|
هوية فى خطر ...
طارق حجي
(Tarek Heggy)
الحوار المتمدن-العدد: 3698 - 2012 / 4 / 14 - 18:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
* شبه الكاتبُ النرويجي الشهير هنريك إبسن هوية أي شعب بثمرةِ البصل التي تتكون من العديد من الرقائق . وبهذا المفهوم الصادر عن أحد أعظم العقول الأدبية الأوربية في العصور الحديثة والمعتمد من مفكري الإنسانية المتحضرة ، فإن الهوية المصرية هي أيضاً ( مثل البصلة ) تكونت من رقائقِ عدة . فهناك العديد من الرقائق التي مصدرها مصر القديمة التي إستمرت حضارتها لنحو ثلاثين قرناً متصلة . وهناك العديد من الرقائق النابعة من الحقبة القبطية ، عندما كانت مصرُ بأكملها مجتمعاً مسيحياً شرقياً . وهناك رقائق لا تحصى مصدرها مصر الإسلامية ومصر المتكلمة باللغة العربية. وهناك رقائق أخرى عديدة مصدرها مصر الحديثة التي أسسها محمد على الذي حكم مصر من 1805 إلى 1848 ، وإستمرت دولته لأكثر قليلاً من قرِناً بعد وفاته . وهناك أخيراً الرقائق العديدة التي أنتجها موقع مصر الجغرافي كمجتمع من مجتمعات البحر المتوسط بوجه عام ، وكمجتمع من مجتمعات شرق البحر المتوسط بشكل أكثر خصوصية.
• هذا التكوين المركب هو حقيقة تاريخية وجغرافية لا شك فيها . وهذه الحقيقة لا تحتوي على تناقضات . فالعقل البدائي والبسيط هو فقط الذي يرى التناقض في الظواهر المركبة .
• هذه الهوية المصرية الثرية والرائعة والبديعة والعامرة بثمارِ عديدةِ من ثمارِ التلاقح الحضاري والثقافي هي اليوم معرضة لتدمير منهجي ومقصود لذاتها ومكوناتها ، ولتعدد رقائقها العاكس لأهم الفوارق بين المجتمع المصري ومجتمعات أخرى محيطة شديدة الفقر الحضاري والثقافي بسبب أحادية أبعاد مكوناتها .
• ان تيار الإسلام السياسي المنتشي اليوم لأنه على وشك الإستحواذ على مقاليد الأمور في مصر بقدر ما أنه حقيقة من حقائق الواقع المصري ، فإنه أيضاً مصدر خطر داهم على الطبيعة المركبة للهوية المصرية القائمة على تعددية ثرية. * فبسبب هيمنة المدارس الفكرية المحافظة على معظم العقول المسلمة المعاصرة ( مع إستفحال شأن المذهب الحنبلي وطروحات ابن تيمية وابن قيم الجوزية والدعوة الوهابية وسائر التيارات السلفية ) فإن احتمال شيوع وذيوع موجة ثقافية معادية للأبعاد غير الأسلامية من أبعاد الهوية المصرية هو إحتمال وارد وشديد الخطورة . ويكفي ما يردده البعض عن آثار الحضارة المصرية القديمة الأروع بين الحضارات الإنسانية. وبمحاذة ذلك ، فإن شيوعَ قيمٍ مضادة ومعادية للآخر ( أيا كان شكل وكنه هذا الآخر ) هو أمر وارد ومحتمل وشديد الخطورة على طبيعة الهوية المصرية القائمة على التعددية .
* وأخشى ماأخشاه ان يتولى التيار السياسي إعادة صياغة برامج التعـــــليم في مصَر بشكل يعُلي من شأن البعد الإسلامي / العربي ، في نـــفــــــــس الوقت الذي يدمـــــــــــر فيه الأبعــــــــاد الأخرى . وهذا الإحــــــــتمال ( المدمر ) غير بعيد عن الواقع في ظل وجود مجلس تشريعي ( برلمان ) يسيطر عليه تيار واحد يهيمن على لجنة التعليم بنسق فكري لا شك في كونه مضاد للتعددية الثقافية ، ولا شك في أنه سيكون شديد الإهتمام بالبعد الإسلامي / العربي وفي الوقت نفسه قليل العناية بالأبعاد الأخرى ( وهو موقف متوقع من أي جهة ثيوقراطية ).
