|
عن الألم
أحمد الحادقة
الحوار المتمدن-العدد: 3694 - 2012 / 4 / 10 - 18:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في حالتي تلك، أرغب ان أضع بعض الخواطر اللا موضوعية والمبعثرة وغير الممنهجة عن الألم. أكرر.. خواطر غير موضوعية!
الألم هو عندما انتهيت من صنع قاربي، جف البحر.
تقول الكاتبة هالة أحمد فؤاد حول الألم/ العزلة/ التطهير: " نحن حين نكون سعداء، نعيش دربا من الانسجام مع العالم الخارجى مما قد يؤدى بنا إلى نسيان ذواتنا. ولعل لحظة السعادة وفقا لهذا التصور تعبر عن غفلة ما تكتنف الوعى إذ يسقط مفتونا بما يحقق له السعادة، متوهما لبرهة أنه باق لا يزول. أى أن السعادة خدعة وفخ منصوب للوعى يفقد داخله قدرته على رؤية العمق الموحش للوجود الموضوعى المبتذل."
فالألم حقيقة.. والسعادة وهم!
أحد الأسباب الأخري التي أوضحها نيتشه حول وجود الألم هو: “حين يأخذ الغنى من الفقير أحد ممتلكاته (كأن يختطف أحد الأمراء من أحد العاميين عشيقته)، فإن خطأ يولد لدى الفقير؛ يعتقد أن الآخر ليس سوى حقير ما دام قد أخذ منه القليل الذى يمتلكه. لكن الآخر بعيد عن الإحساس القوى بقيمة متاع يتم النظر إليه على حدة، لأنه قد اعتاد أن يملك منه الكثير: إنه لا يستطيع إذن أن يدرك ما بنفس الفقير، وهو لا يرتكب ظلما كبيرا مثلما يعتقد هذا الفقير، فالأمر يتطلب منه الكثير كى يدرك ذلك. كل واحد منهما يكوّن فكرة خاطئة عن الآخر. إن ظلم القوى الذى يثير سخطا عبر التاريخ، ليس خطيرا جدا مثلما يبدو لنا. فالإحساس الوراثى لدى الأعلى مقاما بأن له حقوقا أسمى يجعله لا مباليا ومرتاح الضمير؛ بل إننا جميعا، حيث يكون الفرق شاسعا بيننا وبين كائن آخر، نفقد أدنى إحساس بالظلم ونقتل ذبابة مثلا دون أى تبكيت للضمير... إن الفظ ليس فظا بالقدر الذى يتصوره ذلك الذى يسئ معاملته؛ فالفكرة التى يكونها عن الألم ليست مطابقة لمعاناة الآخر. نفس الشىء ينطبق على القاضى الجائر، وعلى الصحفى الذى يُضِل الرأى العام بلؤمه التافه. فى كل الحالات تنتمى العلة والمعلول إلى مجموعات شديدة الاختلاف من الأحاسيس والأفكار؛ ومع ذلك فإننا نفترض تلقائيا أن صاحب صنيع ما وضحيته يفكران ويحسان بنفس الطريقة، ونقيس خطأ الواحد منهما بألم الآخر طبقا لهذا الافتراض."
ما قاله نيتشه هنا، أصل به إلي لا منطقية فكرة العدل والسعادة، وبالتالي عبثية الوجود.. بل إلي وجود الألم كحقيقة لا يهرب منها إلا من أدمن وهم السعادة والعدل. وإستحالة الوجود الحقيقي والموضوعي للأيثار والشعور بالآخر.
إن من أدرك حقيقة الوجود كألم حتمي، لم يكن لديه سوي ان يحاول استخدامه للتطهير الذاتي. يتم البحث عن أبشع الوسائل ألما للذات للتكفير عن الذنوب، كجانب مادي للتوبة النفسية.. لأنه فقط من ييأس هو من يتوب.. فيسقط فريسة بين أنياب ألم اليأس، فلا يكون لديه سوي هذا الألم الذي يظن أنه قد يخلّصه من الألم نفسه! هنا يصل المتألم إلي نشوة وهمية.. إلي وهم السعادة المطلقة عندما يفقد شعوره بالفارق بين الألم والا ألم ويدرك ان لا وجود سوي الألم! وهي قد تكون بداية لإنتحار الذات وأحيانا مولدها بشكل عبثي آخر غير متزن. عقائد كثيرة ولدت من رحم قدسية الألم، من أهمها فكرة الفداء في المسيحية. فالمسيح المخلّص إبن الله، لا قيمة له، بل لا وجود له إلا بألمه. المسيح والصليب لا يمثّلان سوي حقيقة الحياة كألم حتمي لا يد لنا فيه ولا وجود سواه. بل قد يكون الإسلام هو صناعة يهودية للقضاء علي المسيحية التي أتت بالمخلّص في وقت مبكر عن ما يمكن ان يصل به اليهود إلي أعلي مراتب نشوة الألم ليأتي مخلّصهم. فقاموا بقتله فكريا بعد ما قتلوه جسديا بستمائة عام.
