأوامر والنواهي والمدح والذم والوعد والوعيد المتوجهة ال الانسان العاقل المستطيع،ورأوا انه محجوج بها،مزاح العلة عنها"[2] .
ـ ولإحقاق الحق هناك نصوص تفحم "الاختيار" المعتزلي[3] .

هوامش :
ـ [*] أورده التفتازاني في شرحه ، والأيجي في المواقف، حسن حنفي في المقدمات النظرية "من العقيدة الى الثورة ج 1"،وابن خلدون في المقدمة .
ـ [1] بإمكانكم الرجوع الى فصل"أساس القياس البرهاني" رسائل إخوان الصفا ج 1.
ـ [*] أنظر حسن حنفي ، من العقيدة إلى الثورة : الانسان المتعين .
ـ [*] و دراسة الدكتورة رابحة نعمان عبد اللطيف المعنونة بـ"مشكلة الذات الإلهةو الصفات عند القاضي عبد الجبار المعتزلي" تغني عن الكثير في الأمر وللتوسع أكثر في الأمر بتركيز أنظر كتاب "المختصر في أصول الدين" المنسوب للقاضي عبد الجبار .
ـ [2] رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا" ج 3 .
ـ [3 ] ومنها نصوص عند الفخر الرازي في "المباحث الشرقية" وقد أخذها من ابن سينا في "الشفاء" وكذلك ابن حيان في البحر المحيط ج 4 حيث هفت فيه آراء المعتزلة في مفهوم"الفاعل"..إلخ .
ــيتبع ..

#أيوب_بن_حكيم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات