جودي خليل حسين
الحوار المتمدن-العدد: 3694 - 2012 / 4 / 10 - 20:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عام على الثورة السوريّة
أسئلة لم تطرح
بعد عام كامل على انطلاق الثورة السوريّة، تلوح أسئلة كثيرة لست بصدد البحث عن إجابات عنها بقدر ما أنا راغب في طرحها لأنني أشعر بأنه ثمة اتفاقاً ضمنيّاً على تجاهلها.
لدى انطلاق الثورة السوريّة ساد وهمٌ عام لدى شرائح واسعة من أنصار الثورة، ولدى مثقفي المعارضة بأن سقوط النظام مسألة أشهر، ولّدت هذه القناعة شيئاً من العلنيّة المبالغ بها في النشاط السياسي اليومي، وتجاهلاً لضرورة الحرص على عدم كشف كوادر الثورة أما نظام أمني له أعين للرقابة في كل زاوية وركن من سوريا، الأمر الذي كان أشبه بالانتحار.
عبّر هذا الوهم عن إرادويّة في العمل السياسي وعن سوء تحليل لتموضع الفئات الاجتماعية على سلالم النظام السياسي السوري، وكأننا نسينا الأسباب والعوامل التي حافظ من خلالها النظام على بقائه لمدة نصف قرن فهو أشبه بماكينة ضخمة تمتد أذرعها المعدنية إلى كافة مفاصل الحياة في سوريا.
شخصياً أعتبر أن المعارضة أخطأت كثيراً بحق الشعب السوري حين غذّت الوهم بأن النظام سيسقط خلال أشهر إما بتكرار النموذج المصري أو التونسي أو الليبي، وتعبّر هذه العقلية عن نزعة احتذاء النماذج وهي نزعة عانى منها العقل السياسي العربي طويلاً، كما أن العقل البشري بطبيعته ميّال للنمذَجة ومقاربة النماذج.
فقط أواخر العام الماضي بدأ السوريين يعون أن معركتهم شاقة وطويلة أمام عصابة حاكمة أسّست دعائم حكمها على الفساد والإفساد والعنف غير المحدود والأجهزة الأمنية وما أكثرها، بنت صلات إقليمية معقدة، وناورت دولياً، مما أمدّها بالدعم اللوجستي والمالي، وبدعم روسي منقطع النظير، وما يزال المجتمع الدولي متخبطاً في تعامله مع الملف السوري مقارنةً بالمواقف الحاسمة التي اتخذها من الثورات في مصر وتونس وليبيا.
كما يمكني أن أقول دون حرج أن المعارضة السورية قدّمت أسوأ نموذج لمعارضة يفترض بها تمثيل ثورة، فبعد عام كامل من المؤتمرات لم تنجح في الاتفاق على برنامج لسوريا ما بعد الأسد، خاصة أن الحالة السورية فريدة من نوعها ولا يمكن مقارنتها بأية حالة عربية أخرى، فالمجتمع السوري مجتمع فسيفسائي، يضم أغلبية عربية سنية، وأقليات قوميّة أبرزها الكرد القومية الثانية وطوائف متعددة. هذه الفسيفسائية تتطلب إحساساً عالياً بالمسؤولية من قبل المعارضة السورية ولنتذكر أن الحروب الأهلية في أوربا الشرقية بعد سقوط أنظمتها الشمولية برهنت أن انزلاق البشر نحو جنون الاقتتال العرقي والطائفي أمر أسهل مما نتصوره.
صحيح أن المعارضة السورية تضم فئة من الناشطين الحريصين على نجاح الثورة، لكن أيضاً تقوم بين أطيافها حسابات موروثة من أيام العمل السري تريد تصفيتها، كما تضم في صفوفها الطامحين إلى السلطة، والشوفينيين والمتسلقين وعشاق النجومية، وحتى الطائفيين.