أري ان الشعب المصري قام بتنصير الإسلام منذ دخوله هنا علي يد كثير من البدو، قليل منهم كانوا مسلمين! فهو شعب إيزيسي مسيحي من الدرجة الأولي... نري هذا في رد فعله تجاه موت حفيد الرئيس السابق حسني مبارك الذي كان سببا رئيسيا في جميع أشكال الألم عند المصريين طوال عقود، عن طريق الدعوة له بالمغفرة، ليس من اجل ان يغفر الله لهذا الطفل، بل من اجل ان يتعظ حسني مبارك وييأس فيتوب، فيخلّص الشعب من الألم الذي زرعه هو بنفسه فيهم. ايضا هو نفسه الشعب الذي أسقط ألمه علي الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، هذا الرجل الذي يذّكرني مشهده الآني بطفل في بداية سن المراهقة يقوم بإكتشاف هويته الجنسية عن الطريق العادة السرية، وفجأة تقوم أمه بفضحه أمام الجميع. فبعد فضح اختباءه وتبريره الطفولي وكذبه، يقوم هو بمحاولة إستقواءه بالجميع ضد أمه للإنتقام منها وقتلها في صورة معكوسة لأسطورة أوديب، للتخلص من ألم العجز والمواجهة والضعف! وليس غريبا ان نري ان امه بلا حجاب مما يدل علي إسقاط كرهه وغضبه وألمه منها في رسالته الدينية منذ سنوات. فعلي ما يبدو ان امه كانت لها مركز ثقافي مرموق، أمام نرجسية طفلها فاقد القيمة ومحاولته الدائمة لإسقاط فشله عليها.
سلافوي جيجيك يقول ان الفرد هو افضل عاشق لنفسه ويري هذا في اوجه عديدة منها العادة السرية. العشق الذاتي، اي عشق الفرد لنفسه علي هذا الوجه، يمثل مرحلة عليا من الإتساق والصدق مع الذات، ومرحلة لا بأس بها من إمتلاك الذات بعيدا عن مشاركة خارجية تسمح بظهور الإنقسام والألم. و مع مزيد من العشق الذاتي وإمتلاك أقوي للذات بممارسة ذاتية سرية تحتاج للخفاء والإختباء، ستتطلب منك المحافظة علي هذا الرباط الذاتي، ان تكون غير صادقا، بل كاذبا مع الآخر حول قوة علاقتك الذاتية، حتي لا تسمح لأي شكل من أشكال التدخل الخارجي، والذي بدوره يخلق ألما وإنقاساما داخليا.
الألم النفسي المرهون بجلد الذات من أجل وجود متعال يمثل الضمير لا يمنع المرء من ارتكاب الخطأ.. بل فقط يمنعه من الإسمتمتاع به اثناء ارتكابه. أي ان ما تقوم به لإمتاعك، سيسبب لك ألما نتيجة للإنقسام الداخلي الذي سمح بالضمير بالوجود الخارق لخصوصيتك.
الشهوة تسعي للغريزة، والعاطفة تغّذي الشهوة، والعقل يهدي العاطفة. وهنا مكمن الألم في الصراع النقيضي بين الشهوة واجبة الوجود من ناحية والعقل الذي نظن انه واجب الوجود، لكن وجوده في الحقيقة، لحظي ومؤقت وعفوي جدا!
المنظّر الأشهر للألم وفيلسوف التشاؤم "شوبنهاور" يحدثنا قليلا عن الإرادة كمنبع للألم: "تتجلى الإرادة من خلالى.. إذن فأنا أريد.. أنا أريد الموضوع.. الموضوع يغرينى ويجذبنى ويجعلنى أنسى الحقيقة (حقيقة كونه غير حقيقى وأنه فقط تمثلى).
أمامى اختيارين: إما تجاهل الإغراء أو التوجه نحو الموضوع..
إهمال الإغراء سيعنى ألم الحرمان والشعور بالضآلة والنقص. أما التوجه نحو الموضوع فسيؤدى إلى نتيجتين: إما عدم الوصول إلى الموضوع (لا يوجد شيء مضمون)، وإما الوصول للموضوع.
عدم الوصول للموضوع سيسبب لى عذابا وشعورا بأننى استهلكت نفسى بلا طائل. أما الوصول للموضوع فستكون نتيجته:
إما استنفاد الذات عند الوصول للموضوع، وبذلك لن استمتع بالموضوع. وإما الامتلاء بالثقة من جراء وصولى للموضوع مما يجعلنى أزدرى الموضوع، فلا استمتع به أيضا، وأسعى لتجاوزه نحو موضوع أكثر قيمة. وفى الحالتين سأتألم.
