نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1086 - 2005 / 1 / 22 - 10:36
المحور:
حقوق الانسان
هذا المقال للبالغين والراشدين سياسيا فقط,فإذا كنت عزيزي القارئ عريف بالمخابرات, ,أودركي عصملي في مخفر قمعستاني,أوقراقوشي ظالم وبطران,أو رقيب أمي مأجور في وزارات الثقافة عند قبائل جهلستان,أو جنرال بالأمن من الجنرالات الخلبيين, المرصعين بأوسمة ونياشين وكاذبة وزائفة, في أمهات الهزائم والإندحارات, والفتح المبين فقط في مدن الصفيح الكئيبة, وأحزمة الفقر والفقراء, فلا داعي بكم رجاء لقراءة المقال ,لأنكم غير معنيين فيه أولا,ولأنكم لن تفهموا مغزاه في أحسن الأحوال ثانيا ,فيرجى من الجميع الإلتزام.
من منكم, وبصدق, لم يتابع في حياته حلقة من حلقات Tom&Jerry Cartoonsهذا المسلسل المخصص أصلا للصغار؟فكثيرا ماكنت اندس بين الوردتين الرائعتين, رولا وحلا ,لأتابع وبشغف هذا المسلسل الجماهيري الرائع, وأشيح بنظري عن المحطات "الرصينة العقائدية الجامدة", التي تجلب"الجلطة الجماعية الشاملة" لسكان الصين دفعة واحدة, فيما لو وجهت إليهم سموم تلك القنوات.لكنني, وكثيرا أيضا, ماكنت أتعرض لعمليات قمع وإضطهاد من آلة الرقابة الأخرى الموجودة في البيت,والمقصود بها طبعا أم العيال ,ومثلها في ذلك مثل صاحبنا "الجنرال" الفحل القبضاي صاحب الفتوحات الكبرى والإنتصارات.وأسمع منها معلقات التعنيف والتقريع المفرط بأن هذه الأفلام للأطفال فقط, وليست للكبار والأجلاف أصحاب الشوارب الغلاظ,والعبسات, والتكشيرات, والهيبات .ونست أن في داخلي طفلا صغيرا مثل حمودة ,وعلوشة وباقي الملائكة الأحباب,وأخفيه عن الآخرين ,كما يفعل الجميع ,مخافة النقد والملامة والإزدراء.وهي بذلك لا تختلف في مواقفها عن مواقف "الشباب" المذكورين أعلاه.
وقد كان توم القوي المتعجرف, الأحمق ,والأرعن دائما هو المعتدي, ويحاول البطش بالفأر الصغير,ويتصرف بغباء وعجرفة القوة الطائشة العمياء , لكن النصر والغلبة, دائما كان في صف جيري الضعيف ,ولولا تدخل القوى الخفية "القوى الكبرى" في مرات كثيرة, لقضى الفأر الصغير على المعتدي الآثم اللعين . ولالتهمت الفئران الصغيرة البائسة "القطط السمان"فهل فهمتم الآن "لعبة الأمم" خارج المسلسلات؟ ونرى توم وهو يحاول دائما إخضاع وقهر جيري, ويستمد شرعية وجوده بالمنزل دائما بحجة الدفاع عنه في وجه اجتياح الفئران له, دون أن ينجح ولو لمرة واحدة في اصطياد جيري الضعيف. ويأكل ويشرب ويعيث فسادا بالمنزل, ولايقوم بعمل هام ومفيد أو يحقق أية "إنجازات".ولعل ذلك المشهد المتكرر ,وفي كافة الحلقات تقريبا, الذي يظهر المطاردة في الأفق البعيد اللامتناهي, كناية عن أزلية واستمرار هذا الصراع والثنائية إلى الأبد, وبالتالي استمرار الحياة نفسها الذي لا يعني سيادة واستئثار أحد بها لوحده ومهما أوتي من جبروت وسلطان,واستحالة استتباب الأمرلأحد الفريقين, وأن كلاهما متمم للآخر,وأن الآخر ,ومهما كان ضعيفا وتافها, فهو قادر على الإستمرار والبقاء والمقاومة,وله الحق بذلك,وأحيانا كثيرة كان النصر حليفه, واندحار الخصوم والمردة الأقوياء. وهل تخيل أحد ما ماذا سيفعله توم أو جيرى لو استيقظ صباحا ولم يجد نقيضه وغريمه ؟ولو نظرتم الآن إلى الخرائط الشاسعة أمامكم, لتيقنتم تماما كم من الفئران الصغيرة هزمت القطط المتعجرفة السمان, وحتى "الخنازير"و"الكلاب".
