أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - وبي حزنٌ قديمْ














المزيد.....


وبي حزنٌ قديمْ


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3698 - 2012 / 4 / 14 - 03:15
المحور: الادب والفن
    


وبي حزنٌ قديمٌ يشبهُ دمعَ النَّدى صباحَ الحصادِ، حينَ يحينُ فراقُ القمحِ، النّدى دمعُ فُراقٍ، وقتما لا نفهمُ الأرضَ كأنثىً حزينةٍ، نخسرُ حريرَ العاطِفةْ، وتهزِمُنا قلَّةُ الأسئلةْ.

وبي حزنٌ قديمٌ، حينَ كَسَرَتْ بنتُ الجارةِ خطَّتي، وذَهَبَتْ إلى موتِها مبكِّرَةً ستّينَ عاماً عن موعِدِها، أَخَذَتْ جدائلَها، ورسائلي المبتدئة، ومِشوارَنا اليوميَّ إلى المدرسة، ونَفَضَتْ أغنياتي عن مريولِها الكحليِّ ورَكَضَتْ مسرِعةً إلى أركيولوجيا الذاكرة، تَجاوَزَتْني قبلَ أن أدخلَ السِّباقْ.

وبي حزنٌ قديمٌ، وبيتُنا يمعِنُ في الذهابِ حجراً حجراً، يسْحَبُ يدَهُ الخضراءَ من يدي الطريَّةِ، ويركبُ حصاناً لم يَكُنْ جميلاً كأحصنةِ الحكاياتِ، لكنّهُ يطيرُ مثلَ ديناصورٍ مُجَلَّلٍ بالرُّعبِ، رأيتُ البيتَ يقصُّ شَعرَهُ نافذةً نافذةْ، يُهدي جُدرانَهُ للعدَم، يصَلِّي طويلاً، من يومِها وهو يُعيدُ الصلاةَ ذاتَها كلَّ فجرْ.

وبي حزنٌ قديمٌ، اخترَعَتْهُ الحياةُ لي، كي أنسى أصدقائي الذين اصطادتْهم خفَّةُ الحياةِ، فاشتروا ألعاباً على شكلِ وطنْ، فأفلَتَتْ آلاتُها في وجوهِهِم، فكُتِبوا على الحيطانِ بطُرُقٍ لا تليقُ بنرجساتِهم القليلةِ والمربّاةِ ببطءٍ على حافّةِ الجنونِ، أطلّوا من دفاتري وملابسي، أطلّوا من لعبتي مع ذكرياتِهم، أطلّوا من الشوارعِ التي ما زالت تحفظُ روائحَهُم الصَّبيَّةَ، أطلّوا من جيوبي في أوقاتٍ لم تلائمني تماماً.

وبي حزنٌ قديمٌ، خَشْخَشَ في شجرِ البرتقالِ كلّما ظنَّتِ الرِّيحُ أنَّ أبي مرَّ حافياً ومضرَّجاً بالزَّهرِ الذي لا يُضاهى، فتبكي كلُّ قلعةٍ بناها في وجهِ الغيبِ، وتنهارُ كنحلةٍ أنهتْ عمَلَها اليوميَّ، تنهارُ كعمودِ دخانٍ أقلَقَهُ الهواءُ المارقُ فجأةً، تنهارُ كخيطِ ماءٍ لا يكفي ليُبَرِّدَ حرارةَ الرّملِ وقتَ الظّهيرةِ، تنهارُ فينهارُ المعنى الذي وضَعتُهُ في الكتابةِ، فتختفي يداي.

وبي حزنٌ قديمٌ، جسدي ينحني، يظنُّ ويُظَنُّ به، يشيخُ في المساءِ وحيداً وفارغاً كصورةِ الهواءِ في الماءِ، يخذلُني النَّهرُ حين يجري ماؤهُ تاركاً صورَتي مكانَها، ولم آلفْ بعدُ هذا الجسَدْ.

وبي حزنٌ قديمٌ، فيما البحرُ واقعٌ بينَ عاطفتين من موجٍ ومِلح، وكلُّ موجةٍ شهيقٌ، وكلُّ زَبَدٍ فائضُ حمّامِهِ اليوميّ، يحاولُ من مليونِ قرنٍ أن يوصِلَ بلاغاً لا يصِلُ، كلُّ مخلوقٍ خارجَ البحرِ مغضوبٌ عليه، وكلُّ من ظنَّ أن البحرَ في مكانِهِ منذُ نشأ، فقد رجَمَ بالغيبْ، هو ينتقلُ، ولا نحسُّ لأنّهُ ينقِلُنا معَهُ مُرتَّبينَ كما كُنّا، يغني كغجريٍّ، كصاعقةٍ تنامُ في بطن الريح، وأنا زائرٌ وحيدٌ، أنا العمرُ وقد تقمّص بلبلاً وناي.

وبي حزنٌ قديمٌ، كلَّما مشيتُ له طريقاً، تَقَشَّرَ الطريقُ عن طريقٍ أكثرَ بُعداً وعُلُوَّاً، كذاهبٍ إلى السديمِ بمنطقِ التضاعيفِ التي تحِزُّ الوقتَ والأمكنة، لا وقتَ للألم، لا وقتَ للوقوف، لا وقت للشكوى، قالَ ووجهُهُ محايدٌ: كلُّ ما في الأمرِ أن عليكَ أن تواصلَ السيرَ دونَ أن تنظرَ وراءك لتعرفَ كم قطعتَ، ولا أن تنظرَ أمامَكَ كي تعرف كم تَبَقَّى، فلا أنت قطعتَ شيئاً، ولا تَبَقَّى لكَ شيء.

وبي حزنٌ قديمٌ
أُجَفِّفُهُ، فأجِفُّ

الثالث عشر من نيسان 2012



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وَرَأَيْتُهَا
- مقام سيدي يوسف البتّيري قصة قصيرة
- ما لا يعرفه أطفال غزة
- توقفوا عن إلصاق تهمة البطولة بهذه المدينة
- يوقظُني حلمُكِ من نومي
- إعتذار شخصي لهناء شلبي
- كانت المرأة سيدة العالم، لذا وجبت إزاحتها
- من ذا يمكنه أن يعدَّ الحنين؟
- خضر عدنان، رجل مقابل دولة
- ما زلتُ على عتبةِ البيتِ
- رؤيا مجدليّة أو خيالاتها آخر الفجرِ قبل الصليب
- كان ياما كان، بلد جوات دكان
- [ريتّا] وزجاجةُ الفَرَحْ قصة للأطفال
- قال لي
- قطعةُ حلوى في آخرِ الحكايةِ
- خائفة من الحرب
- رَغَد في الغابة المجنونة قصة للأطفال
- تحتَ نافذةٍ مُغلقةْ
- إذا كان الشعب الفلسطيني مُختَرَعَاً... فمن أنا؟
- ليس هذه المرة قصة قصيرة


المزيد.....




- وفاة بطلة مسلسل -لعبة الحبار- Squid Game بعد معاناة مع المرض ...
- الفلسفة في خدمة الدراما.. استلهام أسطورة سيزيف بين كامو والس ...
- رابطة المؤلفين الأميركية تطلق مبادرة لحماية الأصالة الأدبية ...
- توجه حكومي لإطلاق مشروع المدينة الثقافية في عكركوف التاريخية ...
- السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي
- ملك بريطانيا يتعاون مع -أمازون- لإنتاج فيلم وثائقي
- مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
- الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته ...
- موسكو ومسقط توقعان بيان إطلاق مهرجان -المواسم الروسية- في سل ...
- -أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - وبي حزنٌ قديمْ