فى الحالة الأولى سأتألم بسبب شعورى بالضعف. وفى الحالة الثانية بسبب شعورى اللانهائى بعدم الرضا. (لاحظ أنه فى حالة وصولى للموضوع سأشعر أيضا بنقص، نفس النقص الذى أشعر به إذا لم أخضع لإغراء الموضوع.) وللخروج من هذه الدائرة يقترح شوبنهاور حلين: إما الفن أو الزهد.
بالنسبة للفن فأنا أحبه، ولكنه لا يستجيب لى إلا نادرا، رغم أننى لست رومانسيا ولا أؤمن أن الفن هو الذى يأتى بقدر ما نعمل نحن للوصول إليه، ولكن بغض النظر عن ذلك، وفى حالة التلاقى النادر بينى وبين الفن، ما الذى يضمن لى أن هذا هو الفن المعبر عن الخلاص؟، وغير ذلك فشوبنهاور قال إن الانفصال عن طريق الفن هو حالة مؤقتة ، وأنا اختبرت ذلك، هو حالة مؤقتة متركزة فى لحظة العمل فحسب، أما بعد ذلك (وقبل ذلك أيضا- من خلال دوافعنا للفن التى لا تتلخص – رغما عنا – فقط فى الانفصال عن إلحاح الإرادة) فسوف أجد نفسى مشغولا بالوصول – عن طريق الفن – إلى موضوع (جمهور مثلا)، وسأجد أن الفن – الذى هو وسيلتى للانفصال عن الإرادة- هو الذ يعيدنى للانغماس فى تجلى الإرادة.
هناك حل الزهد، ولكنه غير ملائم بالنسبة لى، لأن لدىّ مشكلة مأساوية مع المسيحية (التجلى الأبرز للمثال الزهدى)، مشكلة تقترب إلى حد العداء. الانغماس فى الزهد بالنسبة لى سيعكر صفوه الاشمئزاز منه. وكيف يكون خلاصى عن طريق وسيلة أزدريها؟ (وإن قلت لى إن خلاص المسيح كان عن طريق وسيلة مزدراة – الصليب- أقول لك لقد أصبح الصليب مقدسا، وكيف لى أن أقدس الاشمئزاز؟)
لدىّ الآن خيار الانتحار، شوبنهاور يرفض الانتحار، لأنه لن يحل مشكلة الإرادة الكلية (هذا لا يهمنى على المستوى الشخصى)، وهو يرى أيضا أن المنتحر يفعل ذلك لأنه فشل فى الوصول لمبتغاه، أى أن انتحاره كان بسبب فشل تحقق إرادته (أى انتحار من منطلق الإرادة أيضا).
أصل الآن لنتيجة، أنه وفقا لشوبنهاور فليس لدىّ مخرَج وجودى، فأى اختيار سأتخذه سوف يكون خاطئا، لذلك فكل ما أفكر فيه الآن هو ألا أنظر ورائى."
أنا شخصيا أميل إلي الفن. بل أراه الأقدر والأنسب لتخفيف الألم وتخديره لأقل فترة مؤقتة. لكنه يقوّي الجهاز المناعي لللألم، بمجرد تخلصك من مخدّر الفن، تعود إلي الألم بأنياب أحّد وأقوي.
"ألبير كامو" ناقش الألم في كتابه "أسطورة سيزيف" حيث وجد ان السؤال الوجودي الأهم هو هل الحياة تستحق ان تعاش؟! هذا سؤال نسبي وفردي وذاتي لدرجة يصعب اصلا ان تصل لإجابة له وانت في حالة مستقرة في ظل عفوية ولحظية العقل. لكن الكاتب وصل انه حتي لو كانت الحياة لا تستحق ان تعاش، فالإنتحار ليس حلا. بل ان سيزيف البطل الإغريقي الذي عاقبه كبير الآلهة لسرقته نار المعرفة، بدفع صخرة إلي أعلي الجبل حتي تسقط من الجهة الأخري، ثم يعاود دفعها، وذلك إلي الأبد، رأي "كامو" ان علي سيزيف الإستسلام لتلك الحقيقة الوحيدة بالسعادة، ربما الوهمية! فالمعرفة نار عند الإغريق تسبب ألما شديدا لا يتحمله سوي الكهنة!
قد يتبع...
#أحمد_الحادقة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطأ شائع في كتابة و فهم التاريخ.
-
بعض من أوراقي السوداء !
-
جحا يحكم الشعب !
-
إبليس يدافع عن نفسه !!
-
الرئيس المؤمن .... قصة قصيرة
-
الدين ، و العلم .... هل يصح الربط بينهما؟
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|