وعندما كنت أتابع مسلسلي المفضل, كنت أدرك في كل مرة كم هي هذه الشموليات في غي وصلف وضلال, وانحراف, وشذوذ سياسي وإنساني, وفكري كبير. وإن محاولاتها إلغاء الآخر واستئصاله وإقصاءه, تعني بالضرورة والمنطق نهاية حتمية لها,كما اندثرت إمبراطوريات القهر والظلم والتسلط والطغيان,ولم تنفعها الجيوش الجرارة وآلات النحر والموت والشواء. والمعتدي. وفي علم النفس جبان ورعديد ومرعوب وخواف, ولا يعرف النوم والراحة والهناء ,فلا تخدعكم القصور والأبهة والحراس والكاديلاكات.فالجميع في نفس المعاناة والمأساة. وإن أعتى السفاحين والقتلة, وأشدهم بطشا وفتكا, هم في واقع الحال, أجبن الناس وأكثرهم خوفا من لحظة الإنتقام والعدالة ومن"الفئران".وقد رأى الجميع ذلك الوحش الأسطوري المتغول كيف تحول إلى فأر هزيل مذعور بين يدي غر أمريكي يتحسس في رأسه القمل والأوساخ والأورام, برغم مما التهم من اللحوم والأبدان.ورأينا مجرمين كبار ينهارون, ويجهشون بالبكاء كالأطفال, حين طالتهم يد العدالة والقانون وأرواح الضحايا "الفئران". فهل فهم الأحاديون المتفردون الأنانيون شيئا من هذا الكلام؟ إن تناغم الحياة الحقيقي وجمالها وروعتها, في آن ,هو باتحاد الإضداد, الذي يولد هذا الإنسجام الرائع والإستمرار.
وهاهي حقب مديدة من التعسف والإعتقالات ومهرجانات الفجور الإقصائية تحولت فيها الأوطان إلى معسكرات اعتقال جماعية , والرعايا المقهورين إلى محكومين بالممارسات الشاقة المؤبدة إلى نهاية الزمان,فهل شعر أحد بالأمان والإطمئنان ,وهل أخمدت الأصوات رغم اكتظاظ السجون والمعتقلات وازدهارونمو بزنس المخابرات لوحده بين جميع مؤسسات القطاع العام؟ وهل أفلحت تلك الإستعراضات الفاشيةوالدموية بلجم "الثرثارين", والخارجين عن الطور,وتعاليم ووصايا الثوار؟فالقط بحاجة إلى فأر,والشرطي بحاجة لحرامي,والموت بحاجة لأرواح, والمرأة لرجل ,والليل للنهار,والسالب لموجب,والخير للشر, والباطل للحق ,والجريمة لعقاب ,والحكومات لمعارضات, والسجون إلى نزلاء,والثوابت لمتحركات,والعلمانيات لأصوليات,والديكتاتوريات لديمقراطيات, والأغلبيات لأقليات ,والمخابرات لمشاغبين وثرثارين أوغاد,والأنا إلى النحن,والأزواج الصابرين إلىزوجات مهذارات,والظلام إلى ضياء,والبسمة إلى شفاه,والشوارع لمشاة, والأشرار للأخيار,والمسلسلات التافهة إلى مشاهدين رعاع,ومحطات الإستهبال إلى الدهماء,وكتبة السلطان إلى رؤوس مغسولة ومنزوعة الدماغ.......إلخ. والحياة تعني الموت ,فكل حالة ولادة ,يفرح لها بعض الناس, هي في المستقبل واقعة موت ووفاة لا محالة,سيبكي لها نفس الناس الفرحانين من زمان.إنها ثنائية الحياة الأبدية التي لاتقبل الجدل أو النقاش .فماذا يعني أي من هذه الأشياء بدون نقيضه؟أعتقد لا حاجة لوجوده على الإطلاق, ولا يمكن له الدوام والإستمرار. ووجود أي منها يعني بالضرورة وجود الآخر حكما, والعكس هو صحيح بالمآل.ولن يلغ أحد الآخر في يوم من الأيام,أو يستمر في الحياة, لان في ذلك نهاية الحياة للجميع ودون استثناء.
إنه التعايش بين الأضداد,والتناغم بين المتناقضات,وحاجة الضد للآخر لإنتاج الحياة,والشيء سيولد ضده لامحالة في المسار, الذي يعني في النهاية الديمومة والبقاء ,فيما يحاول البلهاء إنكارالحقائق والنواميس الخالدة والإصرار على التفرد والأحادية والأنانيات ,وأن الآخر هو دائما صفر على الشمال وساقط من الحسابات.التعايش من بديهيات الأشياء الذي لم يتعلمه الأحاديون الأغرار, الصغار ,الرضع ,والخدج الجهلاء ,برغم كثرة التجارب, والمعارف, والخبرات وانتشار "الحضانات" ,ووفرة "البيبي سيترز" baby sitters, والروضات.
مسلسل توم وجيري تابعوه يا............. اذكياء.
نضال نعيسةكاتب سوري مستقل
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