• والمؤسف ان هذا التوجه لخدمة هوية أحادية البعد قد بدأ بالفعل ومنذ سنوات مع زيادة غلبة التفكير الديني (الإسلامي) على عقول القائمين على التعليم في مجتمعنا . ويكفي مثال واحد للتدليل على هذا القول وهو ما حدث لمقرارات تعليم اللغة العربية وأدابها . فعوضاً عن تقديم ثمار أدبية يانعة لقامات مثل أحمد لطفي السيد و طه حسين والعقاد والمازني وسلامة موسى وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ونزار قباني والسيابّ وميخائيل نعيمه وعشرات غيرهم ، تحولت موادُ اللغة العربية إلى دروسٍ دينيةٍ بحيث أصبح من الصعب معرفة هل هذه مقررات مواد اللغة العربية وآدابها أم أنها مقررات مادة الدين الأسلامي . • يصف المفكر والأديب اللبناني المعروف أمين معلوف أية هوية أحادية البعد بإنها هوية قاتلة . وهذا وصف دقيق وصائب . فأية هوية أحادية البعد في زماننا هذا مرشحة للصدام مع قيم التعددية وقبول الآخر وإعلاء قيمة العقل النقدي ناهيك عن التضاد مع جوهر فكرة الإنسانية بمعنى إشتراك الحضارات والثقافات المختلفة في أفق أعلى هو أفق الأنسانية . وأقول لمن يكرر مقولة : " ولكنها إرادة الشعب " . لهؤلاء أقول : إن إرادة الشعب الألماني هي أيضاً التي جاءت منذ ثمانية عقود بأدولف هتلر لسدة الحكم في ألمانيا ، وهو ما كلّف البشرية حروبً ومجازرً أودت بأرواحِ أكثر من خمسين مليون إنسان. وهو مثال يسوّغ لنا نقد الحقبة الثقافية الراهنة في مصر والتي تهدد المكـــــــونات غير الأسلامية للهوية المصـــــــــــــرية وتـنذر بتحـــــــــــــولنا إلى مجتمع أحادي الهوية ( كمجتمعات الرمال المحيطة بنا ) حتى لو كنا قد وصلنا لما وصلنا إليه بفعل الإرادة الشعبية . فالخطأ ( كما قال فولتير ) يظل خطأً حتى لو كرره الف ألف إنسان.
#طارق_حجي (هاشتاغ)
Tarek_Heggy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسئلة تبحث عن إجابات ...
-
ست دانات ثائرة ...
-
رحيل رجل كبير : البابا شنودة الثالث (1923-2012).
-
من -دانات- طارق حجي ...
-
7 دانات.
-
نابغتان : نازلي فاضل ومي زيادة ...
-
دانات (عن تراجيديا الحادث اليوم بأم الدنيا) ...
-
دانات ... بمناسبة إرتداء مصر للجلباب القصير !!!
-
هل تخلي الإخوان المسلمون عن العنف ؟
-
خواطر ... عن العقل المسلم الأحفوري.
-
ثلاث دانات لندنيات ...
-
دانة الدانات !
-
سلامة موسي : النجم المنير
-
دانات ... فى زمن العته !
-
ست دانات ....
-
كلمة طارق حجي التى أذاعتها ال BBC (الإذاعة) بالعربية يوم 10
...
-
بمناسبة الجرائم التى يقترفها النظام السوري فى حق أكراد سوريا
...
-
بمناسبة أحداث القطيف الحالية : -لو كنت سعوديا شيعيا- ...
-
أَين الدليل ياسادة ؟
-
المسؤلية التاريخية للاغلبية الصامتة.
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|