في بداية الثورة اتفق الجميع بأن الثورة ليست طائفيّة في أهدافها وأسبابها، وأعتقد أن الجميع حينها كانوا صادقين في نواياهم، وجاء ذلك رداً على محاولات النظام الدائمة لخلق اصطفافات طائفيّة كما كان دأبه دوماً، ورغم أن الثورة ماتزال حتى الآن بعيدة في شعاراتها عن الطائفية، .. لكنّ حقائق أخرى على الأرض برزت بجلاء لاسيما بعد حمام الدم الذي لم يتوقف حتى الآن في سوريا، وراح ضحيته ألوف من أبناء سوريا، وبعد أن عبّأ النظام طائفياً الكثير من مؤيّديه، وأود أن أشير إلى بداهة سيكولوجية تقول أنه من طبيعة البشر شخصنة مشاعرهم وأفكارهم، وبما أن ممثلي الأجهزة الأمنية والعسكرية التي ينصبّ عليها حقد الشعب السوري تنتمي إلى الطائفة العلوية، وحتى من لا ينتمي إلى هذه الطائفة نجده يتحدث بلهجتها ( وكأنها لهجة الحاكم الغالب الذي تسود شوكته على شوكة العصبيات الأخرى رغم أن الحالة السورية بتعقيدها تتجاوز هذه المعادلة الخلدونية) مما ينمّي مشاعر حاقدة تساوي بين النظام وبين طائفة بعينها، وحتى المثقفون المعارضون الذين ينتمون إلى هذه الطائفة هم سياسياً في الوعي الشعبي ليسوا بعلويين.
وألحظ شخصياً تنامي نزعة إسلامية سياسيّة طائفية شعبياً خاصة في إدلب وحمص ( بعد أن كان الدين رافداً أخلاقياً وسياسياً للثورة في بداية انطلاقها)، ويبدو لي أن أننا غالينا في ثقتنا في مناعة الجسد السوري من جرثومة الطائفية، فحين يتسع نزيف الدم تتنامى غريزة الانتقام ويتراجع صوت القتل كما يعلمنا التاريخ، ويتحمّل المجتمع الدولي قسطاً كبيراً من المسؤوية بسبب موقفه المخزي من الثورة السورية.
ثمّة وقائغ كثيرة عززت الميول الطائفية قي الوعي الشعبي:
1- معظم منشقي الجيش الحرّ ومتطوعوه على حد علمي من الطائفة السنية.
2- تقدم الأنظمة الخليجية التي تخشى تمدّد الهلال الشيعي دعماً مالياً ودبلوماسياً للثورة السورية رغم أنها أنظمة استبدادية يفترض بها التخوف من عدوى جرثومة الديمقراطية.
3- يتمترس خلف النظام محور شيعي إيراني/عراقي/ لبناني ويقدم له الدعم المالي والعسكري.
4- يدعم الكثير من أبناء الأقليات النظام انطلاقاً من هواجس طائفيّة وقومية ومخاوف من الأكثرية, ويعتبر من يقف منهم على الحياد صاحب موقف ايجابيّ من الثورة.
5- يسود لدى الكثير من الشرائح الشعبيّة الداعمة للثورة منطقٌ يقول: "نحن من قدم التضحيات للثورة ونحن من سيقطف ثمارها" والمقصود بهذه النحن: " المسلمون السنة", وأذكر أنني في أحد السجون خضت نقاشاً مع بعض هؤلاء (ومعظمهم من إدلب), فاضطررت آسفا إلى الإشارة إلى الهويّة الطائفية للفنان سميح شقير صاحب أغنية: يا حيف والتي أصبحت رمزاً للثورة, فاستغرب الجميع!!!!!؟, وشكّك آخرون بكلامي, هذه الشريحة تعاني من تلوّث طائفي فرضه موروث طويل من حكم البعث, والمسار الطويل للثورة, وحتى التركيب الاجتماعي في مجتمعنا المختلف, حيث يختلط القومي بالديني بالعشيري في البيئة السوسيو/سياسية السورية, وأمام هذا الواقع أجدني مدفوعاً للتساؤل:
هل مازالت الثورة السورية قادرة على خلق البديل الإيجابي للنظام؟؟؟؟ بعد أن تنامتْ الرغبة الدموية في الانتقام و ظهرت لوثة طائفية واضحة في المجتمع السوري؟؟؟
وأتمنى أن تكون الإجابة بالإيجاب.
4/4/2012
جودي حسين
كاتب كردي سوري
#جودي_خليل_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